كيف ستتطور الأزمة على الأرض السورية خلال الأسابيع والأشهر القادمة ؟. سؤال يطرح كل يوم بإلحاح أكبر مع دخول الأزمة شهرها الخامس عشر. المسلم به لدى مزيد من المراقبين ومراكز الرصد هو أن جزء كبيرا من التوقعات التي كان يرجحها طرف أو آخر خاصة مع بداية سنة 2012 قد أصبحت مستبعدة. ما يخلق حالة الترقب هو زيادة عملية الاستقطاب خاصة من جانب الدول الأكثر تأثيرا على الساحة الدولية، وإنقسام العالم إلى ما يشبه معسكرين تجاه الأزمة السورية وتبعاتها وسبل التعامل معها. لا إتفاق في قمة كامب ديفيد آخر مؤشرات هذا الاستقطاب ظهرت واضحة خلال اجتماعات مجموعة الثماني التي اختتمت في كامب ديفيد على بعد نحو مئة كلم من واشنطن في الولاياتالمتحدة يوم السبت 19 مايو 2012. فقد أعلن مسئول روسي ان ممثلي دول مجموعة الثماني لم يتوصلوا الى موقف موحد بشأن الملف السوري، مشددا على استحالة تغيير النظام في سوريا بالقوة. وقال المستشار في الكرملين ميخائيل مارغيلوف في تصريح صحافي ادلى به على هامش اجتماعات القمة «ان موقف روسيا من الازمة في سوريا لم يتغير». التصريح الروسي جاء ليكذب تصريحات أمريكية، حيث كان الرئيس الامريكي باراك اوباما قد صرح أن القمة ترى ان «الحل السلمي والانتقال السياسي هما الأفضل لسوريا». واضاف مارغيلوف «على السوريين ان يتمكنوا من حل مشاكلهم بانفسهم» متسائلا «من سيتسلم السلطة في حال تنحي النظام الحالي؟». وخلص المسئول الروسي إلى القول «لا يمكن استخدام الفأس لحل الأزمة في سوريا، لا بد من استخدام ملاقط صغيرة». حرب نووية قبل قمة كامب ديفيد بحوالي 48 ساعة وجه الكرملين أحد أشد التحذيرات لهؤلاء الذين يخططون للتدخل العسكري في سوريا بإتباع أساليب مشابهة ومستوحاة من عملية تدخل حلف الناتو في ليبيا سنة 2011. فقد حذر رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف يوم الخميس 17 مايو من أن أي عمل عسكري ضد دول ذات سيادة يمكن ان يؤدي إلى حرب نووية اقليمية معربا عن معارضة موسكو القوية للتدخل الغربي في سوريا. وقال ميدفيديف في مؤتمر في سان بطرسبرغ «العمليات العسكرية المتسرعة في دول اجنبية تجلب عادة متطرفين إلى السلطة». وأضاف ميدفيديف «في مرحلة ما ربما تؤدي مثل هذه الاعمال التي تقوض سيادة الدول الى حرب اقليمية شاملة حتى بالاسلحة النووية رغم انني لا اريد أن اخيف أحدا». وتابع قوله «يجب ان يضع الجميع هذا في الاعتبار». ولم يدل ميدفيديف بمزيد من التوضيحات. ومثل ميدفيديف روسيا في قمة مجموعة الثماني بدلا من الرئيس فلاديمير بوتين الذي نظر الى قراره بعدم المشاركة في الاجتماع بالولاياتالمتحدة على انه استعراض للقوة في مواجهة الغرب. ويذكر أن بوتين شبه التدخل العسكري في ليبيا «بالدعوات إلى الحروب الصليبية في العصور الوسطى». واتهمت روسيا منذ ذلك الحين حلف شمال الاطلسي بتجاوز تفويضه بموجب قرار مجلس الأمن من خلال مساعدة المعارضين على الاطاحة بمعمر القذافي، وحذرت من انها لن تسمح بحدوث أي شيء مماثل في سوريا. الاستخبارات والحرب بالوكالة تقول مصادر رصد غربية وشرقية أنه تجرى على أرض سوريا أساسا ولبنان بشكل فرعي حروب بالوكالة بين عدة قوى إقليمية ودولية، غير أن اللاعبين الاساسيين هما الولاياتالمتحدة من جانب وروسيا من جانب آخر ولكل منهما حلفاؤه ومناصريه. وتتهم موسكو وبكين واشنطن بالعمل على تحويل الصراع الداخلي في سوريا الذي بدأ سلميا، إلى فوضى وصراع دام من أجل تحقيق أهداف معينة تسمح للغرب بالتحكم في منطقة الشرق الأوسط والهيمنة على مصادر النفط بها، وذلك استكمالا لعمليات غزو وإحتلال أفغانستان والعراق ثم الهجوم على ليبيا. يوم 17 مايو 2012 شكك خبراء استخباريون أمريكيون في صحة نفي الولاياتالمتحدة بأنها لا تملك عناصر استخبارية على الأرض في سوريا تسهل عملية تدفق الأسلحة إلى عناصر المعارضة السورية بتمويل خليجي. وذكر مركز ستراتفور الأمريكي للأبحاث الاستخبارية إن الولاياتالمتحدة تضطلع بمهمة تسليح المعارضة السورية باسلحة متطورة، لا سيما قذائف ومنصات اطلاق صواريخ ضد الدبابات. وقال في تقرير بثه يوم الخميس «من المستحيل تصديق المزاعم ان الولاياتالمتحدة لم تقم بارسال ضباط استخبارات امريكيين الى داخل سوريا» للاشراف على عمليات الارهاب هناك. وأكد التقرير أن «ارسال الاسلحة للمتمردين يستوجب وجودا استخباريا على الارض لنجاح ذلك. من الممكن عدم قيام واشنطن نشر قوات عسكرية هناك، لكن في حال نشرها لقواتها ستنفي ذلك». وحول أهمية التسريبات التي تضمنها تقرير صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأربعاء حول تنسيق الولاياتالمتحدة عمليات إرسال الأسلحة إلى المعارضة السورية قال مركز ستراتفور إنه يعتقد بأن المغزى هو اضفاء مصداقية على تقرير الصحيفة اذ ينسب لمصادر رسمية، «جلي الآن ان واشنطن ترمي الى اعلان ونشر عدد من الحقائق عبر تسريب الخبر اولها، طبيعة التسليح الذي يتضمن اسلحة مضادة للمدرعات، بانه تم ارسالها ووصولها للمتمردين لا سيما وان اهميته بالتحديد هو لتعزيز جهود التصدي لسلاح القوات العسكرية السورية في مواجهة المتمردين.ثانيا، تمويل العملية يأتي من الدول العربية وليس من الخزينة الامريكية ثالثا، الاسلحة المشار اليها وصلت الى الاراضي السورية، ما يشير الى ان تلك الجهود كانت قائمة منذ زمن. اخيرا، ان المسألة برمتها لا تعني ان الولاياتالمتحدة اصبحت في عداد التدخل عسكريا» هناك. واشار تقرير «ستراتفور» كذلك إلى البعد «الاسرائيلي» في تسليح المعارضة واعلان واشنطن عن ذلك، انه جاء في اعقاب زيارة سرية لواشنطن، قبل اسبوعين، قام بها رئيس جهاز الاسخبارات العسكرية «الاسرائيلية،» أفيف كوخافي، عارضا على المسؤولين الامريكيين خلاصة التقييم الاسرائيلي لما يجري في سوريا، اذ جاء فيه ان «المصالح الاسرائيلية تتعزز حين الاطاحة بالرئيس الاسد». كما لفت التقرير إلى مغزى اعلان الولاياتالمتحدة عن مواقع ثلاثة تم تخزين الاسلحة فيها، بالقول «انه لأمر عجيب تحديد أسماء المناطق التي خزنت فيها الأسلحة. نحن نفترض ان ذاك الجزء من الرواية كاذب ومغرض، اذ سيدفع الحكومة السورية الى البحث المكثف عن تلك الاسلحة في مواقع وهمية من الممكن، ايضا انه تم دس ذاك الجزء في الخبر لحمل السوريين على تشتيت جهودهم المكثفة» للبحث عن الاسلحة». طرق نقل السلاح مصادر رصد أوروبية أفادت أن كميات هامة من الأسلحة وبعضها أخذ من مخازن الجيش الليبي، تنقل بإنتظام من قواعد عسكرية تابعة للبحرية الإسرائيلية في شمال فلسطينالمحتلة نحو مناطق من شواطئ لبنان حيث تسيطر قوات لبنانية معادية لحكومة دمشق، ومن هناك تسرب عبر الحدود المشتركة مع سوريا. كما تقوم طائرات نقل صغيرة من ممرات أرضية قصيرة في لبنان بإسقاط أسلحة على مناطق في وسط سوريا. نفس المصادر تفيد أن القوات البحرية الغربية التي تبحر أمام السواحل اللبنانية في نطاق دعم مهمات قوة الأممالمتحدة المؤقتة في لبنان «يونفيل» ترصد عمليات التهريب هذه ولكنها لا تتدخل. ويشير مراقبون أنه منذ يوم الاثنين 23 أكتوبر 2006 عندما وقع حادث بين سفينة ألمانية وطائرتين حربيتين إسرائيليتين من نوع «اف 16» قبالة السواحل اللبنانية، أصبحت التحركات الإسرائيلية متحررة تماما. ويذكر أنه يوم الأربعاء 25 أكتوبر 2006 أعلن متحدث بإسم الجيش الالماني عن الحادث وحسب صحيفة «تاجسبيغل» في عددها ليوم الخميس 26 أكتوبر، فان طائرتين اسرائيليتين اطلقتا النار مرتين في الهواء بينما كانتا تحلقان فوق سفينة ألمانية. ونقلت الصحيفة عن وزير الدولة لشؤون الدفاع في حينها كريستيان شميت قوله أمام لجنة الدفاع في مجلس النواب الالماني ان الطائرتين ألقتا ايضا صواريخ تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء لتأمين تغطية من صواريخ محتملة. عمليات تهريب مماثلة للأسلحة تتم عبر حدود سوريا مع تركيا والعراق. فيض من الأسلحة يوم الأربعاء 16 مايو 20121 نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تحقيقاً اعدته كارين ديونغ وليز سلاي جاء فيه: «بدأ المسلحون السوريون اللذين يحاربون نظام الرئيس بشار الاسد في تلقي اسلحة بكميات أكثر بكثير ونوعية أفضل في الاسابيع الأخيرة، وهو جهد تسدد تكاليفه دول الخليج وتقوم بتنسيقه جزئيا الولاياتالمتحدة، وفقا لمسؤولين أمريكيين معنيين بالشؤون الخارجية. وشدد مسؤولون في ادارة اوباما على ان الولاياتالمتحدة لا تزود ولا تمول ارسال مواد قاتلة من بينها اسلحة مضادة للدبابات. وقالوا ان الادارة وسَعت بدلا من ذلك الاتصالات مع القوات العسكرية للمعارضة لتزويد دول الخليج بتقييمات لمصداقية الثوار وبنية القيادة والتحكم لديهم. وأفاد مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية، وهو واحد من مسؤولين حكوميين امريكيين معنيين بالشأن الخارجي ناقشوا هذا الأمر بشرط عدم الكشف عن هويتهم: «اننا نزيد مساعدتنا غير القاتلة للمعارضة السورية ونواصل تنسيق جهودنا مع اصدقائنا وحلفائنا في المنطقة وما وراءها ليكون لما نفعله جماعيا اكبر وقع ممكن». ويعتبر مسؤولون كثيرون الأن ان وقوع مجابهة عسكرية على نطاق اوسع بات أمرا لا مفر منه. ويجري تكديس المواد العسكرية في دمشق وادلب قرب الحدود مع تركيا وفي الزبداني على الحدود مع لبنان. وفي الاسبوع الأول من شهر مايو ذكر ناشطو المعارضة الذين اعلنوا قبل شهرين ان ذخيرة الثوار بدأت تنفد ان فيض الاسلحة ازداد تدفقه الى حد كبير بعد قرار من المملكة العربية السعودية وقطر ودول خليجية اخرى بتقديم عشرات ملايين الدولارات من التمويل كل شهر. وقال الاخوان المسلمون السوريون ايضا انهم فتحوا قنوات خاصة بهم لتزويد الثوار، مستخدمين موارد من افراد اثرياء واموالا من دول الخليج، بما فيها المملكة العربية السعودية وقطر، حسب قول ملهم الدروبي، وهو عضو في اللجنة التنفيذية لجماعة الاخوان. وتضيف الصحيفة الأمريكية أن تأثير الاسلحة الجديدة بدا واضحا يوم الاثنين 7 مايو في اشتباك بين قوات المعارضة والقوات الحكومية ضمن الصراع على السيطرة على الرستن قرب حمص. وقال «المرصد السوري لحقوق الانسان» الذي يوجد مقره في بريطانيا ان قوات الثوار التي اجتاحت قاعدة حكومية قتلت 23 جنديا سوريا. وأفادت شخصيات في المعارضة انها على اتصال مباشر مع مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية لتحديد مجموعات الثوار التي تستحق ان تتلقى اسلحة وتحديد مواقع لتكديسها وعقد المسؤولون في الادارة الأمريكية محادثات في واشنطن بداية شهر مايو مع وفد من الاكراد من منطقة شرق سوريا القليلة السكان حيث لم يحصل سوى قدر قليل من العنف. وشملت المحادثات مناقشة لما قال أحد المسؤولين الأمريكيين أنه يظل احتمالا «نظريا» لفتح جبهة ثانية ضد قوات الجيش السوري من شأنها ان ترغمه نقل موارد من الغرب. وستكون سوريا ايضا على اجندة مؤتمر قمة حلف شمال الاطلسي «ناتو» في شيكاغو، وفقا لمسؤولين في الادارة. وبالرغم من ان الحلف قال مرارا وتكرارا انه لن يتورط في سوريا، فقد اوضحت تركيا انها قد تستند الى المادة الرابعة من ميثاق «ناتو» وهو ما سيفتح الباب امام مشاورات بشأن التهديدات للأمن التركي والنظر في مواد للدفاع المشترك تتضمنها المادة الخامسة من الميثاق. وفي شهر أبريل الماضي، وبعد ان قتلت القوات السورية 4 مسلحين سوريين خلال فرارهم عبر الحدود إلى تركيا، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان «الناتو» عليه «مسؤوليات بموجب المادة الخامسة لحماية الحدود التركية». وقاوم الاتراك الذين يشعرون بقلق متزايد من الصراع المتصاعد في البلد المجاور لهم تورطا عسكريا مباشراً من دون شرعية دولية متمثلة بقرار من مجلس الامن الدولي. وقد عطلت معارضة روسيا والصين الجهود لاصدار قرار ياذن بأي تدخل يتجاوز المساعدات الانسانية. ورغم ذلك أعد البنتاغون خيارات لسوريا تصل إلى شن هجمات جوية لتدمير الدفاعات الجوية للبلاد. شركات أمن خاصة عمليات إرسال الأسلحة وخبراء المخابرات خاصة من الولاياتالمتحدة وفرنسا إلى سوريا ليست إلا جزء من الحرب المتعددة الأطراف التي تدور في بلاد الشام. قبل أشهر إعترف البنتاغون الأمريكي بأنه يتابع الموقف في سوريا على مدار الساعة بواسطة طائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، بينما نقلت صحف بريطانية أخبارا عن تدخل قوات خاصة تابعة «للناتو» لضرب مواقع للجيش النظامي. مع اقتراب صيف 2012 كثرت الأخبار التي تتحدث عن مشاركة شركات الأمن الخاصة من أمثال بلاك ووترز الأمريكية، في المواجهات المسلحة إضافة إلى مقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية. بعض المصادر في لندن وبروكسل تحدثت عن تمويل من طرف بعض دول الخليج العربي لشركات أمن خاصة. يوم 15 مايو 2012 صرح بيتر هارلنغ وهو محلل متخصص في الشأن السوري بمجموعة الازمات الدولية: «المتطوعون الاجانب جزء من الصورة وكان ذلك أمر لا مفر منه تقريبا على ضوء سياق حالة الفوضى المتزايدة في جميع أنحاء البلاد والصراع السياسي ذي النعرات الطائفية وأشكال متطرفة من العنف تؤدي الى بعض التطرف». يوم الجمعة 18 مايو 2012 ذكرت وكالة «يو بي اي» أن وزير الداخلية التونسي علي لعريض أقر بوجود تونسيين في صفوف المعارضة السورية المسلحة «الجيش السوري الحر». ونقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية عن لعريض قوله، «لقد تأكد لدينا وجود بعض هؤلاء الشبان في السجون السورية وبعضهم الآخر استشهد في حين لا يزال آخرون ضمن الثوار بهذا البلد». ولم يستنكر مثل هذا الفعل، واكتفى بالقول «يؤسفنا قيام بعض الشبان التونسيين بمغامرات غير محسوبة العواقب عبر السفر إلى سوريا». وكانت السلطات السورية قد أعلنت في وقت سابق عن اعتقال عدد من التونسيين وعرب وأجانب آخرين كانوا قد تسللوا إلى الأراضي السورية عبر تركيا. كما أعلنت عن مقتل عدد من التونسيين في سوريا، فيما قال أهالي مدينة بن قردان التونسية الحدودية مع ليبيا أن 5 شبان من المنطقة، قتلوا في سوريا إثر التحاقهم بما يسمى المقاومة السورية. وتأتي تصريحات وزير الداخلية التونسية فيما ذكرت وسائل إعلام تونسية أن أحد أجهزة الاستخبارات التونسية «حصل على صور وتسجيلات فيديو توثق لوجود «نشاط مكثف لخلايا سلفية متشددة في عدد من المناطق الحدودية التونسية منها «بن قردان»، و»مدنين»، وجربة» المحاذية لليبيا، إلى جانب بعض المدن الأخرى في شمال البلاد. في نفس الوقت تقريبا الذي جرى فيه الحديث عن وجود أجانب يحاربون في سوريا عبر أنور خوجة وزير خارجية كوسوفو عن مساندة قوية للمعارضة في سوريا قائلا ان حكومته أقامت بالفعل صلات دبلوماسية مع السوريين الذين يقاتلون للاطاحة بالرئيس بشار الاسد. وسئل خوجة وهل أقامت كوسوفو مراكز تدريب عسكرية للمعارضين السوريين فرد بقوله «لا على الاطلاق». وكان خوجة يرد على تصريحات السفير الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين الذي حذر مجلس الأمن الدولي قائلا: أنه يجب ألا يسمح لكوسوفو أن تصبح مركز تدريب للمعارضين السوريين. وأوضح تشوركين أن كوسوفو تقدم أكثر من مجرد المشورة السياسية، وأضاف ان تحويلها إلى مركز دولي لتدريب متمردين من مختلف الأجناس أصبح عامل زعزعة خطير يتجاوز منطقة البلقان». ومضى يقول «اننا ندعو الى وجود دولي نشط في كوسوفو لكبح هذا التدهور». روسيا ستواصل تسليح دمشق إذا كانت جهود الولاياتالمتحدة لجعل مجلس الأمن يجيز لها التدخل عسكريا في سوريا قد تعثرت، فإنها لم تحقق نجاحا كذلك في حرمان الجيش السوري من تجديد تسلحه وإن كانت قد حققت مكاسب على صعيد الحصار الاقتصادي. يوم الاثنين 14 مايو اعتبرت روسيا ان «القاعدة» ومجموعات متحالفة معها تقف «وراء الاعتداءات» التي وقعت في سوريا مؤخرا وحذرت من نزاع طويل ودموي لن ينتصر فيه أي طرف على الاخر. ورسم نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف صورة قاتمة لمستقبل سوريا بعد شهر من موافقة حكومة الرئيس السوري بشار الاسد على خطة مبعوث الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان المؤلفة من ست نقاط لوقف العنف. وقال غاتيلوف ان الوضع في سوريا وصل الى مرحلة «التوازن» العسكري بين الحكومة والمتمردين، سيكون من الصعب كسره الا اذا تبنت الدول الغربية والعربية موقفا اكثر تشددا من جماعات المعارضة التي ترتبط بها. إلا أنه اضاف ان المساعدات الخارجية التي تقدم حاليا الى المتمردين في سوريا تحتم على روسيا عدم التخلي عن حليفتها التقليدية، ومواصلة امداد الجيش السوري باسلحة «دفاعية» معينة. وقال أنه «من المحزن للغاية ان نرى دعما خارجيا قويا للغاية للمعارضة، ماليا وعسكريا. ان هذا الدعم الخارجي لا يؤدي سوى إلى تشجيع المعارضة المتطرفة ودفعها الى مواصلة نشاطاتها الارهابية». وصرح للصحافيين «بالنسبة لنا من الواضح جدا ان مجموعات ارهابية تقف وراء ذلك العنف الأعمى، وتلك المجموعات التي تعمل مع القاعدة»، في اشارة الى سلسلة التفجيرات التي شهدتها اكبر المدن السورية مؤخرا. وقال غاتيلوف ان روسيا لا تزال لديها ثقة تامة بمبادرة انان لوقف العنف رغم ان فرص جلوس المعارضة والحكومة على طاولة المفاوضات بعيدة. واضاف «من الصعب القول كيف ستتطور الامور، لكن في الوقت الراهن فان ظروف جلوس الطرفين الى طاولة مفاوضات غير متوافرة». وحذر غاتيلوف من ان النزاع قد يصبح طويل الامد بين الطرفين لأن أيا منهما غير قادر على الحاق ضربة قاضية بالاخر. وقال «ان النزاع يصبح طويل الامد ومن الصعب القول الى متى سيستمر». وتابع «لدينا وضع يوجد فيه توازن من نوع ما بين القوات الحكومية ومجموعات المعارضة. والنتيجة الاسوأ هي استمرار هذه المراوحة». ورفض رفضا قاطعا فكرة ان تنهي روسيا علاقاتها العسكرية الطويلة مع دمشق. وقال «بالطبع، وعلى خلفية مثل هذا الدعم العسكري الكبير للمعارضة لا يمكننا الا ان نأخذ هذا في الاعتبار». واكد انه «من الخطأ ان نترك الحكومة السورية بدون وسائل للدفاع عن النفس». وكانت روسيا قد أكدت في مارس 2012 ان الجيش السوري يقاتل «ارهابيين» مدعومين من «القاعدة» بما في ذلك ما لا يقل عن 15 الف مقاتل اجنبي واتهمت ليبيا بإدارة مراكز تدريب للمعارضين، إلا أن رئيس الوزراء الليبي ذكر أن لا علم له بأية معسكرات. وفي فبراير 2012 حث زعيم تنظيم القاعدة ايمن الظواهري أنصاره على نصرة المعارضين السوريين. حتى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اعتبر في وقت متأخر من ليلة الخميس الجمعة 17 مايو، أن القاعدة مسؤولة عن الاعتداءات الأخيرة في سوريا. وقال خلال «لقاء مع شبان» حول سوريا، وزع مكتبه نصه «قبل بضعة أيام وقع هجوم إرهابي هائل وخطير، وأعتقد أنه لا بد أن القاعدة مسؤولة عنه. لقد خلق هذا مرة أخرى مشكلات بالغة الخطورة «. وتزامنت هذه الدعوة مع تقارير واردة من العراق عن تسرب مقاتلين وأسلحة الى سوريا. وتقول دمشق ان «جماعات ارهابية مسلحة» مدعومة من الخارج قتلت أكثر من 2600 جندي وشرطي يقفون في وجه مؤامرة تقسيم سوريا. من جانبها تتحدث المعارضة عن مقتل 9500 سوري على يد الجيش والشرطة. وباعت روسيالدمشق اسلحة تبلغ قيمتها نحو مليار دولار منها انظمة صواريخ ارض جو سنة 2011، مما أثار قلق واشنطن وتل أبيب وقد سعى الطرفان إلى اقناع موسكو مرارا بعدم تزويد دمشق ودول عربية أخرى بصواريخ أس 300 لأنها تهدد بتقليص التفوق الجوي الإسرائيلي. أس 300 منظومة دفاع جوي صاروخية بعيدة المدى أنتجت من قبل شركة ألماز للصناعات العلمية، وللمنظومة عدة اصدارات مختلفة طورت جميعها لردع الطائرات وصواريخ كروز وطورت بعدها اصدارات أخرى لردع الصواريخ البالستية. البديل لتفكيك أجهزة الدولة يقول دبلوماسيون غربيون في مقر الأممالمتحدة في نيويورك « أن الولاياتالمتحدة كانت تراهن حتى نهاية سنة 2011 وبداية 2012 على نهاية للنظام السوري مشابهة لما حدث في ليبيا وقبلها في العراق، حيث يتم تفكيك كل أجهزة الدولة من جيش وأمن ومخابرات وتنظيمات حزبية ومؤسسات تصنيع عسكري إلى غير ذلك، واستبدال ذلك بنظام جديد بكل مقوماته. حاليا وفي الشهر الخامس من سنة 2012 تقلصت فرص تحقق التصور الأمريكي، بعض المسؤولين في مراكز القرار بالعاصمة واشنطن يقرون بذلك، وإن كان من الممكن أن يكون الأمر مجرد مناورة. على أي حال يعرض ساسة البيت الأبيض حلا بديلا مشابه لما طبق حتى الأن في اليمن حيث تبقى مؤسسات الدولة قائمة وينسحب الرئيس وأعوانه المقربون فقط. وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك تحدث علنا عن الموضوع يوم الاربعاء 16 مايو 2012 في حديث أجرته معه شبكة «سي ان ان» الأمريكية. حيث اعتبر ان الرئيس السوري «انتهى امره» داعيا الاسرة الدولية الى تصعيد الضغط على نظامه. وشدد باراك على ان بشار الأسد وكبار المسؤولين المحيطين به وحدهم يجب ان يرحلوا وليس هيكليات النظام الاخرى بما في ذلك الجيش. واعرب باراك عن «خيبة امله لبطء انهيار الاسد» مضيفا «اعتقد ان امره انتهى في مطلق الاحوال، «انا محبط جدا من بطء انهياره». وقال «اعتقد انه ينبغي ان نرفع اصواتنا أعلى بكثير .. لاسباب أخلاقية وعملية في آن واحد» مشيرا إلى أهمية دور روسيا في ايجاد حل للازمة. واعتبر باراك انه من المهم ان «تتخذ الأسرة الدولية والحلف الاطلسي والولاياتالمتحدة والروس كل الاجراءات الممكنة. بامكان تركيا ان تلعب دورا خاصا لتسريع الامور». وقال «اعتقد انه لا بد من ايجاد طريقة لتغيير النظام في سوريا ومن الافضل اعتماد الطريقة اليمنية اي ترك الاسد وفريقه يغادرون البلاد من دون تفكيك الحزب والاستخبارات والقوات المسلحة». وأضاف «أن سقوط الأسد سيشكل ضربة تضعف حزب الله وعلى الأرجح حركة الجهاد الإسلامي ايضا». وادلى الوزير بتصريحاته هذه بعد زيارة لواشنطن هي الثالثة خلال ثلاثة اشهر. المأزق تقول تقارير واردة من نيويورك أنه بالرغم من عدم وقف اطلاق النار بين القوات السورية النظامية والمعارضة المسلحة، ما زالت الدول الغربية الكبرى تتمسك بخطة كوفي انان لحل الازمة وتخشى اللحظة التي ينبغي فيها الاقرار بفشلها لأن عليها أن تختار بين مواجهة أشد مع موسكو وبكين، أو تنهي محاولة ركوبها الأزمة السورية لتحقيق أهدافها البعيدة المدى وفي مقدمتها مشروع الشرق الأوسط الكبير. انان صرح بداية شهر مايو «اعلم ان الكثيرين يتساءلون عما سيحدث ان فشلت الخطة». وتابع «انتظر شرحا حول ما يمكننا فعله غير ذلك. ان كان احدهم يملك فكرة إفضل فأنا مستعد لها». ويرى الكثير من الدبلوماسيين والمحللين ان بعثة الأممالمتحدة في سوريا ينبغي أن تستمر كامل مدة تفويضها أي 90 يوما يتوقعون بعدها توترا حادا في مجلس الأمن الدولي. فروسيا حليفة سوريا الرئيسية قد تطلب تمديدا للبعثة بدعم من الصين والهند وباكستان وجنوب افريقيا. ولا تدري الولايات المتحد وفرنسا وبريطانيا كيفية انهاء بعثة المراقبين. فحتى الأمريكيون الذين باتوا أكثر تشكيكا في البعثة لم يتجرأوا على إعلان فشل الخطة. واكد ريتشارد غوان من مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك انه «من المهم ان يتركوا هذه المهمة لانان والا ستتهمهم روسيا بنسف البعثة». واوضح دبلوماسي غربي «ان لم يتخل انان وحده عن البعثة فقد نجد انفسنا في موقع سيئ امامه» موضحا في هذه الحالة ان «روسيا ستوقف توسيع نطاق العقوبات» التي يهدد الغربيون بفرضها على دمشق في حال الوصول الى طريق مسدود. واضاف دبلوماسي اخر في مجلس الأمن «إن أوصى انان بعقوبات فقد تهاجمه روسيا والصين وتطالبان بإستبداله برجل محايد». إذا كانت حكومات عدد من دول الخليج العربي تريد تدخلا عسكريا غربيا في سوريا، وتلقت في وقت سابق وعودا بذلك خاصة من واشنطن وباريس فإنها تشعر بإحباط كبير الأن، وبعضها بدأ يجس نبض دول أخرى حول وساطات وحلول وسط وتأمينات من عدم انتقام خصومها منها. تشرذم المعارضة يشير محللون أن ما يعقد كثيرا مواقف المعارضة السورية المسلحة ومسانديها تشرذمها وقد كتبت صحيفة «ذي تلغراف» البريطانية منتصف شهر مايو: «تسبب اعلان برهان غليون الاستاذ في جامعة السوربون الذي قضى 30 سنة في باريس، انه لا يرغب في الاستمرار في رئاسة المجلس الوطني السوري، في توجيه لطمة معنوية للحملة المتعثرة والممزقة التي تسعى إلى الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد. اذ لم يجد غليون امامه خيارا آخر إلا التخلي عن منصبه بعد الانقسامات التي أصابت الجيش السوري الحر وتعاظمت بعد يومين من الاقتراع الذي جدد مدة ولايته لثلاثة شهر أخرى. وصدر بيان غليون قبل ساعات فقط من تهديد لجان التنسيق المحلية التي تضم مجموعات من النشطاء المنتمين إلى مواقع المعارضة الحصينة في أنحاء سوريا، بالانسحاب من الائتلاف بعد اتهام قيادته بالغطرسة. وكان الصراع داخل صفوف الجيش السوري الحر سببا في شل فاعليته، وانفصال عدد من المنشقين الرئيسيين عن الائتلاف في الأشهر الماضية. غير ان انسحاب لجان التنسيق المحلية التي تحظى باحترام ملحوظ في صفوف المعارضين، يجعل الائتلاف عرضة للاتهامات بأنه تحول إلى ذيل للمتطرفين ما يثير تساؤلات حول قابليته للحياة. ان الائتلاف المفكك، والعصبي المزاج، والممزق لأسباب ايديولوجية وطائفية، أصبح لا يستطيع الاتفاق على حتى استراتيجية أساسية لمواجهة الرئيس الأسد، فيما عجزت فصائله المتنافسة عن اعداد استراتيجية مشتركة رغم أنها تواجه عدوا مشتركا. وقد برزت امال لانهاء الانقسامات المتواترة عندما فاز غليون مرة اخرى في الانتخابات. الا انه ظهر ان الكثير من النشطاء، ومعظمهم من العلمانيين والليبراليين، لم يشاركوا في التصويت، وتركوا غليون للاعتماد على الاخوان المسلمين في إعادة انتخابه. ونظرا لعدم تحديد موعد لاستقالته، فإن إعلان غليون عن رغبته لا يبدو حقيقيا، اذ يقول المراقبون انه كان يناور في محاولة لجمع الائتلاف وراءه.