في حلقة مشارف مع الروائي الشاب حسن رياض سأل ياسين عدنان هذا الأخير عن علاقته مع ابن مدينته آسفي الأديب الراحل إدمون عمران المالح فأجابه رياض قائلا: «التقيت إدمون في الندوة الفلانية وأنت كنت حاضراً». في الحلقة التي استضاف خلالها ياسين الشاعر العراقي المقيم بلندن عبد الكريم كاصد تحدثا عن رحلة مشتركة لهما إلى كردستان العراق عبرا خلالها دجلة بالزوارق وذهبا إلى السليمانية حيث نزلا في ضيافة جلال طالباني الرئيس الحالي للجمهورية العراقية، وكانت اللحظة التي حكى فيها كاصد عن تلك العودة الأولى إلى بلاده بعد عمر من المنفى مؤثرة جدا. في حلقة واسيني الأعرج عادت بهذا الأخير الذاكرة إلى سنوات الجمر الجزائرية حينما كان وزوجته الشاعرة زينب الأعوج مهددين بالموت ومرة أخرى سنعرف أن ياسين عدنان قد زارهما في البيت الذي كانا مختبئين فيه بالجزائر العاصمة في تلك العشرية السوداء. هذه نماذج صغيرة من الحلقات الأخيرة من مشارف التي شُرع في بثها بعد رمضان الأخير لأن الذاكرة لا تسعف بالرجوع الى حلقات قديمة. لكن استحضار هذه النماذج هنا فالهدف منه هو فهم سر تألق هذا البرنامج الثقافي اليتيم في تلفزيوننا الوطني. ليست وسامة ياسين عدنان ولا إعداده الجدي لمواضيعه ولا طريقته الذكية في طرح الأسئلة ولا مقدرته على التحكم في إيقاع الحوار ما جعل البرنامج يحقق هذا النجاح الاستثنائي في التلفزيون. هذه عناصر مهمة نادرا ما تتوفر لمذيع. وهي عناصر يمكن أن تضمن النجاح لكل من تجتمع لديه مثلما حصل مع ياسين عدنان. لكن قوة مقدم برنامج مشارف تتجاوز هذه العناصر إلى قوة حضوره. ليس فقط الحضور في الأستوديو أو أمام الكاميرا، ولكن الحضور في الساحة الثقافية العربية. مع كل حلقة نحس أن الرجل يعرف ضيوفه جيدا، بل وعاش معهم تجارب مشتركة في الحياة قبل الأدب. إنه سمكة تسبح في حوضها. ووجود أشياء مشتركة وذكريات أحيانا بينه وبين ضيوفه هو ما يصنع التقارب والألفة وهو ما يجعل المشاهد يتلقى مشارف بقبول حسن. هذا المشترك مع الضيوف مغاربة وعربا يرجع إلى أن ياسين عدنان كان منذ بداياته من أكثر الأدباء المغاربة الجدد تنقلا داخل المغرب وخارجه. فالخبرة التي راكمها من خلال مشاركاته في مختلف الأنشطة الثقافية الوطنية واللقاءات الأدبية بالعالم العربي وأوروبا أعطاه حضورا خاصا. إنه يعرف ضيوفه جيدا. وهذا مهم في التلفزيون. يجب أن يعرف المذيع ضيوفه في السياسة كما في الفن، في الاقتصاد أو في الرياضة. وحتى الذين لا يعرفهم شخصيا يتضح أن صاحب مشارف قد قرأ لهم بما يكفي لكي يتحكم في حواره معهم ويجعل الألفة هي سيدة الحوارات في مشارف. لذلك الكثير من المشاهدين حتى من غير المثقفين يستلطفون البرنامج ويرتاحون لأجوائه ولا يعرفون لماذا: إنها الألفة، وهذه خاصية لا تدرك بمال ولا بتجهيزات ولا حتى بعشر كاميرات متحركة. أعتبر دائما أن «الحضور» و»الألفة» هما كلمتا السر بالنسبة لياسين عدنان وهما سبب نجاحه وسبب الحرارة التي نحسها في مشارف، هذا البرنامج الذي صار رقما أساسيا اليوم في مشهد سمعي بصري مغربي سادر في البرودة والغياب.