الأكيد أن حضور البرامج الثقافية في التلفزيون المغربي أمر مهم ومرغوب. ذلك أن هذه البرامج تساعد كثيراً على الاهتمام بالمجال الثقافي في كليته الفكرية والأدبية والفنية. كما أنها تساعد على عملية قراءة الكتاب، وتشجع بالتالي على تداوله في شكل أفضل وفعال. ومن هنا، فإن من الواجب الإعداد لها في شكل جيد سواء على مستوى نوعية الضيوف أو على مستوى طرح الأسئلة عليهم. بل أبعد من ذلك، على المشرف على هذا النوع من البرامج الانتباه إلى كل الطاقات الثقافية الفاعلة في المشهد الثقافي وعدم الانحياز إلى بعضها دون البعض الآخر، نظراً إلى أهمية التلفزيون في تسليط الضوء على من يحل ضيفاً به، ومنحه فرصة الظهور والبروز في الميدان الذي يشتغل فيه، وهو ما وضحه بالتفصيل الفيلسوف الفرنسي الراحل بيير بورديو في كتابه المهم «حول التلفزيون». وهو ما نراه بالخصوص في القنوات التلفزيونية الفرنسية بالتحديد، إذ إن البرامج الثقافية فيها تحاول الموازنة بين كل الطاقات الثقافية وتسليط الضوء على مؤلفاتها الجديدة وذلك عن طريق دعوتها إلى هذه البرامج الثقافية للتعريف بكتبها والحديث عنها. وهي تبذل طبعاً جهداً كبيراً في تحقيق ذلك. في التلفزيون المغربي يأتي برنامج «مشارف» في الواجهة في عملية الاهتمام بالمجال الثقافي العام، نظراً إلى الوهج الثقافي الذي استطاع المشرف عليه الأديب والإعلامي ياسين عدنان تحقيقه. وذلك للاعتبارات المهنية التي لا تخفى على أحد. فياسين عدنان وجه ثقافي معروف ليس في المغرب فحسب، وإنما في العالم العربي كذلك. وهو قد اكتسب منذ مدة طويلة مراساً إعلامياً في المجال الثقافي، حيث عمل مراسلاً ثقافياً لبعض المنابر الإعلامية العربية المعروفة. كما أنه على اطلاع واسع في مختلف المجالات الثقافية من شعر ورواية ومسرح وسينما في المغرب وفي المشرق معاً. وهو إلى هذا وذاك استطاع أن يقدم هذا البرنامج الثقافي بطريقة احترافية مميزة، طبعها بطابعه الشخصي من حيث طرح السؤال ومحاورة الضيف. ومع مرور الحلقات وتوالي الضيوف الذين حرص ياسين عدنان على تنوعهم وتنوع مجالات اهتماماتهم، استطاع خلق إلفة بينه وبين المشاهد المغربي والعربي أيضاً. لقد ظهر هذا الأمر جلياً وبوضوح كامل في الحلقات الأولى من البرنامج، وهو يستأنف مساره الثقافي الإعلامي الناجح في هذا الموسم، بعد سنوات من الحضور الفعال، ويقوم بعملية تقديم من جديد للمجال الثقافي ليس المغربي فحسب وإنما العربي أيضاً. في الحلقة الأولى لهذا الموسم التلفزيوني الجديد استضاف البرنامج وجهاً ثقافياً بارزاً هو الشاعر محمد عنيبة الحمري. هذا الشاعر الناسك في محراب الشعر، الذي طبع مجموعة من الدواوين الشعرية وأخرجها إلى الوجود على حسابه الشخصي. وقد تحدث الشاعر محمد عنيبة الحمري في هذا المجال على بداياته الشعرية وعلى أهم المواضيع التي تطرق إليها في شعره والتي تلاحم فيها الذاتي بالموضوعي والشخصي بالعام، كما تحدث عن كتبه الجديدة التي يستعد لعملية طبعها وإخراجها إلى الوجود. في حلقة أخرى من هذا البرنامج لهذا الموسم، استضاف ياسين الروائي الجزائري المعروف واسيني لعرج الذي تحدث عن تجربته في المجال الروائي، وعن علاقة الرواية بالتراث العربي القديم متوقفاً عند علاقته الخاصة مع كتاب «ألف ليلة وليلة»، كما تحدث أيضاً عن عشقه للغة العربية وعن انفتاحه الكبير على اللغة الفرنسية وعلى الثقافة الغربية في شكل عام. في حلقة أخرى تمت أيضاً استضافة الشاعر العراقي عبدالكريم كاصد، تحدث فيها صاحب «الحقائب» و»نزهة الآلام» عن تجربته في الشعر وحكاياه مع المنافي، وعن حضور الأمكنة في شعره... وفي حلقة كانت هي قبل آخر حلقة قدمت لغاية الآن من هذا البرنامج، كان اللقاء فيها مع الباحث والفنان التشكيلي المغربي سمير السالمي. وكان محورها هو علاقة الكتابة بالرسم من خلال كتاب «شعرية جبران - المستمر بين الشعري والفني» الذي أصدره سمير السالمي أخيراً. نتمنى الاستمرارية لهذا البرنامج الثقافي المغربي الجاد مع الدعوة إلى مزيد من الانفتاح على كل الأقلام الثقافية الفاعلة في المشهد الثقافي المغربي والعربي على حد سواء.