إن قالب السكر في الثقافة المغربية ليس مجرد كتلة بلورية تذوب في الشاي، بل هو رمز محمّل بدلالات فلسفية تستحق التأمل. إنه الكائن الميتافيزيقي الذي يطفو فوق الزمن، يقدّم في الفرح والحزن، يبارك الزواج ويواسي الفقد، يهلّل للمولود الجديد ويواكب النجاح الأكاديمي. أليس في هذا التناقض الجذري نوع من الجدلية الهيغلية؟ إنه يجمع بين النقيضين، حيث يرمز للحياة والموت، للفرح والحزن، في آنٍ واحد. لكن لنتساءل: لماذا قالب السكر؟ لماذا لم يكن الملح مثلًا، وهو العنصر الأساسي للحياة، أو الزيت الذي يُقال إنه بركة؟ ربما لأن في السكر دلالة على الحلاوة التي نتمناها للحياة، وربما لأنه مادة قابلة للذوبان، تذكرنا بفناء الإنسان نفسه. أليس هذا نوعًا من الوجودية السكرية؟ الإنسان مثل قالب السكر، صلب في مظهره، لكنه يذوب شيئًا فشيئًا في مجرى الحياة، ليصبح جزءًا من فنجان التجربة الإنسانية الكبرى. لكن المضحك في الأمر أن هذا القالب الذي يفترض أن يكون هدية، يتحوّل إلى عبء ثقيل. تخيل معي شخصًا في عزاء، يحمل بين يديه قالب سكر، وكأنه يسير في طقس قرباني، يقدّم القالب كما يُقدّم القربان، لكن للمجتمع لا للآلهة. إنه "إيتيقا العادة"، حيث يفرض المجتمع عليك ممارسةً رمزيةً، لا تستطيع التحرر منها حتى لو كنت تتبنى الموقف الفلسفي المتشكك لديكارت! أما في الأعراس، فالقالب يصبح أكثر إشراقًا، لكن لا أحد يلتفت إليه، بل يكدّس مع أمثاله في ركن منسي، وكأنه في "كهف أفلاطوني" حيث يُهمّش عن المشهد الحقيقي للفرح. حتى عندما يتم استخدامه، فهو لا يذوب مباشرة، بل يُطرق عليه بمطرقة صغيرة، وكأننا نشهد عملية ديالكتيكية: الأطروحة (القالب الصلب)، النقيض (المطرقة المدوية)، والتركيب (حبيبات السكر المبعثرة). وهكذا، يظل قالب السكر ذاك الكائن الميتافيزيقي الذي ينجو من كل التحولات الاجتماعية، يشق طريقه عبر الأجيال بثبات أفلاطوني. إنه لا يفنى ولا يُستحدث من عدم، بل ينتقل من مناسبة إلى أخرى، وربما، لو دققنا النظر، سنجد أن القالب الذي قدمته اليوم في عرس صديقك، قد يعود إليك يومًا ما في حفل ختان ابنك، أو أسوأ من ذلك... في جنازتك! إنه ليس مجرد هدية، بل اقتصاد مغلق، نظام تداولي لا يعترف بقانون الفناء، وكأنه في دورة كارما مغربية لا تنتهي. فهل نحن الذين نهدي القالب، أم أن القالب هو الذي يستخدمنا لنضمن استمراريته في هذا الوجود؟ وهل يمكن اعتبار قالب السكر "المواطن الصالح" الوحيد في المجتمع، لأنه يشارك في كل المناسبات دون تمييز، ملتزمًا بقيم العدالة الكانطية في توزيع ذاته بالتساوي بين الأفراح والأتراح؟ في النهاية، قد يكون السؤال الأكثر إلحاحًا: هل نحن من يستهلك السكر، أم أن السكر هو الذي يستهلكنا في طقوسه الاجتماعية، حتى نذوب نحن قبل أن يذوب هو؟