الخط : إستمع للمقال من بين الأساطير التي يحاول البعض ترويجها، أسطورة جمهورية الريف، كدولة مستقلة عن المغرب، التي يبدو أن خصومه، يعملون جاهدين على توظيفها لافتعال بعض التشويش، في إطار حرب نفسية ودعائية، لا تجد أي صدى لها في الداخل أو الخارج. لكن ما يهمنا هنا، هو أن نجادل بعض المتياسرين المتأخرين، الذين يتهافتون على كل ما يمكن أن يغطي عن فشلهم السياسي وعجزهم في "التجذر بين الجماهير"، (وهو تعبير عزيز عليهم)، لكن انعزالهم عن الشعب يقودهم إلى البحث عن أي شيء مهما كان تافها للاستمرار في التواجد. ويبدو أن اسطورة جمهورية الريف، التي يحاولون قراءتها كمحاولة للإنفصال عن الوطن المغربي، تدغدغ خيالهم. بينما يؤكد البحث التاريخي الجدي، المستند على الوثائق والتقصي، حقائق أخرى، مثلما قام به محمد العربي المساري، في كتابه "محمد بن الكريم الخطابي، من القبيلة إلى الوطن"، الذي قال إن تسمية "لا ريبوليك"، التي كانت تجري على ألسنة بني ورياغل، تحمل معنى التحرر من السلطة المركزية و أيضا من الفوضى التي تخلقها السيبة، لا أقل و لا أكثر، ويعتمد المساري على الدراسة التي أنجزها مونتغوميري هارت حول هذا الموضوع، وعلى مراجع أخرى، تدحض مزاعم إنفصال الريف. ومن بين المراجع الهامة، أيضا، الندوة الشهيرة التي نظمت في باريس سنة 1973، حول "عبد الكريم وجمهورية الريف"، التي نشرتها ككتاب دار "ماسبيرو"، وكتب تقديمه المؤرخ الشهير شارل آندري جوليان. ومن بين المساهمين في هذه الندوة عبد الرحمن اليوسفي، الذي كان في المنفى آنذاك. كما ساهم فيها أيضا مفكرون وعلماء اجتماع ومؤرخون، من أمثال جاك بيرك وعبد الله العروي وإبراهيم بوطالب ومحمد زنيبر... وغيرهم. وفي مناقشات هذه الندوة، يتحدث روني كاليسو عن استجواب لمحمد بن عبد الكريم الخطابي، مع صحيفة أمريكية يقول فيها إننا لم نفكر أبدا في جمهورية، فهذا المصطلح كان يستعمل لتسمية مجموعات محلية، أصغر من القبيلة. أما عبد الرحمن اليوسفي، فاعتبر في عرضه، أن الخطابي حاول أن ينظم الريف، بشكل جديد، حيث رفض التنظيم المخزني وفوضى السيبة، وقام بتركيب جدلي سمي الجمهورية، ويضيف أن بلاد السيبة كانت تتشكل من مجموعات تتوحد على شكل جمهوريات، الرافضة للتحكم المطلق لبلاد المخزن. لذلك فالأمر لا يتعلق بجمهورية انفصالية عن المغرب، بل بتنظيم قبلي، مستمد من تاريخ السيبة، التي اتخذت عدة اشكال، كما درسها عبد الله العروي، في العديد من مؤلفاته، والتي لا تصل إلى حد القطيعة والانفصال عن الوطن، بل ظلت في علاقة مد وجزر مع الدولة المركزية، تتغير في السياقات والظروف التاريخية. ويعتبر اليوسفي أن العمل الكبير الذي قام به الخطابي هو توحيد القبائل والمجموعات الصغيرة، التي تنتمي لبلاد السيبة في منطقة شمال المغرب، لمقاومة الإستعمار بالسلاح، لذلك فجمهوريته كانت دولة ظرفية، فرضتها شروط تنظيم العمل المسلح، تزول بزوال الظروف التي فرضت قيامها. وكان لصدور هذه الكتاب القيم، صدى كبير في أوساط اليسار آنذاك، حيث اعتبر مرجعا هاما في موضوع حرب الريف والملحمة التي قادها الخطابي، التي لم تعتبرها هذه الأوساط اليسارية دعوة إنفصالية، بل إن المنظمات الماركسية اللينينية، المغربية، كانت تطالب باستكمال الوحدة الترابية، واسترجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، التي جعلتها من بين المهام الثورية. وهو الشعار الذي رفعته أيضا منظمة "إلى الأمام"، رغم أنها ساندت حق تقرير المصير في نزاع الصحراء المغربية، لكن موقفها يشوبه الغموض، حيث اعتبرت أن "الصحراء مغربية، تاريخيا، لكن الواقع الإستعماري خلق نوعا من الهوة، تتطلب إعادة الوحدة بناء على أسس ديمقراطية". فهي لا تنكر أن الصحراء كانت تحت السيادة المغربية، قبل دخول الإستعمار. وما كان يهم هذه المنظمة هو القيام بثورة ضد النظام، لذلك اعتبرت أن الصحراء يمكن أن تشكل "بؤرة ثورية"، للإنطلاق منها نحو باقي الوطن، وهو نفس منطق بلاد السيبة، الي اعتمد في السابق، فهو إذن حساب تاكتيكي، وليس مبدئيا. نقلا عن يومية الصباح الوسوم الريف السيبة المغرب جمهورية عزيز غالي يونس مجاهد