المتعة والحيرة وإدريس بنزكري، ثلاث عناوين، نحسبُ أنها تُترجم ما قد يُخالج بعض قراء كتاب حديث الإصدار (صدر في الأيام الأولى من شهر رمضان المعظم لهذه السنة)، ومُخصص للحديث عن أحد العمالقة الذي أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، في رقعتها الريفية تحديدا: الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ نحن في ضيافة كتاب يحمل عنوان: "محمد بن عبد الكريم الخطابي.. من القبيلة إلى الوطن"، وألفه القيادي في حزب الاستقلال، الكاتب الصحافي ووزير الإعلام سابقا، محمد العرب المساري. (صدر الكتاب عن المركز الثقافي العربي، بيروتالدارالبيضاء، ط 1، 2012، وجاء في 240 صفحة من الحجم المتوسط، وتفرّع العمل على تقديم، والأبواب التالية: ملحمة وبطل، مغرب القبائل، البحث عن شرعية (وتضمن فصلا عن "التفسير الإيجابي لمقولات الخطابي")، ورشة لبناء إنسان المغرب الجديد، ماذا بقي من التاريخ؟، أناشيد وطنية مغربية وعربية محورها ثورة الريف). تحدثنا عن متعة القراءة، لسبب بَدَهي مرتبط بالترحال مع قراءة جديدة، ضمن قراءات أخرى بالطبع، مُخصّصة لسيرة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي؛ وتحدثنا عن الحيرة لأنها العنوان الأبرز الذي سيخالج أغلب القراء المغاربة الذين ينحدرون من الريف، بخصوص قابلية قراءة رواية جديدة لسيرة الراحل، بقلم فاعل سياسي/حزبي ينتمي إلى حزب الاستقلال، لن يخرج عن تداعيات تاريخية مؤلمة، يجد هذا القارئ نفسه معنيا باستحضارها، ونتحدث عن الخلافات القديمة ("الجديدة") بين نخبة حزب الاستقلال والنخبة المنحدرة من الريف، ويكفي أن نأخذ بعين الاعتبار أن إحدى أسباب الخلاف السياسي القائم بين حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، مرتبطة تحديدا بثقل أحداث ماضية جمعت بين هذه أجداد هذه النخب وغيرها طبعا؛ لهذا السبب استحضرنا أيضا إسم الراحل إدريس بنزكري، وبالتالي مشروع هيئة الإنصاف والمصالحة، وهو المشروع الذي في سابقة عربية وإسلامية للتذكير يُحسبُ له الانخراط الجماعي لمن يهمهم الأمر، هنا أو هناك، في جلسات مكاشفة ومصارحة حول أحداث الماضي الدموي، ومنها أحداث القمع الذي طال منطقة الريف، بما يتطلب تجاوز أعطاب هذه المرحلة، وانخراط الجميع في مرحلة بناء مغرب ما بعد طي ملف الإنصاف والمصالحة. صوت الخطابي في مواجهة وسوسة النعرات بالعودة إلى ترحال المساري مع سيرة الخطابي، يُقر المؤلف بداية بأننا إزاء سيرة رجل يُحسبُ له تعبئة قبائل متنوعة في مشاربها وعقلياتها بل ومتنافرة، وما صاحب ذلك من ابتكارات في فنون الحرب، وأساليب التدبير، جعلت الثورة التي قادها الراحل تندرج في مسلسل اقتحام الفكر الوطني المغربي للحداثة، إذ إن عبد الكريم أنشأ نواة دولة عصرية ديمقراطية كما نسميها اليوم. (ص 7)، وأضاف المساري أن عمله هذا يصدق عليه القول العامي "متى حضر الخير فإنه ينفع"، بل إنه بما يتضمنه من تدقيقات، ومن تَمَعّن في بعض المفاهيم، يجيب عن بعض التشويش الفكري الذي يصاحب اليوم المسألة الريفية برمتها. ففي زمن الوسوسة بالنعرات يجب أن نستمع إلى صوت الخطابي وهو يدعو إلى الارتقاء بفكرنا السياسي من نطاق الجزء إلى مستوى الكل، من الإقليمية الانعزالية إلى أفق الوطن الذي يستوعب الجميع، والذي لا غنى فيه عن أحد. (ص 9) من باب التدقيق المنهجي في أحداث الماضي، يشير المؤلف إلى أن الحديث عن "حرب الريف" يحيل على تلك المعارك التي قادها البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي، لولا أنها في الواقع تُعتبر ثالث حرب خاضها أهل الريف في المنطقة نفسها تقريبا، في العصر الحديث. فقد كانت هناك معركة سيدي ورياش في 1893 وهي التي يمكن اعتبارها حرب الريف الأولى؛ ثم الحرب التي قادها البطل الشريف أمزيان سنة 1909؛ وأخيرا الحرب التي دامت من 1921 إلى 1926، وكانت كلها في مواجهة إسبانيا، وتميزت كلها أيضا بشراستها، وبقوة رهاناتها، ومعلوم أن أطول حروب الريف في العصر الحديث، وأكثرها عمقا تبقى الثالثة التي أخذت قسطا من الاهتمام، لأن تفاعلاتها ظلت متلاحقة ومستأثرة بالاهتمام حتى اليوم، ليس أقلها شأنا مسألة الغازات السامة التي تثير جوانب سياسية وقانونية وأخلاقية ما فتئت تسيل الكثير من الحبر. (نشير في هذا الصدد إلى ندوة نظمت زوال يوم الخميس 23 غشت الماضي في موضوع الغازات السامة). عبقرية الوحدة الريفية ضمن التنوع المغربي يصف المساري الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي بالرجل الهادئ، وأنه تلقى العلوم الفقهية ليُهيئ نفسه للمساهمة في بناء حياة يكتنفها السلم والعدل. غير أنه بما أن الظروف هي التي تُكيف الرجال وتصنع الأحداث، فإن التاريخ احتفظ للخطابي بصفحة مكتوبة بمداد البطولة، حيث يتردد اسمه برنين يشابه جلال أعظم الأولياء. (ص 12) وبالنسبة للحرب التي قادها الخطابي، فقد كانت جزءا من مشروع وطني، قانونها هو الموت في سبيل الحياة، وقام ذلك المشروع على أساس أن الاستعمار نمر من ورق، حينما يكون الشعب سيد قراره، وميزة مشروع الخطابي في ملف الحرب المفتوحة هذه، إيمانه بأن العمل السياسي مع الجماهير يجب أن يسير في خط متواز مع العمل العسكري المضبوط، وبالنتيجة، أعطت الثورة الريفية تنظيمات ومؤسسات وابتكرت أساليب جديدة على العالم آنذاك، وهنا لا بد من التذكير بأن عمل المساري توخى التركيز على جانب واحد: تتبع مسار الثورة من يوم أن كانت فكرة مجموعة من الرجال المتقاربين في العاطفة والانتماء، إلى أن عمّت تلك الفكرة القبائل المجاورة لبني ورياغل ثم الريف كله، إلى أن شملت قبائل غمارة وجبالة في الشمال الغربي وفي جنوب ورغة، ومن خلال ذلك نلمس أن الثورة ارتفعت بالتفكير السياسي المغربي من مستوى القبيلة إلى أفق الوطن، وهذا شيء كان يحدث لأول مرة في تاريخنا. (مُهم جدا هذا الإقرار/الاعتراف بصرف النظر عن وجاهته لأنه يصدر عن فاعل سياسي/حزبي، ينتصر للتاريخ قبل الحسابات السياسية الضيقة، وينتصر لما يجمع ويُفيد حاضر ومستقبل هذه الأرض الطيبة). لقد راق للمؤلف أن يجد أثناء بحثه في هذا المضمار كيف أن تلك الثورة التي قادها الخطابي تَجسّدت فيها الشخصية المغربية في تكامليتها التي يصنعها التمازج بين العروبة والإسلام. ذلك أن انصهار العرب والأمازيغ في فعل ثوري موحد، قد جسم الوحدة المغربية دائما طيلة مدة لا تقل عن عشرة قرون. وما كان ذلك إلا تعبيرا ملموسا عن العبقرية المغربية المتجلية في الوحدة ضمن التنوع، وفي نمط خاص للبناء والطبخ والخط والإبداع، من الموسيقى إلى الطرز. وليس صدفة أن أجدادنا اختاروا المذهب المالكي. (ص 13)، نقتطف هذا الإقرار من المساري ونحن نأخذ بعين الاعتبار أنه يتحدث عن منطقة حفظت عنها الذاكرة صورا شنيعة لرداءة العلاقة بين المخزن المركزي وقبائل جعلتها الجغرافيا بعيدة عن منطقة الرؤية، وقد استفاد المؤلف كثير من كتاب "ظل الوريف لمحاربة الريف" للقاضي سكيرج، بحكم أنه أخذ عنه الكثير في عمله هذا، كما أقر بذلك في ثنايا العمل (ص 21) أسباب صعود نجم الخطابي من "كنوز" الكتاب، الخوص الهام (ولو أنه جاء عابرا) في علاقة الخطابي ببعض الطرق الصوفية، وخَصَّ المساري بالذكر، الأوضاع في غمارة بسبب نفوذ الطريقة الدرقاوية، بحكم أن التطور الحاصل في الأوضاع انطوى على مس بنفوذ زعمائها، حتى أنه صدرت الأوامر من زعيم الزاوية المذكورة إلى أنصاره تحثهم على منع بيع الخبز للمجاهدين الذين كانوا من بني ورياغل في غالبيتهم، وقبل اقتناع بعض الفئات الغمارية بصدق نوايا الريفيين، فإن بعض العملاء في غمارة كانوا يبيتون تسليم المجاهدين للإسبان في مقابل رشاوى. (ص 51). (حتى لا نسقط في تمرير مواقف مشيطنة للخطابي ضد الطرق الصوفية، يؤكد المساري أن الأمير حَرَّم على الناس التعلق بالأولياء، وحارب الطرقية، باستثناء الزاوية الناصرية التي كان يعتبرها أكثر حداثة، كما أنه كان يحترم شرفاء أخمليش. ومما ذكره أحد مرافقيه أن تحفظه ثابت من الطرقيين، وكان يقول إن على المرء أن يختار بين السبحة والجهاد. ص 159) يتوقف الكاتب مليّا عند حادثة يعتقد أنها ساهمت بشكل كبير في صعود نجم الخطابي، وتهم أحداثا وقعت في بني ورياغل، حيث برزت في المنطقة بوصفها قبيلة قوية ومنتجة لنخبة قائدة، وسوف تقف نخبة بني ورياغل ضد أطماع بوحمارة دفاعا عن المشروعية، وهي النخبة التي تصدت بالمرصاد للإسبانيين المتحفزين من مليلية. وقد اندلعت الشرارة الأولى لحرب 1909 من تحفز هؤلاء، وبكيفية مباشرة بسبب مقتل عمال إسبان كانوا بصدد إقامة قنطرة، تسهل استثمار معادن المنطقة التي كان بوحمارة قد فوتها لهم. وهو الحادث الذي أوقد نار الحرب التي قادها الزعيم الشريف أمزيان. ولعل الدرس الذي استوعبه الريفيون هو أنه باستشهاد أمزيان "بقي المجاهدون مشتتين بلا رأس"، كما استنتج التهامي الوزاني (تاريخ المغرب، ج3، ص 159)، ومن الممكن، حسب المساري، أن يكون هذا المُعطى وراء ولادة قيادة ابن عبد الكريم، أي إن الجماهير كانت في حاجة إلى قيادة، فاهتدت إليه، وامتاز الرجل على سابقيه بأنه طور الأساليب التي استعملها أسلافه، ولكن في ظل تحديات مُعقدة. وقد اقتضى ذلك نضجا كبيرا في الإعداد والتدبير والمزج بين ما هو عسكري وما هو سياسي، خاصة أن الظروف التي أحاطت بها، لم تعد مثل ما كان الأمر في السابق حيث كانت المواجهة مع الأجنبي فاقد للشرعية منذ البداية. (ص 111)، ليس هذا وحسب، بل يذهب المؤلف إلى أنه لو كُتِبَ لثورة الخطابي أن تتابع انتصارها، لكان من الممكن أن تنتشر الحركة التحررية في باقي البلاد وتنشأ فدرالية للأقاليم المحررة، وينتهي الوجود الفرنسي في المغرب على الفور، وينتج عن ذلك انقلاب جذري في الأحوال، يُغير مجرى التاريخ، (ص 127)، لكن بما أن الأحوال أدت إلى ما أدت إليه في أرض الواقع، فإن العلاقات بين الخطابي وكل من المخزن من جهة، وإسبانيا وفرنسا من جهة أخرى، تُمثل إشكالية معقدة تبقى من صنع الظروف التي كانت سائدة بين هذه الأطراف كلها في السنوات الواقعة بين 1923 و1926، وهي ظروف ثورة محاصرة تتخبط في إكراهات ماثلة للعيان، في ظل سعي نظام الحماية الذي لم يستكمل بسط نفوذه بشكل نهائي، والذي يرى في القضاء على الثورة الخطابية فرصته الأخيرة. (ص 128) قلاقل "جمهورية" الخطابي نأتي لإحدى النقاط الخلافية التي بقيت كذلك كلما أثيرت شخصية عبد الكريم الخطابي، وموقفه من السلطة المركزية ومعه طبيعة مشروعه في المنطقة، ومن هنا دلالات وأهمية العنوان الفرعي للكتاب: "من القبيلة إلى الوطن"، ورُبّ معترض من أتباع الأمير آنذاك، من أنه كان على المساري اليوم، أن يتحدث عن "محمد بن عبد الكريم الخطابي.. من القبيلة إلى الدولة"، وليس "من القبيلة إلى الوطن"، لولا أن هذه الجزئية توقف عندها مليّا الكاتب في عنوان فرعي جاء تحت عنوان: "البحث عن شرعية.. التفسير الإيجابي لمقولات الخطابي (من ص 143 إلى ص 146). نبدأ باستشهاد هام صدر عن د. وولمان في كتابه(abdelkrim y la guerre del rif) ص 174، من الطبعة الإسبانية، نقلا بدوره عن مونغومري هارت مُتبينا تأويله لوجهة نظره في المسألة، ومفادها أن ابن عبد الكريم حينما أعلن "الجمهورية" كان يقصد أنه يجب ألا يُفهم أنه يمثل وضعا يشبه بلاد السيبة في العرف المغربي في العهد السابق لفرض الحماية. وقد نقل هارت بدوره عن المساعدين الأقربين للأمير، وذكر من بينهم أزرقان وبودرة وحدون موح أمزيان، من أن العبارة التي كانت شائعة في ما بينهم هي "الجبهة الريفية"، وذلك للتلاؤم بكيفية أقرب ما تكون مع حالتهم وهي الانغمار في عمليات قتال متلاحقة. (ص 137). وعلى أي حال والتقييم هذه المرة للمساري فإنه مهما كان اللفظ المستعمل في الداخل أو في الخارج للدلالة على الكيان السياسي الذي تمت إقامته على أرض الواقع في الأراضي المحررة، فقد كان هناك دافع للنأي عن مصطلح المملكة أو السلطنة، وذلك حتى لا يختلط الأمر في المخيلة العامة للشعب، مع نماذج سلبية حاضرة في الأذهان، تمخضت عن تجارب سابقة لم يمر عليها زمن طويل، خاصة وأن المنطقة كانت لسنوات خلت مسرحا لتحركات خارجة عن الشرعية قام بها بوحمارة الذي ناصبوه العداء والاحتقار، وكانت بداية نهايته على أيديهم، ومصدر التعقيد هو أن الأمير كان يرغب بشدة في أن يبعد عن نفسه صفة المغامر الطامع في التسلط، وأن يبعد عن حركته شبهة الخروج الشرعية. فاتخذ لنفسه وصفا يبعده عن أن يصنف كأي روغي من زمن السيبة. (ص 138)، وتوقف المؤلف في هذا الصدد عند حكاية إبلاغ إسبانيا وفرنسا للزعيم الريفي ما سُمي بالطرح المشترك (1925)، كأرضية للتفاوض حول اتفاق مُحتمل قصد إنهاء النزاع، كان الشرط الأول الذي اقترح على ابن عبد الكريم هو أن يعترف بسيادة سلطان المغرب. وفي المقابل تعترف إسبانيا وفرنسا بحكم ذاتي إداري في الريف، وبصلاحيات تجارية. وكان الرد القاطع لزعيم الثورة هو الرفض. (ص 139) بالعودة إلى قلاقل الحديث عن "جمهورية الخطابي"، يستشهد المساري بوجهة نظري علال الفاسي وعبد الرحمن اليوسفي: فأما الأول، فقد فَسّر مختلف المبادرات التي أقدم عليه الخطابي بأنها تنم عن حس ديمقراطي أصيل، كما فَسّر إنشاء "الجمهورية" بأنه لا يعني عدولا عن فكرة الملكية عند زعماء الريف، ولكنهم في الحقيقة لم يكونوا يستطيعون الحديث باسم ملك المغرب الذي جعلته الظروف القهرية في منطقة النفوذ الفرنسي. ولم يرغبوا أن يقعوا في الخطأ الذي وقع فيه الهبة ووالده ماء العينين حينما أعلنا نفسيهما ملكين بعد أن كانا من مخلصي العرش والمدافعين عنه، ولذلك فقد وجد زعماء الريف حلا وسطا يُتابع علال، يمر عبر تأسيس نظام مؤقت يمكنهم من تنظيم الإدارة وتدريب الجمهور على أن يحكم نفسه بنفسه. (ص 143) وأما الثاني، فقد قَدّم تفسيرا مقاربا لهذه المقولات المثيرة للتأمل، حيث وظّفَها في اتجاه ركز عليه أكثر من غيره، وهو القول بأن عبد الكريم عمل على تأسيس نظرة جديدة لمسألة الدولة، وكان في هذا مختلفا عن المسعى التوفيقي الذي قدمه علال. وقد وردت تأويلات اليوسفي هذه في عرض قَدّمه في الندوة التي نظمت في باريس في 1973 وكان عنوانه "مؤسسات جمهورية الريف". وتمحور العرض حول فكرة رئيسية، وهي أن إيديولوجيا الثورة الخطابية كانت تنبني على قطيعة تامة مع نظام المخزن العتيق، كما أن اليوسفي يبرز أن الأمير كان يؤكد وجود "أمة مغربية" و"شعب مغربي" وهذه جزئية ذات بال بالنسبة إلى الحركة الوطنية المغربية. (ص 146) الثورة الريفية والثورة "الخطابية" في تجميع وتلخيص لصورة محمد بن عبد الكريم الخطابي عند المؤلف، نقتبس الفقرة التالية التي تَكَرَّر مضمونها عبر محطات عدة في فصول الكتاب، وجاء فيها أن محمد بن عبد الكريم كان نموذجا فذا لزعيم حداثي أنبتته تربة قروية. ولكنه مثل المتنورين في كل مرحلة من مراحل النضال الوطني، كان ينشد بناء مغرب عصري من أول مواصفاته أن يكون ديمقراطيا، كما حاولت جماعة الدستوريين قبل عقدين من الزمان في بداية القرن العشرين. وهذا ما يتجلى في محاولته تنظيم الشأن العام في المناطق التي كانت تابعة له بكيفية محكمة. (ص 149) وأخيرا، ارتأى المساري التدقيق مُجدّدا في موضوع الثورة الريفية مادمنا من جهة نتحدث عن ثورة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، ومادمنا من جهة ثانية، نحرر هذا العرض في زمن "الربيع العربي"، مع التذكير بأن الكتاب لا علاقة البتة بأحداث "ربيع عربي" أو "خريف إسلامي" أو شيء من هذا القبيل، حيث أكد الكاتب أنه طيلة هذه الصفحات التي مرت ترددت بدون تمييز، عبارات الثورة الريفية، والحرب الريفية، والحركة الريفية، وحتى الجمهورية أو الحكومة الريفية، من دون أن يعني ذلك أن الأمر يتعلق بمجموعة قبلية بعينها، مضيفا أنه يشعر براحة أكثر حينما استعمل في هذا المتن عبارة الحركة أو الثورة "الخطابية"، بحكم أن هذا الوصف ينطوي على قيمة مُضافة حقا، لأنه يدل على ظاهرة وراءها مُدبّر حصيف بناها خطوة خطوة، والخطابي هو الصانع العبقري لتلك الظاهرة، وواضح أنه كان في ذلك متفاعلا بكيفية خلاقة مع الظروف التي ميّزت في وقت معين منطقة معينة. (ص 209) تبقى نقطة ضرورية في خاتمة هذا العرض، تروم التأكيد على أن هذه القراءة لا تحول أمام القارئ والناقد دون قراءة مجمل صفحات أحداث الدراسات التي صدرت حول شخصية تاريخية من طينة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، ونحن ننتظر ما الذي يمكن أن يصدر عن مراجع مغربية في ملف الريف بشكل عام، وملف شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي بشكل خاص، في معرض تقييم العمل، ونخص بالذكر، الأستاذ علي الإدريسي، مؤلف إحدى أهم الأعمال في الموضوع: "عبد الكريم الخطابي: التاريخ المحاصر"، والأستاذ زكي مبارك، صاحب العديد من الأعمال التي تطرقت لموضوع المقاومة والريف، ومؤلف كتاب: "محمد الخامس وابن عبد الكريم الخطابي".