أكد الكاتب والشاعر المغربي محمد بنيس أن حركة المساندة للقضية الفلسطينية، سواء في المغرب أو في العالم العربي، تركز على الجانب التعبوي من مظاهرات ودعم مالي، لكنها تفتقر إلى "بُعد ثقافي" يعزز الفهم العميق لجذور القضية وأبعادها الفكرية والتاريخية. وأوضح خلال لقاء أدبي نظمه "كرسي فاطمة المرنيسي" يوم الأربعاء 12 فبراير بالرباط، بمناسبة تقديم كتابه "فلسطين ذاكرة المقاومات"، أن غياب هذا البعد الثقافي يُضعف قدرة المساندة على مواجهة التحديات الفكرية التي تشكل جزءًا أساسيًا من الصراع.
وأضاف بنيس: "هذه الحركة تفتقر إلى البُعد الثقافي الذي يعمق الفهم لهذه المأساة الكبرى، بما في ذلك الأصول الفكرية للصهيونية. هل نعرف هذه الأصول؟ وأين امتداداتها؟ وما هي تفرعاتها؟" مشيرًا إلى أن هذه الأسئلة كانت تشغله كثيرًا. وأشار الكاتب إلى أن فكرة تأليف هذا الكتاب بدأت عام 2017، عندما وعد مجموعة من الفلسطينيين بجمع كتاباته حول فلسطين في عمل واحد، لكنه لم يكن يعلم متى سيتم ذلك، أو إن كان سينجزه على الإطلاق. إلا أن إعلان جاريد كوشنر عن "صفقة القرن" دفعه إلى اتخاذ قرار حاسم بالتفرغ لهذا المشروع، قائلاً: "بدت لي أن اللحظة هي الهدى للقيام بهذا العمل، فأوقفت أشغالي كلها، وبدأت بجمع ما كتبته". وأضاف أن الفكرة تطورت سريعًا لتصبح أكثر شمولًا من مجرد تجميع نصوصه، مما دفعه إلى السفر إلى باريس حيث توافرت له المصادر الحديثة والمراجع الأساسية، إلى جانب إمكانية النقاش مع أصدقاء فرنسيين للاستفادة من رؤاهم. وأوضح أن رحلته كانت مفصلية في إنجاز الكتاب، خاصة أنه تمكن من الاطلاع على مؤلفات حديثة صادرة في تلك الفترة، ما ساهم في بناء رؤيته النقدية حول المسألة الفلسطينية. وأوضح بنيس أن الكتاب كان جاهزًا في نهاية نونبر 2020، قبل أن تبدأ موجة التطبيع العربي مع إسرائيل، وهو ما جعله يشدد على أهمية استعادة البعد الثقافي للقضية الفلسطينية في ظل ما وصفه ب"المشهد المأساوي الكبير". وقال: "في الوقت الذي كنت أهيئ فيه الكتاب، أعلن ترامب عن التطبيع هناك في واشنطن، فأضفت النص الأخير، التطبيع وطريق الحرية". كما شدد بنيس على أن القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي، بل هي قضية فكرية وحضارية تحتاج إلى قراءة معمقة لجذور الصهيونية وأصولها الفكرية وامتداداتها، متسائلًا: "هل نعرف هذه الأصول؟ وأين امتداداتها؟ وما هي تفرعاتها؟". وأعرب عن قلقه إزاء ما وصفه ب"التهميش الثقافي" لفلسطين، مشيرًا إلى أن اسمها يكاد يكون غائبًا عن الصحافة والخطاب العالمي، حتى أن "غوغل قام بحذف اسم فلسطين"، على حد تعبيره. وقال: "عندما أردت أن أكتب تقديم هذا الكتاب، جاءني شيء واحد: اسمك فلسطين". ويُعد محمد بنيس أحد أبرز المثقفين المغاربة الذين انشغلوا بالقضية الفلسطينية، حيث يرى أن الكفاح الفلسطيني لا يقتصر فقط على المقاومة المسلحة والسياسية، بل يشمل أيضًا إسهامات الكتاب والأدباء والمفكرين والعلماء والفلاسفة، الذين ساهموا في بناء وعي عالمي بالقضية. يذكر أن اللقاء الأدبي شهد حضور عدد من المثقفين والباحثين، حيث ناقشوا مع بنيس محاور كتابه وأهمية إحياء الدور الثقافي في دعم القضية الفلسطينية.