ما يجري في الريف، منذ 28 أكتوبر 2016، يسمّيه بعض الناس ب"الحِرَاك"؛ وهو مصطلح جديد، لم يكن مستعملا في تاريخ الريف منذ سنة 1912، وأطلقه الشباب للدلالة على الخروج من الفترة الممتدة بين سنة 1984-2016 وكأنها فترة جمود انتهت وتبعها تحرك Dynamism. والمصطلح المستعمل سياسيا وإعلاميا منذ سنة 1917 هو "ثورة الريف"، واستعمل سنة 1984 وسنة 1958 مصطلح "حوادث الريف"، واستعمل سنة 1921 مصطلح "جمهورية الريف"، واستعمل مصطلح "حرب الريف" في التاريخ العسكري وبعض دروس التاريخ العام الحديث. وقد وقفت على هذه المصطلحات من قراءة ما يكتبه الإعلاميون والسياسيون والمؤرخون، ولكل هذه المصطلحات خلفيات سياسية. ولها معنى مهم يفيد بأن المنطقة لها تاريخ خاص بها، ولا نجد هذه المصطلحات في جهات أخرى من المغرب مثل سوس، وتافيلالت.... كما أن لها مصطلحات أخرى بالأمازيغية لدى الريفيين مثل "بوقبارن"Buqbbarn.. ولكننا نجد بعض المصطلحات المشابهة في الصحراء الجنوبية، وأجرينا هذه المقارنة لنحاول فهم ما ينطبق على ما يجري في الريف سنة 2017 حتى يتسنى لنا القول بأن دراسة المصطلحات المذكورة هي مقدمة ضرورية لفهم ما يجري حاليا في المنطقة، وكذلك من أجل إعداد الحلول الموضوعية "للحراك"؛ فمنطقة مرت بها هذه المصطلحات واستمرت خلال حوالي 100 عام، لا يمكن معها تلفيق المصطلحات، مثل "الفتنة" و"الانفصال" و"المس بأمن الدولة" و"إهانة الرموز الوطنية"... لأن هذه المصطلحات استعملت في الريف من لدن الفرنسيين والإسبان، ثم استعملها المخزن المغربي مكررة وسيئة الترجمة من قوانين فرنسا وإسبانيا منذ سنتي 1958 إلى 1984 إلى سنة 2017، ولا يمكن منهجيا الاعتماد بشأن الحراك على مجرد تقرير يحرره وزير الداخلية، أو تحرره أجهزة المخابرات مثل "الفرقة الوطنية للشرطة القضائية"؛ لأن التقرير الحقيقي حول ما يجري اليوم يجب أن يبدأ من سنة 1912، كما أنه لا تكفي مسرحية "طرح السؤال الشفوي من لدن برلماني مجهول في الريف على وزير لا يفهم شيئا عن الريف". كما أنه لا يصلح منهجيا أن يكتب عن الحراك مجرد تقرير، أو محضر شرطة، أو صك الاتهام من لدن قاضي التحقيق وغيره... وهنا نتساءل: من يستطيع أن يحرر تقريرا قريبا من الحقيقة عن مراحل ما يجري في الريف سنة 2017؟ وللمقاربة فقط، نطرح منهجية تناول الحراك، في أبعاده التاريخية والثقافية والإنسانية. ولالأبعادذلك، يجب منهجيا تسفيه أناس وضعوا أنفسهم كوسطاء بين الريف وبين المخزن دون أن يضعوا خطة كاملة واضحة من بدايتها إلى نهايتها ويعرضوها على الشعب، فأصبح الذين يعتبرون أنفسهم حكماء مجرد سماسرة السياسة المخزنية يعرضون بضاعتهم للحصول على مصالهم الشخصية حتى ولو أدى الأمر الى تضليل المخزن ليكون هو الخاسر في كل الأحوال !! ولذلك، نقترح هنا دراسة البعد التاريخي للحراك ونقسمه إلى مراحل. منها: مرحلة 1912-1921، وهي المرحلة الأولى التي رفض فيها الريفيون الحماية الفرنسية والإسبانية التي أمضاها سلاطين العلويين مع هاتين الدولتين، وقرروا خوض الحرب ضد هاتين القوتين الاستعماريتين استمرت حوالي 9 سنوات؛ وهي الفترة التي برز فيها قائد المعارك الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي. وعند الحديث عن "رموز الوطن" فهو كما يرى الجميع رمز شباب الريف اليوم، وبصفته رمزا للتحرر والانتصار على الأعداء تكون وضعيته السياسية كرمز موضوعا مهما للمصالحة ورد الاعتبار، ومراعاة شعور الشباب الذي يرتبط به روحيا، ويعتبره جدا مشرفا لجيل اليوم من الريفيين، وأكبر خطأ سياسي ارتكب في حق هذا الرمز من لدن الذين تجاهلوه حتى مات في المنفى، والآن فهم يؤدون ثمن هذا الخطأ. مرحلة الجمهورية 1921-1926، وهي مرحلة البحث عن بديل سياسي لسلاطين العلويين في تلك الفترة، واقتراح النظام الجمهوري بكل مقوماته الإدارية والسياسية، فيكون هذا البديل قضية تدخل ضمن الاختيارات السياسية التي تجد لها صدى واتباعا في السياسة الداخلية والعالمية، ويجب أن لا تعتبر تابو Tabou بل مجرد موضوع سياسي يعالج بالإقناع وليس بنصوص القانون الجنائي، خاصة أن الحكم الذاتي قدّمه المخزن المغربي كحل في الصحراء. مرحلة 1958، وهي مرحلة بدء الريفيين للصراع مع المخزن المغربي، بعد أن كانت المرحلتان المذكورتان أعلاه تهمان بالدرجة الأولى فرنسا وإسبانيا، وهي مرحلة تحول النظام المخزني إلى نوع جديد يحاول بناء دولة الاستقلال، انسحبت عنه الحماية الفرنسية والإسبانية سوى في بعض المناطق الريفية كسبتة ومليلية، ومرحلة انتقال الجيش الذي كان مجندا في صفوف إسبانيا وفرنسا إلى جيش مندمج في وطنه، هو وبقية القوات من الدرك والشرطة، وبدأت مشاكل اقتسام السلطة السياسية وإعادة ترتيب السياسة في المنطقة ككل بما في ذلك الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، أي شمال إفريقيا والساحل. مرحلة 1984، وهي مرحلة الصراع المحلي بين الأيديولوجيات في كل شمال إفريقيا بين الشيوعية والرأسمالية والاشتراكية، وكان طبيعيا بعد أن امتدت شخصية مولاي موحند إلى كل الحركات الثورية خاصة لدى الشيوعيين والحركات الاستقلالية في العالم الثالث أن يمتد الصراع الأيديولوجي إلى الريف ويظهر بقوة التيار الماركسي الذي كان وراء تعبئة شباب الريف. حراك سنة 2016، وهو يتميز بخصائص حركات التحرر في شمال إفريقيا المعتمدة على الهوية الأمازيغية، والديمقراطية المحلية وحقوق تقرير المصير، ومحاربة الاستبداد والحكرة. ولذلك، يعتبر من رموزه العلم الأمازيغي، وراية الريف، وأمجاد جمهورية الريف.. وهي رموز حصلت على نوع من التقديس الشعبي، وهي رموز سياسية يجب التعامل معها كرموز وطنية وجعلها مشتركة بين جميع مكونات الشعب.