عرف بلاد الريف تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية على مر الأزمنة والعصور، كان من شأن هذه الأحداث التي أخذت طابع تاريخي وأنتربولوجي، صنع صيرورة تاريخية تناولها مؤرخين وباحثين في علم الإجتماع من مختلف بقاع العالم. قبل الغوص في دلالات هذه التحولات، نستحضر السياق التاريخي والدافع الأساسي لكتابة هذه الفقرات المتواضعة. فبمناسبة الذكرى الواحد والخمسون لاستشهاد المدرسة التحررية العالمية ورئيس جمهورية الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي أو ما يعرف عند إريفيين ب مولاي موحند، هذا الثائر الذي زعزع التغلغل الإستعماري، والمشروع الإمبريالي الرأسمالي في بلاد ثامزغا وفي العالم بأسره. ها نحن اليوم وكأبناء الريف مرة على استشهاد أبونا وقدوتنا الذي حررنا من الاستعمار وحاول أن يجعلنا في دولة ديموقراطية حداثية تقدمية في وقت جد مبكر، خلال عشرينيات القرن الماضي، لولا تكالب التحالف الثلاثي (المخزن المغربي إسبانيا فرنسا) وقصف الريف بالأسلحة الكيماوية والدمار الشامل الذي لازال الآلاف من أبناء الريف يعانون الويلات مع هذا الداء، وفي غياب تام للمستشفيات وإهمال ممنهج من طرف المخزن المغربي يستهدف أبناء شعب الريف، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو هل تحقق في 2014 ما كان يحاول مولاي موحند أن يحققه في الفترة الممتدة بين سنتي 19211926؟؟. إذن في إطار هذه التحولات المتأزمة التي يعيشها بلاد الريف على طول خريطته، يجب إثبات حقائق تاريخية تم السكوت عنها وإغفالها إذا صح التعبير، كما يجب النبش في ذاكرة الريف، وحتى ذلك التاريخ الرسمي المزيف إذا قمنا بدراسته وتحليله وفق منهجية، فسنجد تناقض واضح، وسنستنتج حقائق تاريخية تثبت أن الريف لم ولن يكن خاضعا للمخزن، هذا من زاوية إلى جانب حقائق سنستنبطها من الواقع، وحتى إذا سألنا آباءنا سنجد أن المخزن دفن فيهم هذه الحقائق، وذلك عبر ممارسته لسياسة الترهيب وسياسة التعذيب التي استهدفت شعب الريف أكثر من مرة، ومحاولة الإبادة الجماعية لشعب الريف سنوات 1958/1959… في هذا الإطار يجب الوقوف عند بعض المصطلحات والمفاهيم التي سنناقشها في هذا الموضوع مثلا كالمخزن أو الخضوع إلى المخزن فهنا يقصد الدولة المغربية أو النظام السياسي المغربي، كذلك سنستحضر مصطلح بلاد الريف، وتحيل تسمية بلاد الريف أو إقليم الريف (حسب فقه القانون) على الجهة الشمالية من المغرب. وقد تواتر ذكر هذا المصطلح في أمهات المصادر التاريخية والمصنفات الجغرافية والوثائق الرسمية والكتابات الأجنبية للدلالة تارة على التجمعات القبلية الأولى التي شكلت قاعدة لإمارة النكور في عهد صالح إبن منصور أو مايعرف محليا ب "سيذي صارح" طوال القرون الثلاث الهجرية الأولى وما بعدها، وتارة للتعبير عن كل الشريط الساحلي المتوسطي الممتدة من أعمدة هرقل والبوغاز غربا إلى نهر ملوية شرقا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى تلال مقدمة الريف وأحواز نهر ورغة جنوبا. طبعت العلاقة بين الريف، كمنطقة جغرافية وسكانية احتضنت أكبر حركة تحررية في العالم، والسلطة المركزية التي تقوت بمنتهى أوفاق إيكس ليبان التي لا زالت نقطة سوداء في جبين المخزن المغربي، والعلاقة التي كانت بين الريف والمخزن هي علاقة دموية منذ فجر التاريخ وبالتالي لا يمكن محو جرائم المخزن على مر التاريخ السياسي المعاصر. وفي هذا الصدد سنفتح قوس للحديث على الأسس التاريخية والخصائص الإقتصادية والسياسية التي كان عليها الريف قبل أن يخضع للمخزن، وفي هذا الإطار سنتناول الوضع الاجتماعي الذي كان سائدا في بلاد الريف. على المستوى الإقتصادي كان يسود نوع من النظام الإقتصادي الذي يعرف بالإكتفاء الذاتي، بمعنى أن الإنسان الريفي كانت أهم الأنشطة التي يعتمد عليها هي الأنشطة الفلاحية وما يتعلق بها كالحدادة والصناعة التقليدية (الدوم الحلفاء الخزف) التي لا زالت إلى يومنا هذا، وكل هذه الصناعات تستعمل في المجال الفلاحي، ثم كان جل الريفيين يزرعون ويحصدون ما يعيشون به، وفي هذه الأنشطة إكتفاءا ذاتيا ، وكانت تستورد بعض المواد الغذائية من إسبانيا بحكم التقارب الجغرافي وحسن العلاقات بين الريف وإسبانيا، كما أن هناك دراسات تثبت أن الريف لم يكن يعرف ظاهرة الهجرة إطلاقا لكون الوضع المعاشي جيد. وقد بلغ عدد سكان الريف في هذه الأثناء (النصف الثاني من القرن19 ومطلع القرن 20) 1.000.000 نسمة حسب مصادر أجنبية. أما على المستوى السياسي فكان يسود نوع من النظام يعرف في كتب التاريخ ب " امغار" الذي يتولى حكم القبيلة، وكان دوره حل النزاعات خاصة فيما يتعلق بحدود الأراضي حيث كانت الأرض ثمينة وربما الإنسان الريفي يضحي بالغالي والنفيس من اجل الأرض، وإن دل هذا على شيء إنما يدل على تشبث الإنسان الامازيغي بالأرض التي منها يستمد شرعيته، وكان لأمغار دور في تحرير العقود مثل عقد الزواج و البيع والشراء إلى جانب عدة مهمات التي كانت تسند إليه. ومن الناحية الأمنية كان هناك جيش تقليدي وله نظام خاص ، وكان على رأس كل 100 من الجنود (المشاة) قائد يسمى قائد المائة، وداخل هذه الفرقة يوجد على رأس كل 25 عسكريا قائد يسمى قائد 25، وكان دورهم هو مراقبة الشواطئ وتوفير الأمن، وبقي هذا النظام مستمر إلى ما بعد الإستقلال الجزئي للمغرب حيث كان يسمى هؤلاء القواد ب (رقايذ أبوري) ولم يكن لهم أي دور بعدما أصبح الريف تحت نفوذ المخزن، وتم تقزيم دورهم. ومن جهة أخرى فكان للريفيين دور فعال في المشاركة في تدبير الشأن العام، كما كانت في المجتمعات الريفية مؤسسات تشاركية، ومواثيق وعهود محلية أو ما يعرف ب "إزرفان أويذوذ" لكن تدخل الإثنولوجيا الاستعمارية هي التي كسرة هذا النظام. كما أثبت خبراء أوربيين متخصصين في مجال التنمية أن المجتمعات الريفية كانت مجتمعات متفاعلة تحركها المصلحة والمنفعة العامة وفي وضع يغيب فيه شيء إسمه الدولة ، إذ قامت هذه المجتمعات بفتح المسالك، وبناء المساجد، والمنشئات المائية …. وهذه المؤسسات التشاركية التي تخدم العامة نجد لها مرجعية منبثقة من الثقافة والهوية الامازيغية، وقد نجد أيضا مؤسسات تقليدية تضرب في جذور التاريخ، و يتعلق الأمر بإطار سوسيوسياسي غير مهيكل يسمح لأعضاء المجتمع بالمشاركة في تنظيم الممتلاكات الجماعية مثل المساجد والمراعي و الأحواض المائية، قنوات الري …. وكانت تعقد اجتماعات بشكل غير منظم بين كل مكونات هذه المجتمعات الريفية بمعنى أن الكل كان يشارك في تدبير الشأن العام، وكان يعتبر قرار الجماعة أو خلاصة الإجتماع بمثابة قانون أساسي أو دستور ينظم المصالح العامة والعلاقات … بينما كان المسجد في الريف له عدة ادوار ولم يكن يؤدي الوظيفة الدينية التعبدية فقط، إذ كان يعتبر مسجد القرية المرفق الجماعي الأكثر شيوعا في الوسط الإجتماعي، وكانت قنوات الري بمثابة مؤسسة إجتماعية تصهر مكونات المجتمع على صيانتها و تسيرها وتنظمها بشكل ديمقراطي تشاركي، هذا بالإضافة إلى "ثويزة" او ما يصطلح عليه بالتضامن الإجتماعي أو الجماعي، وترتبط " ثويزة" في بعض الأحيان بالعمل الإحساني، وذلك في حالة تكفل بالأعمال الفلاحية لفائدة النساء الأرامل أو المطلقات …، وعلى غرار العديد من المؤسسات التقليدية، فإن ثويزة متعددة المعاني والوظائف، حيث كان كل من النساء والرجال ملزمون بالمشاركة في هذه الأعمال، وهنا تقتضي الإشارة إلى دور المرأة والمساواة بين الرجل والمرأة التي كانت ثقافة عند الريفيين منذ فجر التاريخ. إن مجال التقاليد التشاركية واسع ويختلف تبعا للوسط المعاشي، وكان الكل يسعى إلى احترام القانون الصادر عن الجماعة "إزرفان" لان الكل شارك وساهم فيه، ولم يتم إصدار هذا القانون من بلاد لأخر، ويتم تطبيقه بالقوة وهو بدوره لا يتلاءم مع خصوصيات المجتمع الذي يصبح عليه هذا القانون مجبر. بعد استحضارنا للوضع الذي كان سائدا في بلاد الريف، والذي لم نجده في مناطق المغرب، وذلك لأسباب ترجع إلى نهب أموال الشعب من طرف السلطات الحاكمة و سياستها الإقطاعية والاستبدادية، وفي صدد الحديث عن الضرائب، فإن الريفيون لم يكنوا يدفعون الضرائب، وكتب احد المؤرخين أن المخزن المغربي كان يرسل "المخزنيا" لجمع الضرائب من بلاد الريف، لكن الريفيون كانوا يستغربون كيف يتجرأ المخزن ويرسل مخازنيا من اجل جمع الضرائب وهنا يطرح السؤال إذا دفعنا هذه الضرائب بماذا ستعود علينا ؟؟؟؟ وما الفائدة منها؟؟؟ لهذا كان يطرد المخازنيا كلما اتو من اجل الضريبة. ولكل هذه الأسباب أطلق السلاطنة العلويين مصطلح بلاد السيبة على الريف، حيث كان المخزن لا يسيطر ولا حولا له ولا قوة في بلاد الريف، وإذا شرحنا هذا المصطلح بلاد السيبة فقد يعني بلاد يحكم فيه القوي ويأكل الضعيف، لكن هذا غير صحيح وكل ماسبق الحديث عنه يتناقض مع مصطلح بلاد السيبة. والدليل على ذلك المقاومة المسلحة التي انطلقت في النصف الأول من القرن 19 التي واجهت المشروع الإستعماري وألحقت به هزائم نكراء، في المقابل كان المخزن ضعيف أشد الضعف أمام الإستعمار، وأمام الريف حيث إستغل المخزن ظرفية معينة، وشيد خلالها ثكنة عسكرية بمدينة سلوان وأخرى بفرخانة، بهدف فرض وجوده في الريف لكن سيجد مواجهة قوية أمامه من طرف الريفيين. وألحق به الجيش الريفي خسائر كبيرة مادية وبشرية حسب ما أورده الحاج العربي الورياشي في كتاب "الكشف والبيان عن سيرة بطل الريف الأول" حيث يقول " … هاجمة قبائل قلعية الجيش الحكومي الذي كان مرابطا بقصبة فرخانة، وعدده نحو خمسمائة جندي، تحت قيادة البشير ابن سناح …، وأحط المهاجمين بالجيش الحكومي المندحر في قصبة فرخانة من سائر الجهات". هذا بالإضافة إلى أن المخزن كان يعتبر أن الريف أرض جزء من الإيالة الشريفة بين قوسين، ولم يكن مطلع على الوضع الاجتماعي والسياسي الذي كان سائدا في بلاد الريف، والتاريخ الذي يشهد بأن الريف لم يكن خاضعا لنفوذ المخزن ، مما جعله يقدم الأراضي الريفية للمستعمر الإسباني ، حيث كان المخزن عندما ينهزم أمام الإسبان أو يريد أن يعقد الصلح كان يدفع لهم الأراضي الريفية باعتبارها أراضي في بلاد السيبة "السيبة" التي تعني، فيما يخص حالة الريف، غياب تلقائي للمخزن و الامتناع عن الخضوع لنفوذه، كما سبقت الإشارة. هذا حسب ما جاء في كتاب "الكشف واليبان" صفحة 50 " … وفي 27 شعبان 1276 ه. الموافق 25 مارس 1860م. انعقد الصلح بين المغرب والاسبان، عقده من جهة المغرب العباس بن عبد الرحمان ومن جهة الاسبان القائد الأعلى لجيش الإحتلال، على أن يدفع المغرب غرامة حربية للإسبانيين ومقدرها 20 مليون الريالات. وأن تدفع الأرض التي هي الآن حدود لمدينة سبتة والأرض التي هي الأن، حدود لمدينة مليلية…" لكن الريفيين لم يأخذوا من عقد الصلح الذي جرى بين المخزن والإستعمار الإسباني وضربوا به عرض الحائط، والدليل على ذلك اندلاع مقاومة مسلحة شرسة تكبد فيها الإسبان خاسائر فادحة على مستوى العدة والعدد، والواقعة عرفة في كتب التاريخ بمعركة سيدي ورياش. هذا بالإضافة إلى مجموعة من الدلائل التي تأكد على أن الريف لم يكن خاضعا للمخزن، وهنا يجدر القول بأن المجتمع الريفي له نزعة تحررية يرفض الخضوع للأجنبي باعتباره مصدر غازي وهذه النزعة يمكن القول عنها أنها ثقافة عند الريفيين، وهذا الطرح يزكيه الباحث الانتروبولوجي أوجيست موليراس حيث يقول أن الريف والريفيين لم يخضعوا للاستعباد منذ فجر التاريخ ….. وهذا ما يقودنا إلى المسائلة، إذا كانت قبائل الريف قبائل مغربية خاضعة لنوفوذ المخزن لماذا شاركت وحدها في الحرب التحررية الريفية سواء في فترة الشريف محمد امزيان أو في فترة مولاي موحند، ولم نجد في كتب التاريخ بالإطلاق وخاصة الكتب الرسمية أن قبيلة وحيدة شاركت في الحرب من غير قبائل الريف، وفي صدد الحديث عن الحرب التحررية في فترة مولاي موحند فإن المقاومة توقفت عند أبواب فاس لكونها منطقة مخزنية تحت سلطة الحماية، وهذا لا يعني أن مولاي موحند كان يسعى إلى تحرير الريف فقط بل مولاي موحند كان يسعى إلى تحرير العالم بأسره. دون أن ننسى أن علاقة السلاطين العلويين بالريفيين الثوار وخاصة بمولاي موحند بقية غامضة حتى في الدراسات التي تناولت هذا الجانب بالبحث والتحليل، والكل يعلم أن مولاي موحند كان ملقب في القصر بالفتان وبالروكي الثاني أي بوحمارة الثاني، حسب ما تثبته مجموعة من الرسائل التي كان يوقعها السلاطين، بينما كثير من المصادر تقول أنه كانت هناك علاقة بين عبد الكريم الخطابي الأب والمخزن في بداية القرن 20، هنا يجب توضيح مسألة في بالغ الأهمية، وهي أن العلاقة التي كانت هي علاقة من أجل القضاء على ثورة بوحمرة من جانب الريف حيث كان بوحمرة يساعد إسبانيا على إجتياح الأراضي الريف واستغلال منجمها، ومن جانب المخزن فكان يهدد عرش المخزن بادعائه أنه سلطان المغرب إذ حاول بوحمارة أن يستغل الصراع الذي كان بين الريف والمخزن لكن لم ينجح وقضى نحبه في الريف الأوسط، على يدي الريفيين الأشاوس. وفي هذه الفترة نجد المجال واسع لمناقشة وإثبات أن الريف لم يكن خاضعا للمخزن وربما السبب هو توفر المادة والمراجع، علما أنها لم تشير إلى هذه الحقيقة التاريخية بشكل واضح، وهنا سنقف عند معاهدة فاس (30 مارس 2912) التي بموجبها تم فرض الإستعمار على المغرب، والتي وقعها السلطان المغربي مع السلطات الفرنسي، وبالتالي فإن الريف وإسبانيا لا محل لهم في هذه المعاهدة ، مما يدل على أن الريف لم يكن خاضعا لنفوذ المخزن، نذهب إلى عقد بيعة مولاي موحند أميرا على الريف الذي تم عقده سنة 1921، فجاء في هذه البيعة مايلي: … فهنيئا لأرضنا إذ ألقت مقاليدها إلى من يحميها ويحقن دماها… ويشيد مبنها…" أي إلى تنظيم سياسي يحمي ثروتها المعدنية والطبيعية والبحرية من الاستعمار، وبناء مراكز … إلخ. وهذا ماجعل مولاي موحند ورفاقه يؤسسون الجمهورية الريفية، وبما أننا ذكرنا الجمهورية الريفية ، فلا يمكن أن ننكر أن المخزن المغربي مصاب بالحساسية تجاهها، ويعيش عقدة نفسية مزمنة تجاه أبناء الريف لكونه تفجاء بتأسيس جمهورية الريف، وتأكد حينئذ أن الريف لم يكن تحت سيطرته، وان بلاد السيبة أصبح دولة ديمقراطية حداثية ذات حكومة ودستور. وقد جاء في خطاب وزير خارجية الريف محمد أزرقان، بعد فشل مؤتمر تطوان سنة 1923 " … إن الحكومة الريفية -التي تأسست على قواعد عصرية وقوانين مدنية- تعتبر مستقلة سياسيا واقتصاديا آملة أن تعيش حرة كما عاشت قرونا وكما تعيش جميع الشعوب، (..)"، وهو بدوره يثبت أن الريف حر وشعبه مثل باقي الشعوب…. وجاء أيضا في خطاب مولاي موحند في منشور أذيع في غشت 1923، يقول فيه " إن الريفيين قادرون على حكم بلادهم ومستعدون أن يبرهنوا كما برهن الترك على أنهم يستطيعون بلوغ مراميهم بقوة …". ولم تسبق الإشارة في هذا الموضوع إلى الحرب التي عرفت بحرب الأشهر الثلاث التي هجما فيها الجيش الريفي الإسبان إلى حدود أبواب فاس، ووقع التشابك بين الريفيين وسلطات الحماية ووصف هذا الصراع بالصراع حول الحدود الريفية وحدود دولة المخزن أو بصيغة أخرى صراع حول حدود جمهورية الريف ومنطقة الحماية، وهنا يتضح اعتراف غير مباشر بان الريف لم يكن خاضعا للمخزن، أما علال الفاسي فقال في كتابه "الحركات الاستقلالية في المغرب العربي" متحدثا عن الجمعية الوطنية التي إنبثقت منها حكومة الريف، "… تشكل هذا المجلس العام باسم ((الجمعية الوطنية)) من جماعات وقبائل والآهلين والمشايخ والقواد…، وكانت هذه الجمعية هي التي تمثل إرادة الشعب وتتولى تنظيم الكفاح وإدارة البلاد...وأول قرار اتخذته هو إعلان الاستقلال الوطني وتأسيس حكومة دستورية جمهورية يرأسها محمد عبد الكريم بصفته زعيم الحرب التحريرية.وكان ذلك يوم 15 محرم سنة1340 هجرية ثم والت الجمعية عقد اجتماعها فوضعت للبلاد دستورا مبدؤه سلطة الشعب..."، وحتى لا أطيل في الحديث عن فترة مولاي موحند والصراع المرير بين الريفيين والمركز، خاصة ونحن نقف عند الذكرى 51 لاستشهاد مولاي موحند ونطرح السؤال، ماذا تحقق؟؟؟؟؟؟؟. ونجد أن المخزن يخشى منه وهو في القبر، ولم يحضى بأي إهتمام. وحتى إذا لم يحضى مولاي موحند ولم يصبح معلمة تاريخية في المغرب، فهذا لا يحرك أنفسنا كأبناء الريف، بل المغرب لا يمكن أبدا أن يعترف بفكر هذا القائد المغوار، لانه لا يعنيه في شيء ولا صلة له به، لذا يجب أن نفتخر به نحن ونتخذه معلمة في بلاده، ونستضيء بفكره دروبنا، ونكتب تاريخنا بأقلامنا ولا نطلب من المخزن ذلك. وأسجل مرة أخرى أن الريف لم ولن يكن خاضعا للمخزن، ولم يكن تحت نفوذ السلاطين العلويين، بالرغم من ما جاء في بعض الكتب التاريخية أن الريف كان يتمتع بسياسة جهوية واللامركزية وهذا ما يؤكده الأستاذ محمد أونيا في مقال: " لأسس التاريخية لجهة الريف:الثوابت والمتغيرات"، أن الملوك العلويين الأوائل قد سنوا سياسة جهوية يمكن نعتها بالموسعة ليس فقط بفضل إخلاص بعض الزوايا المتنفذة كالوزانية الأم وفروعها، ولكن عبر منح الجهة الريفية من طنجة وما والاها إلى ملوية وأحوازها حكما شبيها ب " الحكم الذاتي " حسب الاصطلاح المعاصر، وذلك على امتداد قرنين من الزمن من منتصف القرن 17م. إلى منتصف القرن 19م، ويرجع تاريخ ظهور هذا النوع من القيادة العامة على الريف، إلى عهد السلطان الرشيد، ولاسيما إلى عهد السلطان إسماعيل (1673- 1721 ). ويتضح من إشارة أوردها المؤرخ عبد الكريم بن موسى الريفي الذي عاصر تلك المرحلة، أن "أولاد الريفي" هؤلاء، قد تبوأوا منصب القيادة منذ سنة 1084 / 1673، ويقول، ابتداء من تلك السنة وأهل الريف يتولون حكم بلادهم، لا كن لا أعتقد صحيحا ما جاءت به هذه المصادر، كما سنبين ذلك، من خلال الإنتفضات الدموية التي إندلعت مباشرة بعد نهج سياسة تشيد القصبات في كل من فرخانة وسلوان وأجنادة أو سناذة …إلخ، وكان يتم البناء في النهار من طرف المخزن ويتم هدم ما شيد بالنهار في الليل من طرف الريفيين، تعبيرا عن رفضهم لسياسة المخزن، ودخل الريف في حروب عدة مع المخزن، وإنهزم الجيش الحكومي ميرارا وتكرارا أمام الريفيين، وذكر كتاب الإستقصا أنه كان صراع ومقاومة شديدة بين الريفيين والجيش الحكومي…، و في معركة واحدة قتل أزيد من 1500 جندي حكومي أي مخزني. وحسب ما جاء في في إحدى الوثائق المخزنية " إندلاع انتفاضة قبلية عارمة امتدت من قلعية إلى أيث ورياغل …"، وأضيف على هذا المستوى أن العلاقة التي كانت بين الريف والمخزن ليست بالجهوية، ولم تكن باللامركزية، بل هي علاقة خاصة بالزواية التي كان لها دور شيطاني، وهي السبب وراء كل المحن التي تعرض لها الريف (سياسة التعريب خدمة الإستعمار الإمبريالي من جانب وخدمة المخزن من جانب أخر). امتد هذا الصراع الدامي وهذه العلاقة المتواترة بين الريف والمخزن منذ قرون عدة، إلى أن ظهر هذا الأخير عن حقيقته وكشف عن أنيابه، بعد عدة أسباب منها السياسية والإجتماعية والإقتصادية، التي جعلت ساكنة الريف تصعد إلى الجبال وترفض سياسة المغرب، لكن هنا سيظهر أن المخزن أصبح مفترسا، بعد اغتياله لأعضاء جيش التحرير وفي طليعتهم عباس لمساعدي، سيحاول القيام بإبادة جماعية لشعب الريف وتطويق المنطقة بأزيد من 20000 جلاد على رأسهم الحسن الثاني وهو بدوره إعترف بهذه المجزرة حين قال في خطابه التهديدي الإرهابي سنة 1984 بعد انتفاضة الخبز والكرامة بالريف قال وبالحرف الواحد " وناس ديال الشمال رهوم عارفين ولي العهد واحسن ميعرفوش الحسن التاني فهاد الباب …". أي أن ولي العهد هو جزار 1958/1959، أو مايعرف محليا ب "عام إقبان"، وهذه المجزرة لم يكن لها مثيل، لكن لا يمكن أن ننسى تلك المذبحة التي قام بها المخزن في حق قبيلة بقوية سنة 1868 بقيادة المجرم محمد بن بوشتى البغدادي، لكن الفرق أن المذبح التي قدها ولي العهد بين قوسين شملت كل ربوع الريف، بينما المذبحة التي تزعمها البغدادي إقتصرت على قبيلة بقوية وكان ذلك على غدر كما هو معروف في كتب التاريخ. ولم تخمد ثورة 1958/1959 إلا بعد إستعمال كل الوسائل الحربية من طائرات وذبابات ومدافع …، وذهب ضحيتها أزيد من 3ألف قتيل، والآلاف من الجرحى والمفقودين، والمئات من المعتقلين تم الزج بهم في زنازين النظام المغربي، واغتصبت المئات من النساء والفتيات وقام المخزن بأبشع الجرائم يتحشى القلم عن ذكرها، ليتبخر حلم الريفين مرة أخرى، ويتبخر حلم الحاج سلام أمزيان، ويتخذ مسلك مولاي موحند… ليشكل المخزن المغربي لدى شعب الريف إحساسا سكولوجيا يتمثل في عدم الثقة في الدولة، ورفض لجميع شعاراتها، لان من عادتها الغدر، وهو ما يبدو واضحا في الانتفاضة المجيدة على الإقصاء والتهميش في الخميس الأسود (19 يناير 1984)، حيث جدد المخزن ميثاق القمع وإعادة المجزرة إلى الريف من جديد، ووصف الحسن التاني في خطابه شعب الريف بالأوباش والانفصاليين، وحتى إذا تأملنا بعض الشيىء في هذا المفهوم (الإنفصال) فسنطرح السؤال من سينفصل؟ وعلى من سينفصل؟. بكل هذا أصبح الريف خاضعا لحالة إستثنائية غير معلنة ومحكومة بالقبظة الحديدية، إذ نستخلص أن العقلية المخزنية الإحتقارية المقصودة من قبيل السلطات المركزية لاعتبارات وحزازات خاصة بالريف، وتم التخلي عن الريف بعدما أصبح جزء من الدولة المغربية، ووضع على الريف علامة حمراء، كما فرض عليه أيضا التهميش المتعدد الأوجه والأشكال ذات أبعاد أمنية منذ زمن طويل، ولازالت إلى يومنا هذا تتميز معاملات المخزن مع الريف بالتهميش وسياسة الإقصاء، وتم تهجير الآلاف من الريفيين، وقمع مطالب الشعب الريفي. آن الأوان لنتحرر من الأساطير المفتراة على الريف والريفيين، وحان الوقت لمراجعة الأوراق التي طواها النسيان، وأتت المناسبة لنقول للمخزن أن شعراتك الممنوحة أصبحت مفضوحة. المراجع: الظل الوريف في محاربة الريف. الكشف والبيان عن سيرة بطل الريف الاول سدي محمد أمزيان. الجزء التاسع من تاريخ الإستقصا (ص 602). المغرب الجهول الجزء الاول إكتشاف الريف. مجلة أوبسر فاتور المغرب العدد رقم 141 الصادر بتاريخ 2127 أكتوبر. وثيقة بيعة مولاي موحند سنة 1921/ مراسلات مولاي موحند …. دراسات خاصة بالعلاقات المغربية الإسبانية. الحركات الاستقلالية في المغرب العربي. . دراسة أنتروبولوجيا