يبدو ان الغرب الحضاري وليس الجغرافي لم يهضم التحولات السريعة التي يعرفها العالم العربي ولتي ادت اسقاط تلاثة الانظمة من اكثر الانظمة سلطوية وديكتاتورية هو شيء لم يصدقه بعد كتاب الرأي والمثقفون بالعالم الغربي بل ان التجازب الوحيد حتى الساعة هو الخوف الذي تعكسه استطلاعات الراي اخرها تم بفرنسا والذي يعطي فوز الحزب الفاشي الفرنسي بالانتخابات الرئاسية بزعامة مارين لوبين في حالة اجراء الانتخابات الرئاسية اما الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي وزعيمة الحزب الاشتراكي المعارض مارين لوبين.بمعنى ان ما يجري بجنوب البحر المتوسط يخلق الخوف والهلع امام اغلب الاوربيين الذين يتصورون انج حافل المهاجرين من افريقيا سوف تغزوهم وكذلك الحركات المتطرفة في حالة سقوط الانظمة السلطوية بالمنطقة. تسارع الاحداث بالمنطقة فاجأ صناع الرأي بالغرب واثار خوف وقلق بعضهم ومنهم من اكتفوا بالاندهاش او الصمت احيانا بل ان منهم من تجاوز ذلك ليقوم بنقد ذاتي ويعبر عن اخطاء التحليلات التي كانت سائدة والاحكام الجاهزة وهي ان العالم العربي لا يمكن ان يسود به الا نظام بوليسي او عسكري وا نظام ديني تيوقراطي يمنع كل اشكال الحرية وهو حكم وتحليل يحيل على نظرية هنغتون وصراع الحضارات بشكل من الاشكال وهو ما يعني ان هذا العالم العربي بعيد عن القيم الكونية لديموقراطية ولا يمكن ان يشهد تطورا ديمقراطيا مع الحفاظ على خصوصيته التاريخية.و الغرب في هذا الموقف السلبي والنمطي محكوم بافكار بعض المستشرقين مثل بيرنار لويس ان الحريات والمساوات والديموقراطية هي قيم غير متوافقة مع قيم العالم الاسلامي وهو تصور يوافقه فيه ويجاريه منظرو حركات الاسلام السياسي كذلك . أحد اكبر كتاب الرأي بمجلة فرنسية محسوبة عل وسط اليسار وهي النوفيل اوبس كتب جون جاك كليبو عنون افتتاحيته بعنان غريب وهو « كم يشبهوننا» ليقول في افتتاحيته ان الشباب العربي يتظاهر من أجل قيمنا يقصد القيم الغربية الكونية التي تدافع عن الديموقراطية والحرية والمساوات وهي قيم نسيها الغرب او اعتبر انها قيم ليست كونية بل خاصة به هو فقط. ويقول هذا المعلق الفرنسي « عندما ظهر الشباب التونسي والمصري على شاشاتنا الصغير فقد اصابنا نوع من الدهول : كم يشبهوننا ،هؤلاء الشباب لهم نفس لباس شبابنا بتولوز او بفالاديفيا، ولهم هواتف سمارتفون،مريحين ومتأكدين من أنفسهم ،لا شيء يجعلهم مختلفين عن شبابنا الغربي. يلبسون،يفكرون،يحتجون،يحلمون «مثلنا»(اذا مازال لهذا التعبير معنا)، كنا معجبين بل مرتبكين بهذا القرب الذي كان جد واضح على الشاشة».ويضيف ان هذا القرب هو اكبر عندما نرى التونسيون والمصريون بباريس. الغرب تفاجأ عند رؤيته شباب من تونس ومصر وليبيا يواجهون الرصاص،والقمع والمرتزقة والبلطجية من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية ولا يطالب بانظمة تيوقراطية او يرفع شعارات ضد احد ورأينا كذلك ان هذه البلدان يضم جيش مواطن لا يريد إطلاق النار على شباب يطالب بالحربة والكرامة. الاسلاميون الجهاديون والمتشبعون بالنظريات التكفيرية مثل منظري الغرب المسحي لا يفهمون ما يجري بالمنطقة واكتشفوا ان طريق العنف الراديكالي والارض المحروقة هو طريق لا يسايرهم فيه اغلب الشباب بالمنطقة ،الغرب كذلك اكتشف ان دعمه للانظمة ديكتاتورية لا يجلب له الامن والاستقرار بالمنطقة وقد اعترف الوزير الاول البريطاني بذلك عند زيارته للمنطقة بقوله « حرمان شعوب المنطقة من حقوقها الاساسية لا يحفظ الاستقرار بل على العكس يزعزعه.» وزير الخارجية الفرنسية دهب ابعد من ذلك واصر خلال زيارته الى القاهرة الى النزول عند شباب ساحة التحرير للحوار معهم سواء الشباب المطالبين بالحرية والديموقراطية بل تحاور كذلك مع السلفيين المطالبين بالعودة الى الماضي كنموذج للخروج من الازمة. وحتى داخل العرب هناك من لا يصدق هذه التحولات ومن يشكك فيها ومن يفسرها بالمؤامرة الخارجية التي تقف وراءها امريكا بل اسرائيل ايضا لكن على العكس هذه التحولات تخيف اسرائيل وامريكا لأن وجود انظمة ديمقراطية بالمنطقة سوف يعرقل سياستهم المبنية على خذمة مصالحم أولا والنموذج التركي خير دليل على هذا التحول ،فمنذ نجاح المسلسل الديموقراطي بتركيا وأمريكا واسرائيل تعانيان مع هذا البلد خاصة اسرائيل التي تحولت من الحليف والصديق مع هذا البلد الى بلد خصم بعد هجومها الوحشي واللامبرر على سفينة السلام التركية التي قام بها المجتمع المدني من أجل فك الحصار على غزة. طبعا هذه المفاجأة وهذا الدهول هو ناتج عن وصول كل مثقفي الغرب ومحلليهم ووسائل اعلامهم ان لا يوجد بتاتا ما يجمع الغرب بجنوب المتوسط والشرق الاوسط وتم بسرعة قياسية محو كل هذا التلاقح بين الحضارتين العربية الاسلامية والحضارة الاغريقية الغربية خلال عدة قرون خاصة ان الحضارة العربية الاسلامية كانت اساسية في نقل جزء كبير من العلوم والمعارف الى الاوربين بل انتجت جزءا كبيرا من المعرف في ميادين مختلفة وطورت اخرى استفاد منها الغرب عن طريق الترجمات التي تمت لثراث الثقافي العربي الاسلامي خاصة من اسبانيا مما يجعل هذه الحضارة كحلقة اساسية في التطورات التي عرفها الغرب الاوربي وتخلصه من عصر الظلمات الذي سيطرت فيه الكنيسة الى ما وصل اليه الوضع اليوم لكن في السنوات الاخيرة تطورت باوربا بعض المدارس التاريخية الغير العلمية وذات التوجه العنصري كان هدفها وما يزال هو حدف اي دور للحضارة العربية الاسلامية في التطورات التي التي عرفتها الحضارة الارببية المسيحية وهدف هذه الابحاث لم يكن علميا بقدر ما هو ايديولوجي كان الغرض منه حدف كل صلة بين الحضارتين. هكذا لا نندهش اليوم اذا رأينا مثقفين ومحللين بوسائل الاعلام يعلنون عن اندهاشهم لإكتشافهم الشبه بين شبابهم وشباب الضفة الاخرى وعن وجود نفس التطلعات الى الحرية والديموقراطية والمساوات،هذه القيم التي اعتبرها المؤسسون كونية وتخص كل الانسانية ، يكتشفها الغربيون من جديد بل يكتشفون انها قيم كونية. هذا النوع من النقد يوجهه عدد من المفكرين الغربيون وعلى قلتهم الى الغربيين في نظرتهم مثلا الى حضارة اخرى وهي الحضارة الصينية الكونفوشسية وفي حوار مع الفيلسوف الفرنسي ايدغار موران في منتصف شهر فبراير صرح لي ان «الغربيون اعتقدوا ان الصينيين هم مجرد نمل ازرق يشهرون كتابهم الاحمر ولا يريدون الحرية بل لا يهتمون بها ، لكننا ندرك مع الحركة الصينية التي تم قمعها بتينان مين من ظرف النظام الصيني ان الصينين لهم نفس الإلهامات والتطلعات وأجد ذلك مشجعا ان الصينين يشبهوننا ونحن نشبه الصينيين مع اختلافات ثقافية وتاريخية لكن نفس الامال تجمعنا» اي كونية الامال والرغبة في الحقوق نفس الشيء يقوله ادغار موران حول العرب « وهذه الحركة بالمنطقة العربية كسرت اعتقادا كان سائدا حتى الان باوربا وفرنسا انه ليس هناك بديل بالعالم العربي بين ديكتاتورة بوليسية وعسكرية مرعبة وبين حكم اسلاموي يتحول الى نظام تيوقراطي يتحول الى نظام شمولي ونلاحظ ان هذا الرسم البياني تكسر الى اجزاء متعددة بفعل ما يحدث بالمنطقة « وبالنسبة لكاتب التحليلات جون كلود جيلبو ان الصورة التي نراها اليوم عن العالم العربي مدهشة مقارنة مع الصورة التي كانت لنا من خلال وسائل اعلامنا المصورة» العالم العربي كان يقدم لنا من خلال صور للملتحين ومزارعين يرتدون البرنس ومغلوبون على أمرهم بدون صوت لكننا لم نكن نعرف صورة شباب الطبقات الوسطى بهذه البلدان واللذين يستعملون الانترنيت وشبكة الفايسبوك وتويتر وهي صور لا تقدمها وسائل اعلامنا في الوقت العادي وما اكتشفناه هو ان هؤلاء الشباب لهم مرجعية الثورة الفرنسية والمطالب التي تم التعبير عنها كانت حداثية مثل وجوههم. طبعا عدد المفكريين والمحللين الغربين الذين يؤمنن بالكونية فيما يخص عدد من القيم الكبرى كالديمقراطية والحرية والمساواة وتطلع الشعوب الى الاستقلال تقلص كثيرا بالغرب بفعل الردة والانغلاق الثقافي خصوا بعد انهيار حائط برلين وسقوط السطالينية بشكل مدوي وتبيان فشل النموذج البيروقراطي للاشتراكية العلمية التي حاولت تطبيقها عدد من البلدان التي كانت تجري في فلك الاتحاد السوفياتي وهي ما تعرف ببلدان اوربا الشرقية بالاضافة الى عدد من البلدان التي كانت تسير على هذا الخط سواء بافريقيا اسيا والعالم العربي حيث كان الخلط يتم بين القومية الاشتراكية والحزب الوحيد في عدد من البلدان .بل ان عدد من الشيوعيين تحولوا الى دعاة الخصوصية الثقافية بل التقوقع الديني على القيم الفردية هذه الصورة النمطية حول العالم العربي تكسرت اليوم ومطالب هذه الاحتجاجات كانت ديموقراطية،وحتى في مصر فان حركة الاخوان المسلمين اقتصرت على التبعية لمطالب الشباب المتظاهر وكانوا اقلية من بين المحتجين.»الجديد ان هذه الحركة بينت ان لها الهام عميق بالعالم العربي وهي تبين لنا في نهاية المطاف ان العرب يشبهوننا ونحن ايضا نشبه العرب مع بعض الاختلافات الثقافية والتاريخية» يقول الفيلسوف الفرنسي ادغار موران.