طموحات نجلة الزعيم التاريخي للجبهة جون ماري لوبان اتسعت تحت جناح أبيها،وهي تدرك في هذا الظرف أن تجربتها السياسية تنتظرها محطة تاريخية ستحول الكثير من الأشياء في حياة امرأة تلهث وراء السلطة،و قد تصنع من اليمين المتطرف قوة سياسية كبرى يكون لها رأي تدبيري في الشأن العام الفرنسي وطنيا. فالمحطة الأولى التي من المفروض عليها أن تخرج فيها منتصرة إن أرادت منافسة الكبار،و أن تحلم بجد في أن تجد لنفسها يوما مدخلا نحو قصر الإليزي،هي خلافة أبيها و سحق أحد أهم منافسيها على ذلك برينو غولنيش،وهو ما تؤكده في الوقت الحالي استطلاعات الرأي التي تقدمها فائزة أمام خصمها على الزعامة ب 69 بالمائة مقابل 5 بالمائة لغولنيش. و إن نجحت هذه المحامية السابقة في إثبات وجودها إعلاميا في المدة الأخيرة،لم تكن تلقى كل الدعم من جميع أجنحة اليمين المتطرف،و الكل يجمع بعد تصريحاتها في حق المسلمين،عندما شبهت "بالاحتلال" صلاتهم خصوصا في الأعياد و أيام الجمعة،أنها عادت هذه المرة لتخاطب بالفعل قواعد الجبهة الوطنية و تعزف على أحد أهم أوتارها لاستمالتها استعداد لمؤتمر الحزب المقبل،و تسترجع كذلك الأصوات التي استولى عليها ساركوزي تمهيدا للاستحقاقات المقبلة. تصريحات تخلف ردود فعل قوية خلقت هذه التصريحات ضجة إعلامية بجلاجلها،لم يخمد بعد صخبها لما لها من مخاطر على مستقبل القوى السياسية الفرنسية التقليدية في علاقتها مع ناخبيها،لكونها تستعمل طرق وضيعة في استقطاب أصوات جديدة في المحطات السياسية المقبلة،إذ استشعر الأمين العام الجديد لحزب للحزب الحاكم،اتحاد من أجل حركة،فرانسوا كوبي خطر هذه التصريحات في المجلس الوطني للحزب المنعقد مع نهاية الأسبوع الأخير. و قال كوبي "نحن واعون بتقدم الجبهة الوطنية...إننا في خطر من وجهة نظر انتخابية.الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) تعرف تزايد مستمر في شعبيتها خلال الشهور الأخيرة"،كما استثنى أي إمكانية للتحالف مع الجبهة كما سبق أن اقترح أحد مناضلي حزبه،فيما دعا إلى "القيام بما وعدنا به الناخبين عام 2007،و إيلاء أهمية خاصة للهجرة و الأمن". و طرح تيار مشدد داخل الاتحاد من أجل حركة شعبية اقتراحات بألوان "لوبانية" نسبة إلى جون ماري لوبان زعيم اليمين المتطرف،حيث دعا نائب من الحزب إلى التجريد من الجنسية كل من مجنس أدين بأزيد ثلاثة أشهر سجنا نافذا،فيما صرح آخر أن "استفتاء سويسرا لم يصدم أحدا في الإقليم الذي يمثله"،و الذي قضى بطرد الأجانب المتورطين في جرائم نحو بلدانهم الأصلية. أما المعارضة اليسارية ممثلة في الحزب الاشتراكي على الخصوص،أدانت في هذه التصريحات بشدة.ففي بيان مشترك لمجموعة من كوادر التنظيم أشار إلى حدة العداء في خطاب مارين لوبان تجاه المسلمين،حيث اعتبر أنه لم يقال في حق المسلمين الفرنسيين تصريحات من هذا القبيل منذ الحرب العالمية،التي قدم فيها العديد من أجدادهم أرواحهم لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي. من جانبه،اعتبر محمد الموساوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية،في تصريح خاص بإيلاف،هذه التصريحات "غير مسؤولة و أول ما يفهم منها أنها تحريض ضد المسلمين"،سيما،يضيف الموساوي،أنها "وصفتهم بالمحتلين ما يعني يجب محاربتهم،كما أشار إلى أن مقارنة مشهد مصلين بالاحتلال في الحرب العالمية "بالخطير" و "تجاهل للواقع و التاريخ". وأرجع المسؤول الأول على مؤسسة دينية فرنسية رسمية،يعود إليها المسؤولون الفرنسيون لاستفتائها في الإشكالات الدينية المرتبطة بالمسلمين،دواعي هذه التصريحات إلى الحملة الداخلية لمارين لوبان التي تسعى إلى استمالة القواعد الأكثر تشددا في الجبهة الوطنية الذي يمثلها بوضوح منافسها برينو غولنيش،و استبعد الموساوي،في ذات الوقت،أن يحصل "أي تغيير في مواقف الجبهة في حالة خلافة مارين لوبان لأبيها على رأس الجبهة الوطنية". فعاليات مغاربية فرنسية تحلل التصريحات اعتبرت الإعلامية صوفيا فوكار تصريحات مارين لوبان "و إن كان فيها كثير من الاستفزاز لمشاعر مسلمي فرنسا ودلالة على فهم خاطئ للدين الإسلامي( ثاني ديانة في فرنسا )"،اعتبرتها "غير مفاجئة"،و ذلك "لعدة اعتبارات أولها أن هده الأخيرة تريد أن تظهر أنها تسير على خطى والدها جون ماري لوبان و أنها وفية للأدبيات التي أسس عليها حزب الجبهة الوطنية مند1972 ،و بالتالي فهي أحق من يخلف والدها على رأس الحزب،ثم ثانيا محاولة توسيع شعبية الحزب بمغازلة القاعدة الناخبة التي تكن العداء للأجانب و على رأسهم المسلمين ،تمهيدا لرئاسيات 2012 "،بحسب تفسيرها. وقال الأكاديمي الدكتور الشرقاوي الروداني في كلمة لإيلاف،إن تصريحات مارين لوبان "تأتي في ظرف يعرف فيه حزبها الجبهة الوطنية،المعروف بمواقفه الراديكالية و المتعصبة اتجاه الأجانب و خاصة الجالية المسلمة في فرنسا،نوعا من الركود السياسي و انعدام الرؤيا لقيادته التي مازالت حبيسة الأفكار العنصرية لمؤسس الحزب جون ماري لوبان". و أضاف الروداني أن "الحراك السياسي الذي تعرفه الساحة السياسية الفرنسية قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة،خاصة مع ظهور استطلاعات للرأي تنبأ باشتداد المنافسة بين الحزب الاشتراكي و حزب اتحاد من أجل حركة شعبية الحاكم،جعل الجبهة الوطنية تبحث عن طرق لكي تجد لنفسها مكان في الساحة". و أوضح الدكتور الشرقاوي أن "هذا التصريح المؤسف يبرز في الحقيقة انسداد الأفق و الرؤية أمام هذا الحزب،و يظهر بالملموس غياب أفكار عقلانية قادرة على تبديد المخاوف لدى شريحة كبيرة من المجتمع الفرنسي من الأزمة الاقتصادية"،مستنتجا أن "كل هذا يجعل من هذه التصريحات عملية سياسية الهدف منها دخول المعترك السياسي القادم،ولكن للأسف على حساب المسلمين الفرنسيين و الجالية المسلمة بهذا البلد". i خطر اليمين المتطرف في فرنسا قالت الإعلامية الفرنسية المعروفة كارولين فورست لإيلاف إنه "منذ سنوات كثيرة و المناضلين العلمانيين و المعادين بشدة للعنصرية يتخوفون من هذه الانزلاقات"،و تضيف صحافية لموند و فرانس أنثير،و "أن العديد من الفرنسيين لم يفهموا لماذا بعض المساجد الراديكالية حصلت على رخص لأداء الصلاة في الشارع العام،وهو ما يمنع على أي جمعية أخرى سواء كانت مسيحية أو رياضية أو غيرها"،مضيفة أن هذا "الامتياز" الاستعراضي انتهى إلى تغدية حملة اليمين المتطرف و إذكاء العنصرية تجاه المسلمين بسبب المتطرفين.و مارين لوبان هي اليوم أمام شارع مفتوح أمامها...إلا أن مناهضي العنصرية و المتمسكين بحرية التعبد و العلمانية قرروا أن يقطعوا الطريق عليها..." و ينظر الوزير السابق عزوز بكاك لمستقبل المسلمين في فرنسا نظرة بلون رمادي،و صرح لإيلاف أن "سنة 2011 ستكون جد سيئة بالنسبة لهم"،وقال الوزير "مارين لوبان هي القادرة الوحيدة على الإطاحة بساركوزي.ليس بالفوز في الانتخابات،و إنما باسترجاع أصوات اليمين المتطرف التي مكنته هو من الفوز في 2007". وبالنسبة للقيادي في حزب الوسط "الموديم"،"المشكل الوحيد هو أنهما،مارين لوبا و ساركوزي،سيجعلان من العرب و المسلمين العدو رقم واحد".بحسب تحليله،مضيفا،"مارين لها امتياز مقارنة مع ساركوزي،فهي لا تخفي استراتجيتها المعادية للإسلام.بالتأكيد مع ساركوزي نفس الشيء لكن بلباس أفضل"،على حد تعبيره. من جهتها تعتقد صوفيا فوكار،في تصريحها لإيلاف،أنه "بالنظر إلى نتائج الانتخابات الجماعية الفرنسية الأخيرة و عدد المقاعد التي حصل عليها اليمين المتطرف،أن هذا الأخير قد يخلق المفاجأة في رئاسيات 2012 كما حدث سنة 2002 إذا ما استمرت حالة الجمود السياسي التي تعرفها فرنسا و تنامي الكراهية و العنصرية ضد المسلمين الفرنسيين...". و لمواجهة مد اليمين المتطرف قال الأكاديمي الشرقاوي الروداني: "المسلمون اليوم بفرنسا يشكلون قوة انتخابية كبيرة.و في هذا الاتجاه ينبغي التوحد و التكتل عبر جمعيات و مؤسسات للتصدي لهذه الترهات السياسية العنصرية التي تصدر من وقت لآخر"،مضيفا "ماقالته مارين لوبان لا يجب السكوت عليه فالقانون الفرنسي يجرم مثل هذه التصريحات التي تخلق نوعا من الاحتقان و التوتر بين الفرنسيين...فالمثقفون العرب و المسلمون بفرنسا مطالبون اليوم بالتصدي لهذه الأساليب السياسية التي تسئ إليهم و إلى صورتهم في فرنسا عبر الدفع بالمشرع الفرنسي لتجريم كل إساءة لكينونتهم" بحسب رؤية الدكتور الشرقاوي. إيلاف