لماذا يخاف الأوربيون من اليمين المتطرف؟ وما الخطر الذي يشكله على الأنظمة الديمقراطية؟ إن تنامي ظاهرة الأحزاب اليمينية ذات النزعة الشوفينية والأقرب إلى العنصرية يذكر الأوربيين بماض يحاولون نسيانه، إنه ماضي النازية والفاشستية والفرانكوية الذي يسعون إلى التخلص منه. لكن ماهي دواعي هذه العودة، ولماذا يجد جزء مهم من الناس ضالتهم في هذا الخطاب المعادي للآخر، والذي يشير إلى المهاجرين باعتبارهم أصل كل الشرور، ويلخصون حل كل المشاكل في ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية؟ هناك جواب تقليدي عن كل هذه الأسئلة يرجع تمكن اليمين المتطرف من إيجاد مكان له في الخريطة السياسة إلى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي يتخبط فيها الناس، حيث المسؤول عن الوضع دائما هو ذلك القادم من أرض أخرى «ليستغل رخاءنا وازدهارنا ويهدد هويتنا النقية». لقد وجد اليمين المتطرف الفرصة المناسبة ليدغدغ مشاعر «أبناء الوطن الأصليين» من خلال شعارات تمسهم في الصميم، رغم كونها لا تمت إلى الواقع بصلة، هكذا تصرخ هذه الأحزاب وتقول مثلا إن «فرص العمل الألمانية هي من حق العمال الألمانيين» أو «لتطردوا حالا الأجانب المنحرفين» أو «فرنسا للفرنسيين». البعض يقول إن هذا التفسير لا يكفي كما أنه تبسيطي إلى حد كبير، فهذه الأحزاب تنظم بشكل دائم حملات لاستقطاب المواطنين الذين يعانون من التهميش من خلال تجمعات وندوات وحفلات وتتوفر على تمويل مهم يسمح لها بطبع ملاصق ومناشير توزع في صناديق البريد، أما عندما يكون الوضع مستقرا وتكون نسبة البطالة منخفضة فإن أحزاب اليمين المتطرف تدق ناقوس الخطر محذرة من مغبة تراجع الاستقرار بسبب المهاجرين. هناك نقطة أخرى في غاية الأهمية وتتعلق بقادة أحزاب اليمين المتطرف الذين يتوفر معظمهم على كاريزما قوية وقدرة كبيرة على التأثير، والأمثلة على ذلك كثيرة كما هو الحال بالنسبة إلى يورغ هايدر في النمسا وجيانفرانكو فيني في إيطاليا وكاريل ديلين ببلجيكا وجون ماري لوبين في فرنسا، في ما يشبه استنساخا لنموذج «الفوهرر». عادة ما تلجأ أحزاب اليمين إلى الاقتراب من ناخبي اليمين المتطرف ومحاولة استمالتهم والتماهي مع مطالبهم بغرض براغماتي، وقد ظهر ذلك بشكل جلي في إيطاليا مع برلسكوني الذي تحالف مع تنظيمات عنصرية، وفي إسبانيا مع خوسي ماريا أثنار الذي ارتمى في أحضان الكنيسة والمدافعين عن القيم، ثم مع ساركوزي في فرنسا الذي جعل من موضوع الأمن والهوية رهانا للفوز في الانتخابات، حيث صنفت هذه النماذج في خانة بين بين، وتعالت أصوات تحذر منها ومن خطرها على الديمقراطية. أومبرتو بوسي: موسوليني الجديد يكره أومبرتو بوسي زعيم حزب «عصبة الشمال» المهاجرين والمثليين وأوربا وكل شيء يشم فيه رائحة الجنوب، لم تغيره السنوات وظل وفيا لصورته لا يتحمل النظر إلى كل من ليس إيطاليا بدءا من المغاربة والتونسيين والسنغاليين ووصولا إلى الألبان والرومانيين. المهاجر بالنسبة إليه «مجرم» و«شخص كسول لا يعمل» و«ليس محل ثقة»، والأدهى في كل هذا أن المهاجر عنده هو «المسلم». هذا طبعا هو المعجم السياسي لأي عنصري، لكن ما لم ينتظره أي أحد منه هو عندما اقترح بناء جدار مضاد للمهاجرين يبلغ طوله 160 كلم، في الحدود التي تفصل بين إيطاليا وسلوفينيا، لأنهم من هنا «يمرون». لم يول المتتبعون كبير اهتمام لتصريحاته في البداية، أما عندما بدأت عصبة الشمال تتقوى بتحالفها مع برلسكوني عام 2001، فقد أصبح خطابه يشكل تهديدا حقيقا لقيم الديمقراطية والتعايش، ويهدد بالعودة بإيطاليا إلى زمن الفاشية. ظهرت عصبة الشمال إلى العلن عام 1991 منتقدة الفساد والبيروقراطية في أركان الدولة، ومنبهة إلى أن «الشمال يؤدي من أجل الجنوب» وعبرة في نفس القوت عن أولى مطالبها الانفصالية. من خلال تصريحات شعبوية ولعب على الوتر الحساس للإيطاليين المتمثل في الخوف من المستقبل المدعوم بنزعة وطنية متطرفة استطاعت العصبة أن تصبح القوة السياسية الرابعة في إيطاليا، إلا أن مرتبتها غير مستقرة وتخضع لتقلبات النموذج الديمقراطي الإيطالي. في فترة ليست بعيدة من تاريخ عصبة الشمال كان هذا الحزب يطالب بالاستقلال معلنا ميلاد بادانيا الكبرى وبرلمانها الخاص ثم حكومتها الخاصة في البندقية، إلا أن أخطر شيء أقدم عليه حزب أومبرتو بوسي هو إنشاؤه لحرس بادانيا الوطني المكون من 3000 شخص يرتدون قمصانا خضراء وتتلخص مهمتهم في عمليات تطهير ضد المهاجرين وبنات الهوى ومستعملي المخدرات والمهمشين، موزعين على ألوية لها أسماء مثل الأسد والأفعى، إلى درجة أن أحد أعضاء عصبة الشمال الذي انتخب عمدة قام بنزع المقاعد الموضوعة في الحدائق والأماكن العامة لأن هناك مهاجرين كثرا يجلسون عليها، كما أن المصانع التابعة لهم لم تكن تشغل أهل الجنوب الإيطالي. هناك شعور طاغ لدى سكان الشمال المتعاطفين مع العصبة بأنهم مهددون في هويتهم، ويبلغ بهم الخوف حد الخروج في مظاهرات لمعارضة بناء مسجد مثلا، ومن الأحداث الغريبة أن إيطاليا من أصول مغربية يدعى زكريا نجيب ينتمي إلى حزب أومبرتو بوسي اشتكى من كثرة المساجد في إيطاليا باعتباره عضوا في مجلس المدينة بإقليم بادوفا، حيث صرح لجريدة محلية أنه طالب الرئيس الإيطالي بإلغاء جنسيته الإيطالية ليسترجع هويته المغربية «فأن تكون أجنبيا في إيطاليا هو أمر أفضل لأنهم يمنحونك منزلا وعملا، في حين أنني الآن مثقل بالضرائب وأجد صعوبة في أداء الفواتير عند نهاية كل شهر»، مضيفا أنه ليس من المعقول أن تستعمل أموال دافعي الضرائب لتشييد المساجد، «وزيادة على ذلك فأنا لا أحب الأئمة الذين أراهم في الجوامع وأعتقد أنه يجب مراقبة هذه الأماكن». إضافة إلى بعبع المهاجرين تشكل أوربا الوحش الذي يجب محاربته بالنسبة إلى أومبرتو بوسي، نافيا أي إمكانية لتحقيق حلم أوربا السياسية ومعتبرا العملة الموحدة مسألة خطيرة ستهدد اقتصاد الشمال ومعلنا في نفس الوقت عن عملة لومباريا في ماي 1998. في نظر أومبرتو بوسي هناك دائما مؤامرة تحاك ضد الشمال الإيطالي تتمثل تارة في مؤامرة فرنسية ألمانية وطورا في مؤامرة يحرك خيوطها الشيوعيون والماسونيون الذين يتحالفون مع لوبيات المثليين. جون ماري لوبين يفضل جون ماري لوبين الذي أسس عام 1972 الجبهة الوطنية أن يوضع في خانة ما يسميه اليمين الوطني ضدا على تصنيفه في إطار اليمين المتطرف، أما المؤرخون والمتتبعون للشأن السياسي الفرنسي فإنهم ينعتون هذا الحزب بالفاشية ومعاداة الأجانب. لكن لوبين يرد عليهم بأنه يمثل اليمين الحقيقي والوحيد، منتقدا الآخرين الذين خانوا مبادىء اليمين وقيمه وتواطؤوا مع اليسار. عاش جون ماري لوبين مسارا سياسيا حافلا بالتناقضات وتقدم كمرشح لخمسة انتخابات رئاسية كان آخرها السنة الماضية، إلا أن أكبر مفاجأة خلقها كانت عام 2002 حين تمكن من الوصول إلى الدور الثاني مواجها جاك شيراك، وهي نتيجة خلقت صدمة كبرى لدى الفرنسيين الذين اعتبروا الأمر بمثابة تهديد للجمهورية، ليصوتوا بكثافة لصالح شيراك خوفا من نجاح اليمين المتطرف ووقوفا في وجه رمز يمثل نقيض كل المبادىء التي انبنت عليها فرنسا. يدعو جون ماري لوبين في حملاته الانتخابية إلى الحد من عدد المهاجرين الأجانب، مع إعطاء الأولوية لأبناء الوطن مدافعا عن السيادة الفرنسية ورافضا للانفتاح على أوربا. شارك لوبين في الحرب التي خاضتها فرنسا بالهند الصينية والجزائر، كما خلق ضجة عام 1962 بإعلانه أنه مارس التعذيب لأنه كان ضروريا، وقد سهل عليه الحصول على ثروة ورثها عن أحد الأثرياء دخوله إلى المعترك السياسي من بابه الواسع. من بين تصريحاته الصادمة ما قاله حول أفرنة الغاز التي استعملتها النازية ضد اليهود معتبرا إياها نقطة غير ذات أهمية في التاريخ، وعلى ذكر التاريخ فإنه يحتفظ له ببعض الأحداث التي خلفت تهكما من خصومه كما حصل حين ادعى أن فقد عينه لمحاولته إنقاذ مرشح مسلم، إلا أنه وبعض مضي سنوات غير هذه الحكاية وأصبح يتكلم عن مرض ألم به وأفقده البصر في عين واحدة. اهتم زعيم الجبهة الوطنية بالموسيقى وتجارتها وأنشأ سنة 1962 شركة لإنتاج الأسطوانات، ومن بينها واحدة بعنوان الرايخ الثالث عبارة عن أغاني للثورة الألمانية توبع على إثرها قضائيا وصدر ضده حكم بتهمة تسويغ جرائم الحرب. من جهة أخرى تعرض جون ماري لوبين لعدة متابعات قضائية وحكم عليه عام 1998 بتهمة الاعتداء على عمدة من الحزب الاشتراكي، ففقد بذلك مقعده البرلماني بتاريخ 10 أبريل 2003 بقرار من اللجنة الأوربية لحقوق الإنسان. فلامس بيلانج في 14 نونبر 2004 وخلال مؤتمر ب«أونفير» تم حل حزب فلامس بلوك وإعادة تأسيس حزب جديد يضم نفس الأعضاء ونفس البرنامج باسم جديد هو فلامس بيلانج. وقد نظم هذا المؤتمر نتيجة قرار اتخذته محكمة النقض في بلجيكا، مؤكدة حكما سابقا لمحكمة الاستئناف يدين بتهم العنصرية ومعاداة الأجانب عدة جمعيات مقربة من الحزب، كما صدرت أحكام ضدها تضمن غرامات ثقيلة، وكانت تهدد الفلامس بيلانج نفسه ووضع حد لتواجده. يعتبر الفلامس بيلانج حزبا قوميا فلامانيا ذا توجه يميني متطرف، وقد أصبح معروفا خارج بلجيكا بالنظر إلى أفكاره المحافظة ودعواته الانفصالية. في الانتخابات البرلمانية الفلامانية لعام 2004 حصل هذا الحزب على 24 في المائة من الأصوات، ليصبح بذلك القوة السياسية الثانية خلف تحالف الديمقراطيين المسيحيين والقومييين. في 18 نونبر 1992 صوت البرلمان الفلاماني على مقترح يدين برنامج فلامس بيلانج المناهض للمهاجرين. بعد تغيير الحزب لاسمه، حافظ على نفس الحروف الأولى ونفس الألوان وهما الأسود والأصفر اللذان يعتبران رمزا للفلامان، واستباقا للقرار الذي كان منتظرا قام الحزب بتغيير برنامجه السياسي متخليا عن مناداته بطرد المهاجرين غير الأوربيين إلى بلدانهم الأصلية، لكنه بالمقابل نظم حملة تدعو إلى عدم استقبال كل أولئك الذين «يرفضون وينفون أو يحاربون ثقافتنا». من جهة أخرى طالب زعيم الحزب فرانك فانهيك برحيل المهاجرين غير الشرعيين ودعا الآخرين إلى احترام شروط الإقامة وإلى «التكيف مع نمطنا في العيش ومع لغتنا وثقافتنا». يتخذ هذا الحزب من موضوع الهجرة واستقلال الفلامان عنوانين بارزين لبرنامجه السياسي، إضافة إلى مواضيع الأمن والدفاع عن قيم الأسرة التقليدية. الحزب القومي الإنجليزي يعتبر الحزب القومي الإنجليزي الأكثر تطرفا في أوربا، إذ يعلن بصراحة لا يداخلها الشك عن وجهه العنصري ورفضه للنظام الديمقراطي ونمط الاقتراع البريطاني، ومن جهة أخرى فهو يتبنى أفكارا تمتدح القومية البيضاء، إلا أنه عرف تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة بالمقارنة مع الماضي، ففي بداية السبعينات كان اليمين المتطرف في المملكة المتحدة أكثر أهمية من ذلك المتواجد في بلجيكا أو فرنسا، وكانت تمثله في تلك الفترة «الجبهة الوطنية» التي تمكنت من احتلال المرتبة الرابعة بين الأحزاب الإنجليزية. وأمام هذا الوضع قام أنصار الديمقراطية بتنظيم مظاهرات وتعبئة الجماهير للوقوف في وجه الفاشستية الجديدة، ومع وصول المحافظين إلى السلطة عام 1979 بزعامة مارغريت تاتشر تضرر اليمين المتطرف البريطاني كثيرا وتم الاستيلاء على جزء مهم من ترسانته الإيديولوجية، وهو ما عجل بتفكك الجبهة الوطنية وانقسامها إلى أربعة تنظيمات متنافسة في ما بينها. في سنة 1982 قام الزعيم القديم للجبهة الوطنية جون تيندال بتأسيس الحزب القومي الإنجليزي والذي ضم أيضا أعضاء من تنظيمات متطرفة أخرى، لكنه ظل رغم ذلك مجرد حزب صغير لا تأثير له في الساحة السياسية، وتمكن في المقابل من تطوير نفسه بطريقة فعالة من الناحية التنظيمية وخلق مؤسسات موازية استطاعت نشر أفكاره عند المسنين والطلبة وأصحاب المهن الحرة والفلاحين والنساء.. ومن الناحية الإيديولوجية عمل الحزب على رسم صورة تخفف من توجهه المتطرف، إلا أن ارتباطاته بالنازية الجديدة مازالت واضحة للعيان، ويظهر ذلك بشكل واضح في جهازه «الأمني» وهو عبارة عن تنظيم إرهابي يطلق عليه اسم «معركة 18»، حيث يدل رقم واحد على الحرف الأول من الأبجدية وثمانية على الحرف الثامن AH وهي حروف اسم أدولف هتلر. هتلر النمسا كان للصعود المدوي لحزب الحرية النمساوي في انتخابات 1999 أثر الصدمة على أوربا، والأدهى أنه فتح الطريق لوصول زعيمه يورغ هايدر إلى سدة الحكم في سابقة هي الأولى من نوعها، مستغلا شعبيته الكبيرة في اللعب على مخاوف النمساويين من الهجرة التي لم تكن تشكل ظاهرة كبيرة في هذا البلد من أوربا. لقد تمتع يورغ هايدر بشخصية جذابة ودينامية، كما كان حريصا على مظهره وأناقته مفضلا البذل الإيطالية ومحتفظا في نفس الوقت على التقاليد القديمة. رغم أنه لم يعلن يوما بصراحة عن نازيته، إلا أن خطابه الديماغوجي ولهجته المليئة بمعجم الشتم والسب ونزعته العدائية تجاه الأجانب ومناهضته لأوربا جعلت منه أقرب إلى ذلك، كما أنه اضطر إلى الإفصاح عن إعجابه بالرايخ الثالث في دولة لم تحسم بشكل كاف في ماضيها الملطخ كما فعلت الجارة الكبرى ألمانيا. من جهة أخرى يتمتع هايدر بسمعة سيئة لدى الجيران السلافيين بسبب مواقفه المعادية لهم ورفضه لمدارس خاصة بهم وللوحات الطرقية المكتوبة بالألمانية واللغة السلافية. أصبح هايدر في الوقت الحالي ذكرى من الماضي إلا أن الحزب مازال مرتبطا باسم الزعيم، الذي قرر سنة 2005 الانشقاق وتأسيس حزب جديد يحمل اسم «التحالف من أجل مستقبل النمسا».