إن الوصول، إلى عقد أول قمة مغربية خليجية، أسست ورسمت علاقات استراتيجية بين الطرفين، بحضور كل دول الخليج (بعد التحفظات التي عبرت عنها من قبل سلطنة عمان، سنة 2011)، هو تتويج في الواقع لمسار طويل من العلاقات السياسية بين الضفتين. وارتقاء العلاقات المغربية الخليجية، إلى مستوى استراتيجي اليوم، بمنطق القرن 21، سيكون من الوهم الإعتقاد أنه محكوم فقط بالسياقات السياسية لطبيعة العلاقات المغربية الخليجية، ما بعد الربيع العربي. بل إنه مسنود بمسار تراكمي، تطور بشكل مؤسساتي منظم، اقتصاديا وماليا، وأنه تطور على مستويات أذرعه الأمنية والعسكرية، ليرقى إلى مستوى «الحلف». المغرب وبلاد الخليج العربي، قصة قديمة وليست وليدة حسابات اليوم فقط (مهم هنا، الإشارة، مثلا إلى إرث «الكتابات الحجازية» المغربية الفريدة من نوعها في كل أرشيف التاريخ العربي والإسلامي، لإدراك ذلك). مثلما أن منطق الدولة بالمغرب، كما تبلور منذ قرون، منذ العهد الموحدي، قد وظف مجموعات قبلية خليجية أصيلة، ضمن حساباته السياسية التأديبية المحلية، سواء في القيروان أو تلمسان أو ضد البورغواطيين بالمغرب، من خلال استقدام عناصر بدوية من مناطق متعددة من شبه الجزيرة العربية (من قبائل بني هلال وبني معقل وبني سليم). والإعتماد عليها ضمن منطق عسكري لفرض توجه سياسي تأديبي لكل من ظل ينازعها في مشروعها السياسي والإقتصادي من القوى المحلية المغربية. مثلما اعتمد عليها كثيرا في التحكم في الطرق التجارية القديمة صوب منطقة الساحل (السودان القديمة) بعاصمتيها تومبكتو وأكاديز، بحكم قدرتها على التعايش مع الطبيعة الصحراوية لتلك المناطق الحيوية ضمن دورة الإنتاج الإقتصادية العالمية حينها. حيث ظلت قوة المغرب الإستراتيجية، تاريخيا، كامنة، في تحكمه في الطريق التجارية بين ذهب صحراء الساحل وبين موانئ المتوسط الغربي. أي في التحكم في عصب الإقتصاد العالمي التجاري حينها، في ما بين القرن 8 والقرن 17، بين الشمال والجنوب، في الجهة الغربية للمتوسط وللعالم العربي الإسلامي (بينما ظل يتحكم في عصب ذات الإقتصاد العالمي التجاري بشرق المتوسط وفي الجهة الشرقية للعالمين العربي والإسلامي، بالإستتباع الزمني، الأمويون بدمشق والعباسيون ببغداد والسلاجقة بإيران وتركيا وآسيا الوسطى، ثم أخيرا العثمانيون بالقسطنطينية). ربما، أكثر من ذلك، سنجد أن حضور بلاد الخليج ضمن قصة الدولة المغربية، المتأسسة منذ 14 قرنا، سيأخدا بعدا مؤسساتيا غير مسبوق منذ العهد السعدي في القرن 14 الميلادي، حين ستصبح العائلات الحاكمة بفاس أو مراكش، منتسبة إلى النسب الشريف لآل البيت، وأنها من سلالة الرسول الكريم. وهو الأمر الذي تواصل ولا يزال مع الدولة العلوية منذ سنة 1666، أي منذ أواسط القرن 17. بالتالي، فإنه لا يمكن فهم طبيعة العلاقة بين المغرب (الدولة والمجتمع) وبلاد الخليج (البنية الإجتماعية القبلية والرمزية الدينية والثقافية)، بدون استحضار لقصة هذا التعالق الإجتماعي والرمزي بين الضفتين. وهذا أمر كان قد أحسن استثماره جيدا، بفطنة سياسية بمنطق الدولة، الملك الراحل الحسن الثاني، بالشكل الذي جعل العلاقة بين المغرب وبلاد الخليج، يعاد تأسيسها بالكامل استنادا على خلاصات هذه الحقيقة التاريخية بين الضفتين. لأنه قليلا، ما ننتبه في درس التاريخ، إلى أن القوى السياسية الحجازية بمكة والمدينة، التي أقصيت من بناء الدولة الجديدة بعد الدعوة المحمدية، قد هاجرت هربا في أجزاء وازنة منها صوب المغرب والأندلس، وأسست أنظمة سياسية. وما وصلت إليه اليوم، العلاقات بين المغرب ودول الخليج (بما فيها حتى سلطنة عمان، الأكثر تحفظا)، من مستوى تنظيمي، بلغ مرحلة العلاقات الإستراتيجية المؤسساتية المنظمة، ليس سوى تتويجا لهذه الصيرورة التاريخية المتشعبة. ولو اقتصرنا، هنا، في هذه المقالة فقط على منطق حسابات القرن 20 ومنطق حسابات القرن 21، سنجد أن قصة العلاقة بين المغرب ودول الخليج، قد انتقلت منذ نهاية الستينات، من مستوى العلاقة بين العائلات الملكية الحاكمة، إلى مستوى العلاقات بين الدول بمعناها المؤسساتي المنظم. وفي القلب من ذلك، دوما، قيمة الدور الذي ظل المغرب يلعبه في تطورات العلاقة التنافسية (جيوستراتيجيا) بين دول الخليج من جهة وإيران ومصر من جهة ثانية. حيث أسس المغرب، على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، لشكل من العلاقات الداعمة لدول الخليج، في لحظة دقيقة من مسار تكوينها البنيوي كدول، من أواسط الستينات حتى أواسط الثمانينات، في مواجهة حسابات دول قوية جدا من جحم إيران (الشاهنشاهية أو الخمينية)، أو من حجم مصر (الناصرية أساسا). وحين نجد، مثلا، أن العلاقات السياسية والإقتصادية بين الرباط والرياض وأبوظبي، هي على درجة عالية من الرسوخ، فلأن لذلك سندا ضمن القصة المؤطرة للظروف التي حكمت طبيعة العلاقة بين الضفتين خلال الخمسين سنة الماضية. لهذا السبب، فأن يكون المغرب، مثلا، هو الأول، في مجال الاستثمارات العربية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن ذلك يترجم واقع خصوصية في العلاقات السياسية بين البلدين. ولا يمكن فهم المعطى الاقتصادي، هنا، دون فهم طبيعة المعطى السياسي. لأنه، تاريخياً، منذ حصول دولة الإمارات على استقلالها سنة 1971، وانتظامها من خلال نموذج فريد من نوعه في كل العالم العربي والاسلامي (اتحاد فيدرالي لسبع إمارات)، قد وجدت في السلطة الحاكمة بالرباط السند اللوجيستي المطلق، بحكم ما يتوفر عليه المغرب من أوراق سياسية وعلائقية، في العالمين العربي والإسلامي، سمحت له أن يكون نوعاً من «القوة الداعمة المساندة» للدولة الإماراتية الفتية والوليدة. والمثال الإماراتي، مهم هنا، ضمن قصة العلاقة بين المغرب ودول الخليج. لأنه، لا يمكن إسقاط معطى حاسم، تفرضه الجغرافية، قد جعل الدولة الإماراتيةالجديدة آنذاك، محط تنازع نفوذ بين قوتين استراتيجيتين كبريين بالخليج العربي، هما الرياض وطهران.. الأولى، كونها تؤمن أنها اللاعب الأول والأوحد، في كل شبه الجزيرة العربية، الذي يرى أن له الحق في فرض شروطه السياسية والاقتصادية والأمنية والجيو ستراتيجية على محيطها الخليجي. وأن كل دول الجوار (الصغيرة جغرافيا، والضعيفة سكانياً)، عليها أن تنتظم في الحساب القومي السعودي. فيما إيران، قد ظلت تؤمن، ولا تزال، أنها القوة الإقليمية الأولى في كامل خليج العرب (تعتبره طهران خليج فارس)، وأنها التجمع البشري، المؤهل بحكم قوة التراكم التاريخي للحضارة الفارسية، وبحكم قوتها الاقتصادية (البترول) وقوتها العسكرية (الحليف رقم 1 للغرب وأساسا واشنطن حتى 1979)، لفرض نفوذها السياسي على كل دول الجوار.. وأول دول الجوار، عربيا، بالنسبة لها هي: العراق، الإمارات (بجزرها الاستراتيجية الثلاث وميناء دبي الهام جداً) وسلطنة عمان.. وقد خصصت لكل واحدة منها أسلوب تعامل خاص، يفرضه ميزان القوى المرتبط بمناعة دفاع كل واحدة منها.. وكان حظ الإمارات أن تضيع منها حتى الآن جزرها الثلاث الاستراتيجية ببحر الخليج العربي، طنب الكبرى، طنب الصغرى، وأبوموسى، حيث استعملت إيران قوتها العسكرية واحتلت الجزر تلك، فيما لم تبادر الرياض لحماية أراض عربية جارة، بسبب عدم التكافؤ العسكري والدبلوماسي مع جارها الفارسي. علما أن تلك الجزر الثلاث، تقع، بين شاطئ الخليج العربي وجزيرة « قشم» الإيرانية. وهي على درجة هامة من الناحية الإستراتيجية، لأنها تقع في المنطقة الأكثر عمقا من مياه الخليج العربي، وتعتبر بر أمان لكل السفن عند مدخل الخليج العربي في حال هبوب العواصف الخطيرة والشديدة. وبسبب صعوبة أن تلعب القاهرة وبغداد ودمشق، حينها، دور التوازن في معركة الصراع على النفوذ هذه، التي ولدت فيها الدولة الجديدة (الإمارات)، لتقليم اندفاع الرياض وطهران، خليجيا، لاصطفافها كلها - آنذاك - في المعسكر الشرقي، زمن الحرب الباردة، فقد كانت الرباط (على بعدها الجغرافي، وهنا المفارقة التي تثير على مستوى علم السياسة والعلاقات الدولية)، الأكثر تأهيلا للعب دور «الوسيط الإيجابي» بين تلك الطموحات الإقليمية والدولة الفتية الوليدة، التي لا يمكن إسقاط، أنها كانت تستفيد من دعم القوى الدولية في المعسكر الغربي ( لندن وواشنطن )، لما تمثله من خزان طاقي وأيضاً من ورقة توازن في المنطقة الخليجية كلها، سواء اقتصاديا، ثقافياً أو أمنياً. وكانت الرباط هي الأكثر تأهيلا، لذلك، لسببين حاسمين: 1 أنها مصطفة بدورها في صف المعسكر الغربي سياسيا واقتصاديا وأمنيا (خاصة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا). وبالتالي، مرغوب منها أن تلعب دور «الوسيط الإيجابي» ذاك في ما يرتبط بالملف الإماراتي بالخليج العربي. 2 أنها، تاريخياً ومصلحياً، ترتبط بعلاقات وازنة ومؤثرة مع طهران (الشاهنشاهية) ومع الرياض (السعودية). وأن ذلك منحها دوماً أن تلعب دور الوسيط الإيجابي حتى بين العائلتين الملكيتين الحاكمتين ببلاد فارس وببلاد الحجاز.. النتيجة، هي أن وسائل عمل وتحرك الرباط خليجيا كانت، آنذاك، في نهاية الستينات وبداية السبعينات، ذات أثر فعلي في الميدان. فكان أن تلاقت ثلاثة انتظارات توحدها المصلحة إقليميا ودوليا، هي: أ انتظارات المعسكر الغربي، الحريص على حماية مصالحه الحيوية بالمنطقة. ب الطموحات المتنافسة للقوتين الاقليميتين بالخليج، طهران والرياض. ج أمل الدولة الإماراتية الفتية، في الحق في الأمن والاستقلال والمناعة الاقتصادية.. هنا، كان الدعم الملموس الذي قدمه المغرب لدولة الإمارات العربية المتحدة، منذ السنوات الأولى لاستقلالها حاسما ومؤثراً، خاصة على المستويين السياسي والأمني. حيث وظفت الرباط ما تمتلكه من خبرة ولوجيستيك في هذين المستويين، بما ضمن المساهمة في خلق أسباب الاستقرار، المفضي إلى اكتساب المناعة للدولة الوليدة، وتصبح ليس فقط «دولة شقيقة» بالمعنى الدبلوماسي للعلاقات بين الدول، بل «حليفا استراتيجيا». على القدر نفسه، الذي أصبحت الإمارات العربية المتحدة حليفاً استراتيجياً (فوق العادة) للرباط، لعبت دوراً مؤثراً في خلق التوازن والأمن التنموي للمغرب، خاصة في سنوات الأزمة الاقتصادية الشديدة الوقع، في بداية سنوات الثمانينات من القرن العشرين، حين وجدت الحكومة المغربية نفسها، أمام نتائج سوء تدبير اقتصادي متلاحق، امتثالا لتوصيات صندوق النقد الدولي للتقويم الهيكلي، وتوالي سنوات غير مسبوقة للجفاف، تواجه كارثة مالية واقتصادية، على مستويات حجم الادخار والعملة الصعبة، ولم تجد من سند وازن ومؤثر غير الرأسمال الإماراتي، الذي وهبها مناعة مالية حاسمة. دون إغفال أيضا، الدور الذي لعبه الرأسمال السعودي، في ذات المناسبة. ومما يسجل في هذا الباب، أن الحكومة المغربية آنذاك، كانت تملك فقط إدخارا ماليا لا يتجاوز الأسابيع المعدودة على رأس أصابع اليد الواحدة، مما كان يهدد الإستقرار والأمن الإجتماعي للبلد كله. تقنياً، اعتبرت كل الاتفاقيات المنظمة لأشكال التعاون الاقتصادي بين البلدين، ترجمانا تدبيريا لقوة العلاقات السياسية الاستراتيجية بين الربط وأبوظبي. وعمليا يمكن تسجيل ثلاث مراحل كبرى لحضور الرأسمال الإماراتي بالمغرب: أ مرحلة الهبات المالية، غير المؤطرة باتفاقيات تجارية واضحة ومحددة. وكان لها دور سياسي حمائي، داعم، أساسا. وهي مرحلة تمتد حتى أواسط الثمانينات من القرن الماضي (وضمنها المشاريع الاجتماعية الكبرى التي نفذها ورعاها شخصيا رئيس دولة الإمارات، ومؤسسها، الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي هي موزعة على كامل خريطة المغرب، بما فيها الأقاليم الفقيرة، النائية والبعيدة، مثل الرشيدية وميدلت). ب مرحلة التقعيد لعلاقات تجارية كلاسيكية بين الحكومات، من خلال ضبط الاستثمارات بما يمنحه قانون الاستثمار في المغرب. وترجمته العملية هي «اتفاقية التعاون الاقتصادي والتجاري والفني بين حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة وحكومة المملكة المغربية»، المتضمنة لتسعة مواد، التي وقعت بالرباط يوم 20 مارس 1984 في نسختين أصليتين باللغة العربية، احتفظ كل طرف بإحداها، وقد وقعها عن حكومة دولة الإمارات، وزير الاقتصاد والتجارة سيف علي الجروان، وعن حكومة المملكة المغربية وزير التجارة والصناعة والسياحة عز الدين جسوس. ثم أيضاً، إنشاء «الشركة المغربية الإماراتية للتنمية»، التي ساهم فيها برأسمال وازن صندوق أبو ظبي للتنمية. مما سمح بتنظيم الاستثمار الإماراتي، قانونيا، في قطاعات تنموية وازنة بالمغرب، من قبيل الصيد في أعالي البحار (والمغرب يتوفر على شواطىء تمتد على أكثر من 3 آلاف كلمتر)، السياحة وبناء الفنادق، الموانىء، بناء السدود، مصانع الإسمنت، شق الطرق (خاصة الطرق السيارة) ثم قطاع العقار. ج مرحلة الرقي بالعلاقات الاقتصادية الى المستوى الاستراتيجي الذي هو متحقق مع العلاقات السياسية بين البلدين. وخلال هذه المرحلة، أصبح تدفق الاستثمار الإماراتي قويا وكبيراً، إلى الحد الذي جعله، اليوم، الأول عربيا بالمغرب. وهذه المرحلة دشنت عمليا، مع تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم، خلفاً لوالده الراحل الحسن الثاني، الذي كانت له علاقات شخصية حميمة مع رئيس دولة الإمارات، الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ويمكن وصف هذه المرحلة، بأنها ترجمان لانتقال العلاقات بين البلدين من العلاقات الأخوية الشخصية بين قيادتي البلدين، إلى العلاقات المؤسساتية. وهي العلاقات التي تعززت أيضا مع وجود حكومة كان يترأسها الوزير الأول الأسبق عبد الرحمان اليوسفي، المعروف بانحيازه لتقوية العلاقات المغربية العربية، ووزيره في المالية الدكتور فتح الله ولعلو، الذي كان يؤمن بضرورة تنويع مصادر الاستثمار الأجنبي بالمغرب، وقناعته الاقتصادية، بضرورة بنينة العلاقات التجارية والمالية والاقتصادية بين المغرب ودول الخليج العربي، خاصة دولة الإمارات، التي أصبحت مع توالي السنوات (خاصة بعد أزمة احتلال الكويت من قبل صدام حسين، وتداعيات حرب الخليج الثانية و»عاصفة الصحراء» الأمريكية على الاقتصاد السعودي)، القوة المالية والتجارية الأكثر تنظيما وتأثيراً في كل العالم العربي. وكانت ترجمتها الميدانية، مصداقية وقوة الشركات الإماراتية الناهضة بأبو ظبي ودبي. فكان أن وقعت حكومتا البلدين على «اتفاقية إقامة منطقة تجارية حرة» يوم 25 يونيو 2001، من نسختين أصليتين باللغة العربية، وقعها وزير الدولة للشؤون الخارجية والتعاون الإماراتي الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى. وهي الاتفاقية التي فتحت الباب واسعاً لولوج كبريات الشركات الإماراتية الى المغرب، خاصة في مدن الشمال والدار البيضاءوالرباط وفاس والجديدة. وهي فترة بداية احتكاك شركات مثل «إعمار»، «سما دبي»، «بيت أبو ظبي للاستثمار»، «الشركة العالمية الإماراتية للاستثمار»، «دبي العالمية»، «ريم»، «صروح» و «القدرة القابضة»، مع الواقع الاستثماري الجديد بالمغرب الذي رسمته القوانين التنظيمية الجديدة لحكومة التناوب حينها. وهو الواقع، الذي كان للقاءات تواصلية قادها في رحلة غير مسبوقة من نوعها الى أبو ظبي ودبي وزير المالية المغربي الأسبق الدكتور فتح الله ولعلو، آخذاً معه فريقا كبيراً من ممثلي غرف التجارة والصناعة المغربية، الدور في ترجمة الرغبة الرسمية لقيادة البلدين في مأسسة العلاقات الاقتصادية بما يمنحها القوة والاستمرارية والفعالية، وأساسا أفقا استراتيجيا مؤسساتيا. ما جعل الاستثمارات الإماراتية بالمغرب، تتنوع وتصل الى قطاعات استراتيجية في مجال التنمية مثل مجال الطاقة. ويعتبر التوقيع، بعدها بشهور، على استثمار ضخم لإنجاز محطتين حراريتين لإنتاج الكهرباء بمحطة الجرف الأصفر، على المحيط الأطلسي، جنوب الدار البيضاء، بقوة 350 ميغاواط لكل واحدة منها، وبكلفة إجمالية تصل الى 1,15 مليار دولار. وكذا إنجاز مشروع سياحي وعقاري ضخم «باب البحر» على ضفتين نهر أبي رقراق، بين الرباط وسلا، بكلفة إجمالية تصل الى حوالي 80 مليون دولار، والذي أشرف على توقيعهما شخصيا ولي العهد بدولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وشقيق الملك محمد السادس، الأمير مولاي رشيد. يعتبر ترجمانا لمدى ما بلغته الاستثمارات الإماراتية بالمغرب، من قوة وفعالية. وهي الفعالية التي ينتظر أن تتعزز، في المجال الطاقي، من خلال قرار الشركة العالمية البترولية للاستثمار الإماراتية، إنشاء أكبر مصفاة للبترول في المغرب، جنوب الدار البيضاء، ستكون أهم من حيث قوة إنتاجها من شركة «سامير» المتواجدة شمال الدار البيضاء، بمدينة المحمدية، والتي كان رأسمالها سعوديا سويديا، قبل أن تفلس هذه الشركة بسبب سوء تدبير لمالكها جمال باعامر (ترجمانا للجريمة التي حكمت منطق الخوصصة في المغرب في الثمانينات، التي لا علاقة لها بالتطور القانوني والتنظيمي والمؤسساتي الذي طال خوصصة مؤسسات عمومية أخرى بعد حكومة التناوب، وحققت نجاحات مبهرة، مثل اتصالات المغرب). مثلما تمة مشاريع كبرى، للاستثمار في مجال العقار والسياحة والسكن الشعبي، وهي كلها قطاعات استراتيجية في مجالات التنمية بالمغرب. هل ظلت تواجه تلك الاستثمارات الهائلة والكبيرة صعوبات معينة؟. الواقع الملموس، يقدم ثلاثة ملامح لهذه الصعوبات، اثنان منها ذات طبيعة تنافسية عادية، يخلقها منطق الصراع والمصالح إقليميا وجهويا: 1 تمة تحوط فرنسي، من تزايد هذه الاستثمارات، لأنها تلعب في مجال ظلت تعتبره باريس وشركاتها العملاقة جزء أساسيا من أوكسجينها الاقتصادي في كل الخريطة الافريقية والعربية. كونها الشريك الاقتصادي الأول للمغرب في العالم. وهي لا تنظر بعين الرضى لهذا التدفق المالي الإماراتي، ما لم تكن لها فيه فائدة اقتصادية. حتى وإن كانت تتفهمه سياسياً، وترغب فيه، مادام يعزز من أسباب التنمية في المغرب، الذي لها مصلحة في استقراره واتساع سوقه الاستهلاكية. وظل هناك «لوبي باريسي» في بعض مواقع القرار المغربية (على المستوى الحكومي والأمني لسنوات) يسعى بذكاء واضح، لتقليم هذه القوة الاستثمارية العربية الوازنة في ما تعتبره باريس «الحديقة الخلفية الكلاسيكية للاقتصاد والرأسمال الفرنسي». 2 وظل هناك تنافس مغاربي، جزائري تونسي، يسعى بما له من إمكانيات دبلوماسية وسياسية الى حمل الرأسمال الإماراتي على الالتزام بمبدأ التوازن في دعم المشاريع التنموية بالمنطقة المغاربية. والأمر، يأخذ أبعاداً خاصة، عند الحكومة والدولة الجزائريتان، كون التنافس على النفوذ الإقليمي في الشمال الغربي لإفريقيا، بينها وبين الرباط، يجعل القيادة الجزائرية تتحوط من كل أسباب المناعة الاقتصادية والمالية لجارها الغربي، المغرب. الأمر، الذي طبيعياً، سيكون في صالح الاستثمارات الإماراتية، لأنه يمنحها إمكانيات أفضل للاستثمار يفرضها منطق التنافس بين الرباط والجزائر. هل العلاقات التاريخية، سياسياً، بين أبو ظبي والرباط، قد نجحت في رعاية الرأسمال الإماراتي أكثر في المغرب؟!.. أخلاقيا ومبدئياً، ممكن، ووارد، لأن تداخل التراكم على مستوى التعاون السياسي والاستراتيجي بين الدولتين، هو من القوة ما يجعله صعب التجاوز أو التغاضي عنه، حتى وإن كان المال لا أخلاق له غير الربح والفائدة. لأنه في العلاقات بين الرأسمال، ليس هناك صداقة دائمة ولا عداوة (أو خصومة) دائمة، بل هناك مصلحة دائمة. لكن، ارتقاء العلاقات اليوم إلى المستوى الإستراتيجي المؤسساتي الذي رسمته قمة الرياض، يجعل القلق في هذا الباب منعدما. 3 الملمح الثالث، ربما هو المقلق أكثر، يتعلق بالحماية القانونية لكل استثمار أجنبي بالمغرب. ذلك، أنه إذا كان المغرب قد قطع خطوات هامة على مستوى تعزيز قوة محاكمه التجارية، ومنحها الإستقلالية، وجعلها المتخصصة في حماية الرأسمال الأجنبي الذي يستثمر في مشاريع بالمغرب. فإن الإشكال القائم، هو اتساع أسباب الفساد الاداري، والرشوة، الذي يجعل مشروع إصلاح القضاء بالمغرب، الذي يقوده ويحرص عليه ملك البلاد، محمد السادس، مشروعاً ذا راهنية كبرى، حتى يوسع من هامش حماية الحقوق، وضمنها الحقوق الاقتصادية والتجارية والمالية للمتعاقدين. وهذا مشروع ضخم، يستوجب استثماراً في الزمن، لجني ثمار تربية تدبيرية إدارية جديدة، ليست متوفرة كفاية حتى الآن، مما قد يصعب بعض أشكال الاستثمار الإماراتي والخليجي، بالشكل الاقتصادي السليم والعادي. في معنى أول قمة مغربية خليجية إن الوصول، إلى عقد أول قمة مغربية خليجية، أسست ورسمت علاقات استراتيجية بين الطرفين، بحضور كل دول الخليج (بعد التحفظات التي عبرت عنها من قبل سلطنة عمان، سنة 2011)، هو تتويج في الواقع لمسار طويل من العلاقات السياسية بين الضفتين. وإذا كنا، في هذه المقالة، قد توقفنا أكثر عند مسار تطور نموذج العلاقات بين الرباط وأبوظبي، بسبب أنها الدولة الخليجية الأكثر استثمارا في المغرب، وتفوق حتى قوة الرأسمال السعودي الذي يعتبر الأعلى والأقوى بين كل بورصات دول الخليج. إذا كنا قد توقفنا عندها كنموذج، فإن ذلك لا يلغي أن تمة تراكمات مماثلة قد تحققت، مؤسساتيا، مع الرأسمال السعودي والكويتي والقطري منذ أواسط الثمانينات، سواء من خلال صناديقها السيادية القوية جدا، أو من خلال مؤسساتها المالية الخاصة بالتنمية (أبناك التنمية الكويتية والسعودية). إن الخلاصة، هي أن ارتقاء العلاقات المغربية الخليجية، إلى مستوى استراتيجي اليوم، بمنطق القرن 21، سيكون من الوهم الإعتقاد أنه محكوم فقط بالسياقات السياسية لطبيعة العلاقات المغربية الخليجية، ما بعد الربيع العربي. ليس ذلك، فقط، هو السبب، بل إنه مسنود بمسار تراكمي، تطور بشكل مؤسساتي منظم، اقتصاديا وماليا، وأنه تطور على مستويات أذرعه الأمنية والعسكرية، ليرقى إلى مستوى «الحلف». ومع إطلاق مشروع هائل وطموح، مثل «مشروع السعودية 2030»، فإن هذا كله، يؤكد أن ما يتم التقعيد له، من إطار تنظيمي متقدم ومتطور واستراتيجي للعلاقات بين المغرب ودول الخليج، يقدم المثال على «تكتل عربي» جديد، بمنطق حسابات القرن 21. في انتظار أن ينضج الوعي المغاربي (خاصة بالجزائر العاصمة)، ليعاد موضعة الجماعة العربية ضمن صراع التكتلات العالمية، بمنطق تنظيم المصالح تكامليا، والذي لا يمكن أن ينجح سوى بالمغرب والخليج ومصر.