رصدت وثيقة استخباراتية أمريكية التحركات الإيرانية في العراق للتأثير سلبا على الانتخابات التي جرت في السابع من الشهر الجاري، كما رصدت اتصالات عدد من القادة العراقيين بالاستخبارات الإيرانية للتأثير على نتائج الانتخابات لصالح بعض الأحزاب العراقية. وبينما يتبع المسؤولون الأمريكيون سياسة حذرة في التعليق على هذه القضية، شهدت الأيام الماضية تصريحات أمريكية واضحة حول الدور الإيراني. وأطلقت تصريحات قائد القوات الأمريكية في العراق، الجنرال راي أوديرنو، شرارة التصريحات العلنية الأمريكية حول الدور الإيراني بإعلانه وجود «معلومات استخباراتية» تثبت التدخل الإيراني. وأكدت مصادر أمريكية وجود مخاوف من التأثير الإيراني على الانتخابات، مع الإقرار بوجود تأثير من دول أخرى، ولكن يبقى الثقل الإيراني أكبر. وتعتبر واشنطن أن «الوطنية العراقية» هي الرادع الأول والأساسي لمواجهة محاولات إيرانية للتأثير على الانتخابات، بالإضافة إلى منع دول أخرى من التأثير عليها. وقد قدم مسؤولون أمريكيون معلومات لقادة سياسيين عراقيين حول التدخل الإيراني في الآونة الأخيرة لتسليط الضوء على خطر تبعات هذا التدخل. وتضمن الوثيقة الأمريكية معلومات تركز على التمويل والدعم الإيراني لبعض الأحزاب العراقية، بالإضافة إلى العلاقة بين أحمد الجلبي، رئيس هيئة المساءلة والعدالة، وإيران. وأفادت الوثيقة بأن الجلبي التقى قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في نوفمبر الماضي ضمن سلسلة من الاتصالات التي قام بها مع مسؤولين إيرانيين. ورصدت الوثيقة التحركات الإيرانية الأخيرة، بما فيها احتلال حقل الفكة النفطي على الحدود العراقية - الإيرانية، التي «تضر بالسيادة العراقية» بموجب الوثيقة. وأضافت الوثيقة أنه بعد انسحاب القوات الإيرانية من الأراضي العراقية ظهر أن «أدوات حفر أقيمت على الطرف الإيراني من الحدود مما يظهر أن إيران كانت قد تقوم بعمليات حفر». وترصد الوثيقة أيضا إمكانية طلب إيران تعويضات حرب من العراق بعد تشكل الحكومة المقبلة، من جراء الحرب العراقية - الإيرانية. وأفادت الوثيقة بأن «المسؤولين الإيرانيين يشيرون إلى أن طهران ستطالب بتعويضات حرب بعد الانتخابات العراقية الوطنية». وأوضح ناطق باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» أن «الإيرانيين يسعون إلى التأثير على العراق من خلال طرق مختلفة وهذا أمر معروف، ولكن من المهم أن لا يحدد التأثير الإيراني مستقبل العراق». وأضاف «هناك معلومات استخباراتية في حوزتنا حول التدخل الإيراني ولكن لا نريد نقاش المزيد من المعلومات الاستخباراتية، يكفي القول إنهم يبذلون جهودا لفرض نفوذهم في أي مجال يستطيعونه»، مشيرا إلى أن «المعلومات تشير إلى زيادة نفوذهم خلال هذه الفترة». وخلال لقاء مع مجموعة من الصحافيين في واشنطن يوم 16 فبراير الماضي، قال الجنرال أوديرنو إن جهود الجلبي وفيصل علي اللامي، المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعدالة، لمنع مشاركة بعض المرشحين في الانتخابات تأتي بتأثير إيراني. وقال أوديرنو «من الواضح أن اللامي والجلبي متأثران بإيران.. لدينا معلومات استخباراتية مباشرة تقول ذلك لنا ولقد أجريا لقاءات واتصالات في إيران». وأضاف «نحن نؤمن بأنهما بالتأكيد يؤثران على الانتخابات». وتابع أوديرنو «من الواضح أن هناك دولا كثيرة لديها الكثير من الاهتمام حول كيف تسير الأمور في العراق.. بعضها لا تريد نجاح العملية الديمقراطية.. كما أن دولا أخرى تريد التأثير على العراق وإحلال حكومة ضعيفة تستطيع السيطرة عليها والسيطرة على نمو العراق، كي لا تتحداهم». وتحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، مباشرة عن التدخل من دول جوار العراق في الانتخابات العراقية وليست فقط إيران، إلا أنها أوضحت في شهادتها أمام الكونجرس الأسبوع الماضي أن الدور الإيراني يثير القلق أكثر من دول أخرى. وقالت كلينتون «من دون شك، إيران ليست الوحيدة بل دول جوار أخرى تحاول أن تؤثر على الانتخابات، لكننا قلقون أكثر شيء من التصرفات الإيرانية»، مشيرة إلى النفوذ الإيراني لدى عدد من الكيانات العراقية. ولكن اعتبرت كلينتون أن «العراقيين وطنيون ولديهم العزيمة للوقوف في وجه إيران، فيما عدا العراقيين الذين لديهم أجندة خاصة». ولفتت إلى أنه «من غير الممكن التكهن حول نتائج الانتخابات، ونحن نريد أن نضمن أكبر مشاركة ممكنة من أجل التخفيف من التأثير الإيراني». وقال الناطق باسم البنتاغون إن «تصريحات الجنرال أوديرنو المباشرة أثارت انتباه الكثير منا لأنه من النادر أن يتحدث مسؤول رفيع المستوى مباشرة عن المعلومات الاستخباراتية». وبعد تصريحاته الأولية حول علاقة إيران بالجلبي، أوضح أوديرنو في لقاء مع مجموعة من الصحافيين في واشنطن عبر دائرة تلفزيونية أنه «بناء على المعلومات الاستخباراتية من الواضح أن لديهم روابط مع إيران». وحدد أوديرنو: « مجالات تستخدمها إيران لمحاولة التأثير على النتيجة في العراق» هي «الاستثمار في العراق والاستثمار في بعض المؤسسات والبنوك، وهم ما زالوا يلعبون دورا في دعم جهات داخل العراق تواصل هجماتها ضد القوات الأمريكية والعراقية». وتابع «ما زالت لديهم حركة دبلوماسية مهمة داخل العراق على مستويات عدة»، مما يثبت النفوذ الإيراني. وعبّر رئيس البعثة الأوروبية للعراق في البرلمان الأوروبي النائب ستروان ستيفنسون عن قلقه من التدخل الإيراني في الانتخابات النيابية العراقية، وقال «لقد تلقيت عددا من الاتصالات الهاتفية والرسائل الإلكترونية المثيرة للقلق بشكل كبير، وقد أكدت أسوأ مخاوفي. هناك تقارير أن الإيرانيين يرسلون بمئات الملايين من الدولارات لأماكن مختلفة في العراق لشراء الأصوات». وأضاف ستيفنسون «لقد نقل لي البعض أيضا أن هناك شاحنات تحمل صناديق اقتراع مملوءة من إيران وتنقل عبر الحدود إلى العراق». كما عبر عن قلقه من الأحداث الأخيرة التي حصلت حول منع نحو 500 مرشح من خوض الانتخابات، وقال إن هؤلاء هم «ضد الطائفية، ومن بينهم قادة أحزاب كبار مثل الدكتور صالح المطلك، والدكتور ظافر العاني». وأضاف أنهم منعوا «بعد تلفيق اتهامات لهم بأنهم متعاطفون مع حزب بعثيي صدام حسين. في الواقع، الأمر الوحيد المشترك بين هؤلاء المرشحين هو معارضتهم الناشطة للتدخل الإيراني في السياسة العراقية». وأشار إلى أنه رفع القضية إلى وزيرة الخارجية الأوروبية الليدي كاثرين أشتون، وقال إن الاتحاد الأوروبي «لن يتساهل مع انتخابات ملفقة شبيهة بالمهزلة المخادعة التي حصلت في إيران في يونيو الماضي».