يناقش تريتا بارزي الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية في كتابه «حلف المصالح المشتركة: التعاملات السرية بين إسرائيل وإيرانوالولاياتالمتحدة» الذي ترجمه الى اللغة العربية أمين الأيوبي، وصدر عن الدار العربية للعلوم ناشرون سنة 2007، السياسة الخارجية حيث يركز فيه على العلاقات بين هذه الدول (إيران، إسرائيل، الولاياتالمتحدة) وليس على التطورات الداخلية التي لها حسبما يقول تأثير ضئيل أولا تأثير لها بالرغم من أهميتها في السياسات الخارجية لهذه الدول. كما أنه لم يسع الى تقديم تفسير عميق للإيديولوجيات التي يعتنقها قادة هذه الدول. بدلا من ذلك، اقتصر على دراسة الأفكار ووجهات النظر العالمية هذه فقط فيما يتعلق بمدى تأثيرها في السياسة الخارجية لكل من إسرائيل وإيران. لكن هذه المقاربة لاتعني عدم وجود صلة بين الإيديولوجيات وهذا الصراع على الإطلاق أو أن اعتناقها محل تساؤل. بل على العكس من ذلك، يتمسك كل من القادة الاسرائيليين والإيرانيين بقوة بإيديولوجيات ووجهات نظر عالمية، ويتعاملون معها على محمل الجد. غير أن القول بأن هذه الإيديولوجيات هي العامل الرئيسي المحدد في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية مسألة مختلفة تماما. ومن خلال مقابلات المؤلف المباشرة مع صناع القرار، حصل على روايات للأحداث وطريقة التفكير التي انتجت القرارات الاستراتيجية من مصادر عليمة. ويقول إنه لم يسبق أن توفر العديد من هذه الروايات والتعليلات المنطقية العامة للناس من قبل. إن المقابلات التي أجريت مع المسؤولين الإيرانيين على وجه الخصوص كشفت بواطن الأمور، واخترقت جوانب نادرا ما كانت تناقش من قبل في حال ما إذا نوقشت أصلا بشكل علني في إيران، مع توخي الحذر من أجهزة الرقابة التي تواجهها وسائل الإعلام المطبوعة في ما يتعلق بقضايا حساسة مثل إسرائيل. الأمر نفسه ينطبق الى حد معين على إسرائيل، حيث المشكلة هناك ليست في الرقابة الحكومية كما يقول المؤلف وإنما في السرد الذي ركز بشكل شبه حصري على التهديد العسكري المتصور من إيران والذي أهمل الحسابات الاستراتيجية الأساسية لدى صناع القرار الإسرائيليين والإيرانيين. ومن أجل ضمان إمكانية التعويل على هذه المقابلات والروايات أجرى المؤلف مقابلات مع عدد كبير على نحو غير عادي من الأشخاص، وأجرى مقارنة بين الروايات التي رووها. وتم اختيار الأشخاص الذين أجرى مقابلات معهم بناء على مشاركاتهم الخاصة في رسم السياسة الخارجية الإيرانية، أو الإسرائيلية أو الأمريكية، أو بناء على اطلاعهم على تلك العملية. وأحال الروايات المقتبسة الى المسؤولين والمحللين في كافة الحالات عدا النزر اليسير منها. الثورة الإيرانية وآثارها بعد الثورة التي أطاحت بالشاه في إيران، عرف النظام الجديد نفسه بعبارات مناوئة لنظام البهلوي: كل شيء يرتبط بسلالة البهلوي خطأ بكل بساطة، بما في ذلك الروابط مع إسرائيل. ومع أن السخط من علاقات الشاه السرية بتل أبيب لم يكن القوة الدافعة للثورة، فقد أيدت كافة الفصائل الثورية الرئيسية المشاعر المعادية لإسرائيل لأن تل أبيب على علاقة وثيقة بالولاياتالمتحدة. والكيان الصهيوني مركز أمامي للإمبريالية الأمريكية في الشرق الأوسط، وشبه الثوار الإيرانيون معاملة إسرائيل للفلسطينيين بمعاملة نظام الفصل العنصري للسود بدولة جنوب أفريقيا، وأكدت القوى الدينية الإيرانية أن إسرائيل كيان غير شرعي ومغتصب لأرض إسلامية، وأن إسرائيل «بحكم طبيعتها عدوة للإسلام والقرآن» وأن الواجب الديني يفرض على كل مسلم محاربتها، وأن مشكلات العالم الإسلامي متجذرة في العلمانية والابتعاد عن الإسلام الحقيقي. وفيما يتعلق بعلاقة النظام الإيراني الجديد بالفلسطينيين أشار المؤلف الى أن التدهور أصاب العلاقات بين إيران ومنظمة التحرير مع تدهور علاقات إيران مع جيرانها العرب. كما القى آية الله الخميني موعظة على عرفات حذره فيها من شرور العلمانية، واتهم الدول العربية الأخرى بالتخلي عن الإسلام (ص 128). وسرعان ماتوترت العلاقات بين طهران ودول مجلس التعاون الخليجي. بدأت حكومة آية الله الخميني تنتقد منظمة التحرير والجبهة الشعبية علنا متهمة إياهما بتغذية التوترات بين العرب والفرس في الأهواز، وتساءل العديد من رجال الدين البارزين، من منظور أمني، عن صوابية وجود مكتب لمنظمة التحرير في الأهواز، آخذين بعين الاعتبار العدد الكبير من سكانها الناطقين باللغة العربية. ولم يكد يمضي شهور على افتتاح مكاتب الأهواز حتى أغلقت، وتم وضع سفارة منظمة التحرير بطهران تحت حراسة أمنية مشددة. ويقارن المؤلف بين القوات الإيرانية والقوات العراقية قبل الحرب التي اندلعت بينهما: «مع اندلاع الثورة في العام 1979، كانت قوة إيران في المنطقة في تراجع بالمقارنة مع قوى جيرانها؛ وعلى الخصوص العراق. وبات وضع إيران بوصفها القوة التي لاتضاهى في المنطقة يعتمد على أرضية مهزوزة في العام 1978. فالفوضى التي عمت أرجاء البلاد مع اندلاع الثورة لم تخدم سوى في زيادة الأمور سوءا. وتراجع الإنفاق العسكري الإيراني من 16.6 مليار دولار في العام 1978 الى 7.7 مليار دولار في العام 1979، والعشرات من الضباط الإيرانيين إما أنهم فروا من البلاد أو قتلوا على يد الثوريين، مما شتت الكثير من الخبرات العسكرية التي تملكها البلاد. وما بين عامي 1979 و1980، خسرت القوات المسلحة الإيرانية أكثر من مائة ألف رجل. وفي نفس الوقت، تضخم حجم الجيش العراقي وفاق عدد جنوده عدد الجيش الإيراني لأول مرة في تاريخه. وبحلول العام 1980، فاق الإنفاق العسكري للعراق إنفاق إيران لأول مرة في تاريخه أيضا»(ص 131). خسارة كبيرة لأمريكا، وضربة مدمرة لإسرائيل أمالت الثورة الإيرانية كفة الميزان في الشرق الأوسط عبر جذب إيران بعيدا عن المعسكر الغربي. بالنسبة الى أميركا، شكل الأمر كارثة. ففي غمرة الحرب الباردة، خسرت واشنطن حليفا هاما كلف بمهمة المحافظة على الاستقرار في منطقة الخليج العربي المتفجرة للغاية وإبقاء السوفيات خارجها. قطع كارتر كافة الروابطة الدبلوماسية مع طهران بعد احتجاز الرهائن الأمريكيين في السفارة الأمريكية، ولم تعد أمريكا تنظر الى إيران كما كانت تفعل في السابق. بل على العكس من ذلك، بدأ الإيرانيون ينظرون الى واشنطن على أنها خطر؛ ليس بالضرورة خطرا عسكريا وإنما كخطر سياسي على المدى البعيد نابع من رفض أمريكا القبول بالثورة الإيرانية، وبالتالي عزم واشنطن على استغلال كل فرصة لعكس مسار الثورة. ويقول المؤلف إن خسارة إيران كانت ستشكل نكسة استراتيجية كبيرة للكيان الصهيوني. وهذا الاحتمال جعل من الأهمية بمكان بالنسبة الى إسرائيل أن تسعى الى المحافظة على روابطها مع إيران؛ حتى في ظل النظام الجديد». أحست إسرائيل بالخطر القادم من العراق، وهو ما زاد بدوره من حاجتها الى علاقاتها مع طهران. فبالرغم من أن إسرائيل أبرمت اتفاقية سلام مع مصر، ظلّت علاقاتها مع العالم العربي ومع الكتلة السوفياتية عدائية. لذلك في حين ساد الهدوء جبهتها الجنوبية، أي الجبهة المصرية، ظلّت جبهتها الشرقية أكثر انكشافا نتيجة لتنامي القوة العراقية ولخسارة إيران كثقل موازن للعراق. من وجهة نظر تل أبيب، كان العراق الخطر الإقليمي الوحيد الأكبر على أمن إسرائيل، في حين لم يكن ينظر إلى إيران بالرغم من دعمها الصريح للقضية الفلسطينية على أنها خطر. رفضت إيران في البداية، بسبب رغبتها في إعادة تصميم نظام الشرق الأوسط بأكمله، بناء تحالفات مع الدول العربية التي تشاطرها المآزق الجيوسياسية والتي تتصادم إيديولوجياتها مع إيديولوجية إيران. على سبيل المثال، خسرت مصر دروها القيادي في العالم العربي، وأقصتها الدول العربية بعد التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، لقد سعى السادات إلى كسر عزلة بلاده عبر مدّ اليد إلى إيران فور وفاة الشاه. ولكن آية الله الخميني استثمر تلك الفرصة لاكتساب الشرعية في العالم العربي فرفض عرض السادات واتهم مصر بخيانة الفلسطيني. في مايو 1980، قطعت إيران كافة علاقاتها مع مصر. لكن سرعان ما تبيّن لحكومة آية الله الخميني أن الدول العربية المجاورة لإيران لا تقبل بنموذج الإسلام السياسي لإيران. ففكرة الوحدة الإسلامية والنظام الإسلامي، بالكاد تلائم الأنظمة العربية القائمة، وحتى الأنظمة التي تدعم نظاما إسلاميا، كانت معادية للنموذج الإسلامي الشيعي لإيران، كما أنّ تحدّي إيران للنّظم السياسية القائمة في الدول العربية كان مثار قلق على الخصوص في الدول الخليجية العربية التي تربطها علاقات قوية بواشنطن، والتي يصف آية الله الخميني نموذجها الإسلامي «بالإسلام الأمريكي». كما شعرت إيران الثورية بالخوف من حكام الدول التي تضم أعداداً كبيرة من الشيعة مثل العراق. في حين كان العرب يدركون جيدا طموحات الشاه، فقد انتابهم الذعر من التصاميم السياسية التي أعدّها آية الله الخميني، ومن المحاولات التي تبذلها إيران لتصدير الثورة (ص 139). كما أنّ الثورة لم تبدد مخاوف إيران من الاتحاد السوفياتي. ففي ديسمبر 1979، غزت القوات الروسية أفغانستان فوضعت إيران قوّاتها المسلحة في حالة تأهّب قصوى. خافت إيران من أن تستغلّ موسكو الاضطراب السياسي في إيران من أجل تحقيق هدفها بعيد المدى بالوصول إلى المياه الدافئة للخليج العربي. سرعان ما تحوّلت طموحات إيرانالإقليمية، وهدفها المتمثل في نشر الإسلام السياسي، والتوترات القائمة بينها وبين واشنطن إلى عداوة إيرانية إسرائيلية، وهو الأمر الذي ساورت الاستخبارات الإسرائيلية الظنون بشأنه قبل وقت طويل من اندلاع الثورة. فمعارضة إيران الإيديولوجية للكيان الصهيوني لا لبْس فيها، لا سيما وأنها كانت تشعر بيدٍ إسرائيلية خلف العديد من التحدّيات التي تواجهها.(ص 140) ويقول المؤلف إنّه بدلا من الفوز بأصدقاء عرب، لم تجلب السياسات التي اتبعتها حكومة آية الله الخميني سوى الأعداء فالجهود التي بذلتها إيران لتحدّي الواقع الإقليمي حوّلتها إلى دولة منبوذة، يخافها الجميع، ويتحاشاها معظمهم (ص 145). إن المحاولات التي بذلتها إيران لتبوّء قيادة المسلمين المضطهدين في العالم وضعتها على طرفي نقيض مع العراق، الذي سعى إلى رفع راية الوحدة العربية بعد أن فقدت مصر حظوتها بتوقيعها على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل. ويرى المؤلف أنه كان لدى آية الله الخميني القليل من الخيارات لكسر دائرة العزلة التي فرضتها الولاياتالمتحدة، والتكتل العربي، والاتحاد السوفياتي على إيران. كانت إيران تفتقر إلى ما كان لدى الشاه من علاقات دبلوماسية، وأصدقاء إقليميين، وعائدات نفطية (نتيجة الهبوط الكبير في إنتاج النفط الإيراني) ترضي بها أعداءها، لكن ضعف إيران كان نعمة على أعدائها الكثيرين. فصدام، الذي كان ينتظر بفارغ الصبر فرصة لاستعادة أمجاد العراق القديمة، أدرك أنّ الظروف باتت في صالحه، كان يعرف أنّ الدول العربية الأخرى ترغب في دعم العراق، آخذاً بعين الاعتبار التهديد الذي تشعر به من إيران، كما أن الفراغ الذي خلّفه استبعاد مصر من جامعة الدول العربية (بعد خروج السادات من الصفّ العربي وتوقيعه على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل) كان يتطلب قائداً جديداً لملئه. بالإضافة إلى ما تقدم، بدا أنّ الجيش الإيراني في حالة يرثى لها.. أي أنّ إيران كانت هدفاً مغرياً. حسب صدام أنه سيتمكن من السيطرة على الممرّ المائي محيط شط العرب وعلى إقليم خوزستان الغني بالنفط أيضا في جنوب غرب إيران. وأيّ غزو ناجح لإيران سيجعل العراق القوة المهيمنة في منطقة الخليج العربي ويعزّز تجارته النفطية المربحة. كما أنّ العراق كان في طور تحسين علاقاته مع الولاياتالمتحدة في تلك الفترة، وسرى اعتقاد واسع بأن واشنطن رأت العديد من المزايا في هجوم يشنّه العراق على إيران. في غمرة الحرب العراقية الإيرانية بعد أن قطع العراق علاقاته الدبلوماسية مع إيران في يونيو 1980، أعلن في 17 سبتمبر أن شط العرب جزء من أراضيه ملغياً بذلك اتفاقية الجزائر من الناحية الفعلية. شنّ صدام هجوماً واسع النطاق على إيران في 22 سبتمبر بحجة محاولة إيرانية مزعومة لاغتيال وزير الخارجية العراقي، طارق عزيز. كانت الدفاعات الإيرانية في البداية مشتتة، فتقدم الجيش العراقي بسهولة نحو الأهواز، عاصمة إقليم خوزستان. كان سلاح الجوّ الإيران مشلولاً بسبب افتقاره إلى قطع الغيار الأمريكية ، وهو ما أعطى سلاح الجو العراقي السيادة الجوية وقدرات هجومية كبيرة. لكن مع تواصل الاختراق العراقي في عمق الأراضي الإيرانية، واجه مقاومة غير متوقعة. فبدلاً من أن ينقلب الإيرانيون على النظام الديني، التفّوا حول قيادتهم بحماسة كبيرة. وفي غضون شهرين قُدّر عدد المتطوّعين الذين أرسلوا إلى جبهات القتال بحوالي مائة ألف إيراني. وسرعان ما تبيّن للعراقيين أنّ الجيش الإيراني لايزال خصماً منيعاً، بالرغم من الفوضى والصعوبات التي واجهها. بحلول العام 1982، استعادت إيران الأراضي التي استولى عليها جيش صدام، ونقلت الحرب إلى الأراضي العراقية، فما كان يساور صدام من إحراز نصر سريع ومحكم تبّين أنه حرب استنزاف دامت ثماني سنين، وأسفرت عن نحو مليون قتيل. قضية إيران كونترا ويشير المؤلف إلى وجوهٍ من التعاون بين إسرائيل وإيران أثناء هذه الحرب. يقول مثلا: «لم تتخلّ إسرائيل عن فكرة إعادة بناء علاقاتها مع طهران. ربما كانت اتصالات إسرائيل المكثفة مع الجيش الإيراني هي التي مهّدت الطريق أمام أكثر تدخلات إسرائيل حسماً في الحرب. ففي 7 يونيو/ حريزان 1981، أقلعت ثماني طائرات إسرائيلية من طراز أف 16 وأربع طائرات من طراز أف 15 من قاعدة إتزيون الجوية في ما أطلق عليه العملية أوبرا. كان هدف تلك المهمة مفاعل البولتونيوم البحثي العراقي في أوزيراك والذي يشتبه في أنه يستخدم في تطوير موادّ لصنع أسلحة دمار شامل. أدّت الضّربة الجوّية إلى تدمير موقع المفاعل بسرعة، وأعادت برنامج الأسلحة النووية العراقي عدة سنين إلى الوراء. عادت جميع الطائرات إلى إسرائيل سالمة مع الغسق في عملية اعتُبرت خالية من الأخطاء، واستناداً إلى صحيفة صنداي تلغراف اللندنية، استعانت إسرائيل بصور فوتوغرافية وخرائط إيرانية للمنشآت النووية. كان هجوم أوزيراك قد نوقيش من قبل ضباط إسرائيليين كبار ومندوب عن نظام آية الله الخميني بفرنسا قبل شهر من تنفيذه استناداً إلى آري بن ميناشي الذي شارك عن قرب في الاتصالات الإسرائيلية الإيرانية في مستهلّ الثمانينيات. في ذلك الاجتماع، شرح الإيرانيون تفاصيل هجومهم غير الموفّق على الموقع في 30 سبتمبر 1980، ووافقوا على السماح للطائرات الإسرائيلية بالهبوط في مطار إيراني بتبريز في حال الطوارئ. وسواء لعبت إيران دوراً في قصف أوزيراك أم لا، استغلّ العراق الهجوم الإسرائيلي في دعايته الهادفة إلى تقويض الجهود التي تبذلها إيران لإعطاء دورها القيادي في العالم الإسلامي صبغة شرعية. قال العراقيون بأن إيران تخوض حرباً إسرائيلية» (ص 158-157). ويرى المؤلف في الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو 1982 فرصة سلّمت من خلالها إسرائيل لإيران - عن غير قصد - نجاحها الوحيد في تصدير ثورتها إلى العالم العربي. ويرى أنّ إيران حققت من خلال حربها مع العراق أهداف إسرائيل كدولة محيطه عبر شلّ قدرة العراق، وتحييد الجبهة الشرقية لإسرائيل!. وبتقديم المساعدة العسكرية لإيران، ساهمت إسرائيل في ضمان أمنها الخاص عبر زيادة الانشقاقات بين العرب! وأدّى قرار آية اللّه الخميني بمواصلة الحرب داخل الأراضي العراقية إلى تدعيم موقف الأعضاء في إدارة ريغان الذين دافعوا عن حرمان إيران من القدرة على الحصول على السلاح. كان هؤلاء المسؤولون منزعجين على الخصوص من مساعدة إسرائيل لآية الله. وكانت الولاياتالمتحدة قد بدأت في مارس 1982بتوفير معلومات استخبارية ودعم عسكري لصدام حسين، بما يتناقض وموقف واشنطن الرسمي بلزوم الحياد في الحرب. إنّ ميل الولاياتالمتحدة لصالح العراق جعلها أكثر تردداً في إدانة استخدامه للأسلحة الكيميائية، بالرغم من أن الاستخبارات الأمريكية أكدت الاتهامات الإيرانية بأن العراقيين يشنّون هجمات بالأسلحة الكيميائية يومياً تقريباً ضدّ الجنود الإيرانيين والمتمرّدين الأكراد. في أواخر العام 1983، قام ريغان بإرسال رامسفيلد كمبعوث خاص إلى بغداد للاجتماع بصدام حسين وتمهيد الطريق أمام تحسين العلاقات الأمريكية العراقية عبر زيادة الدعم الأمريكي للعراق في الحرب. أثناء تلك الزيارة، نقل رامسفيلد معه أيضا إلى وزير الخارجية العراقي طارق عزيز عرضاً إسرائيلياً بمساعدة العراق. لكن عزيز رفض العرض بل ورفض استلام الرسالة التي بعثت بها إسرائيل إلى الرئيس العراقي. كان القصد من الاقتراح الإسرائيلي معرفة ما إذا كان تحسن العلاقات الأمريكية العراقية يمكن أن يؤدّي إلى علاقات أفضل بين إسرائيل والعراق. لكن رفض استلام الرسالة بدد أية شكوك لدى تل أبيب في النوايا العراقية. كان تقرّب واشنطن من أشد أعداء الكيان الصهيوني عداوة في وقت رفض فيه العراق تحسين علاقاته مع إسرائيل مدعاة لفزع كبير بالنسبة إلى الإسرائيليين. وخشيت إسرائيل من إمكانية أن يؤدّي هذا التقارب إلى إمالة كفة الميزان في المنطقة في حال أدّى إلى قبول أمريكي بانتصار عسكري عراقي (ص 165). وتحت عنوان «النَّفس الأخير للمبدأ المحيطي» قال المؤلف إنّ المتنفّس الاستراتيجي لإسرائيل وصل إلى نهايته في العام 1987، بعد سنة من تفجرّ فضيحة إيران - كونترا. ومع تزايد احتمالات تحقيق النصر بعد أن بدأت الولاياتالمتحدة تزويد صدام حسين بمعلومات استخبارية عن تحرّكات القوّات الإيرانية، استنتجت تل أبيب أنّ استمرار الحرب سيكون أمراً بالغ الخطورة، ورأت حالة الجمود هي أفضل نتيجة ممكنة. استمر المبدأ التوجيهي الذي يحكم السياسة الإسرائيلية من خلال تجنّب القيام بأي أعمال ضدّ طهران ربما تهدّد ما اعتبرته تل أبيب العودة الحتمية لإيران بوصفها حليفاً محيطياً غير عربي، وحتى عندما بدا واضحاً أن إسرائيل كانت تساعد الراديكاليين الإيرانيين - وليس المعتدلين - من خلال شحنات الأسلحة، تواصلت تلك العمليات. ويضيف المؤلف أن قضية إيران - كونترا لم تكن حادثة منعزلة. فالاتصالات بين إيران وإسرائيل تكررت طوال حقبة الثمانينيات، بدفع من القوى نفسها؛ حاجة إيران إلى السلاح، وأمل إسرائيل بإعادة بناء المحور الإسرائيلي الإيراني. تبنّى رفسنجاني سياسة التفاهم الدولي. لكن في 2 غشت 1990 عاد صدام حسين وجعل نفسه النقطة المركزية في الحسابات الاستراتيجية الإيرانية، والأمريكية، والإسرائيلية عبر غزوه دولة مجاورة أخرى، بعد ذلك بوقت قصير، انهار الاتحاد السوفياتي، وانتهت الحرب الباردة، وبين عشية وضحاها، تحوّل النظام والتركيبة الدولية ثنائية القطبين إلى تركيبة أحادية القطب بقيادة الولاياتالمتحدة. ومع زوال الخطر السوفياتي على إيران، زاد الخطر الأمريكي على نحو ينذر بالشؤم. فقد أصبحت الولاياتالمتحدة قوة رئيسية في الخليج العربي. وتزامن مؤتمر الرافضين بطهران مع مؤتمر مدريد، وضم جماعات فلسطينية مسلحة رأت - كما إيران - أنّ جهود الوساطة الأمريكية تضرّ بمصالحها. ورفعت إيران حدّة خطابها المعادي لإسرائيل، واتهمت الحكومات العربية التي تدعم عملية السلام بالخيانة، واستخدمت ورقة الشارع العربي في إضعاف الحكومات العربية الموالية للغرب. شهد المثلث الإسرائيلي الأمريكي الإيرني تحوّلاً ملحوظا في سنوات قليلة. ففي الثمانينيات،كانت إسرائيل المدافع غير المتوقّع عن إيران والمجازف الكبير في الضغط على إدارة ريغان لكي تفتح قنوات اتصال مع إيران. الآن، قامت إسرائيل بالعكس تماماً. أرادت إسرائيل من الولاياتالمتحدة أن تفرض حصاراً اقتصادياً وسياسياً على إيران. ثم مع عودة حزب الليكود، عاد المبدأ المحيطي. وأما من جهة إيران، فإن خاتمي سيسعى إلى سياسة التخفيف من التوتر من خلال حركته الإصلاحية. وبعد أن اقتنعت إسرائيل بأنها لاتستطيع إبرام سلام لا مع دول الجوار العربي ولا مع المحيط الفارسي، أملى منطق المبدأ المحيطي استنتاجاً مفاده أن إسرائيل بحاجة إلى موازنة كل من العرب وإيران عبر التحالف مع الدول الصديقة الواقعة في ما وراء المحيط. فبرز - حسب قراءة المؤلف - المثلث الإسرائيلي التركي الهندي. وفيما يخص السياسة الخارجية الأمريكية استنتج أنّ سياسة توازن القوى ستبقى هي الدليل الذي يوجّهها، لكي تستحوذ على الثّروات، والقرار في المنطقة!