المشاهد التي عاينها المواطنون وشاهدها الرأي العام على صور ناطقة لأساتذة الغد مضرجين في دمائهم، وعناصر الأمن منهمكون في سحلهم والتنكيل بهم وسط الشارع ، تركت جرحا غائرا في قلوب الجميع. أصوات التنديد بما تعرض له أساتذة الغد مازالت لم تجد صداها لدى المسؤولين ، ووزراء حكومتنا يدحرجون كرة المسؤولية بينهم، ولم يملكوا سوى إبداء الأسى والأسف على ما وقع. ماحدث من ماسي في عهد وزارة بلمختار، سيظل راسخا ومحفورا في ذاكرة هذا الجيل ومسجلا بمداد الْخِزْي والعار في تاريخ هذه الحكومة، على مر العقود بل القرون. بعد أن أبى الوزير بلمختار أن ينهي منجزاته السوداء في قطاع التعليم ، بما هو أحلك وأسود وأفظع. التنكيل بأساتذة الغد جاء متزامنا مع ذكرى المطالبة بالاستقلال التي حلت يوم 11 يناير، وهي مناسبة ارغب في الربط بينها وبين ما تعرض له هؤلاء الأساتذة. مازلت أذكر وأنا تلميذ في الإعدادي، وخلال درس لمادة التربية الوطنية ، انتصب الاستاذ وهو مزهو مفتخر بنضالات الشعب المغربي، وتضحياته وراء ملكه للمطالبة بالاستقلال، وروى لنا قصصا بطولية وملاحم خالدة صورت لنا تلك المظاهرات العارمة للشعب المغربي، والاعتقالات التعسفية التي طالت الآلاف من المواطنين ، والتنكيل الذي تعرضوا له على يد قوات الاستعمار ، ولأنه كان ذات يوم ضمن هؤلاء المتظاهرين ، فقد أمعن في تصوير هذه الأحداث بصفته كان احد أبطالها ، وفجأة قاطعه تلميذ له في الفصل ليسأله عما اذا كان تعرض للضرب والتنكيل خلال مشاركته في هذه التظاهرات، فكان جواب الأستاذ أن القوات الامنية اعتقلته ضمن من اعتقلت، غير أنه عومل معاملة لائقة بعد ان أدلى بهويته التي تحمل معها مهنة أستاذ في التعليم، ومازلت أذكر أن أستاذنا روى لنا أن الجندي الذي أمسكه احترمه احتراما شديدا، لا لشيء سوى لأنه يعمل أستاذا. لا أريد أن أعلق على هذه الواقعة، ولا أريد أن أعقد مقارنة بين الواقعتين ، حتى لا أقع في المحظور. ما واجهه أساتذة الغد من تعذيب وضرب وتنكيل وسط الشوارع ماهو إلا حلقة من مسلسل طويل من حلقات تعرضت فيها شرائح مختلفة من المواطنين لنفس الضرب والإهانة، أطباء وقضاة وعمال وحقوقيون وسياسيون ومكفوفون وموظفون والقائمة طويلة. وليعلم وزير الداخلية أن صور هذه الأحداث ليست مفبركة أو مزورة ، فلا أحد من المغاربة يرغب في أن يلصق تهما خيالية برجال الأمن الذين يضحون بحياتهم من أجل استتباب الأمن والسلم . وسيحتفظ هؤلاء الأساتذة بذكريات قد يضطرون لسردها أمام تلاميذهم على أنها فصول من نضال خاص ليس له عنوان. السؤال الذي يطرح الان هو : ماذا سيرد به الوزير مصطفى الرميد لدى اجتماعه بمسؤولي ( هيومن رايتس ) خلال هذه الأيام في لندن .