من المطالب المركزية للحركات الإصلاحية أو حركات التغيير التركيز على الكرامة وهي رد فعل على "الحكرة " التي يستشعرها المواطنون من طرف بعض القائمين على شؤونهم من مسؤولين سياسيين وأمنيين وإداريين ..الخ . وتتجلى هذه الحكرة في المكانة الاعتبارية للإنسان المغربي عموما ولرموزه الثقافية والعلمية والفنية سواء في شكلها المادي أو المعنوي . ومن المشين جدا أن تتعرض الهيئة الطبية لتنكيل وبطش ما يسمى بأجهزة الأمن و(الأمن منها براء )خلال مسيرتها يوم 25 ماي أمام وزارة الصحة المغربية حيث انهالت عليهم هراوات قوات التدخل بوحشية غير مسبوقة مخلفة 40 مصابا تفاوتت خطورتهم من كسور ورضوض وارتجاجات في المخ و إغماءات ناهيك عن الضرر المعنوي من ترويع وإذلال و مس بالكرامة لهيئة ما فتئت تعالج أوجاع المرضى وآلامهم في شروط أقل ما يقال عنها أنها غاية في البؤس والتردي والفوضى ومع ذلك فهم يتحملونها ويكابدون في صبر كبير كي يضمنوا الحد الأدنى من العلاج لفئات الشعب المقهورة والمغلوب عن أمرهاوهي تتسول حقها في العلاج داخل منظومة صحية تفتقد للشروط الضرورية المادية منها والمعنوية ؟ حيث أن عدد الأطباء بالكاد يصل ل49 طبيب لكل 100000 من السكان ونسبة الإنفاق على الصحة لا تتجاوز 2في المائة . وهؤلاء موزعون بشكل غير متكافيء على الخريطة المغربية انطلاقا من معايير الزبونية الحزبية والعائلية ومن يعين بالمناطق النائية لا تراعى شروطه العائلية حيث ترمى الزوجة في منطقة والزوج في أخرى ويبقى الأطفال بينهما عالقين في ذهاب وإياب وعند التشكي تنصحهم السيدة الوزيرة بالطلاق حسب ما أسر لي أحد الأطباء الشباب خلال مسيرة فاتح ماي ،بالإضافة إلى منغصات أخرى يضيق المجال عن ذكرها في هذا المقال . .كيف يحدث هذا في مغرب يتشدق بكونه "استثناء داخل خريطة المنطقة الدكتاتورية " وهو الذي يزين واجهته بمؤسسات براقة لتسويق "صورة تمكنه من الحصول على رضى غرب قبل الحصول على رضى مواطنيه الذين من المفروض أن يشكلوا درع الأمان الأول لكل نظام مهما كانت ولاءاته الخارجية لأنها تظل ولاءات هشة تتغير بتغير المصالح وميزان القوى ؟ كيف يحدث هذا في مجتمع كان بالأمس القريب يبجل علماءه وحكماءه وفقهاءه وأذكياءه جميعهم قبل أن يزاح كل هؤلاء إلى الهامش ويتصدر الفضاء أصحاب قوة "المال" و"الجاه " والفتوات والتبلطج السياسوي المريب دخل نسق سسيوثقافي جديد انقلبت فيه القيم رأسا على عقب ؟ كيف يضرب "الأطباء "الذين يعالجون أمراضنا و نسلم لهم أعز ما نملك :أجسادنا وحتى "بواطن عقولنا أحيانا "( كطب الأمراض العقلية ) كي يستأصلوا اختلالاتها المقرفة بصبر أيوب ؟ يحدث كل هذا فقط لأنهم يطالبون بإصلاح المنظومة الطبية المهترئة وبتحسين أوضاعهم المهنية والاجتماعية مثل باقي القطاعات ؟ كيف يتم التغاضي عن مطالب هؤلاء الجد مشروعة في وقت يتم فيه هدر مال وفير على "ترفيه بالقوة "عبر مهرجان موازين في فترة الامتحانات الجامعية والثانوية إمعانا في تضليل الشباب عن دراستهم وبالتالي عن مستقبلهم ؟ مع التأكيد بأن الفن رافعة أساسية للتنمية لكن مع ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين وأهمها التعليم والتطبيب والتشغيل وقبل هذا وذاك الكرامة . التبجيل الذي تستفيد منه " شاكيرا " ونظراؤها أولى به مفكرونا ورموزنا الفكرية والفنية التي تموت وسط النسيان واللامبالاة ولا نتذكرها إلا بعد فوات الأوان عند إصابتها بأمراض مزمنة أو عند الموت النهائي . أقول هذا وأنا لست إسلامية ظلامية كما يبرر بعض الكتبة المدافعين عن اختيارات مقربي النظام الفنية والثقافية . أنا مع ثقافة الفرح والانفتاح لكن ليس قبل تلبية الحاجيات الأساسية للفئات العريضة من الشعب وبأموال باهظة ومكلفة لميزانية البلاد والعباد. لقد تعرض أكبر مفكر مغربي معاصر لتنكيل قوات الأمن في بدايات العهد الجديد بمدينة صفرو ,أقصد به العالم المستقبلي الدولي المهدي المنجرة وأكاد أجزم بأن تلك الأيادي التي نكلت به لا تعرف قيمته الحقيقية وسوف تستغرب عندما تكتشف مكانته الرمزية داخل دواليب المنتظم الدولي و قد يكون أكثر فعالية من وزارة الخارجية بأكملها من الناحية الدبلوماسية والترويج لصورة المغرب المشرفة .فالفكر والإبداع سفير استثنائي للبلاد وباقل التكاليف . كما توفي أحد كبار علماء الاجتماع ، والأديب المميز عبد الكبير الخطيبي ولا تكاد تعرفه إلا زمرة من النخبة في حين تجهله تلك الجماهير العريضة من الشعب الذي يتمايل على ألحان أبسط فنان شعبي تروج له تلفزات الدولة بسخاء ملغوم .مع كل الاحترام للفن الشعبي بكل أشكاله ،فالإبداع العالم يقهر الزمن بخلوده كما يقهر المجال بقدرته على الانتشار ومن ثم يستحق بدون منازع شرف أولوية الاهتمام والتبجيل والاحترام إذا صدقت النوايا وأحسنا تراتبية الأولويات . ما الذي يحدث في مغرب الألفية الثالثة كي تنقلب الأمور إلى هذا المستوى من العبث والاستخفاف بمقومات الأمة الحقيقية ؟ لقد ضرب الدكاترة المعطلون عدة مرات فقط لأنهم يطالبون بالحق في الشغل والعيش الكريم وهؤلاء فئة مكافحة بدون منازع لأنها انتزعت أعلى الدبلومات في شروط أقل ما يقال عنها أنها مزرية . فنسبة الأمية بالمغرب تراوح النصف :48 في المائة ونسبة من يصل للتعليم الجامعي لا زالت جد ضئيلة بمعدل 8 في المائة فقط نظرا للتسرب الدراسي طوال المسارات الدراسية لأسباب متعددة . كما ضرب الأساتذة ،مربيي الأجيال بوحشية أمام مرأى المارة في الرباط وغيره وضمن هؤلاء قد يكون هناك تلامذتهم . فمن يضمن احترام هؤلاء لأساتذتهم بعد أن رأوهم في ابشع صور الإهانة والإذلال ؟؟ علما أن هبة الأستاذ ضرورية لضمان سيرورة التحصيل الدراسي ؟ ويتم ترويج نكات حول المعلم والأستاذ لتسفيه صورته الاجتماعية والإمعان في تحقيره وإذلاله بعد أن "كاد المعلم أن يكون رسولا " بالأمس القريب ضمن ثقافة المغاربة الأصلية والأصيلة .قبل أن تقر بعض الجهات قلب القيم انتقاما من هذه الفئة المناضلة التي كانت ومازالت رائدة في نشر الوعي الاجتماعي والسياسي . كما ضرب شباب 20 فبراير بوحشية غريبة ومقززة يوم 22 ماي عبر العديد من مدن المغرب تنم عن حقد بعض الأمنيين ضد فئة الشباب الذي هو عنفوان البلد ومصدر طاقاته المستقبلية أحب من أحب وكره ومن كره . أذكر كل المتشدقين بالوطنية بأن الشباب هو الثروة الحقيقية لمغرب سوف يعاني من شبح الشيخوخة في العشريات القليلة القادمة نظرا لتراجع نسبة الزواج وبالتالي الإنجاب الناتج عن الأزمة الاقتصادية ،بالإضافة لتصاعد الهجرة ،وبالتالي فإن أي تنكيل او استخفاف أو تدمير للقدرات الجسدية أو المعنوية لهذه الشريحة الديموغرافية هو تدمير لقدرات المغرب المستقبلية . ويشكل الشباب الجامعي الركيزة الأغلى داخل هذا الخزان البشري لأنه الأذكى والأكثر قدرة على رفع تحديات التنمية المستقبلية. وهؤلاء هم الركيزة الأساسية لحركة 20 فبراير لأن الشباب المتعلم هو رمز التجديد في كل الأزمان و الأوطان وهذه سنة التاريخ ولا راد لقدرية التاريخ مهما تكالب المتكالبون . هؤلاء الذي يأمرون بضرب كل هذه الفئات ،أو ينفذون الأمر بغباء مثير للتقزز أوليس الأستاذ هو من علمهم "كيف يفكون ألغاز الحروف والكلمات ويلقنهم المعاني النبيلة والجميلة واقتلعهم من براثن الجهل نحو نور العلم مهما كان ضئيلا ، قبل أن ترمي بهم أقدارهم الهوجاء نحو مطبات العنف الأمني في أبشع صوره ضد الشعب الذي هم منه و إليه وتنحرف وظيفتهم في الاتجاه المعاكس لدورهم الأصلي : ألا وهو ضمان الأمن للشعب لا ترويعه وترهيبه ؟ أو ليس الطبيب هو الملاذ عندما تشتد عليه الأوجاع والآلام أو على أقربائه : أمه وأبيه وإخوته وزوجته وأبنائه وكل أحبائه إن كان فعلا قادرا على شيء من الحب مثل باقي البشر ؟؟؟؟ من منا لا يحتاج للطبيب بكثافة متفاوتة خلال مساره الحياتي ؟ لقد ولى ذلك الزمن الذي كان يتم فيه التباهي بالسلامة الصحية طوال الحياة ،نحن نعيش زمن الهشاشة الصحية فلا استغناء عن الهيئة الطبية حتى لمن تسول له قوته العضلية هنا والآن بأنه أقوى الأقوياء ، فالطبيب هو رمز الرحمة عندما يشتد الألم ويتعالى أنين الجسد فيكون تدخله مثل الماء الزلال يهديء جفاف العطش وسط لهيب الصحراء فكيف يتم التجرؤ على المس بسلامته الجسدية عبر الركل والدفع والضرب على الرؤوس والسيقان والمناطق الحساسة بالجسد وقبل هذا وذاك المس بكرامته وقيمته الاعتبارية من خلال تحويله لموضوع لتدخل وحشي بدون أية ضرورة تذكر علما أن هذا الأسلوب يمس بفاعليه قبل أن يمس بالهيئة الطبية لأن هذا أكبر دليل على رعونة الأجهزة التي قررت هكذا تدخل ، إذ لا شيء بتاتا يشرعن هكذا تعنيف لأطبائنا المحترمين . كل التضامن مع الهيئة الطبية التي تعرضت للتعنيف الوحشي خلال مسيرتها المطلبية ليوم 25 ماي بالرباط . وسيستمر نضال الشعب المغربي ضد "الحكرة"ومن أجل الكرامة جملة وتقسيطا لكل فئات الشعب المغربي الأبي .ذلك أن تحقيق كرامة الشعوب هو صمام الأمان الحقيقي للنظام السياسي .