نظم مجلس النواب مؤخرا لقاءا دراسيا حول «دور البرلمان في تعزيز الحكامة المالية» بشراكة مع مجموعة البنك الدولي ومؤسسة ويستمنستر للديمقراطية. إن هذا الموضوع يستحق الوقوف عنده ومناقشته بشكل معمق بعدما اقتربت الولاية التشريعية من نهايتها، هذه الولاية التشريعية التي تميزت بانطلاق تفعيل أحكام دستور فاتح يوليوز 2011 بعد إجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها في 25 نونبر من نفس السنة انبثقت عنها حكومة جعلت من تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد إحدى أولويات وركائز برنامجها كما قدمه السيد رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان، وحصلت على ثقة مجلس النواب بتصويته لصالح هذا البرنامج الحكومي. وهذا ما يجعل المتتبع للشأن العام، بما فيه الشأن البرلماني على الخصوص، يتساءل عن دور البرلمان فيما يخص التفعيل السليم للدستور بشأن تعزيز الحكامة الجيدة، هذا المقتضى الذي جعل منه المشرع الدستوري إحدى الركائز والدعامات الأساسية للإصلاح الدستوري الجديد، إيمانا منه بأهمية هذا التوجه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية عندما جعل الدستور في فصله الأول من مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة إحدى الركائز الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدستوري المغربي إلى جانب فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية والمواطنة والتشاركية؛ عندما أفردت الوثيقة الدستورية الجديدة بابا خاصا بالحكامة الجيدة. ولم يقتصر الدستور، على التنصيص على مبادىء الحكامة الجيدة، بل خول اختصاصات مهمة للبرلمان من أجل إقرار هذه المبادئ في الحياة العامة عندما نص في الفصل 70 صراحة على أن البرلمان يصوت على القوانين، يراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية. وهذا يعني أن البرلمان مطالب بتقوية دعائم الحكامة الجيدة عند ممارسته السلطة التشريعية، سواء من خلال المبادرات التشريعية التي يتقدم بها أعضاؤه أو عندما يصوت على مشاريع القوانين التي تحيلها عليه الحكومة. وهنا نتساءل عن عدد القوانين التي صادق عليها البرلمان، بما فيها مقترحات القوانين، التي تستهدف تعزيز الحكامة الجيدة مادام التشريع يشكل آلية مهمة لتجسيد هذا التوجه الدستوري الجديد؟ إلى أي مدى يستجيب القانون التنظيمي لقانون المالية الذي صادق عليه البرلمان في 2014 والذي سيدخل حيز التنفيذ في 2016 لمتطلبات الحكامة الجيدة، سواء من حيث تقوية المراقبة البرلمانية، أو من حيث إرساء دعائم ميزانية البرامج والميزانية الاقتصادية والتوازن الاجتماعي والاقتصادي إلى جانب التوازن المالي المطلوب من البرلمان والحكومة الحفاظ عليه طبقا لأحكام الفقرة الأولى من الفصل 17 من الدستور. إلى أي حد تشكل مناسبة مناقشة مشروع القانون المالي فرصة حقيقية لأعضاء البرلمان لتعزيز الحكامة المالية بالنظر للإكراه الزمني والطريقة الماراطونية التي تمر فيها هذه المناقشة في ظل نظام ثنائية برلمانية معقد يبقى بعيدا عن عقلنة العمل البرلماني؟ إلى أي مدى تساهم مناقشة مشاريع قوانين التصفية المفروض أن تعرضها الحكومة على البرلمان خلال السنة الثانية التي تلي سنة تنفيذ قانون المالية كما ينص على ذلك الفصل 76 من الدستور في إعطاء المراقبة البرلمانية مدلولها الحقيقي؟ وتبقى مراقبة العمل الحكومي أداة رئيسية للبرلمان لترجمة مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير السياسات العمومية وتسيير الشأن العام عندما نص الدستور على عدة آليات لممارسة هذا الاختصاص الدستوري، بما فيها اللجان النيابية لتقصي الحقائق التي شمل إحداثها في مجال الحكامة المالية منذ التنصيص عليها في الإصلاح الدستوري لسنة 1992 مؤسسة القرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأسئلة الشفهية العادية منها والآنية والتي تليها مناقشة التي تجيب عنها القطاعات الحكومية المختصة المبرمجة خلال الجلسات الأسبوعية، وتلك المتعلقة بالسياسة العامة التي يجيب عنها رئيس الحكومة كل شهر، الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة التي يقدمها رئيس الحكومة وتكون موضوع مناقشة أعضاء البرلمان دون أن يليها تصويت، ملتمس الرقابة الذي يليها تصويت، ملتمس الرقابة الذي غاب عن العمل البرلماني والحياة السياسية منذ سنة 1990 وقبلها في 1964، طلب منح الثقة الذي لم تعرفه الحياة النيابية منذ التنصيص عليه في أول دستور عرفته البلاد في 1962 ، المهام الاستطلاعية للجان البرلمانية الدائمة، لجنة المراقبة المالية التي جاء بها النظام الداخلي خلال الولاية التشريعية الحالية، طلبات اجتماعات اللجان البرلمانية الدائمة لدراسة مواضيع طارئة والاستماع إلى مسؤولي الإمارات والمؤسسات والمقاولات العمومية؟. فإلى أي حد تم استثمار هذه الآليات الدستورية للمراقبة البرلمانية من أجل ضمان احترام مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام؟. كيف تعامل البرلمان مع الركن الثالث لممارسة السلطة التشريعية والمتمثل في تقييم السياسات العمومية باعتباره آلية حقيقية لمحاسبة الحكومة عن مدى التزامها بمبادئ النجاعة والفعالية والجدوى في تدبير سياساتها العمومية، خاصة بعدما نص الدستور على تخصيص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية. فإلى أي حد حرص البرلمان على التفعيل السليم لأحكام الدستور في مجال الحكامة الجيدة لممارسة دوره كاملا لتعزيز مبادئها في الحياة العامة بعدما أصبحت الحكامة الجيدة معيارا أساسيا ومؤشرا رئيسيا في مدى تقدم الأمم وتخلفها؟.