أصدر المجلس الدستوري قرارا بتاريخ 23 دجنبر الجاري يقضي بأن مسطرة إقرار التعديل المدخل على المواد 21 (الفقرة الأخيرة) و27 (المقطع الخامس من البند «أ» من الفقرة الاولى) و69 و70 من القانون التنظيمي لقانون المالية الذي صادق عليه البرلمان بمجلسيه غير مطابقة للدستور، بالنظر لكون مجلس النواب أدخل، خلال القراءة الثانية لمشروع القانون التنظيمي لقانون المالية كما صادق عليه مجلس المستشارين، تعديلات شملت المواد 21 و27 و69 و70 من هذا المشروع، يتعلق بالجدولة الزمنية لدخول هذا القانون حيز التنفيذ وصوت عليها المجلس بصفة نهائية دون عرضها من جديد على مجلس المستشارين وفقا لمقتضيات الفصل 84 من الدستور الذي بموجبه يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد؛ ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين، التي قدمت بمبادرة من أعضائه؛ ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه ؛ ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها عليه؛ ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية. واعتبر المجلس الدستوري أن مجلس النواب لم يتقيد بهذه الأحكام الدستورية فيما يخص مسطرة التصويت على التعديلات التي أدخلها على المواد السالفة الذكر، وبالتالي ليس من حقه التصويت النهائي على هذه التعديلات، خلال القراءة الثانية لمشروع القانون التنظيمي دون عرضها من جديد على مجلس المستشارين، الأمر الذي اعتبره المجلس الدستوري إخلالا بقاعدة التداول بين المجلسين المنصوص عليها في الفصل 84 السالف الذكر. كما قضى المجلس الدستوري بعدم دستورية مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية، باعتبارها تؤدي إلى تقييد صلاحيات البرلمان والحكومة في مجال التشريع، عندما نصت على أنه: «لايمكن تعديل المقتضيات الضريبية والجمركية إلا بموجب قانون المالية» وذلك خلافا لأحكام الفصل 71 من الدستور الذي بمقتضاه يختص القانون بالتشريع في المجالات المتعلقة: بالنظام الضريبي ووعاء الضرائب وطرق تحصيلها ونظام الجمارك إلى جانب الميادين الأخرى المنصوص عليه في الدستور، الذي يخول لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان حق التقدم باقتراح القوانين في هذه الميادين طبقا لأحكام الفصل 78 من الدستور. وقضى المجلس الدستوري أيضا بعدم مطابقة مقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 52 من القانون التنظيمي لقانون المالية للدستور، باعتبارها تخل بمبدأ التداول بين مجلسي البرلمان كما هو منصوص عليه في الفصل 84 من الدستور السالف للذكر، عندما نصت على أنه «إذا وقع رفض المشروع من قبل مجلس المستشارين تحيل الحكومة على مجلس النواب المشروع الذي صادق عليه في القراءة الأولى مدخلة عليه التعديلات التي قدمتها الحكومة أو التي قبلتها بمجلس المستشارين». إن هذا القرار الذي أصدره المجلس الدستوري بشأن القانون التنظيمي لقانون المالية كما صادق عليه البرلمان بمجلسيه، بعد إحالته وجوبا على المحكمة الدستورية للنظر في مدى مطابقته لأحكام الدستور كما تنص على ذلك الفقرة الأخيرة من الفصل 85 من الدستور، مادام الأمر يتعلق بقانون تنظيمي، يطرح إشكالية نظام الثنائية البرلمانية المعقد كما جاء به الدستور 1996 وأقره الدستور الجديد، بالنظر لما يكتنف أحكام الفصل 84 من الدستور من غموض فيما يخص قاعدة التداول والمسطرة المتبعة في هذا المجال مادام الدستور ينص في الفصل 60 منه على أن البرلمان يتكون من مجلسين مجلس النواب ومجلس المستشارين في الوقت الذي تنص فيه الفقرة الأخيرة من الفصل 84 من الدستور على أن مجلس النواب يعود إليه التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه. كما يطرح هذا القرار مسألة تجويد النص التشريعي حتى يحقق الأهداف المتوخاة منه والجدوى المنتظرة من صياغته حتى تشكل الأدوات القانونية دعامة أساسية لتدبير السياسات العمومية بما يضمن احترام أحكام الدستور،خاصة فيما يتعلق منها بفصل السلط وتعاونها وتوازنها ومبادئ الحكامة الجيدة في تدبير الشأن العام.