تبنى المشرع الدستوري المغربي نظام ثنائية التمثيل البرلماني أو الثنائية المجلسية في دستور 1962 قبل أن يتخلى عنه في دستور1970 بسنه لنظام الأحادية البرلمانية. وعاد في دستور 1996 إلى إقرار ثنائية التمثيل لدواعي تتعلق أولا بالرغبة في إعطاء دفعة نوعية للجهوية بعد ارتقاء الجهة إلى مستوى الجماعة المحلية في دستور 1992، وثانيا بنمط الاقتراع الخاص بانتخاب مجلس النواب حيث أضحى كافة أعضاء هذا المجلس ينتخبون بالاقتراع العام المباشر. وينعكس نظام ازدواجية التمثيل البرلماني على التشريع كأهم وظيفة ينهض بها البرلمان حيث مقترح أو مشروع القانون يتداول فيه من طرف غرفتي البرلمان في سبيل المصادقة على النص القانوني. ودون الخوض في النقاش النظري حول مزايا هذا النظام مقارنة مع نظام أحادية التشريع، فإن هذه المساهمة تتوخى تسليط الأضواء على الآليات القانونية المعتمدة من طرف المشرع الدستوري في دستور 2011 ذات الصلة بثنائية التمثيل البرلماني وذلك بعد التمهيد لذلك ببيان أهم ما كان سائدا في ظل الدساتير السابقة التي عرفت تطبيق ثنائية التمثيل البرلماني. المحور الأول مسطرة المناقشة والتصويت على القوانين في ظل الثنائية البرلمانية لما قبل دستور 2011 بالعودة إلى دستور 1962، نجد أنه أقر قاعدة أسبقية مجلس النواب في التداول في مشاريع القوانين، كما نص على أن مجلسا البرلمان يتداولا بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون بغية التوصل إلى نص موحد. وفي حالة عدم إفضاء التداول إلى نص موحد بعد قراءتين لكلا الغرفتين أو إذا أعلنت الحكومة الاستعجال بعد قراءة واحدة لكل منهما، فإن مشروع أو مقترح القانون يعرض على الغرفة الأولى حيث المصادقة على النص أو رفضه رهينة باستيفاء شرط أغلبية الثلثين. وإذا كانت هذه المسطرة لاتطرح إشكالات قانونية من حيث رجحان وضع مجلس النواب في دستور1962 الذي له الأسبقية في التداول و له حق البت النهائي وفق ضوابط معينة، فإن الأمر كان على خلاف ذلك في دستور 1996 الذي سن نظام ثنائية تمثيلية متكافئة Bicaméralisme égalitaire قوامها التوازن بين المجلسين، وهو توزان لا يختل لفائدة مجلس النواب إلا عند استغناء الحكومة عن مجلس المستشارين وإيكال الأمر للغرفة الأولى وكذا في الحالة القصوى التي كانت تتيح للحكومة إمكانية الذهاب إلى حد ربط مواصلة العمل الحكومي بالتصويت على النص محل الخلاف. و بفعل التوازن بين غرفتي البرلمان في الوظيفة التشريعية سن المشرع الدستوري في الفصل 58 من دستور 1996 قواعد وضوابط تتيح الاتفاق على إقرار نص موحد مع إمكانية الاستغناء عن مجلس المستشارين في العملية التشريعية عند الاقتضاء وفق التقدير الذي تجريه الحكومة. وهكذا نص دستور 1996 على أن كل مشروع أو مقترح قانون يتم التداول فيه بين مجلسي البرلمان بالتتابع قصد التوصل إلى نص موحد، ولم يخول لأي مجلس الأسبقية في إحالة مشاريع القوانين ولم تناط بالغرفة الأولى صلاحية التصويت بمفرده على النصوص القانونية إلا على سبيل الاستثناء على النحو المبين أدناه. وتفيد قراءة الفصل 58 من دستور 1996 أن النص المتداول بشأنه كان مفتوحا أمام الاحتمالات التالية: 1 - اتفاق المجلسين على نص موحد فتستكمل الإجراءات الموالية بإحالة النص على المؤسسة الملكية لإصدار الأمر بتنفيذ القانون مع مراعاة حالات النظامين الداخليين للبرلمان والقوانين التنظيمية التي تستدعي الإحالة الوجوبية على المجلس الدستوري ابتداء وكذا الإحالة الجوازية فيما يتصل بالقوانين العادية. 2 - عدم إفضاء المناقشة إلى إقرار مشروع أو مقترح القانون بعد القراءة مرتين في كلا مجلسي البرلمان أو إذا أفصحت الحكومة عن الاستعجال بعد قراءة واحدة في كل منهما، فيسوغ لها العمل على عقد اجتماع لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يعهد إليها باقتراح نص مشترك بشأن الجوانب موضوع الخلاف بين المجلسين. وعمل اللجنة مفتوح أمام احتمال نجاحها في حسم جوانب الخلاف بالاتفاق على نص موحد أو احتمال فشلها في تحقيق الغاية المنشودة، وفي حالة نجاح اللجنة في المهمة المنوطة بها يحق للحكومة أن تواصل الإجراءات بعرض النص على مجلسي البرلمان، ولها أن تعرض عن ذلك وفق ما تراه مناسبا. وفي حالة عرض الحكومة النص المتوصل إليه على غرفتي البرلمان، فإن هذا الأخير لايجوز له إدخال تعديلات على النص المعروض عليه إلا بموافقة الحكومة. وعند اتفاق المجلسين على إقرار نص موحد استنادا على ما أعدته اللجنة الثنائية المختلطة، ينتهي الإشكال ليستكمل النص باقي الإجراءات إلى غاية نشره في الجريدة الرسمية بعد خضوعه للرقابة الجوازية (عند مباشرة حق الإحالة ممن له الاختصاص) أو الوجوبية وبعد صدور الأمر بتنفيذه. 3- عدم إقرار المجلسين للنص المقترح من طرف اللجنة المختلطة كما في حالة تعذر على للجنة بلوغ نص مشترك بشأن الأحكام محل الخلاف بين الغرفتين. وهذا لاينفي إمكانية مواصلة الحكومة المسطرة التشريعية عند حرصها على إخراج القانون إلى حيز الوجود حيث يمكن لها أن تستغني عن مجلس المستشارين وتحيل النص على مجلس النواب بعد أن تدخل عليه ما تتبناه من التعديلات المثارة أثناء المناقشة البرلمانية وفق ما كانت تقتضيه الفقرتين الثالثة والرابعة من الفصل 58 من دستور 1996 لحسم الإشكال حسبما تمليه طبيعة الموقف. وبمقتضى الفقرة الثالثة من الفصل 58 من الدستور كان من المستساغ للحكومة أن تستغني عن مجلس المستشارين وتلجأ إلى مجلس النواب لاعتبارات تتصل بكون مجلس النواب منتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر و كون الحكومة منبثقة من أغلبية هذا المجلس، ويحتاج تمرير النص في هذه الحالة إلى أغلبية موصوفة حددتها الفقرة الثالثة من الفصل 58 في الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، بمعنى أن الحكومة تكون في إبانه مطالبة، والحالة هذه، بتعبئة الأصوات لضمان التصويت لصالح النص بعدد يعادل أو يفوق 163 صوتا. و ما كان يميز الفقرة الرابعة من ذات الفصل هو إحالتها على الفصل 75 من الدستور بمعنى أن الحكومة قد تكون إزاء حالة قصوى تكشف عن حقيقة تصدع الأغلبية، وبالتالي يصل الموقف إلى ربط التصويت على النص مثار الجدل بمواصلة الحكومة لعملها، وبالتالي يترتب على عدم التصويت على القانون سحب الثقة عن الحكومة والاستقالة الجماعية لأعضائها كما هو صريح الفقرة 3 من الفصل 75 من دستور 1996. ونظرا لما يتسم به الإجراء خطورة وحرصا على الاستقرار الحكومي، فقد استلزمت الفقرة الثانية من الفصل 75 الآنف ذكره شرطين أساسيين، وهما: - أن التصويت على النص لايقع إلا بعد انصرام 3 أيام على طرح الثقة في ارتباطها بالنص المقترح، لحكمة تتوخى تمكين الحكومة بصورة أساسية من حيز زمني كاف لإجراء مشاورات تخدم الغاية المسطرة من جانبها. - اعتبار أن النص مصادق عليه إن لم تصوت ضده الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، وهي طريقة في التصويت تجعل الحكومة في وضعية مريحة، مقارنة مع تقنية التصويت المتطلبة بنص الفقرة 3 من الفصل58، إذ ينتقل عبء استجماع 163 صوت من أعضاء مجلس النواب على الأقل إلى المعارضة وفق ما كانت تستلزمه الفقرة الثانية من الفصل 75 من الدستور المحال عليها بموجب الفقرة 4 من الفصل 58 . ولئن كانت المسطرة التشريعية في الفصل 58 من دستور 1996 تقدم حلولا لتجاوز عراقيل وصعوبات إخراج النصوص القانونية لحيز الوجود، فإنها كانت لاتخلو من نواقص يمكن اختزالها أهمها فيما يلي: - عدم وجود أي مقتضى يلزم اللجنة المختلطة بإنهاء أشغالها داخل أمد معقول يتسق مع طبيعة حالة الاستعجال المعلنة قبل تأليفها خاصة بعد إلغاء المجلس الدستوري جزئيا للمادة 240 من النظام الداخلي لمجلس النواب في سنة 1998 في الوقت ذاته الذي أقر المجلس الدستوري ضمنا بدستورية المادة 34 من القانون التنظيمي للمالية التي قيدت عمل اللجنة الثنائية المختلطة في 7 أيام بشأن مشاريع قوانين المالية. - عدم توفر البرلمان على الإمكانية القانونية لمواصلة مناقشة النص الذي قد تقره اللجنة الثنائية المختلطة إن أحجمت الحكومة عن إحالته على المجلسين، وبالتالي يفقد البرلمان زمام المبادرة في استئناف دراسة النص الذي توصلت إليه اللجنة الثنائية المختلطة؛ - بطء وطول المسطرة التشريعية مع اقترانها بتوفر مجلس المستشارين على صلاحيات تشريعية قد تكون مصدر عرقلة لوظيفة الغرفة الأولى، المنتخبة بالاقتراع العام المباشر، كما حدث سنة 1998 بمناسبة رفض مجلس المستشارين مشروع قانون الخوصصة من جانب الغرفة الثانية. المحور الثاني جديد مسطرة المناقشة والتصويت على القوانين في دستور 2011 ارتباطا بما يتصل بسلبيات ثنائية التمثيل المتبناة في دستور 1996 عرفت الساحة السياسية الوطنية نقاشات تدعو، قبل المراجعة الدستورية الأخيرة، إلى إلغاء الغرفة الثانية بغاية تجاوز تعقيدات وثغرات المسطرة التشريعية وبالنظر إلى ما يعتبره البعض انتفاء مسوغات الاحتفاظ بمجلس المستشارين مع وجود المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وجاء دستور 2011 محتفظا بالغرفة الثانية مع إجراء تغييرات جذرية على نظام ثنائية التمثيل مست دور مجلس المستشارين في مراقبة العمل الحكومي مع تقليص دوره في مجال التشريع. ويجد تراجع دور الغرفة الثانية في ميدان التشريع تعبيره في مختلف تجليات سمو مركز الغرفة الأولى وفق الآتي بعده. 1- إقرار قاعدة منح الأسبقية لمجلس النواب في مناقشة ودراسة النصوص القانونية استنادا إلى الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور، وكذا المقطع الأول من الفصل 75 منه الذي منح الأسبقية لمجلس النواب فيما يخص مشروع قانون المالية الذي له أهميته الوازنة سواء ما يتعلق بالمالية العامة للدولة أو باقي الأحكام القانونية التي يأت بها عن ميادين لها صلة بموضوعه. وجدير ذكره في هذا السياق أن الدستور الفرنسي جعل قاعدة أولوية الجمعية الوطنية منحصرة فقط في مشاريع قوانين المالية دون سواها من القوانين الأخرى. وتعتبر قاعدة الأولوية في التداول، المتبناة في الدستور الجديد، تقنينا لممارسة كانت سائدة في ظل دستور 1996 حيث دأبت الحكومة، في الكثير من الحالات، على عرض مشاريع القوانين بالأسبقية على مجلس النواب سيما قوانين المالية ولو في غياب أي مقتضى يمنح الأولوية لهذا المجلس أو ذاك. ويرد على قاعدة الأولوية في دستور 2011 استثناءان، يخص الأول مقترحات القوانين المقدمة بمبادرة من أعضاء مجلس المستشارين، ويتصل الثاني بمشاريع القوانين المرتبطة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية عملا بمقتضى المقطع الأخير من الفصل 78 السالف ذكره. ويثير الاستثناء الثاني إشكالية كون التنمية الجهوية لها مدلول واسع وقد يتداخل الشأنان الجهوي و الوطني في نصوص معينة، ونفس الشيء ينسحب على القضايا الاجتماعية التي لها مفهوم قابل للتمطيط بما قد يطرح إشكالية فرز النصوص ذات الصلة بالشأن الاجتماعي على ما عداها. وتسمح قراءة المقطع الأخير من الفصل 78 من الدستور بالخلوص إلى ملاحظة مفادها أن المشرع الدستوري وظف عبارة "على وجه الخصوص" بصدد حديثه عن مشاريع القوانين التي تقدم بالأسبقية أمام مجلس المستشارين بشكل يوحي بأنها وردت على سبيل المثال، والحال أنها واقعة تحت حصر. وكان من الأحسن، ليستقيم المعنى، ألا ترد العبارة محل النقاش والتي جاءت توضيحية فأحدثت اضطرابا في المعنى، وهو ما قد يفتح باب التفسير والتأويل، ومع ذلك، في تقديري، لا ينبغي التوسع في حالات الأولوية المخولة للغرفة الثانية لأنها وردت على سبيل الاستثناء و باعتماد منطق التأويل الديمقراطي الذي أكد عليه الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش، ومما لاجدال فيه أن البعد الديمقراطي في هذا الصدد يسير في اتجاه تثمين وضع الغرفة الأولى في مجالات التشريع، الرقابة وتقييم السياسات العمومية. 2- تخويل مجلس النواب صلاحية البت النهائي في النص كما هو صريح الفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور. ويسجل في هذا المضمار أن المشرع وظف مفهوم البت النهائي، في دستور 2011، الذي يعني المصادقة على النص أو رفضه كما كان قائما في دستور 1962 بخلاف دستور 1996 الذي تحدث فقط عن إقرار النص محل المناقشة. 3- إلغاء مؤسسة اللجنة الثنائية المختلطة كجهة كانت لها أهميتها في حسم الخلاف الذي قد يحصل بين الغرفتين بشأن مقتضيات محددة والحيلولة دون بقاء النصوص في تبادل مكوكي بينهما قد يطول أو قد يبقى دون فائدة. ومما هو جدير بالإشارة أن الفقرة 2 من الفصل 81 نصت على أنه عند عرض مراسيم القوانين أمام البرلمان، يعمل المجلسان على التوصل إلى إقرار نص موحد داخل 6 أيام، وإذا لم يتأت الاتفاق يحال المرسوم على اللجنة المعنية لدى مجلس النواب. كما سنت الفقرة الثانية من الفصل 85 من الدستور وجوب إقرار القانون التنظيمي لمجلس المستشارين باتفاق الغرفتين على نص موحد. ومن خلال لزوم إقرار القانون التنظيمي لمجلس المستشارين في صور نص موحد تبرز أهمية مؤسسة اللجنة الثنائية المختلطة لتطويق الخلاف الذي قد يثار بين المجلسين بشأن أحكام محددة بغاية تذليل الصعوبة وتيسير سبيل والوصول إلى نص موحد يتجاوز الخلاف بين غرفتي البرلمان. وفي ظل غياب مؤسسة قانونية، كفيلة بتيسير سبيل تجاوز النقط محل الخلاف بصدد مشروع مقترح القانون التنظيمي لمجلس المستشارين، يثار التساؤل حول مدى جواز انفراد مجلس النواب بوضع الصيغة النهائية لهذا القانون التنظيمي دون موافقة مجلس المستشارين لتجاوز مأزق محتمل كامن في عدم اتفاق الغرفتان على صيغة موحدة، مع قد ينطوي عليه الأمر فيما لو حدث من تحجيم دور الغرفة الثانية في وضع نص يخصها من جهة و الاستغناء عن موافقة مجلس المستشارين على الصيغة النهائية التي يفترض أن تكون موحدة من جهة أخرى. كما أن الحرص على موافقة مجلس المستشارين على الصيغة النهائية في الحالة المستعصية قد يفضي إلى بقاء مشروع أو مقترح القانون التنظيمي في تبادل مكوكي بين الغرفتين لأمد طويل، وقد لايسفر التداول عن نتيجة بلوغ النص الموحد. وترتيبا على ما سبق يكون المشرع الدستوري المغربي قد أقر نظام ثنائية التمثيل غير المتكافئ Bicaméralisme inégalitaire كنظام يخول وضعا مميزا و راجحا لفائدة الغرفة الأولى في العمل التشريعي بحكم توفرها على حق التداول بالأسبقية بخصوص غالبية النصوص القانونية، وانعقاد الاختصاص لها في البت النهائي. وسلطة البت النهائي تفيد الاحتمالين التاليين: 1- اتفاق المجلسين على نص واحد، وبالتالي لايطرح أي إشكال مادام أن النص الموحد حظي بمصادقة المجلسين؛ 2- تعذر التوصل إلى نص واحد، هنا ترتسم الحالات الممكنة حدوثها وفق مايلي: أ- أن مجلس النواب تداول بالأسبقية على نص معين، وأحيل على مجلس المستشارين الذي اختلف مع الغرفة الألى بشأن مقتضيات معينة، وبإعمال المقطع الأول من الفقرة 2 من الفصل 84 من الدستور، فإن القراءة الثانية تمكن مجلس النواب من التصويت على النص بالأغلبية المطلقة لعدد الأعضاء الحاضرين وتجاوز موقف مجلس المستشارين إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية والمجالات المتعلقة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية. ويستفاد من ما ذكر أن المشرع لم يحدد طبيعة الأغلبية المطلوبة لإقرار باقي النصوص القانونية خارج المجالات الثلاثة باستثناء ما أتت على توضيحه الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور الحالي فيما يتصل بالقوانين التنظيمية. و مفهوم المخالفة للفقرة 2 من الفصل 84 يوحي بأن الأغلبية المتطلبة لغير هذه المجالات ليست بالضرورة الأغلبية النسبية، والحال أنه إذا كانت ميادين الجماعات الترابية والقضايا الاجتماعية والتنمية الجهوية لاتتطلب من الغرفة الأولى سوى الأغلبية المطلقة لعدد النواب الحاضرين لحسم الأمر وتجاوز موقف الغرفة الثانية في الحالة الموجبة، فإن باقي نصوص القانون العادي يستدعي تمريرها من باب أولى بالأغلبية النسبية. كما أن اشتراط الأغلبية النسبية لإقرار النص، محل خلاف بين المجلسين، من طرف مجلس النواب في ميادين الجماعات الترابية والشأنين الجهوي والاجتماعي( وإن كان متسقا والبعد الديمقراطي) لايستقيم مع رغبة المشرع الدستوري في اضطلاع مجلس المستشارين بدور متميز في هذه الميادين كما يستفاد من المقطع الأخير من الفصل 78 من الدستور. وعليه، فإن مجلس النواب يملك حق البت النهائي على كافة القوانين سواء كانت تنظيمية أو عادية( مع استثناء حالتين سيرد بيانهما لاحقا) بمجرد نيلها الأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين بصورة تترجم رغبة المشرع الدستوري في ترجيح كفة الغرفة الأولى في مجال التشريع باعتبارها منتخبة بالاقتراع العام المباشر ومراعاة لانبثاق الحكومة من الأغلبية القائمة داخل مجلس النواب. وخلافا لما كان مقررا في دستور 1996 من حيث شمول مقتضيات الفصل 58 منه للقوانين العادية والتنظيمية، فإن دستور 2011 خصص الفصل 84 للقوانين العادية والفصل 85 للقوانين التنظيمية كما كان عليه الحال في دستور 1962 الذي خصص بدوره فصلين مستقلين للصنفين من القوانين. ويضيف الفصل 85 من دستور 2011 على أن مقترحات ومشاريع القوانين التنظيمية لا يتداول فيها إلا بعد عشرة أيام من إيداعها لدى مجلس النواب تحديدا، ويعتبر هذا المقتضى عنصرا مستجدا مقارنة مع دستور 1996 الذي نص على نفس الأجل وانصرافه إلى المجلس الذي تكون له الأسبقية في إيداع النص لديه، وذلك بحكم أنه قد يكون مجلس المستشارين هو الأول في التداول كما قد يكون مجلس النواب. ويستدعي هذا المقتضى المستجد في دستور 2011 التوقف عنده لبيان أنه يفيد ضمنا أسبقية مجلس النواب في التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية باعتبار أن أهمية أجل 10 أيام تكمن في التروي في التعاطي مع النص على صعيد الغرفة التي تتداول بالأسبقية فيه كما تجلى بوضوح في المقطع الأخير من الفقرة 5 من الفصل 58 من دستور 1996 الذي فرض مراعاة هذا القيد حصريا على المجلس الذي يعرض عليه النص أول مرة. ومؤدى ما خلصت إليه قراءة الفصل 85 أن مجلس النواب يتداول بالأسبقية في مقترحات و مشاريع القوانين التنظيمية على وجه العموم بما فيه ذاك المتعلق بتنظيم حق الإضراب وأيضا القانون التنظيمي ذي الصلة بالمواد الواردة في الفصل 146 من الدستور، وبالتالي يثار التساؤل حول مدى تناغم ما انتهت إليه المادة 85 في هذا المضمار مع المقطع الأخير من الفصل 78 من الدستور الحالي الذي جاء باستثناءات على قاعدة أولوية الغرفة الأولى ويطرح الإشكال بوضوح أكبر كلما تعلق الأمر باحتمال – ولو على الأقل من الناحية النظرية- أن يكون النص على شكل مقترح قانون تنظيمي بمبادرة من عضو أو أكثر من أعضاء مجلس المستشارين سيما باستحضار المقطع الأخير من الفصل 84 من الدستور الذي نص على التالي: " يتداول مجلس المستشارين بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه" ويجب التنويه إلى أن الأغلبية المتطلبة بنص الفقرة 2 من الفصل 84 يرد عليه استثناء يتعلق بمشروع أو مقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية( الوارد ذكره في الفصل 146 من الدستور)، إذ في هذه الحالة، يقتضي البت النهائي لصالح النص من مجلس النواب التصويت عليهما بأغلبية موصوفة حددها المقطع الأخير من الفقرة الأولى من الفصل 85 من الدستور في الأغلبية المطلقة. ويشار في هذا السياق إلى أن الدستور الفرنسي نص على أن التصويت على القوانين التنظيمية يخضع لنفس الأغلبية المتطلبة بخصوص القوانين العادية إلا عندما لا يتأتى لمجلس الشيوخ و الجمعية الوطنية الاتفاق على نص موحد، حيث الأمر يقتضي إقرار القانون التنظيمي من طرف الجمعية الوطنية في قراءة أخيرة بالأغلبية المطلقة. ب- أن مجلس المستشارين تداول بالأسبقية في نص معين، ولم يقبل مجلس النواب بعضا من مقتضيات الصيغة المحالة عليه، وصادق على صيغة مغايرة بأغلبية نسبية. وفي هذه الحالة، فإن القراءة الحرفية للفصل 84 من الدستور توحي بأن النص مصادق عليه بصفة نهائية من طرف مجلس النواب وليس في الدستور ما يلزم ببقاء النص بين الذهاب والإياب بين المجلسين. وعلى فرض استساغة بأن مثل هذه الحالة تقتضي قراءة ثانية من مجلس المستشارين، وحصلت هذه القراءة وتمسك هذا الأخير بالصيغة التي سبق له تبنيها في القراءة الأولى، وبعد الإحالة من جديد على مجلس النواب تشبت بدوره، بعد القراءة الثانية، بالصيغة المتبناة من طرفه في القراءة الأولى، وبالتالي سيعتبر النص في حكم المصادق عليه مالم يوجد مقتضى دستوري ناص على وجوب الاتفاق على نص موحد. ج - حالة وجود خلاف بين الحكومة وأغلبيتها داخل الغرفة الأولى يترجمه رفض هذه الأخيرة التصويت على النص المعروض عليها، فإذ ذلك يفضي إلى واحد من الاحتمالين التاليين: - عدم إفضاء المناقشة إلى الغاية المتوخاة بعدم مصادقة مجلس النواب بالأغلبية المتطلبة قانونا على النص مع اقتران ذلك بإعراض الحكومة عن استنفاذ وسائل قانونية إضافية؛ - عند رفض الغرفة الأولى التصويت على النص المحال عليها، وأصرت الحكومة على إخراجه إلى الوجود فيمكنها استنفاذ مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 103 من الدستور التي تنص على الإمكانية المتاحة لرئيس الحكومة في هذا الصدد لربط مواصلة العمل الحكومي بالتصويت على نص معين. ونظرا للطابع الاستثنائي لهذا الإجراء وتوخيا للاستقرار السياسي بتلافي الأسباب المفضية إلى حدوث الأزمة الحكومية، فقد أحاطه المشرع الدستوري، على غرار ماكان مقررا في الفصل 75 من دستور 1996، بضابطين أساسيين، وهما: - أن التصويت لايقع إلا بعد 3 أيام كاملة على طرح الثقة بمناسبة تقديم النص كما هو تنصيص الفقرة الثالثة من الفصل 103. - ما نصت عليه الفقرة الثانية من الفصل 103 من الدستور من أنه لا يمكن رفض النص المقدم إلا بالتصويت ضده بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب، بمعنى أن النص يعد في حكم المصادق عليه مهما تضاءل عدد المصوتين لصالحه مالم تبلغ الأصوات الرافضة للنص الأغلبية المطلقة ( أي نصف أعضاء المجلس زائد واحد)، و تحجب هذه الطريقة في المصادقة عن التطبيق طريقتي التصويت الواقع التنصيص عليهما في الحالات الأخرى بما فيها تلك المتطلبة بنص الفقرة 2 من الفصل 84 فيما لو تعلق النص المقرون بطرح الثقة بالقانونين التنظيمين لمجلس المستشارين والجماعات الترابية. وفي الأخير يتعين التأكيد على أن هذه المساهمة لاتدعي غير تقديم تصور أولي عن مسطرة مناقشة والتصويت على القوانين في ظل إقرار نظام ثنائية التمثيل غير المتكافئ وما تفرع عنها مقتضيات سنها دستور 2011 في انتظار صدور القوانين التنظيمية ذات الصلة الوثيقة بالمسطرة التشريعية وكذا النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان، ليتأتى استكمال معطيات الموضوع. وينتظر من هذه النصوص أن تكون مفصلة ومدققة حيث أوجز الدستور ومكملة له في جوانب أخرى، مع استحضار الفلسفة المؤطرة لدستور 2011، دون إغفال ضرورة توخي عنصر الانسجام والتناغم بينها خاصة ما يتصل بالنظامين الداخليين لغرفتي البرلمان كما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 69 من الدستور التي نصت على التالي: " يتعين على مجلسي البرلمان، في وضعهما نظاميهما، الداخلي، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني". ولعل هذا المقتضى كان من وحي إدراك المشرع الدستوري لما كان يشوب النظامين الداخليين للمجلسين من تباين ونواقص كانت له سلبياته على العمل البرلماني وبخاصة في مجال وظيفة التشريع، وقد سبق للمؤسسة الملكية أن نبهت إلى ضرورة المواءمة بين النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان في الخطاب الملكي الموجه إليه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية بتاريخ 9 أكتوبر 1998. باحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية