أولا: التحضير الأولي لمشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من المعلوم في القانون والفقه الدستوري أن القوانين التنظيمية هي مكملة للدستور، وبالتالي تأتي في المرتبة الثانية بعد الدستور وتدخل أيضا في مجال القانون الذي يشمل القانون التنظيمي موضوع تحليلنا هذا، ويشمل أيضا القانون العادي والذي يأتي في مرتبة بعد القانون التنظيمي. ونظرا لأهمية القانون التنظيمي فقد خصه الدستور الحالي بمسطرة إضافية، نص عليها الفصل (85)، كما أن نفس الدستور ألزم البرلمان بأن يصادق على مختلف القوانين التنظيمية المقررة في هذا الدستور »وجوبا في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور«. (ف 86). وما غير ذلك فيخضع التحضير الأولي لمشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية لنفس المسطرة التي تطبق على التحضير الأولي للقوانين. وبقراءة متمعنة لمختلف فصول دستور 29 يوليوز 2011، نجدها بصفة إجمالية ومتفرقة تنص على مقترحات القوانين وعلى مشاريع القوانين بصفة مشتركة أو بصفة مستقلة لكل نوع منها وأحيانا يخص بالذكر مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية (ف 85). ويقتصر الفصل (86) على ذكر مشاريع القوانين التنظيمية وأحيانا أخرى نجد الصياغة في بعض فصول الدستور تدمج أو لا تميز بين المشاريع والمقترحات (ف 78) والفقرة الأولى من الفصل (82 ) ونجد الفقرة الأخيرة من الفصل (82) تقتصر على ذكر مقترحات القوانين ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. ونذكر أن الفقه الدستوري يميز بين مشاريع القوانين ومقترحات القوانين بأن مصدر الأولى الحكومة في حين أن مصدر المقترحات هم البرلمانيون من أحد مجلسي البرلمان. فبصيغة مشتركة ينص الدستور في نفس الوقت على مشاريع القوانين وعلى مقترحات القوانين في الفصول التالية: الفصل 78 »لرئيس الحكومة ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح القوانين. تودع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مكتب مجلس النواب، غير أن مشاريع القوانين المتعلقة على وجه الخصوص بالجماعات الترابية، وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين«. هنا نلاحظ خللا وعدم تدقيق في صياغة الفقرة الأولى إذ الأمر لا يتعلق فقط بالتقدم باقتراح القوانين، بل بالتقدم باقتراح القوانين من قبل أعضاء البرلمان وبالتقدم بمشاريع القوانين من لدن رئيس الحكومة. الفصل 80 : «تحال مشاريع ومقترحات القوانين من أجل النظر فيها على اللجان التي يستمر عملها خلال الفترات الفاصلة بين الدورات». الفصل 82: »يضع مكتب كل من مجلسي البرلمان جدول أعماله ويتضمن هذا الجدول مشاريع القوانين ومقترحات القوانين بالأسبقية ووفق الترتيب الذي تحدده الحكومة. يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. نلاحظ أن هذه الفقرة الثانية تؤكد مضيفة ضرورة إعطاء الأهمية لمقترحات القوانين المقدمة من قبل المعارضة. الفصل 84: ينص بالتفصيل على الإجراءات التي يصادق بها كل من مجلسي البرلمان على كل مشروع أو مقترح قانون: ولا يقرن في هذا التداول بين النوعين ولا يترك أي مجال للشك في ذلك بدسترة ما يلي: »يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون بغية التوصل الى المصادقة على نص واحد، ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين التي قدمت كمبادرة من أعضائه، ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه، ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه. »ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية«. (ف84) الفصل 85: ينص عللى الخصوصيات التكميلية المتعلقة بالتداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، ويؤكد على تطبيق المقتضيات الواردة في الفصل (84) المذكور أعلاه أخيرا، مؤكدا بذلك على تراتبية القانون التنظيمي في درجة أعلى من القانون العادي، ولهذا يقرر الفصل (85) أنه: »لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووقف المسطرة المشار إليها في الفصل 84، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور؟ غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب. »يجب أن يتم إقرار القوانين التنظييمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق بين مجلسي البرلمان على نص موحد. »لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور«. يوضح هذا الفصل (85) إجراءات إضافية تتعلق بتحضير وإقرار كل من مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية، تضاف الى الإجراءات الأخرى المطبقة على مشاريع ومقترحات القوانين العادية، ترجع الى إقرار البعض منها، إذ سنجدها في المراحل الأخرى المواكبة أو في الإقرار النهائي لتلك المشاريع والمقترحات. وأخيرا، في مجال المشاريع والمقترحات المنصوص عليها بصفة مشتركة في الدستور، يجب أن لا ننسى الإمكانيات المقدمة في الباب الثالث عشر من الدستور، والمتعلق بمراجعة الدستور في الفصول (172 الى 174)إذ يمكن أن يأتي «حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور»« من لدن الملك ورئيس الحكومة ومجلس النواب ومجلس المستشارين« (ف 172) ومن أين يأتي كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين بهذه المبادرة إن لم تكن من مقترحات مراجعة الدستور يتقدم بها برلمانيون من مجلس النواب أو مجلس المستشارين؟! في نفس الاتجاه ينص الفصل (173) على »مقترح مراجعة الدستور الذي يتقدم به عضو أو أكثر من أعضاء أحد مجلسي البرلمان« بالتصويت عليه بأغلبية ثلثي (2/3) الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس« على أساس أن »يحال المقترح الى المجلس الآخر الذي يوافق عليه بنفس أغلبية ثلثي (2/3) الأعضاء الذين يتألف منهم«. ونتساءل بكل بداهة، هل يمكن للبرلمانيين أن يتقدموا بمقترحات لمراجعة الدستور، ولا يمكن لهم أن يتقدموا بمقترحات قوانين تنظيمية؟! قد يجيب الرافضون، على أن الأمر من يتعلق بمقترح مراجعة فقط، وليس مقترح دستور كامل، وبالتالي فلا يمكن إلا قبول تقديم مقترحات تعديل قانون تنظيمي موجود وليس تقديم مقترح قانون تنظيمي كامل. نحن لا نساير هذا المنطق الصوري ولكن نشير إليه لنظهر أنه لا يخفى عنا هذا التأويل الضيق إن لم نقل غير الديمقراطي لنص وروح الدستور الجديد. لكن بالمقابل نسجل أن هذا الدستور نفسه اقتصر في بعض فصوله على احتكار التقدم بمشاريع القوانين من قبل الحكومة دون السماح بذلك للبرلمان أو للبرلمانيين، ويتعلق الأمر بقوانين المالية، يعني أولا: قانون المالية للسنة المنصوص عليه في الفصل 75 وقانون التصفية المتعلقة بتنفيذ قانون المالية« المنصوص عليه في الفصل (76). فبالنسبة لإصدار قانون المالية يحيل الفصل (75) من الدستور الى القانون التنظيمي لتحديد الشروط التي يتم فيها هذا التحضير، وكذا الإجراءات الخاصة بالتداول بشأنه أمام البرلمان. ووقع التأكيد في نفس الفصل في نهاية فقرته الثانية على أنه »وللحكومة وحدها الصلاحية لتقديم مشاريع قوانين ترمي الى تغيير ما تمت الموافقة عليه في الإطار المذكور، يعني التصويت داخل البرلمان. ولتدعيم الرأي، موضوع هذه التحليلات، لا نجد صياغة مثل هذا لاختيار الواضح بالنسبة لتحضير وإقرار القوانين التنظيمية، إذ لم ينص الدستور على أن تقتصر المبادرة فيها على المشاريع المقدمة من قبل الحكومة، دون المقترحات المقدمة من لدن البرلمانيين. وفي انتظار صدور القانون التنظيمي الجديد للمالية المنصوص عليه في الفصل (75) المذكور، نرجع الى القانون التنظيمي للمالية المطبق حاليا رقم 7/98 كما تم تغييره وتتميمه، وتبعا للنص الصريح لمقتضيات المادة (32) من هذا القانون التنظيمي، »يتولى الوزير المكلف بالمالية تحضير مشاريع قوانين المالية تحت سلطة الوزير الأول«. وغير خاف فإنه وقع اقتصار الأمر هنا على مشاريع القوانين، لأنه نظرا لطبيعة ومضامين قانون المالية المبنية على معطيات وتوقعات مالية من خلال الامكانات المالية المتوفرة والحاجيات المطلوب توفرها، وباعتبار دور الحكومة في الإشراف على توفير ذلك بمشاركة مختلف القطاعات الوازارية، وباعتبار دور الوزير المكلف بالمالية والاختصاصات المنوطة به في تحضير الميزانية العامة للدولة ومتابعة تنفيذها تطبيقا للمرسوم المنظم لوزارة الاقتصاد والمالية. لهذا، فإن تحضير قانون المالية ونتائج هذا التحضير التي تتجسد. في نص مشروع الوثيقة الرسمية التي تقدم الى البرلمان في الموضوع. ولهذا، فهذه الوثيقة لا يمكن ان تكون إلا مشروع قانون مالية وليس مقترح قانون المالية.. ولقد تم النص على ذلك صراحة في القانون التنظيمي للمالية المحال إليه بنص دستوري في الدساتير التي عرفها المغرب. ولا يمكن ان نقيس على ذلك، بتطبيق هذا التوجه على القوانين التنظيمية باستبعاد المقترحات لصالح المشاريع، لأننا لا نجد لذلك سندا في مستوى الدستور أو القانون التنظيمي. وفي نطاق الاقتصار على مشاريع القوانين التنظيمية، نجد الفصل 49 من الدستور والمتعلق بالقضايا والنصوص التي يتداول فيها المجلس الوزاري برئاسة الملك، يورد بين تلك المسائل « مشاريع القوانين التنظيمية وبالتالي لا يفرض ان تعرض على المجلس الوزاري مقترحات القوانين التنظيمية. ولا يمكن القول بأن تأويل ذلك يؤدي الى الالغاء التام لمقترحات القوانين التنظيمية. وبالتالي فان كان المجلس الوزاري آلية من آليات اشراف واشراك جلالة الملك في مجموعة من الاختصاصات والقضايا، فإن المؤسسة الملكية ستكون ايضا حاضرة في مواكبة مسار مقترحات القوانين التنظيمية المقدمة من لدن البرلمانيين طيلة المراحل التي يمر منها إعداد القوانين التنظيمية وإقرارها، كما سنرى ذلك لاحقا من خلال التذكير باختصاصات الملك الواردة في الدستور في هذا المجال. ويجب ان نذكر بالمناسبة ان المجلس الوزاري لا تعرض عليه كل القضايا التي تركت لمجلس الحكومة، بما في ذلك مشروع قانون المالية، بالرغم من أن مصدره الوحيد هو الحكومة،و بالتالي لا يعرض على المجلس الوزاري إلا بالتوجهات العامة لمشروع قانون المالية تطبيقا لنفس الفصل 49 من الدستور. ونذكر أخيرا، ما هو فقط من اختصاص الحكومة في اتخاذ المبادرة، هو التقدم بمشاريع مراسيم. قوانين المنصوص عليها في الفصل 81 من الدستور في فقرته الاولى كما يلي: يمكن للحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الامر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان خلال دورته العادية الموالية. وتعتبر هذه الامكانية مسألة اضطرارية. اذ تحل الحكومة محل البرلمان وبين الدورات عند الضرورة بالشروط المنصوص عليها في بقية الفصل 81 المذكور وتعرف تلك المراسيم. القوانين في الفقه الدستوري بالمراسيم التشريعية، وتبقى خاضعة للرقابة القضائية في نظام دعوى الالغاء من اجل الشطط في استعمال السلطة، باعتبارها قرارات إدارية صادرة عن الحكومة، الى أن يصادق عليها البرلمان لتكتسب بعد ذلك الطبيعة التشريعية، ويخضع بالتالي للقواعد المطبقة على النصوص التشريعية الصادرة عن البرلمان باعتبارها السلطة التشريعية. ويدخل أيضا في نطاق هذه المراسيم التشريعية، المراسيم المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور بالشكل التالي:» للقانون ان يأذن للحكومة ان تتخذ في ظرف من الزمن محدود، ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها. ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها. غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء الاجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها،. ويبطل قانون الاذن اذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما. ونذكر بأن قانون الاذن هو الذي يضيف هذه المراسيم في الفقه الدستوري في خانة المراسيم التشريعية التفويضية، وننبه ايضا الى أن النوعين من هذه المراسيم التشريعية لا يعرضان على المجلس الوزاري. إذن ما للحكومة فهو للحكومة، وماهو للبرلمان والبرلمانيين فهو كذلك دستوريا، وما يجب عرضه علي المجلس الوزاري فهو واضح في الفصل 49 من الدستور. ونذكر أخيرا أنه في مرحلة التحضير الاولي لمقترحات القوانين المقدمة من قبل البرلمانيين. وفي حق البرلمانيين بتقديم هذه المقترحات، نجد الفقرة الثانية من الفصل 82 من الدستور تفرض أن يخصص يوم واحد على الاقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين. ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. هكذا، نرى أنه لا يمكن تبني أو مساندة أو تفهم أي تأويل يقضي بأن مقترحات القوانين التنظيمية لا تدخل ضمن مقترحات القوانين. بدعوى ان مقترحات القوانين التنظيمية لا تعرض على المجلس الوزاري، وبالتالي لا تتدخل المؤسسة الملكية في فتح الطريق أمام تلك المقترحات بعد عرضها على البرلمان. ولعل التخوف من مقترحات القوانين التنظيمية. يأتي من عدم الثقة في البرلمانيين من حيث مقدرتهم على التوصل الى تحضير صياغة متكاملة لتلك المقترحات باعتبارها تؤدي في النهاية الى اقرار القوانين التنظيمية التي تعتبر مكملة للدستور. ولقد رأينا أن الدستور يضع الثقة في البرلمانيين بحقهم في التقدم بمقترحات لتعديل الدستور بصيغة صريحة تبعا لمقتضيات الفصول 172 - 173 - 174 فكيف نحرمهم من هذه الثقة. وبالتالي ممارسة الحق على مستوى مقترحات القوانين التنظيمية. هذه الاخيرة التي تقع في مرتبة أقل من الدستور. هكذا، نرى في نطاق التأويل الديمقراطي للدستور، ان هذا الاخير لا يميز من حيث الطبيعة القانونية بين مشاريع مقترحات القوانين إلا من حيث أصل المبادرة، وما عدا ذلك. فجميع الاطراف مع البرلمان، يفرض الدستور ان تكون حاضرة في مواكبة مختلف المراحل التي تقطعها كل من مشاريع القوانين أو مقترحات القوانين، ولا يقتصر الامر في هذا التتبع على البرلمانيين أو البرلمان فقط. وهذا ما نقترح إظهاره في التحليلات القادمة.