على إثر صدور الدستور الجديد ونشره في الجريدة الرسمية، طرحت مسألة تدبير مرحلة الانتقال الدستوري اللازمة لتنفيذ مختلف مقتضياته عدة تساؤلات. فمن ناحية أولى هناك مقتضيات مرتبطة بمؤسسات قائمة يُمكنها الشروع في ممارسة مهامها دون أي انتظار، إعمالا لمبدأ فورية النصوص القانونية، ومن ناحية ثانية هناك مؤسسات مرتبطة بصدور نصوص قانونية ينبغي أن تصدر عن الجهاز التشريعي. وتتطلب الحالة الثانية أن يقوم البرلمان الحالي، في إطار الفصل 176 بإصدار القوانين التنظيمية أو العادية اللازمة لتنصيب البرلمان المقبل الذي ستنبثق عنه حكومة جديدة، وهو ما يتطلب إجراء انتخابات سابقة لأوانها مباشرة بعد صدور هذه النصوص، مما يجعل الفترة الانتقالية تواجه نوعين من المشاكل: إصدار القوانين المؤطرة للاستحقاقات القادمة، إلى جانب الاستمرار في ممارسة الصلاحيات العادية. وتبعا لذلك، فإنه من المهم جدا، مناقشة هذه الإجراءات اللازمة لتدبير المرحلة الانتقالية. وفي هذا الصدد، اقترحنا أن يتم اعتماد أجندة مضبوطة من أجل حسن تدبير الفترة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الاستحقاقات القادمة بشكل معقلن، يراعي خصوصية كل النصوص القانونية التي ستصدر عن البرلمان في هذه المرحلة. أولا: الإطار العام لتدبير المرحلة الانتقالية وتتجسد في المظاهر التالية: - بعد التصويت على الدستور الجديد أصبح لزاما على الجميع التسريع بتحضير الإصلاحات السياسية والقانونية اللازمة، ومن بينها أساسا تجديد البرلمان بصفة عامة (ومجلس النواب بصفة أولية حتى تنبثق عنه الحكومة القادمة). - نحن نعيش حاليا مرحلة انتقالية على الأقل إلى غاية انتخاب مجلس النواب الجديد، وهذه المرحلة مفروضة على الجميع: حكومة، برلمانيين، وأحزاب سياسية، أغلبية ومعارضة. - إن التوافق والإجماع الذي صاحب عملية إقرار الدستور الجديد يجب أن يستمر لتجاوز الفترة الانتقالية الحالية، لأن المهم ليس هو التوفر على نص دستوري جيد، ولكن تنزيل نصوصه إلى أرض الواقع. - المغرب يعيش مرحلة تنزيل الدستور الجديد، بكل ما يتطلبه ذلك من ضرورات التعامل مع الانتظارات الوطنية والخارجية من نتائج عملية الإصلاح الدستوري. فالمغرب الذي تميز عن باقي الدول العربية بنهجه أسلوبا تشاركيا في وضع الإصلاحات الدستورية، يجب أن يستمر بنفس المنهجية لوضع الإصلاحات السياسية، وخاصة من حيث تدبير مرحلة مناقشة وإصدار الإصلاحات القانونية المؤطرة لأول استحقاق في إطار الدستور الجديد. كما أن المجتمع المغربي يعرف حركية مهمة نتجت عنها انتظارات قوية ينبغي التعامل معها بالشكل الملائم من خلال عدم ترك أي فرصة لحدوث فراغ دستوري أو سياسي أو قانوني. - يجب منح نفس الفرص لكل الفرقاء السياسيين، سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها، وسواء كانوا ممثلين بالبرلمان أم لا. فالأمر يهم الجميع لما في ذلك من أهمية بالنسبة للنظام الديمقراطي الذي نريده لبلادنا، والمطلوب هو مساهمة كل الفرقاء السياسيين في تدبير المرحلة الانتقالية بشكل مسطري مرن. - إن استمرار البرلمان الحالي في ممارسة صلاحياته مبني على الفصل 176 من الدستور الذي نظم المرحلة الانتقالية، وبالتالي فأداؤه لصلاحياته ينبغي أن تتحكم فيه قواعد وآليات قانونية تراعي خصوصية هذه الفترة الانتقالية ومن ضمنها: * استمرار البرلمان الحالي في ممارسة صلاحياته إلى حين تنصيب البرلمان الجديد: تباعا مجلس النواب ثم مجلس المستشارين؛ * الاستمرار بالعمل بالقوانين التنظيمية الحالية بما لا يتعارض مع المقتضيات الجديدة في الدستور؛ * الاستمرار بالعمل بالنظامين الداخليين للمجلسين بما لا يتعارض مع أحكام الدستور؛ - تبعا لذلك، فإنه من المفروض: * انتخاب هياكل المجلسين (أعضاء المكتب ورؤساء اللجان) وفق النظامين الداخليين الجاري بهما العمل حاليا، دائما بما لا يتعارض مع أحكام الدستور. * تركيز البرلمان الحالي ، على وجه الخصوص ، على إعداد القوانين اللازمة لتنصيب البرلمان الجديد (أي مختلف القوانين الانتخابية). * اعتماد القانون المالي ضمانا لسير مختلف مرافق الدولة بطريقة منتظمة. - إن التشاور الواسع، والرغبة في تنزيل الدستور الجديد، قد دفعت إلى اعتماد تاريخ 25 نونبر كموعد لإجراء انتخاب أعضاء مجلس النواب، مما دفع إلى توالي اللقاءات التشاورية لإخراج القوانين الانتخابية إلى حيز الوجود من أجل احترام موعد الاستحقاق الانتخابي. ومن خلال هذه المشاورات، تم التوصل أساسا إلى اعتماد مشروعي قانونين عادين يتم تدارسهما حاليا أمام اللجنة المختصة بمجلس النواب، ومشروعي قانونين تنظيميين تم التداول بشأنهما في كل من مجلس الحكومة ومجلس الوزراء حيث ستتم إحالتهما بدورهما على المؤسسة التشريعية. وإلى جانب ذلك فإن أهمية القانون المالي تفرض أخذه بعين الاعتبار، حتى تتم مناقشته دون أن يضر ذلك بالفترة اللازمة للتحضير للاستحقاق الانتخابي في ما يخص إصدار النصوص اللازمة، إيداع الترشيحات، والقيام بالحملة الانتخابية، من أجل: * تمكين كل الفرقاء السياسيين من نفس الحظوظ؛ * تمكين النواب من الانشغال بالتحضير لموعد 25نونبر. * إبعاد مشروع القانون عن المزايدات، واستغلاله كمحطة للحملة الانتخابية، خاصة وأن الإعلام الوطني يغطي أنشطة البرلمان بهذا الخصوص. وهذا ما يستلزم التفكير في جدولة زمنية ملائمة تراعي كل هذه الإكراهات. ثانيا: الدورة الاستثنائية كاختيار إن الإكراهات المشار إليها تفرض المعالجة بالإمكانيات المتاحة: - بالنسبة للقوانين الانتخابية: الدورة الاستدراكية تفرض نفسها كخيار حتى يتم احترام أجل 25 نونبر في وقت ملائم. وبتعلق الأمر هنا أساسا بمشروع القانون المتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة، وبضبطها بعد معالجتها بواسطة الحاسوب، ومشروع القانون المتعلق بتنظيم الملاحظة الانتخابية من قبل المؤسسات الوطنية والدولية، وهما قانونان عاديان لا يفرضان أية مسطرة خاصة إلا إمكانية عرضهما على المحكمة الدستورية لمراقبة مدى مطابقتهما للدستور الجديد. وإلى جانبهما هناك مشروعا قانونين تنظيميين، يتعلق أولهما بالأحزاب السياسية، والثاني بانتخاب أعضاء مجلس النواب. وهما نصان يستلزمان مسطرة خاصة يقتضي الأمر معها الشروع في دراستهما قبل افتتاح الدورة العادية القادمة في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر حتى يتم احترام الآجال الدستورية بخصوصهما. - بالنسبة للقانون المالي: يطرح مشروع القانون المالي مجموعة من الصعوبات حيث أنه: * لا يُمكن مناقشته وفق المسطرة العادية، لأن ذلك سيفرغ المحطة الانتخابية من عمقها الإصلاحي الجديد، ما دام أن النواب وأعضاء الحكومة المرشحين للانتخابات سيكونون مشغولين بالحملة الانتخابية؛ * كذلك لا يُمكن تأجيل ذلك إلى ما بعد الموعد الانتخابي، لأنه آنذاك سنكون أمام مجلس نواب جديد ستنبثق عنه حكومة جديدة: - الحكومة الحالية لن تكون قادرة على تقديم قانون مالي والبلاد تعرف مشاورات لتعيين حكومة جديدة؛ - مجلس النواب الجديد لن يتمكن فورا من الشروع في مناقشة القانون المالي إذ سيكون منشغلا بانتخاب هياكله، وتحضير القانون الداخلي الجديد. - إصدار الميزانية بمقتضى مراسيم (31 دجنبر) لا يُمكن الرهان عليه، لأننا لا نعلم هل سنكون في إطار الحكومة الحالية أم في إطار حكومة جديدة، كما أنه لا يمكن للحكومة إصدار هذه المراسيم إلا بعد إيداع مشروع القانون المالي واستحالة المصادقة عليه قبل نهاية السنة. - إمكانية تقديم القانون المالي بطريقة عادية، وتجميد مناقشته إلى ما بعد الانتخابات غير قائمة، لأن عملية التجميد لا يُمكن تبريرها ما دامت لا تستند إلى أي نص دستوري أو نص تشريعي أو تنظيمي، أضف إلى ذلك ما يُمكن أن تخلقه هذه الإمكانية من آثار سياسية سلبية إذا أصرت المعارضة على جدولته. -وزيادة على كل هذا، فإن منطق استمرارية مختلف مرافق الدولة في السير بانتظام مسألة تفرض نفسها، حتى لا يحدث أي فراغ يعود بالضرر على الدولة والمجتمع معا. فالدستور الجديد، وضع مبادئ مهمة للحكامة الجيدة، وبهذا الخصوص نص الفصل 154 في الفقرة الأولى على ما يلي: "يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات." يبقى الخيار الوحيد هو عقد دورة استثنائية يتضمن جدول أعمالها القانون المالي إلى جانب القوانين الانتخابية المشار إليها. ثالثا: التأطير الدستوري والقانوني للدورة الاستثنائية تتمثل الأسس القانونية لعقد الدورة الاستثنائية وعرض النصوص المشار إليها في المقتضيات الدستورية، ثم القانون التنظيمي للمالية، والنظام الداخلي لمجلس النواب: 1- الدستور: أ- ينص الفصل 66 على ما يلي: "يمكن جمع البرلمان في دورة استثنائية، إما بمرسوم، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين. تعقد دورة البرلمان الاستثنائية على أساس جدول أعمال محدد، وعندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال، تُختم الدورة بمرسوم." وتتضمن المادة أربعة مقتضيات أساسية: I- المشرع الدستوري أورد هذه الإمكانية قصد مواجهة ظروف طارئة أو غير متوقعة أو ضرورية لسير مرافق الدولة من خلال التنصيص على أنه "يُمكن" دون أن يربطها بظرفية محددة (قارن مثلا مع الفصل 59 المتعلق بحالة الاستثناء)؛ II- حدد الدستور الآليات التي يُمكن من خلالها المبادرة لطلب عقد الدورة الاستثنائية في كل من المرسوم (الحكومة) أو طلب من ثلث المجلس المعني (البرلمان)، وفي هذا توسيع لممارسة هذا الحق لمجابهة أي ظرف طارئ أو استثنائي، بدلا من الاقتصار على منح هذه الإمكانية لطرف واحد؛ III- تنعقد الدورة الاستثنائية بناء على "جدول أعمال محدد"، وهو ما يفيد صراحة أن الجهة التي دعت إلى عقد الدورة الاستثنائية هي التي تتحكم في وضع جدول الأعمال. وتبعا لذلك، فإن هذا الفصل لا يتضمن أي تقييد، إيمانا من المشرع الدستوري بأن الطبيعة "الاستثنائية" تشمل أي اختصاص من اختصاصات البرلمان. إن المبادئ العامة المتحكمة في عقد الدورة الاستثنائية تتمثل في ما يلي: - القاعدة العامة لا تحتاج لنص، لأن الإباحة هي الأصل؛ - الاستثناء ينبغي أن يُشار له بنص صريح لأنه خروج عن القاعدة. - إطلاقية النص لا تبيح أي قيد عليه. IV- يُلزم الفصل 66، البرلمانَ بدراسة جميع القضايا المدرجة بجدول الأعمال. والإلزامية هنا تأتي من كون النص يشير إلى أنه "عندما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال، تُختم الدورة بمرسوم". إن البرلمان هنا لا يُمكنه رفض مناقشة نقطة مدرجة بجدول الأعمال لأن المناقشة ينبغي أن "تتم" حتى تتمكن الحكومة من ختم الدورة بمرسوم. وعليه، فإن البرلمان ملزم بمناقشة كل النصوص التي يتضمنها جدول الأعمال الذي تحدده الحكومة، ويحتفظ فقط بحقه في التصويت عليه قبولا أو رفضا. ب - ينص الفصل 75 على ما يلي: "يصدر قانون المالية، الذي يودع بالأسبقية لدى مجلس النواب، بالتصويت من قبل البرلمان، وذلك طبق الشروط المنصوص عليها في قانون تنظيمي; ويحدد هذا القانون التنظيمي طبيعة المعلومات والوثائق والمعطيات الضرورية لتعزيز المناقشة البرلمانية حول مشروع قانون المالية." وعليه، فإن الحكومة هنا ملزمة فقط بإيداع مشروع القانون المالي لدى مجلس النواب. 2- القانون التنظيمي للمالية: تنص المادة 33 على أنه "يودع مشروع قانون المالية ... قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير"، وهو ما يُفيد صراحة أنه يُمكن إيداع مشروع قانون المالية في أجل يتعدى سبعين يوما، لأن هذا الأجل ورد فقط كحد أدنى لفسح المجال أمام البرلمان للشروع في المناقشة، وبالتالي فلا يُمكن تحويله إلى حد أقصى. كما أن المادة تلزم في الفقرة الثانية إحالة مشروع القانون المالي "في الحين" إلى اللجنة المختصة. (ملاحظة: القانون التنظيمي للمالية يتحدث عن لجنة واحدة، وبالتالي نطرح للنقاش جدوى مناقشة الميزانيات الفرعية أمام اللجان الأخرى؟). 3- النظامان الداخليان للبرلمان: بخصوص عقد دورة استثنائية، اكتفى النظام الداخلي لمجلس النواب في المادة الثانية، بإعادة نفس المقتضيات الواردة بالدستور السابق (الفصل 41)، هي نفس المقتضيات في الدستور الحالي (الفصل 66). أما النظام الداخلي لمجلس المستشارين، فيخلو من أية إشارة إلى هذا الموضوع. وبالتالي فالتحليل السابق يبقى صحيحا، ما دام أنه ليس هناك أي مقتضى جديد يجب مراعاته. رابعا: مبررات استئناسية - ليس من الضروري أن يكون هناك موضوع استثنائي لعقد دورة استثنائية، فكل اجتماع للبرلمان أو أحد مجلسيه خارج الدورات العادية، فهو يتم في إطار دورة استثنائية بغض النظر عن طبيعة المواضيع التي تتم معالجتها في إطار هذه الدورة. - استنادا إلى التجارب المغربية السابقة في عقد الدورات الاستثنائية، فإنه لم يلاحظ أي موضوع "استثنائي" كان يدفع إليها، بل إن الأمر كان يتعلق دائما بهاجس ربح الوقت. وبالتالي لا يُمكن معارضة عقد الدورة الاستثنائية أو معارضة مناقشة ما سيرد بجدول أعمالها ما دام أن كل الفرقاء سبق أن شاركوا في مناقشة قوانين أخرى لم يكن لها أي طابع استثنائي؟ - ما دام أنه ليس هناك أي تقييد في طبيعة المواضيع التي يجب تضمينها في الدورة الاستثنائية، فإنه يُمكن أن يتعلق الأمر بمشروع قانون تنظيمي، أو مشروع قانون عادي، أو الاستماع إلى تصريح بشأن السياسة العامة للحكومة... وبالتالي فيجب التعامل مع كل مشاريع النصوص بنفس التعامل. وحتى مشروع القانون المالي يجب التعامل معه على أنه قانون عادي، وأن ميزته تتمثل في اهتمام الرأي العام به نظرا لآثاره المحتملة على وضعية أفراد المجتمع لمدة سنة معينة، ولتأطيره للحياة الاقتصادية والاجتماعية. - في حالة عدم تمكن البرلمان من مناقشة مشروع القانون المالي خلال الدورة الاستثنائية، نظرا لتزامنها مع قوانين انتخابية مهمة، فإنه يُمكن الاستمرار (وهذا ما سيحدث) خلال الدورة العادية الموالية، والتي ستكون في الجمعة الثانية من شهر أكتوبر (أي بتاريخ 14 أكتوبر)، وسيكون هناك مزيد من الوقت للتعمق في النقاش ما دام أن تحضير وقيام المرشحين بحملتهم الانتخابية يكون لا يزال بعيدا. بل إنه يٌمكن إتمام النقاش خلال شهر أكتوبر نفسه. خامسا: علاقة مشروع القانون المالي بالقانون التنظيمي للمالية التساؤل الجوهري الذي قد يتم الاعتماد عليه هو أن القانون التنظيمي للمالية الحالي أصبح ملغيا بالدستور الجديد، وبالتالي يجب أن تسبق المصادقة على قانون تنظيمي جديد للمالية قبل إيداع مشروع قانون المالية. هذا القول مردود عليه للأسباب التالية: - إن البرلمان نفسه يعمل بالأنظمة الداخلية الحالية، وبالتالي لا يُمكن انتقاء نصوص مخالفة للدستور الجديد دن أخرى؛ - ثم لأن الفصل 86، ينص على ما يلي: "تعرض القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان، في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشريعية الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور." ومن الواضح هنا أنه تم استثناء النصوص المرتبطة بتنصيب البرلمان القادم من اختصاص الولاية التشريعية القادمة في إطار الفصل 176 المتعلق بالمرحلة الانتخابية، وعليه فإن باقي النصوص التنظيمية التي لا تحمل طابعا استعجاليا أو غير مرتبطة بتنصيب البرلمان القادم، من اختصاص البرلمان خلال الولاية التشريعية القادمة وليس الحالية. سادسا: المبادئ الدستورية والقانونية المؤطرة لعملية جدولة أشغال البرلمان بالنسبة للقوانين التنظيمية: 1- الفصل 49 من الدستور: يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية: ومن بينها هناك "... مشاريع القوانين التنظيمية..." 2- الفصل 92 من الدستور: يتداول مجلس الحكومة، تحت رئاسة رئيس الحكومة، في القضايا والنصوص التالية: ومن بينها هناك "... مشاريع القوانين، ومن بينها مشروع قانون المالية، قبل إيداعها بمكتب مجلس النواب دون إخلال بالأحكام الواردة في الفصل 49 من هذا الدستور..." وينبغي الإشارة هنا إلى أنه في الدستور الحالي ليست هناك أية إشارة لمشاريع القوانين التنظيمية ضمن صلاحيات مجلس الحكومة، مما يجعل دور الحكومة مقتصرا فقط على تحضير المشروع. 3- الفصل 85 من الدستور، الفقرة الأولى: "لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه... "، وهذا ما يجعل من الضروري التعجيل بإحالة مشاريع القوانين التنظيمية على البرلمان في دورة استثنائية ربحا للوقت. بالنسبة القانون المالي: 1- القانون التنظيمي للمالية: تنص المادة 33 على أنه "يودع مشروع قانون المالية... قبل نهاية السنة المالية الجارية بسبعين يوما على أبعد تقدير". 2- النظام الداخلي لمجلس النواب المادة 98: " تبرمج مكاتب اللجان دراسة مشاريع ومقترحات القوانين المعروضة عليها في أول اجتماع لها في ظرف أسبوع من تاريخ الإحالة عليها..." 3- الفصل 75 من الدستور، الفقرة الثالثة: "إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية... فإن الحكومة تفتح بمرسوم الاعتمادات اللازمة لسير المرافق العمومية، والقيام بالمهام المنوطة بها، على أساس ما هو مقترح في الميزانية المعروضة على الموافقة. سابعا: ثلاثة إكراهات لما بعد صدور النصوص المؤطرة للانتخابات يجب الأخذ بعين الاعتبار إكراهات ما بعد صدور النصوص (بمختلف أنواعها): - الفصل 95 من الدستور: "للملك أن يطلب من كلا مجلسي البرلمان أن يقرأ قراءة جديدة كل مشروع أو مقترح قانون. تُطلب القراءة الجديدة بخطاب، ولا يمكن أن ترفض هذه القراءة الجديدة". وهذه الإمكانية، قد تجعل البرلمان يُعيد مسطرة المناقشة من أولها، مما يستلزم احتياطا، أخذ ذلك بعين الاعتبار. - الفصل 132 من الدستور، الفقرة الثانية: "تحال إلى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل إصدار الأمر بتنفيذها ... قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور"؛ والفصل 85 من الدستور، الفقرة الثانية: "... لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور". هذه المرحلة بدورها تأخذ وقتا مهما، خاصة وأنه ليس هناك أية ضمانة لعدم وجود مقتضيات مخالفة للدستور، مما يجعل من الضروري أخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار. - الفصل 75 من الدستور، الفقرة الثالثة: "إذا لم يتم في نهاية السنة المالية التصويت على قانون المالية أو صدور الأمر بتنفيذه، بسبب إحالته على المحكمة الدستورية، تطبيقا للفصل 132 من الدستور..." يعني هناك إمكانية لعرض القانون المالي حتى بعد المصادقة عليه على المحكمة الدستورية تطبيقا للفصل 132 الذي نص على ما يلي في الفقرتين الثالثة والرابعة على ما يلي: الفصل 75 من الدستور، الفقرة الثالثة: "يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خمسة أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين ...، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، ... إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور؛ كما أن الفصل 75، في الفقرة الرابعة ينص على ما يلي: "تبت المحكمة الدستورية في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذا الفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة، غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة". وهذا إكراه آخر يدفع إلى ضرورة التعجيل بعرض مشروع القانون المالي على البرلمان قبل الدورة العادية تفاديا لمسطرة قد تأخذ من الوقت أكثر من اللازم. خاتمة إن الانتقال الدستوري، يفرض بالضرورة المرور بمرحلة انتقالية من أجل القطع مع تنظيم المؤسسات الدستورية واختصاصاتها والعلاقات في ما بينها وفق الدستور المُلغى، إلى مؤسسات جديدة تنتظم وتعمل ضمن مقتضيات الدستور الجديد دون إحداث فراغ دستوري أو عرقلة لسير مختلف مرافق الدولة. وتقتضي هذه المرحلة تضافر جهود الجميع، أغلبية ومعارضة، من أجل التوافق على القواعد الإجرائية اللازمة من أجل إقامة المؤسسات الجديدة. وفي هذا الصدد، عملت الحكومة على إشراك مختلف الفاعلين السياسيين في بلورة النصوص المؤطرة للاستحقاقات القادمة، إيمانا منها أن هذا العمل، رغم أنه من حق الأغلبية الحكومية، إلا أن المحافظة على جو التراضي استمرارا لنفس الجو الذي عرفه النقاش حول الإصلاح الدستوري الأخير، مسألة يجب المحافظة عليها. حقيقة أن هناك تصورات مختلفة لتدبير المرحلة الانتقالية، إلا أن الخيط الرابط في ما بين كل هذه التصورات، هو ضرورة الاستلهام من الدستور الجديد وفق تأويل ديمقراطي منفتح على المستقبل، وغير مشدود إلى الماضي. (*)عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان