قبل أن يوارى الرئيس الغيني الراحل , لانسانا كونتي, الثرى، جاء من العسكريين من يهيل التراب على عهده , ويستعجل الاستيلاء على منصبه، ليتكرر مشهد مألوف في القارة الأفريقية التي لا تتكلم أنظمة أغلب دولها إلا لغة الانقلاب. كونتي وصل إلى الحكم قبل 24 سنة, بنفس الطريقة تقريبا، مع فارق بسيط، وهو أنه أمهل الرئيس الراحل أحمد سيكوتوري ليستريح في قبره أسبوعا، ثم أعلن بعد ذلك انقلابا عسكريا، أما هو فلم يمهله المنقلبون عليه حتى أن تصل جنازته إلى المقبرة. أفريقيا شهدت , خلال ال15 سنة الماضية وحدها 17 , انقلابا، دون الحديث عن المحاولات الانقلابية الفاشلة، وتلك نتيجة لا بد لها من تفسير. في هذا الصدد ، يقول أستاذ الدراسات الأفريقية بجامعة محمد الخامس بالرباط , الدكتور خالد شكراوي , إن سبب هذا السيل من الانقلابات التي شهدتها القارة الأفريقية, هو "انعدام الحكم الجيد في جميع بلدانها". ويضيف أن هذه البلدان تشهد باستمرار "صراعا حول السلطة" في قارة السلطة والثروة فيها صنوان لا يفترقان، و"السيطرة فيها على السياسة مدخل للسيطرة على الثروات الطبيعية وعلى الاقتصاد". أما الخبير في الشؤون الأفريقية وأستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة , الدكتور حمدي عبد الرحمن حسن , فيرى أن الدولة في أفريقيا "فقدت دورها التنموي والوطني وتحولت إلى مظلة للقبيلة والجماعة الإثنية". وأدت هذه القبلية والإثنية ذيضيف عبد الرحمن حسن- إلى "شخصنة السياسة واختزالها في الفرد الحاكم الذي يتصرف كأنه المالك للحكمة , ويستأثر بألقاب مثل المعلم والمجاهد الأكبر وغيرها". إعادة استعمار أغلب انقلابات أفريقيا ، بالإضافة إلى كونها "عسكرة للسياسة"، فإن بصمة الخارج تكون واضحة فيها، ويبرز الدور الخارجي في تأجيجها، و"خصوصا من القوى الاستعمارية السابقة التي تتدخل كلما رأت أن هناك ما يهدد مصالحها"، حسب ما يرى عبد الرحمن حسن. فالمجتمع السياسي الغربي ذكما يؤكد شكراوي بدوره- "فاعل أساسي" في الانقلابات بأفريقيا، فتجد "الغرب يثور ضد الانقلابات التي لم يعد لها أو لم يشارك فيها أو تلك التي يرى أنها قد تشكل حاجزا أمام مصالحه في القارة الأفريقية، وبالمقابل يؤيد الانقلابات التي تخدم مصالحه". بل إن الكثير من الانقلابات التي وقعت في أفريقيا ذحسب شكراوي- "كانت مدعومة من جهات غربية سياسية أو من مؤسسات اقتصادية هي في الغالب عبارة عن شركات متعددة الجنسيات تحاول السيطرة على ثروات القارة". وهذا الدعم للانقلابات العسكرية من دول غربية تحرص على أن تبقى جيوشها بعيدة عن السياسة يعتبره حسن عبد الرحمن "إعادة استعمار للقارة الأفريقية من لدن الغرب الذي يهمه الدفاع عن مصالحه في هذه القارة، أكثر مما يهمه الدفاع عن حقوق الإنسان فيها".