هذا هو الشّغلُ الشّاغلُ في الآونةِ الأخيرةِ، "الجمالُ وعمليّاتُ التّجميلِ"، مِن شدِّ الوجهِ، لشدِّ الجفون، إلى جراحةِ الأذن التّجميليّة، لشدِّ البطن، وشفط الدّهونِ، لتعديلِ الأنف، إلى تصغيرِ الثّدي للرّجالِ، ورفعِ الحواجب، وتكبيرِ الثّديين للنّساء، وغير ذلك من عمليات التجميل التي تطال المخفي والظاهر ! الحمدلله! مجلاّتُنا ومحطّاتُنا وفضائيّاتُنا التّلفزيونيّةِ وفضائحيّاتُنا عامرةٌ بكلِّ هذا وذاك، وصحفُنا وإعلامُنا ومواقعُنا الإلكترونيّة، كلّها على أهبةِ الاستعدادِ دائمًا وأبدًا في تغطيةٍ شاملةٍ ووافيةٍ وتفصيليّةٍ وبالأسماءِ، تندرجُ يوميًّا في أخبارِنا الفنّيّةِ والصّحيّةِ وحتّى السّساسيّةِ والسّياحيّةِ، بدءًا من إعلاناتِ التّرويجِ لعمليّاتِ التّجميلِ بشتّى بنودِهِ، ونهايةً بلغةِ التّهكّمِ والشّماتةِ والتّشهيرِ بأصحابِها أو الشّفقةِ عليهم! لم يعُدِ الأمرُ يجري سرًّا كما كانَ في السّتّينيّات والسّبعينيّات، بل صارَ مكشوفًا وصريحًا، ويدعو للمباهاةِ بإجراءِ هذهِ العمليّاتِ والتّرويجِ لها، وقد تعدّدتْ صورُ ولغةُ التّرويجِ لعمليّاتِ التّجميلِ ومِن أطرفِ ما قرأتُ: "في الهندِ عمليّاتُ تجميلٍ في الصّباح، ورحلةٌ مسائيّةٌ في المساء"! لقد غدَتِ الهندُ مغناطيسًا جذّابًا للأجانبِ، لأولائكَ مَن ملّوا طوابيرَ الانتظارِ لعمليّاتٍ تجميليّةٍ نوعيّةٍ باهرةٍ وبأقلّ التّكاليفِ! هل نستغربُ مِن إحصائيّاتٍ أجرتْها الجمعيّةُ الأمريكيّةُ لجرّاحي التّجميلِ؟ لقد أُجرِيتْ أكثر من 8.1 مليون عمليّةُ تجميلٍ في الولايات المتّحدة عام 2006 ، في مقدّمتِها عمليّاتُ تكبير الثّدي 329 ألف، وتعديلُ شكل الأنف 307 ألف، وشفط دهون 303 ألف، وشدّ الجفون 233 ألف، وتصغير حجم البطن 146 ألف، ولو تمّ إضافة عمليّات شدّ التّجاعيدِ بالحقن بمادة بوتوكس، وإزالة الشّعر باللّيزر، سيصلُ المجموعُ إلى 11 مليون عمليّة! وبكلّ أسى بين عامَيْ 2001-2006 ونتيجة لهذه العمليات، شهدتْ أيضًا 22 حالة وفاة، و12 حالة إصابة بجلطات! المقلقُ هو، أنّ الظّاهرةَ هذه لم تعُدْ تقتصرُ على الوسط الفنّيّ مِن عارضاتِ أزياءٍ ومغنّياتٍ وممثّلاتٍ ومذيعاتٍ ومُروِّجات والخ، بل تعدّتْها إلى أجيالٍ صغيرةٍ، لم يصلْ بها الحالُ بعدُ إلى الاحتيالِ على تجاعيدِ الزّمن! والأدهى أنّ العمليّاتِ الجراحيّةِ لم تعُدْ تُجرى في المستشفياتِ والعياداتِ الخاصّةِ فقط، بل تخطّتْها إلى صالوناتِ تصفيفِ الشّعر! رزق الله على جمال زمان وأيام زمان وناس زمان! يمكنُ أن نتفهّمَ ما عرفناهُ سابقًا، أنّ مَن يمرُّ هذه العمليّاتِ الجراحيّةِ التّجميليّةِ، هو بسببِ التّشوّهِ الخلقيِّ النّاتجِ إثرَ حوادثِ حروقٍ أو مرورٍ أو....، ويمكنُ أن نتفهّم أنّ هناك حالاتُ تشوُّهٍ خلقيّةٌ منذ الولادةِ بحاجةٍ إلى تعديلٍ، لكن اليوم، فالأمرُ ليسَ مقصورًا على التّغييرِ الآنيِّ لشكلِ العيونِ ولونِها مِن خلالِ العدساتِ والرّموشِ المستعارةِ، أو مِن خلالِ الباروكاتِ الجاهزةِ، أو صبغِ الشّعرِ بكلِّ ما يمكنُ من إضافاتٍ وتلوينٍ، أو تغييرِ ملامحِ ولونِ الوجهِ مِن خلالِ مساحيقِ الماكياجات المتعدّدةِ، بل باتتْ ملامحُ الوجهِ والجسدِ جزءًا مِن الموضةِ والفصولِ المتغيّرةِ جذريًّا بتفاصيلِها وكليّتِها، ووصلَ بنا الحالُ، إلى أنّ الجميلاتِ الصّغيراتِ والكبيراتِ غيرُ راضياتٍ بما حباهنَّ الله مِن جمالٍ، بل ودأبنَ إلى تغييرِ الملامحِ كلَّ فترةٍ وأخرى، لتظهرَ بمظهرٍ مغايرٍ في عرضٍ آخر... (نيو لوك)! ذهولٌ يعتري بعضَنا لهذا الرّفضِ والتّمرّدِ الجريءِ على الحقيقةِ حينَ تكونُ جميلةً، خاصّةً، وأنَّ معظمَ عمليّاتِ التّجميلِ الخاصّة تُجرى على الحسابِ الخاصِّ والباهظِ ودونَ تغطيةٍ من التّأمينِ الصّحيِّ ! فلماذا تلجأُ الجميلاتُ إلى عمليّاتِ التّجميلِ؟ وما الذي يدفعُ بهؤلاءِ الجميلاتِ إلى أن يخضْنَ عمليّاتٍ جراحيّةٍ مُكلفةٍ وفي أدقِّ وأبرزِ تفاصيلِ الوجهِ والجسدِ، رغمَ المخاطرِ الّتي تنطوي عليها العمليّاتُ الجراحيّةُ، وقد تكونُ هذه المخاطرُ مرافقةً مِن جرّائِها أثناءَ العمليّةِ، وملازمةً أيضًا ما بعدَ الانتهاءِ مِن إجرائِها، وقد يقعُ البعضُ منهنَّ ضحيّةَ التّشويهِ الدّائمِ حينَ تُصابُ أعصابُ الوجهِ بآثارَ جانبيّةٍ عديدةٍ مرئيّةٍ ولامرئيّةٍ، وقد يكونُ بعضُهنَّ ضحايا الموت، وكثيراتٌ لا يَسلَمْنَ مِن الوقوعِ في أيدي أطبّاءَ مادّيّينَ وانتهازيّينَ، يَنشرونَ صورَهنَّ قبلَ وبعدَ العمليّاتِ، إن لم ينجحوا في ابتزازِهِنَّ! عمليّاتُ تجميلٍ تنجحُ، وأخرى تتولاّها مآسٍ متعدّدةِ الأشكالِ، فإمّا غيبوبةٌ كاملةٌ كمثل الّتي تعرّضتْ لها "سعاد نصر"، إثرَ حقنةِ بنجٍ تلّقتْها بالخطأِ أثناءَ إجراءِ شفطِ الدّهون، والشّواهدُ المنشورةُ كثيرة،ٌ وهناكَ مَن يتعيّنُ عليها أن تعودَ مرارًا إلى غرفةِ العمليّاتِ لاستكمالِ مشوارِ التّشوّهاتِ النّاجمةِ عن العمليّة الأصليّة! كمشةٌ من أسئلةٍ تتلوّنُ على بيدرِ استغرابٍ وحيرةً! ما الذي ومَن شجّعَ فكرةَ رواجِ عمليّاتِ التّجميلِ، وزادَ في ارتفاعِ عددِ جرّاحي التّجميلِ في العالم؟ مَن يقفُ خلفَ هذهِ الظّاهرةِ المتفشّيةِ؟ أدائمًا تبدو الجميلةُ بعدَ العمليّةِ أكثرَ إثارةٍ وجاذبيّةٍ ممّا سبق؟ خارجًا عن دَوْرِ التّمثيلِ والفنّ وما قد تلعبُهُ الفنّانةُ مِن أدوارٍ شبابيّةٍ، هل لها حقًّا أن تتعايشَ في الواقعِ مع عمرِها المزيّفِ فكريًّا وعاطفيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا؟ وهل حقًّا يُمكنُ لهذهِ العمليّاتِ أن تُخفيَ العمرَ الحقيقيَّ؟ هل تخدمُ هذه العمليّاتُ لفترةٍ طويلةٍ أو وجيزةٍ؟ هل تكرارُ العمليّات لاحقًا يمكنُ أن ينجحَ، أو يجعل الشّخصَ فريسةَ اليأسِ والمساحيقِ الكاذبةِ ومن ثمّ الاعتزال والاختفاء؟ هل نلومُ الأطفالَ والزّوجَ والمعارفَ إن لم يتعرّفوا على صاحبةِ الوجهِ المستجدّ؟ هل نعتبُ على شرطيٍّ إن لم يتعرّفْ عليها مِن خلالِ بطاقةِ هويّتِها؟ هل نلومُ موظّفَ السّجلِّ المدنيِّ في وزارة الدّاخليّة، إن رفضَ استصدارَ أو استخراجَ بطاقةِ هويّةٍ، في حال اختلفتْ معالمُ الشّكلِ الجديدِ عن معالمِ الصّورةِ على الورقِ؟ ألا يجدرُ بنا توخّي الحذرَ قبلَ الإقدامِ على التّلاعبِ بتغييرِ معالمِ الجسدِ والصّحّةِ؟ وأخيرًا.. هل الجمالُ الشّكليُّ يُمكنُ أن يختزلَ عناصرَ الجمالِ الرّبّانيِّ والجمالِ الأخلاقيِّ والرّوحيِّ؟