من الأشياء التي يقوم بها الانسان كل يوم ، النظر إلى المرآة بعد مغادرة غرفة النوم ، وقبل الخروج لقضاء بعض الحاجات أو لقاء الزملاء . ما من شك وهو أمام المرآة يحاول أن يطمئن على نفسه كأي منا انطلاقا من محياة . أليس كل إناء بما فيه يرصع على حد قول شاعر ؟ فالوجه المضيء يعكس الراحة النفسية الداخلية ، والقوة والحيوية وهو غير خاف على أحد . والوجه الداكن أو المائل للصفرة علامة ضعف ومؤشر على خلل في الصحة سواء النفسية أو العقلية أو الجسمية .و يمكن لأي منا تقديم فحص مجاني أولي لصديق عند الطلب.فبمجرد النظر إلى وجهه . يمكن قراءة حروفه كمن يقرأ فنجانا من خلاله يمكن فك بعض شفرات النفس : وعرفة إن كان مرتاحا أم له مشاكل. أمهاتنا باغتتنا مرات "" وهي اسأل" مالك أولدي ، وجهك مخطوف ؟ " لقد تابعت أناسا عديدين وهم ينظرون إلى المرآة العجيبة خاصة النساء . وكم كان اهتمام البعض بالبشرة وطبيعة الوجه وصحة الجلد وحالة الحجبين وتسريحة الشعر وحالة الشفتين وصفاء العينين مهما جدا للبعض أكثر من البعض الآخر. فبعضهم يغادر المرآة وهو راض كل الرضا عن نفسه وبعضهم يتركها وهو يشكو من سهر البارحة، أو من تعب الأيام ، التي ابيض منها شعره وبزغت منها تجاعيد محياه. إن الذي بات ثم أصبح على أحسن حال، مثله مثل الذي حيزت له الدنيا بحذافيرها . نعم، هذا صحيح لأن الصحة ليس لها ثمن عند من يدرك أهميتها . و الصحة هنا هي عدم ظهور أي علامات مرض على جسم وعقل ونفس الإنسان. وإن كانت الصحة النفسية لها روافد شتى وشروط أحيانا مطلوبة حتى يمكن القول بأن شخصا ما يتمتع بالشخصية النفسية الطبيعية. و إلا لماذا يقصد الكثيرون أطباء التقويم و التجميل ؟ لقد بات المظهر، من بناء الجسم ، شكل الحاجبين والشفتين والأسنان والأذنين وهلم جرا بالغ الأهمية لدى البعض ممن يملكون المال .أما من ليس له مال فلا يفكر إلا في ملء بطنه بما كان أو يكن . وبات في السنوات الأخير ممكنا تجميل أو تقويم أي شيء بفضل الجراحة التجميلية التي لم يعد يسيطر على سوقها الأوربيون والأمريكان والآسيويون فقط ، بل أصبح ممكنا القيام بعمليات تجميلية ناجحة حتى في البلدان العربية مثل المغرب ولبنان والسعودية . من أجل إزالة التجاعيد، وتكبير الثدي ورفع الثدي ، تصغير الثدي ، رفع الذقن ،جراحة الجفن ، رفع الوجه شفط الدهون،إعادة تشكيل الأنف ، شد البطن. ولم يسلم حتى الجنس من العمليات . وأدخلت مواد كالسليكون والمياه المالحة لزرع الثدي ، أو الكولاجين و الدهون لتغير ملامح الوجه بالانتفاخ. وبعدما كانت عمليات التجميل والتقويم تختص بها طبقة الميسورين الذين يريدون أن يظهروا دائما بمظهر " الهاي" أصبحت الطبقة المتوسطة هي الأخرى تهتم بالموضوع. بل هناك مستشفيات وطنية فتحت أجنحة خاصة لمزاولة هذا التخصص والذي قد تساهم عائداته المادية في تحقيق عدة مشاريع بالمستشفيات ذاتها . هناك حركة نحو التجميل والتقويم لأن الجمال بات مطلبا ومطلوبا على كل المستويات. وبات صعبا الحصول على فرصة عمل بهندام أو مظهر غير لائق أو ملامح بشرة خشنة. وكأننا أمام ظاهرة متقدمة تعبر عن نوع جديد من العنصرية، والتي كانت في الأمس تمس لون البشرة أبيض / أسود/ احمر / اصفر، حيث كان أصحاب البشرة البيضاء يتضايقون من أصحاب البشرة السوداء مثلا والعكس صحيح. أما اليوم فالخوف من أن يتهرب المرء من كل من يحمل تجاعيد على وجهه أو شيبا على رأسه أو تشوها أو غير ذلك . ولحسن الحظ فتحت عيادات عمومية لاستقبال ذوي الدخل الضعيف ممن يعانون من مثل هذه المشاكل. لا يخلو مجتمع من نسبة معينة من الرجال والنساء الذين يراجعون مراكز التجميل كل سنة رغبة في إجراء نوع ما من أنواع التجميل بسبب وجود تشوهات خلقية أو وراثية أو مكتسبة بعد حادث أو بسبب العمر أو الولادات المتكررة أو أسباب أخرى . نحن أمام مطلب جديد متجدد ، لكن ما رأي الشريعة في عمليات التجميل ؟ وهل هناك خطوطا حمراء؟ لقد أجاز مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي القيام بعمليات التجميل كلما كان القصد منها إعادة شكل أعضاء الجسم إلى الحالة التي خلق الإنسان عليها ،أو إعادة وظيفة الأعضاء وإصلاح العيوب : مثل الشفة المشقوقة ، واعوجاج الأنف أو الذقن أو تشوه الأذنين، أو التصاق الأصابع أو الأسنان المنزوعة أو المشوهة. كذلك زراعة الجلد أو ترقيعه أو تشكيل الثدي كليا بعد استئصاله، أو جزئيا إذا كان حجمه من الكبر أو الصغر بحيث يودي إلى حالة مرضية. كذلك زراعة الشعر بعد سقوطه أو إزالة دمامة تضايق شخصا نفسيا. كما قرر مجمع الفقه الإسلامي عدم جواز إجراء جراحة التجميل التحسينية التي لا تدخل في العلاج الطبي. ويقصد منها تغيير خلقة الإنسان السوية تبعا للهوى والرغبة تقليدا للآخرين، كتغيير شكل الوجه للظهور بمظهر معين أو بقصد التدليس أو الهروب من العدالة. كتغيير شكل العنين أو الشفتين أو الوجنتين، كما لا يجوز إزالة التجاعيد بالجراحة أو الحقن ما لم تكن حالة مرضية. بطبيعة الحال لابد من ذكر بعض التفاصيل من أجل تحديد المراد، التجميل هو نوع من الارتقاء بما ما هو حاصل لوضع أجمل منه لأن تجميل الجسم الإنساني له أهميته مما يحققه من قبول لدى المتلقي ورضا في نفسه. و المطلوب هو أن يكون التجميل علاجيا لا رغبة في تحسين المظهر فقط. اقتناعا بأن جمال الإنسان الحقيقي هو جمال روحه ونقاء فكره، وطهارة كلماته. الكلمة الطيبة كشجرة تأتي أكلها كل حين، وصاحب الكلمة الطيبة مع شيء من الصبر يحقق في نفوس مخاطبيه مالا يحققه جميل المظهر. هذا الكلام يزكيه قول الشاعر: وكم من صامت لك معجب *** زيادته أو نقصه في التكلم . نعم الجميل جميل إذا صاحب جماله العفة والطهارة والصدق والجدية والإحسان والطهارة و إلا فهو قناع يسقط قدر صاحبه بعد سقوطه . ويبقى صاحب الوجه الطبيعي والسلوك المتوازن والتفكير المنطقي هو الإنسان . ومن حق الإنسان أن يتساءل ويبحث في داخله أين يكمن جماله ؟ فهناك من يوجد جماله في نكتته، وهناك من يوجد جماله في بسمته ، أو في طريقة كلامه ، أو إنصاته أو سكوته أو شغبه . نحن أمام أكثر من جمال إذن ،وليس فقط أمام جمال الوجه أو بناء الجسم أو لون البشرة. يكفي فقط أن يؤمن الإنسان بقدراته ويثق بنفسه ما لم يعتريه تشوه أو مرض. ولو حصل ذلك فمستشفيات التجميل لم توجد إلا لتفي بذلك الغرض،. أليس كذلك؟