قراءة بين السطور في كتاب، رجاء الصانع (بنات الرياض) أثار كتاب طبيبة الأسنان السعودية، رجاء بنت عبد الله الصانع (بنات الرياض(، في حينه، ضجة كبيرة جدا بالأوساط السعودية والخليجية، والعربية بشكل عام، كونه يفضح ممارسات بعض الشباب السعودي، في مدينة الرياض، مع بعض النساء السعوديات، وان كان هذا ينسحب على باقي المدن السعودية الأخرى من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، ومن أقصى شرقها إلى أقصى غربها. "" طبيبة الأسنان (رجاء الصانع) من مواليد العام 1981م، و حاصلة على شهادة بكالوريوس في طب الأسنان، من جامعة الملك سعود في العام الدراسي 2005م في الرياض-المملكة العربية السعودية، والتي أتحفتنا بكتابها بعنوان: )بنات الرياض)، والمثير في الكتاب، أن كاتبته شابة سعودية، لم تتجاوز عمرها السابعة والعشرون عاما، واتصف كتابها بالجرأة والصراحة والشجاعة، الملفتة للانتباه، خاصة وان الكاتبة سعودية الجنسية، ولم تحدث سابقة لمثل هذا الانتقاد الصريح والشجاع للمجتمع السعودي، والمعروف، بأنه مجتمع محافظ جدا، خاصة من كاتبة سعودية، وليس من كاتب سعودي، كما كان يتوقعه البعض. تقول الدكتورة صفية المزين، بكلمة احتفالية عن الأديبة والكاتبة رجاء الصانع، بأنها الأديبة الصغيرة سناً.. الكبيرة قدراً.. الدكتورة رجاء الصانع، أديبة، أذهلتنا بروعة أسلوبها.. واستطاعت أن تتجول في ردهات قلوبنا، تتسلل بخفة، لتسمع حديث و ساداتنا..تأخذ قهوتها على أريكة جراحنا.. تتندر على تناقضاتنا..بنفس الوقت، الذي تمارسها فيه.. بكل واقعيتها..وغمس ريشتها في "المسكوت عنه".. وترسم على الورق، ما ندركه بعقولنا..وما تم إلقامنا إياه مع الرضعة الأولى، وما نعجز عن الحديث عنه بصوت مرتفع.. في مجتمع.. لا تزيده الأيام إلا تعقيداً..تصبغ شفتيها بلون "فضائحنا".. وتمارس فعل الكتابة بإيمان..وأمل، يحدوها نحو التغيير للأفضل، منطلقة من قوله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" ترش "دقة وثوم وشطة" على حكاياتنا العسيرة على الهضم.."تذب" و"تنكت" على واقعنا المر.. فتجعلنا نقهقه.. ألماً !لن أزيد على ما قاله الدكتور غازي القصيبي في كلمته:"هذه رواية تستحق أن تُقرأ.. وهذه روائية أنتظر منها الكثير...". (منقول من موقع الكاتبة رجاء الصانع-مقدمة الكتاب). كتاب بنات الرياض، والذي فاض به الكيل، بما يتضمنه من قصص بعض الشباب وعلاقتهم الغريبة والعجيبة والشاذة، مع بعض بنات الرياض، يضع النقاط على الحروف في مدينة الرياض السعودية، ويوضح بدون أدنى شك، واقع المرأة السعودية المؤلم، وعلاقتها مع بعض الشباب السعودي المستهتر، بكرامة المرأة وشجونها وأحزانها وآلامها بشكل عام، وعلى لسان بنات من بناتهم، وقصصهم الواقعية، بحيث لا يدع مجالا للشك، بما طرحنه من قصص مثيرة، ضد نساء سعوديات يعشن في مجتمع، يدعي بأنه محافظ،، ومتمسك بالدين بحذافيره، وبالقيم والعادات والتقاليد، والتي نام عليها الدهر وشرب، وإذا كان ما طرح في كتاب (بنات الرياض)، قد يكون صورة حية، لما حدث ويحدث في مدينة الرياض، إلا أن هذا الكتاب، يمكن أن يكون نموذجا حيا، لما يحدث في كل المدن السعودية، ابتداءا من مدينتي مكة والمدينة، والى كافة باقي المدن السعودية، وبدون استثناء، وتأتي قصة فتاة القطيف، والمعروفة للجميع، والتي انتشرت كانتشار النار في الهشيم، لتؤكد ما جاء بكتاب بنات الرياض، والظلم الذي يمارس على النساء، من قبل بعض الشباب باسم الدين، والعادات والتقاليد البالية والظالمة. تقول الدكتورة اليمنية الرائعة )المانع) في صحيفة النداء، يوم الأربعاء بتاريخ11/28 2007م والمنشور على الشبكة الالكترونية: ذاك مجتمع تكفي فيه الكلمة أو النظرة، أن تقف فتاة مع شاب في مكان عام، حتى تتهم في شرفها! والشرف معناه في دول شبه الجزيرة العربية كبير، وكبير جدا، لأن قطرات الدم تتحول إلى نصل سكين حاد، يجز رقبة الشابة جزاً، لو هامت حولها مجرد شبهه. لذا، تشب الفتاة منذ نعومة أظافرها على الخوف: “خافي من جسدك”. “خافي من نفسك”. “خافي ممن حولك”. “خافي”. “لأن الخوف مفتاح الأمان”. ترضع على أوامر النهي والجزر. “لا تضحكي هكذا”. “لا تبتسمي أمام الرجال”. “واخفضي صوتك”. “لا ترفعيه عالياً أمام الرجال”. “ثم لا تحركي جسدك هكذا. حبذا لو لففت نفسك كالشبح، في قماشة حتى تغيبي.. تغيبي كالضباب”. “قفي وأنت مضمومة، مزمومة، عابسة، متجهمة، صامتة، ثم لا تحدقي فيمن حولك. اكسري عينيك، وانظري إلى الأرض”. “ليتك تتحولين إلى فقاعة، تذوب في الهواء فلا نرها))(منقول من موقع النداء على الشبكة العنكبوتية(. كل هذه التوصيات والتحذيرات، لفتاة، لو رغبت بالخروج إلى الشارع العام، لقضاء بعض من حاجاتها، أو حاجات أسرتها، فعليها أن تحفظ كل المحرمات، وكل المحظورات الصغيرة جدا منها قبل الكبيرة، والتي لا انزل الله بها من سلطان، وكأنها أمام رجال أو شباب بصورة حيوانات كاسرة، ومتوحشة، بلباس من البشر، فقط هم بانتظار فتاة، حتى تخرج من منزلها ليرينها العجب العجاب، مع أن الحقيقة تقول، أن معظم الشباب، والشابات السعوديات يتمتعوا كلهم على السواء، بالعلم والذكاء والأخلاق العالية جدا. هذا عن صورة المرأة في إحدى الدول الخليجية، وكيف يتعامل معها بعض الرجال أو الشباب، وبامكانك القياس عليها في باقي الدول الخليجية الأخرى، من عمان إلى البحرين والى دولة قطر مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة وبدولة الكويت، وان تباينت الصورة في التعامل مع المرأة، في كل بلد ذكرته، بين بلد وآخر؟ وحقيقة، ما يصوره الكتاب من قصص حب وغرام حميم، في مدينة الرياض السعودية، موجود مثله الكثير، في كافة المجتمعات العربية، من المحيط الى الخليج، ولكن المستهجن، أن يحدث هذا في المجتمع السعودي المحافظ، بل والمحافظ جدا، والتشدد المنقطع النظير في حق المرأة السعودية فقط دون الرجل. تتناول الدكتورة رجاء الصانع في كتابها )بنات الرياض) قصص أربعة من صديقاتها، وأشارت إليهن بأسماء رمزية غير حقيقة، وهن (قمرة) القصمنجي، و(سديم) الحريملي، و(لميس) جداوي، و(ميشيل) العبد الرحمن. الفتيات اللواتي ينتمين إلى الطبقة المخملية من طبقات المجتمع السعودي، والتي لا يعرف أخبارها عادة، سوى من ينتمي إليها. لنقرأ هذا المقطع من القصة، عن إحدى صديقتها والمعروفة بالقصة باسم سديم: بعد عقد القران، أقام والدها مأدبة عشاء دعي إليها أقاربه، وأقارب العريس، وفي مساء اليوم التالي، جاء وليد ليرى عروسه التي لم يرها منذ الرؤية الشرعية، قدم لها في تلك الزيارة الهدية المتعارف عليها في فترة الملكة:هاتف جوال، من أحدث الموديلات في السوق.كثرت زيارات وليد ل(سديم( في الأسابيع التالية، معظمها كان يتم بعلم والدها وقليل منها دون علمه، كان عادة ما يأتي لزيارتها بعد صلاة العشاء، ولا ينصرف قبل الساعة الثانية صباحاً، أما في عطلة نهاية الأسبوع، فقد كانت الزيارة تمتد حتى ساعات الصباح الأولى. كان يدعوها مرة كل أسبوعين على العشاء في مطعم فخم، أما في باقي الأماسي، فقد كان يجلب معه طعاماً أو حلويات تحبها )سديم). كانا يقضيان الوقت في الحديث والضحك، أو في مشاهدة فيلم استعاره هو، من أحد أصدقائه، أو استعارته هي، من إحدى صديقاتها، ثم بدأت الأمور تتطور، حتى ذاقت طعم القبلة الأولى. كان معتاداً على تقبيل وجنتيها كلما قدم لزيارتها أو أراد توديعها، إلا أن وداعه لها تلك الليلة، كان أشد سخونة من ذي قبل. ربما كان للفيلم الذي شاهداه معاً، دوراً في خلق الجو المناسب، حتى يطبع على شفتيها العذراوين، قبلة طويلة. بدأت (سديم) استعداداتها للزفاف، وكانت تطوف المحلات مع(أم نوير) أو (ميشيل) أو (لميس). كان وليد يرافقها في بعض الأحيان، خاصة إن كانت تنوي شراء ثياب للنوم. تحدد موعد الزفاف بعد انتهاء امتحانات آخر السنة، وذلك بناء على رغبة )سديم) التي خشيت أن تتزوج في عطلة الحج، فلا تتمكن من الاستعداد بشكل جيد للامتحانات النهائية، وهي الحريصة دوماً على التفوق في دراستها. أثار قرارها هذا، استياء وليد، الذي كان متلهفاً على الزواج بأسرع وقت ممكن، فقررت أن ترضيه. ارتدت في تلك الليلة قميص النوم الأسود الشفاف، الذي اشتراه لها، ورفضت أن ترتديه أمامه يومها، ودعته للسهر، في بيتها دون علم والدها، الذي كان يقضي الليلة، في مخيماً في البر، مع أصدقائه. الورد الأحمر الذي نثرته على الأريكة، والشموع المنتشرة هنا وهناك، والموسيقى الخافتة التي تنبعث من جهاز التسجيل المخفي، كلها أمور لم تثر انتباه وليد، كما أثاره القميص الأسود، الذي يكشف من جسمها أكثر مما يخفي، وبما أن (سديم) كانت قد نذرت نفسها تلك الليلة لاسترضاء حبيبها وليد، فقد سمحت له بالتمادي معها حتى تزيل ما في قلبه من ضيق تجاه تأجيلها لزفافهما. لم تحاول صده كما اعتادت أن تفعل من قبل، إذا ما حاول تجاوز الخطوط الحمراء، التي كانت قد حددتها لنفسها وله، في بداية أيامهم بعد عقد القران، كانت قد وضعت في ذهنها أنها لن تنال رضاه الكامل، حتى تعرض عليه المزيد من )أنوثتها)، ولا مانع من ذلك، في سبيل إرضاء وليد الحبيب، و من أجل عين، تكرم مدينة. انصرف وليد بعد أذان الفجر كعادته، إلا أنه بدا مشتتاً وحائراً على غير العادة. اعتقدت أنه يشعر بالتوتر مثلها بعدما حصل. انتظرت (سديم) اتصاله المعتاد بعد وصوله إلى منزله، خاصة، وأنها بحاجة ماسة لرقته وحديثه بعد ليلة كهذه، لكنه لم يتصل. لم تسمح (سديم) لنفسها بالاتصال به، وانتظرت حتى الغد، ولكنه لم يتصل أيضاً، قررت على مضض، أن تمهله بضعة أيام حتى يهدأ، ثم تتصل هي به لتستفسر عما به. مرت ثلاثة أيام و(سديم) (ما جاها خبر). تخلت عن ثباتها، واتصلت به لتجد هاتفه النقال مقفلاً، ثابرت على الاتصال به على مدار الأسبوع، وفي أوقات مختلفة، علها تنجح في الوصول إليه، ولكن هاتفه النقال ظل مقفلاً، وخط غرفته الثابت، مشغول باستمرار! ما الذي يجري ؟ هل أصابه مكروها ؟ هل ما زال غاضباً منها إلى هذا الحد؟؟ حتى بعد كل محاولاتها لاسترضائه ؟ ماذا عن كل ما منحته إياه في تلك الليلة ؟ هل أخطأت؟ بأن سلمته نفسها قبل الزواج ؟ ويلاه ! جُن وليد ؟؟ أيعقل أن يكون هذا ما دفعه للتهرب منها منذ ذلك اليوم ؟ ولكن لماذا ؟ أليس هو زوجها شرعاً منذ عقد القران ؟ أم أن الزواج هو القاعة الضخمة والمدعوات والمطربة والعشاء ؟؟ ما هو الزواج ؟ وهل ما فعلته يستحق أن يعاقبها عليه ؟ ألم يكن هو البادئ بالفعل ؟ ألم يكن هو الطرف الأقوى ؟ لِمَ أجبرها على ارتكاب الخطأ، ثم تخلى عنها بعده ؟ من منهما المخطئ ؟ وهل ما حدث خطأ في الأصل ؟؟ هل كان يمتحنها ؟ وإذا كانت قد فشلت في الامتحان، فهل يعني ذلك أنها لا تستحقه ؟ لا بد وأنه ظن أنها فتاة سهلة ! ولكن ما هذا الغباء ؟! أليست زوجته وحلاله ؟ ألم تبصم ذلك اليوم في الدفتر الضخم، إلى جانب توقيعه ؟ ألم يكن هناك قبول وإيجاب؟ وشهود وإشهار ؟ أم أن كل ذلك لا يعني أنها أصبحت زوجة شرعاً دون حفل الزفاف ؟. لم يخبرها أحد عن ذلك من قبل. هل سيحاسبها وليد على ما تجهل ؟ لو أن والدتها كانت على قيد الحياة لتحذرها وتوجهها كما كانت تفعل خالتها أم (قمرة)، مع ابنتها لما حدث ما حدث، ثم أنها سمعت قصصاً كثيرة عن فتيات قمن بمثل ما قامت به مع وليد وأكثر، في فترة المِلكة وقبل الزفاف ! حتى أنها سمعت عن كثيرات ينجبن أطفالاً مكتملي النمو بعد العرس بسبعة أشهر، فلا يكترث سوى قلة ممن يلاحظون مثل هذه الأمور فأين الخطأ؟)) (منقول من القصة صفحة 15.) يلاحظ مما تقدم، أن بعض الشباب السعودي، إذا عبرت الشابة السعودية، عن غرائزها ورغباتها الكامنة مع زوجها، وتفاعلت معه حسب احتياجاتها واحتياجاته، فلا يعجبه ذلك، بل يريدها خجولة وخانعة وصامتة، لا تعبر له عن شعورها ورغباتها وأحلامها وتفاعلها معه، أما إذا سكتت، وخنعت، واستسلمت له بدون إحساس، ورغبة وتفاعل، أيضا، فانهه يتهمها بأنها امرأة سلبية وباردة وجاهلة، ولا تفهم الحياة الزوجية، ولا تلبي احتياجاته كما يجب، من متعة ولذة، وقد يتزوج عليها، إذا حالفها الحظ ولم يطلقها، فالمرأة حقيقة (بين حانة ومانة)، في كل الحالات، فان لبت رغبة الرجل غير خالصة من العقاب أو الإهانة، وان خنعت وسكتت، أيضا، ستكون ملامة ومهانة، وهذا هو عين الظلم، والله يكون بعون المرأة العربية من المحيط الى الخليج، أمام ظلم كهذا، يحدث للمرأة من قبل الرجل، وحقيقة، هذه الظاهرة ليست منتشرة في السعودية او في دول الخليج فحسب، فقد تكون منتشرة في الكثير من المجتمعات العربية، بين بعض الفئات التي ينظرون للمرأة، نظرة دونية وباحتقار، وغير إنسانية، بمعنى عليها أن تكبت شعورها ورغباتها، ولا تتحدث عنها أو حتى توحي بها في حالات كثيرة، وحسب طبيعة الرجل وثقافته ووعيه. وتتابع رجاء الصانع في كتابها (بنات الرياض) في موقع آخر من القصة فتقول: ))ميشيل أصبحت ترعبها أحياناً بحديثها عن الحرية وحقوق المرأة، وقيود الدين والأوضاع الاجتماعية وفلسفتها للعلاقة بين الجنسين ونصائحها لها بأن تكون أقوى وأشرس في الدفاع عن حقوقها، وعدم تقديم تنازلات في حق ألذات ! (سديم) الأقرب إليها هي الأخرى، بدت أنضج بكثير، بعد العطلة الصيفية التي قضتها في بريطانيا، لعل سفرها وحدها، والعمل الصيفي والقراءة قد أفادوها، أو لعل تلك الثقة بالنفس، مصدرها حب رجل بمكانة (فراس) لها. أياً كانت الأسباب، فقد شعرت (قمرة)، أنها الوحيدة التي لم تتغير منذ أيام المرحلة الثانوية، اهتماماتها لم تتغير، وأفكارها لم تتطور، وأولوياتها لم تتبدل. ما زال حلمها الوحيد، هو الزواج من رجل ينتشلها من وحدتها، ويعوضها عن أيام الشقاء التي عاشتها. كم ودت لو استمدت من (ميشيل)، بعض صلابتها، ومن )سديم)، بعض ثقافتها، ومن (لميس)، بعض جرأتها ! كم أرادت أن تصنع من نفسها شخصية تحاكي شخصيات صديقاتها، وتستطيع الدخول معهن في نقاش عميق، لكنها ظلت عاجزة عن مجاراتهن. يبدو أنها خلقت بهذه الشخصية الضعيفة، التي تحتقرها، لتظل سائرة وراء الركب طوال حياتها. ذهبت لتلقي نظرة على صالح قبل أن تنام. دخلت الغرفة التي وضع فيها فراشه الصغير المزركش إلى جانب سرير المربية. اقتربت من فراشه بهدوء حتى لا توقظه أو توقظها، وإذا بعيني الطفل تلمعان لها وسط ظلام الغرفة، وهو يتلفت نحو مصدر الصوت ببراءة ودعة. مدت إليه يديها فتعلق بهما، لتلتقطه بحنان وتحمله. حالما حملته، شعرت بملابسه المبللة، وفخذيه الرطبين، وشمت الرائحة النفاذة المنبعثة من حفاظته الصغيرة. حملته إلى الحمام، لتجد مؤخرته الغارقة في البلل، مغطاة ببقع حمراء صغيرة. لم تعرف (قمرة) كيف تتصرف في ظرف مثل هذا، هل توقظ أمها أم توقظ شهلاء ؟؟ ما أدرى شهلاء بالأطفال؟ ! إذا كانت هي نفسها لا تعرف ما تفعل ! هل توقظ المربية ؟ الله يقطعها! كله بسببها!! نايمة ومخلية ولدي غرقان بالبول ! كان الولد أمامها يلعب ببطته الصفراء المطاطية، التي ناولته إياها دون أن تبدو عليه معالم الألم أو الضيق، لكن الأمر كان أقسى على (قمرة) من مجرد طفح جلدي! كل شيء كان قاسياً عليها، راشد، ونظرة المجتمع، وأمها وحصة، وزوج حصة، وموضي، وصديقاتها ! الكل يستضعفها ويعيب تفاهتها وتخلفها، حتى المربية الفلبينية، أهملت العناية بطفلها، بعد أن لاحظت عدم حرصها هي عليه !يا لها من حياة قاسية أخذت منها كل شيء، ولم تمنحها شيئاً في المقابل ! أخذت منها شبابها ومرحها، لتستبدلهما بلقب بشع، وطفل ليس له من سند في هذه الحياة سواها، هي الأمس منه حاجة للسند ! سقطت البطة من كف صالح الصغيرة عندما احتضنته (قمرة) بكل ما فيها من قهر وندم وعذاب، وهي تبكي)) (منقول من القصة نفسها صفحة 90). هكذا تدخل المرأة السعودية والخليجية والعربية بشكل عام، في صراع محموم، بين قناعاتها وثقتها في نفسها، و بين التقاليد والعادات والأعراف الذكورية السائدة في المجتمع العربي من المحيط الى الخليج، إضافة الى الأوامر والنواهي الدينية، والتي لا تطبق بحذافيرها، إلا على المرأة دون الرجل، بينما أساس الفاحشة والفساد ليس المرأة، بل رغبات الرجل منها، والمؤلم أيضا، أن المرأة عندما تستجيب لرغابته، ويتمتع بها كما يشاء، يعود كي يتخلى عنها، ويتهما بالفساد والفجور والانحلال الخلقي، لأنها استجابت لرغباته وإلحاحه الشديد، وسلمت نفسها له. وفي موقع آخر من القصة تقول: ((أنا كنت أموت بفيصل، لكن المجتمع هنا، كان كله ضده وضدي ! أنا عندي ثقة تامة بنفسي، وإني أقدر أواجه الصعوبات اللي بتوقف في طريقي، لكن الصراحة، ما عندي نفس الثقة في فيصل، ولا في أي أحد ينتمي لهذا المجتمع المريض. علشان علاقتنا تنجح، كنت محتاجة قوة وصمود، منا إحنا الاثنين. مري ما كنت اقدر أنجّح علاقتنا لحالي، ومع أن فيصل ظل يلاحقني، وتتبع أخباري، وكانت توصلني منه كل فترة، ايميلات ورسايل على الجوال، يترجاني فيها إني أرجع له، لكني كنت عارفة، إن هذا مجرد ضعفه اللي يتكلم، وإنه ما جاب شيء جديد، ولا طلع بحل لمشكلتنا، عشان كذا، ظليت أرفضه، وأمتنع عن الانقياد لضعفه ولعاطفتي. كان لازم أحدنا يكون طرف قوي في العلاقة، وأنا اخترت أكون هذا الشخص ! تأكدي يا (سديم) أن فراس وفيصل، رغم الفارق الكبير في السن بينهما، لكن اثنينهم من طينة واحدة، سلبية وضعف، وإتباع للعادات والتقاليد المتخلفة، حتى إن استنكرتها عقولهم المتنورة ! هاذي هي الطينة، اللي خُلق منها شباب هذا المجتمع للأسف. هذولي مجرد أحجار شطرنج، يحركها أهاليهم، ويفوز في اللعبة اللي أهله أقوى ! أنا كان ممكن أتحدى كل العالم، لو كان حبيبي من غير هذا المجتمع الفاسد، اللي يربي أبناءه على (الكونترادكشنز والدوبل ستاندردز)، التناقضات وازدواجية المعايير مثل ما يقولون. المجتمع اللي يطلق فيه الواحد زوجته، لأنها ما تجاوبت معه بالشكل اللي يثيره في الفراش، بينما يطلق الثاني زوجته، لأنها ما أخفت عنه تجاوبها معه، وما تصنعت البراءة والاشمئزاز- منقول من القصة صفحة (138). يتضح مما تقدم أن هناك اشمئزاز من العادات والتقاليد والممارسات الخاطئة من قبل بعض الشباب السعودي نحو المرأة. وان معظم الشباب السعودي، يطبق ممارساته في النهاية، وفقا لرغبات الأهل، وتكون الضحية هي المرأة، وهي التي تحاسب وتعاقب، ويؤول مصيرها الى الطلاق إذا كانت متزوجة، أو تصبح عانسا ويفوتها قطار الزواج إذا كانت عزباء، بينما الشاب السعودي والذي يلاحقها من مكان الى آخر، وتخضع له في الأخير، لكثرة ملاحقته لها، وتصبح على لسان الناس كالعلكة، يلوكها على ألسنتهم كل من هب ودب، ومع هذا تتحمل كل شيء، بكل الألم والحسرة، وعندما يجد الجد، يتخلى عنها الشاب السعودي، ويتخلص منها كتخلص الشعرة من العجينة. وتبقى القصة، قصة بنات الرياض، لا ترقى الى قصص فضيلة الفاروق وسلوى ألنعيمي وغيرها من القصص المثيرة لبعض الكاتبات العربيات، من حيث الجرأة والصراحة والشجاعة، لما يدور في المجتمع السعودي، والتي أثارت الكثير من التفاعل والاستهجان والمنع في المجتمع العربي من المحيط الى الخليج.