بدأت مبيعات الرواية العربية تحقق أرقاما قياسية لم يسبق إنجازها من قبل بعد ظهور جيل جديد من الكتاب تتجاوز مبيعات أعمالهم الخمسين ألف نسخة وتبلغ المائة ألف، و أحيانا، المليون نسخة. روائيون جاؤوا من حقول معرفية مختلفة، رجوا بحيرة الثقافة العربية الراكدة و أدخلوها عصر «البيست سيلر» من المتوقع أن تصدر الترجمة الإنجليزية لرواية «عزازيل» ليوسف زيدان مطلع العام المقبل، إضافة إلى اللغة الألمانية والإيطالية و اليونانية و البوسنية و الأندونيسية. و كان الروائي المصري، المتخصص في الفكر الإسلامي و الصوفي ومدير مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، قد صرح بأنه بصدد التفاوض مع دور نشر أخرى لترجمة عمله الروائي إلى عشر لغات أخرى، بعدما حققت روايته نجاحا مدويا داخل المجتمع المصري و العربي أيضا، توّج بفوزها بجائزة البوكر العربية لهذا العام. وكانت الرواية قد تصدرت مبيعات دار «الشروق» المعروفة بعد صدورها مباشرة سنة 2008 و إعاد طبعها منها خمس مرات في عام واحد، وبلغ عدد الطبعات أربع عشرة طبعة سنة 2009، وقد بيع منها أكثر من أربعين ألف نسخة في الأسابيع الأولى من ظهورها. وقد أثارت الرواية منذ نشرها سجالات ساخنة في المجتمع المصري وفي الصحافة المصرية والعربية (روز اليوسف، الحياة، الثورة، السفير، الشرق الأوسط، دبي الثقافية...) كان الأقباط طرفا فيها، بسبب التيمة الرئيسة للرواية التي تتمحور حول الخلافات اللاهوتية المسيحية القديمة والاضطهاد الذي كان يمارسه المسيحيون ضد الوثنيين المصريين حين كانت الديانة المسيحية هي ديانة المجتمع المصري. وتعتبر «عزازيل»، إضافة إلى رواية «شيكاغو» و «عمارة يعقوبيان» و«التاكسي»، وكذا «بنات الرياض» من الروايات الأكثر مقروئية في العالم العربي، إذ تعدت مبيعات بعضها المائة ألف نسخة ووصلت حدود المليون نسخة كما حدث لروايتي «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو»، ولجت الرواية العربية عبرها بوابة «البيست سيلر». في سنة 2006، أصدر علاء الأسواني، طبيب الأسنان و الروائي الأكثر مقروئية في مصر الآن، روايته «شيكاغو»، وفي سنة 2007 طبع منها إحدى عشرة طبعة، وتمت ترجمتها إلى الفرنسية، وقد بيع من الرواية مليون نسخة... إنجاز لم يسبق أن حققه كبار الروائيين العرب أمثال نجيب محفوظ و عبد الرحمن منيف و حنا مينة وإدوارد الخراط، ولم يماثله سوى ما حققته روايته السابقة «عمارة يعقوبيان»، التي أحدثت ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية المصرية. كانت بداية «عمارة يعقوبيان»، التي صدرت أول مرة سنة 2002 عن دار النشر ميريت، ونشرت مسلسلة في «أخبار الأدب»، التي يرأس تحريرها الروائي جمال الغيطاني، متعثرة، لكن فورة الرواية ستتفجر بعد نشرها بدار النشر «الشروق» وتحويلها إلى فيلم سينمائي، أعد له السيناريو وحيد حامد وأخرجه مروان حامد و قام ببطولته عادل إمام ونور الشريف ويسرا وآخرون، وكانت النتيجة أن لامست المبيعات فيما بعد سقف المليون نسخة، وترجمت الرواية إلى تسع عشرة لغة، منها الفرنسية والإيطالية والإنجليزية والعبرية... قطاع التلفزيون لم يسلم هو الآخر من مغناطيس الرواية، إذ تم تحويلها سنة 2007 إلى مسلسل درامي. ترصد رواية «عمارة يعقوبيان» مساحات الجرح و الألم في المجتمع المصري، منذ خمسينيات القرن الماضي إلى أوائل القرن الحالي، عبر شخصيات تتباين أعمارها وطموحاتها ومصائرها، لكنها تتقاسم في الآن نفسه فضاء واحدا هو «عمارة يعقوبيان». وقد وصف الناقد المصري صلاح فضل هذه الرواية بأنها «شهادة شامخة وقاسية عن تحولات المجتمع المصري في العقود الأخيرة». في سنة 2006 أيضا أصدر خالد الخميسي، الصحافي والمنتج و المخرج المصري، مؤلفه «التاكسي».كتاب صعب التصنيف ولا يشير غلافه إلى أي مرجعية تجنيسية، لكن بساطته وتيمته جعلتاه هو الآخر يثير ضجة كبيرة. إذ بعد عام من صدوره عن دار «الشروق» أعيد طبعه خمس مرات، وفي سنة 2008 بلغ عدد طبعاته اثنتا عشرة طبعة، وبيع منه أكثر من 70 ألف نسخة لترسو المبيعات في ما بعد عند حدود المائة ألف نسخة. كما تمت ترجمته إلى الفرنسية.. رقم قياسي بالنسبة إلى أول عمل إبداعي في منطقة تعيش ركودا ثقافيا مزمنا ولا يتعدى سقف مبيعات الكتب فيها خمسة آلاف نسخة ولا تنتج أكثر من 1 في المائة من الكتب سنويا، رغم أن ساكنتها تتجاوز 284 مليون نسمة، حسب التقرير الثاني للتنمية البشرية المنشور من قبل برنامج الأممالمتحدة من أجل التنمية حول «حالة المعرفة في العالم العربي». النجاح المدوي ل«التاكسي» لم يكن الخميسي يتوقع منه أي شيء، حسب ما صرح به لمجلة «جون أفريك» (عدد 2539)، في حوار مقتضب معه، لكنه استدرك في ما بعد بأن النجاح الذي حققه «تاكسيه» أعاد إليه الثقة في الميدان الثقافي. تجاوز المبيعات المائة ألف نسخة أمر غير معتاد و استثنائي في المجتمع المصري و العربي، حسب فاروق مرضام-باي، مدير منشورات السندباد في «أكت سود»، الذي أوضح لمجلة «جون أفريك» أن ذلك لم يحدث حتى بالنسبة إلى نجيب محفوظ. ويربط مدير منشورات السندباد هذه الظاهرة بظهور قراء شباب، مثقفين، يختارون بعناية ما يقرؤونه. كما يربطها بظهور كتاب جدد أمثال علاء الأسواني و يوسف زيدان وخالد الخميسي، إضافة إلى أحمد العيدي وحمدي الجزار و آخرين ، غير منشغلين بالنحت في نصوصهم وإثقالها بالنظريات الأدبية، التي تبعد القراء عنهم، بقدر انشغالهم بهموم المجتمع وإثارة الموضوعات المحرمة داخله وجعل الناس البسطاء والعاديين الأبطال الحقيقيين والفعليين لرواياتهم. خارج مصر، حققت «بنات الرياض» للروائية السعودية الشابة رجاء الصانع نجاحا ملفتا وجدلا كبيرا في الآن نفسه، أدى إلى منعها في السعودية، وقد اتهمت كاتبتها بتشويه صورة المجتمع السعودي وتشويه سمعة بنات الرياض، وطالب البعض بمحاكمتها، كما تلقت تهديدات بالقتل. صدرت الرواية سنة 2005 في لبنان عن دار الساقي، وبعد عام واحد فقط طبعت منها خمس طبعات، وترجمت إلى الإنجليزية سنة 2007، وبيع منها 70 ألف نسخة، في حين ما تزال مبيعات الرواية والأدب بشكل عام في العديد من الدول العربية دون الثلاث آلاف نسخة. في المغرب رفض القاص المغربي أحمد بوزفور سنة 2004 جائزة المغرب للكتاب احتجاجا على تردي الأوضاع الثقافية و الاجتماعية والاقتصادية و السياسية للبلاد، وقال في ختام بيانه: «أخجل في الأخير أن أقبض جائزة على كتاب طبعت منه ألف نسخة، لم أوزع منه في أسواق شعب من ثلاثين مليون نسمة إلا خمسمائة نسخة، وهي ما تزال معروضة لم تنفد رغم مرور أكثر من عامين».