ما الذي جاءت به من جديد، الرواية الأخيرة للروائي الأمريكي الظاهرة، دان براون؟!.. لاشئ، يجمع النقاد، بل إنها تكاد تكرر ذات معطيات روايته السابقة « شفرة دافنتشي»، التي حققت رقم مبيعات غير مسبوق، تجاوز 60 مليون نسخة عبر العالم، بعد ترجمتها إلى أكثر من 40 لغة. ولعل السؤال الذي أقلق الكثيرين، من نقاد الأدب في العالم، وضمنهم نقاد أمريكيون وإنجليز، كتبوا مقالات نقدية في الصفحات الثقافية للجرائد الأمريكية الأكثر انتشارا ( « يوزا توداي» و « واشنطن بوست» )، هو حجم المبيعات القياسية التي حققتها الرواية الجديدة لبراون حتى الآن، وهي رواية «الرمز المفقود»، منذ الأسبوع الأول لصدورها بأمريكا وإنجلترا، في نسختها الإنجليزية. فقد تجاوز رقم مبيعاتها في أسبوع واحد ببريطانيا 550 ألف نسخة، الأمر الذى ضخ في خزينة ناشرى الرواية «براون وراندوم هاوس» ما يفوق 5 ملايين جنيه استرلينى. ولعل المثير، هنا هو تحول الروائي نفسه إلى ناشر، أي أنه أصبح مؤسسة لتحقيق الربح. إن الرواية الجديدة تلك، التى خلفت ردود فعل مختلفة من جانب النقاد، استطاعت أن تبيع أكثر من مليون نسخة فى الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة وكندا فى أول 24 ساعة من طرحها فى مكتبات هذه الدول. وأكدت يومية «الجارديان» البريطانية الرصينة، أن رواية براون استطاعت تحقيق أسرع مبيعات بين كتب الكبار فى التاريخ، سواء بطبعتها الورقية أو حتى النسخة الإلكترونية للرواية التى حققت هى الأخرى أعلى مبيعات بين الكتب المحمّلة على الإنترنت. ومما أكده الناقد أندرى بريدت، الباحث فى مكتب «نيلسين بوك» المتخصص فى تتبع مبيعات الكتب، فى تصريحات نشرتها «الجارديان»: «إنه طالما أننا نقيس مبيعات الكتب، فستظل البريطانية «جى كى رولينج» برائعتها «هارى بوتر» لا تقهر، وذلك ليس فقط بسبب شعبيتها المذهلة التى حققتها هذه الراوية ولكن أيضا لأن هارى بوتر رواية للكبار والصغار معا. وهو الأمر الذى أسهم فى توسيع سوق هذه الرواية، ولكن بالنظر إلى سوق مبيعات الرواية الموجهة للكبار فقط، فنجد أن دان براون هو عملاقها بلا منافس». المثير أيضا، أن مكتبات «واتر ستون» البريطانية الشهيرة، مثلا، كانت قد فتحت أبوابها قبل ساعتين من مواعيدها الرسمية يوم طرح رواية «الرمز المفقود» للبيع ، وذلك لاستقبال طوابير القراء. واعتبر القائمون على هذه المكتبات أن مبيعات هذه الرواية حققت أرقاما استثنائية، الأمر الذي يرفعها إلى درجة الظاهرة الواجبة للدراسة. خاصة أنها أصبحت الأسرع مبيعا لديها، وأكدت «سيمون بورك» وهى مسؤولة المبيعات لدى «واتر ستون» فى تصريحات نقلتها صحيفة «التلغراف» البريطانية: «إن القراء لا يستطيعون مقاومة سحر دان براون الذى أصبحت رواياته الجديدة الأكثر إثارة خلال العقود الأخيرة». المثير، أكثر في هذه الرواية الجديدة، أن تفاصيلها، تؤكد أن الروائي هنا يتحول، من ذات مبدعة إلى مؤسسة للبحث والتنقيب، وسلك السبل الضامنة للربح المادي. ودان براون، كظاهرة، يقدم المثال الأكبر على ذلك، مما يترجم التحولات المتلاحقة في مجال إنتاج القيم عبر العالم اليوم. أي أن اختيار تحقيق الربح والإنتشار، من خلال اعتماد تقنيات الإستهلاك، يضع أسئلة قلق كثيرة حول دور الأدب اليوم وكيفيات إنتاجه وتسويقه. إذ يكفي تتبع تفاصيل الرواية الجديدة لإدراك أن الأمر لا ينتصر للجدة الأدبية، بقدر ما ينتصر للشرط التجاري في حسن الترويج لقصة موضوعها ديني محض، يثير فضول الغالبية من القراء المستهلكين الباحثين عن تفاصيل إثارة. كان مفروضا أن يسمي دان براون روايته الجديدة باسم « مفتاح سليمان»، لكنه غير الإسم إلى «الرمز المفقود»، وتدور أحداث الرواية في العاصمة الأمريكيةواشنطن، والبطل هو ذات بطل روايته السابقة « شفرة دافنتشي» أى « روبرت لانغدون»، وموضوع الرواية هو نفسه في الرواية السابقة تلك أي « الماسونية»، وتبلغ صفحاتها 528 صفحة من القطع الكبير. ومما يؤكده دان براون أنه سلخ خمس سنوات كاملة في كتابة روايته الجديدة «الرمز المفقود»، وأن زوجته كانت سندا كبيرا له في عمليات البحث التاريخية، بحكم تخصصها الفني والتاريخي.!!مع تسجيل معطى أساسي، هو أن موضوع الرواية الذي هو الماسونية له ارتباط وثيق بتاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. لأن رموز هذا « المذهب» ( إذا جاز تسمية ذلك التيار الديني المتطرف ب المذهب) تملأ معالم العاصمة الأمريكية. ومما يؤكد عليه براون بالحرف، أنه: «لست مؤمناً بنظرية المؤامرة»، ويصف نفسه بأنه مجرد كاتب يكتب قصصا، ثم يضيف: «إنني أميل أكثر لكوني مشكاكا، واعتقد أن أهم أسباب نجاح رواياتي هو بأنها مكتوبة من وجهة نظر الشك». علما أن كل رواياته تدور في فلك نظرية المؤامرة وأجهزة المخابرات والمنظمات السرية ( الماسونية، أخوية سيون، الطبقة المستنيرة) وهي جميعها فرق مسيحية معروفة في تاريخ الديانة المسيحية.، ومن يقرأ رواياته يخرج بملاحظة مركزية، هي أن هناك مؤسسة حقيقية للبحث في تاريخ العلوم الدينية والفن. بل إن شخصية «روبرت لانغدون» التي أصبحت الشخصية الأساسية لديه قد ظهرت لأول مرة في روايته «ملائكة وشياطين». وهو باحث متخرج من جامعة هارفرد، بارع في مجال دراسة الرموز الدينية وتحليلها. أما قصة الرواية فإنها تقوم على مبدأ أن أهم معالم واشنطن (كالبيت الأبيض ومبنى الكونغرس والمسلة) قد أقيمت بأماكن كانت قديماً معابد للشيطان، وأن مواقعها على الخريطة تظهر كما لو كانت في رؤوس نجمة خماسية (وهو رمز قديم يستخدم في السحر وله دلالات ماسونية)، ويكفي أن نقول أن العاصمة سميت تيمناً بجورج واشنطن أول رئيس أمريكي (وأحد أبرز الشخصيات في تاريخ الماسونية) . إن الإجماع الذي حققه الروائي الأمريكي دان براون، على مستوى النقد الأدبي الرصين في الجامعات والمجلات والصفحات الثقافية بالعالم، حول كون أعماله لا ترقى إلى المستوى الأدبي الرفيع، لا يقلقه في شئ، بل إنه يكاد لا يعنيه ولا يهتم به. فقد تعامل النقاد دوما مع أعماله السابقة بطريقة سلبية. وحول هذه المسألة قال جيم مكارثي، وهو وكيل أدبي في شركة أمريكية متخصصة: « إن النقد لا يهم»، معتبرا: «أن هذا الكتاب ينأى عن جميع أنواع النقد، لأنه لم تكن هناك سوابق كثيرة لكتب أصابت نجاحا مماثلا لنجاح «شفرة دافنشي»، لذلك فإن «الرمز الضائع» سيبيع نفسه بنفسه، فدرجة الحماس والترقب ستدفع الناس دفعا إلى متاجر الكتب لشراء الرواية الجديدة.» ترجمة رواية «الرمز المفقود» الى العربية الجديد، عربيا، هو صدور الترجمة العربية لهذه الرواية الجديدة لدان براون إلى العربية، مما يترجم قوة المؤسسة الراعية لمثل هذا المشاريع الكتابية « الأدبية». كونها تحرص على تعميم قوة ذلك الحضور، تجاريا، عبر كافة اللغات الحية، التي لها قراء يعدون بالملايين، والذين يشكلون قوة استهلاكية وازنة. الترجمة العربية صدرت عن الدار العربية للعلوم ببيروت، وقامت بترجمتها زينة جابر إدريس. وتدور أحداث الرواية، كما سبق وأكدنا، داخل الولاياتالمتحدة الأميركية، في عالم خفي لا نعرف عنه شيئاً. ومما كتبت يومية « الحياة» اللندنية، أن الروائي «يغوص في هذا الواقع بما تهيأ له من قدرات في السرد، وما توافر له من معلومات خاصة، فينقل حركة أو مسار شخصيات روايته حتى يخالها المرء صورة واقعية لما يحدث خلف الكواليس. هل هي صورة لزمان ولى، أم أنه الحاضر الخفي على العيان، أراد دخوله من خلال شخصية بطل الرواية «روبرت لانغدون» الذي هيأه لدخول ذلك العالم وحفظ أسراره، وقد سماه «المبتدئ». وتبدأ رحلة المبتدئ حين دخوله خانة الهيكل الذي بعث في نفسه الرهبة، فبدأ له المكان أشبه بمعبد من العالم القديم، ولكن الحقيقة لا تزال أغرب. «أنا على بعد بضعة مبان وحسب من البيت الأبيض». هذا البناء الضخم، الواقع في 1733 الشارع السادس عشر شمال غربي واشنطن العاصمة، هو نسخة مطابقة لهيكل بُني قبل الميلاد، هيكل الملك موسولوس، الموسوليوم، مكان يؤخذ إليه المرء بعد الموت. لكن من هو «روبرت لانغدون» وما هي المهمة الموكلة اليه؟ إنه أستاذ علم الرموز في جامعة هارفرد، يستدعيه في اللحظة الأخيرة مجلس المؤسسة السميشونية لإلقاء محاضرة في مبنى الكابيتول والذي هو بمثابة مدينة تحت الأرض. »كان البناء مذهلاً وفوق سطحه، على ارتفاع ثلاثمئة قدم في الهواء تقريباً ينتصب تمثال برونزي للحرية محدقاً الى الظلام وكأنه شبح حارس«. ولكن، وبعد لحظات من وصوله، يتم اكتشاف شيء مثير للاضطراب في وسط قاعة الروتوندا، شيء تم تشفيره على نحو مروّع بخمسة رموز غامضة. عرف لانغدون أنها دعوة قديمة تقود مستلمها الى حكمة باطنية سرية ضائعة. وحين يتعرض مرشد لانغدون الموقر، بيتر سولومون، المحسن والماسوني البارز، الى الخطف، يدرك لانغدون أن أمله الوحيد في انقاذ حياة صديقه هو قبول تلك الدعوة الغامضة، أياً يكن المكان الذي تقود اليه. سرعان ما تجرف الأحداث لانغدون خلف واجهة أهم مدينة تاريخية في أميركا، عبر الحجرات والهياكل والأنفاق السرية الموجودة فيها. وكل ما هو مألوف يتحول الى عالم غامض وسري لماض مخبّأ ببراعة، بدا فيه أن الأسرار الماسونية والاكتشافات غير المسبوقة تقوده الى حقيقة واحدة لا تصدّق». مواصلة أسرار رواية « شفرة دافنتشي» ومما تجدر الإشارة إليه، أن الرواية الجديدة لبراون، هي تتمة، تكاد تكونن مكرورة ومملة، لقوة القصة التي قدمت في روايته السابقة «شفرة دافنشي»، التي كانت قد أثارت ردود فعل عنيفة من قبل الفاتيكان بروما. لقد خاطب الكاردينال تارسيزيو بيرتوني المسيحيين عبر إذاعة الفاتيكان عشية اجتماع عقد في الأسقفية في مدينة جنوة آريطالية، بعد صدور الرواية لأول مرة سنة 2003، قائلا بالحرف: «لا تقرأوا ولا تشتروا شفرة دافنشي». مما أعطاها إشهارا أكبر وأقوى، وجعل الكثيرين يقبلون على شرائها بغاية الإطلاع على أسباب تدخل الفاتيكان لمنعها. ومن المقالات النقدية التي قاربت تلك الرواية، مقالة أدبية أمريكية، اعتبرت أنه « من الصعب تصنيف رواية «شفرة دافنشي» هل هي كتاب أم بحث في تاريخ الكنيسة. وأنه لا يمكن اعتبارها أيضا رواية بوليسية فقط هدفها إمتاع القراء بحبكة بوليسية، بل إنها تتأرجح بين الاثنين. فبراون استند على حبكة بوليسية ليقدم رؤية مغايرة لتاريخ الكنيسة الكاثوليكية غير الرواية المعروفة، مستغلا كل المعطيات والحقائق والأماكن التاريخية من متاحف وكنائس ولوحات فنية ليقدم حبكة شيقة تجعل من قراءة الكتاب متعة حقيقية. ولعل ما طرحته الرواية حول مصير «مريم المجدلية» هو الأكثر إثارة في الموضوع كله. لأنه يقوض أساس الديانة المسيحية في بعدها الكاثوليكي بالكامل، وأن السيد المسيح كانت له سلالة لا تزال متواصلة إلى اليوم. قالو عن روايات براون السابقة «الحصن الرقمي، رواية ذكية تشعرك اثناء قراءتها انك تتابع فيلما سنيمائيا يحبس الانفاس».. (لاري لاسكر، سيناريست أفلام «وور جيمز وسنيكرز») «لا شك ان دان بروان هو احد افضل واذكى الروائيين العالميين واشدهم نبوغا».. (نيلسون دي ميل - كاتب ومؤلف) «مغامرة تحبس الانفاس تعيشها لحظة بلحظة مشوقة وسريعة وذات مستوى مرتفع من الذكاء» .. (جريدة «سان فرانسيسكو كرونايكل»)