من يتابع الحركية السياسية اليوم في المغرب يكتشف أن الشعب المغربي بدأ يخرج من تلك القوقعة الفكرية والسياسية التي عاش داخلها عقودا مضت كانت بمثابة تلك الظلمة التي طال أمدها وغطت سماء المغاربة. ومن يتابع بكل استقلالية هذه الحركية الثقافية التي أصبح يتميز بها الشباب المغربي يخرج بقناعة مفادها أن هذا الشباب لم يكن يعاني الأمية والجهل بالحقوق والواجبات. ولم يكن يتميز باللاوطنية، ولذلك كان من الأولى على الدولة والنخب السياسية المغربية أن تعمل –منذ عقود- على استثمار كل هذه الطاقات الشبابية والاستفادة منها لا تجاهلها ومواجهتها بأقذع النعوت، تارة بالقصور،وتارة باللامبالاة والضياع والانحلال، وهذا ما نتج عنه قطيعة حقيقية بين الأجيال السابقة التي سيطرت على العمل السياسي واحتكرت دون موجب حق . مثل هذه الثقافة التي تشبع بها كل من ينتمي إلى ثقافة الإقصاء ومن ينتسب إلى طبقة سياسية وثقافية تتصف بالعجرفة والكبرياء الزائف، هي التي ساهمت في القضاء على إمكانية خلق دينامية سياسية وثقافية بين كل الأجيال المغربية والتفاعل فيما بينها لتحقيق استقرار سياسي واضح . لقد أبان الشباب المغربي الذي وجد في الخروج إلى الشارع للمطالبة بحقوقه المشروعة والتعبير عن آرائه بكل حرية وبطريقة حضارية الوسيلة الوحيدة لإيصال صوته إلى من يهمهالأمر، وكذلك للتنديد بالفساد الإداري والسياسي والثقافي الذي أغرق المغرب في المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إن هذا الشباب الذي فاجأ الجميع فرض على الآخرين صوته، بل أقنع أول سلطة في البلاد إلى الاستماع إلى مطالبه والنزول عند رغبته، وبذلك، وبفضل هذا الشباب الرائع، عشنا وسنعيش حركية سياسية وثقافية جديدة أحسسنا معه فيها أن الشعب المغربي مازال حيا . وبنفس الحركية خرج الشباب بمدينة الجديدة منذ 20 فبراير إلى غاية كتابة هذه السطور، وأبان عن حضاريته في مطالبه وطريقة احتجاجه، بل وفي تنظيمه المتميز لوقفاته ولمسيراته التي كانت سببا في انضمام الكثيرين بعد اقتناعهم بحضارية حركته ومشروعية مطالبه. إن الشباب اليوم قد تشبع بثقافة الوطنية وبثقافة الدفاع ن قيمه المغربية والحفاظ على سلامة وطنه من الانهيار والتشتت، بل أخرس الكثير من الألسنة التي اتهمته بالعمالة للأجنبي والعدو واتهمته بالقصور والمراهقة، وأظهر أنه أكثر نضجا من هؤلاء الذين اتهموه بكل التهم ووصفوه بكل الصفات التي لم ينجحوا معها في ردعه عن الخروج إلى الشارع أو إسكاته إلى الأبد . وفي الأخير، لابد من وجود سياسة ثابتة تفيد من هذه الحركية الشبابية، وهذه الإرادة المتقدمة عند الشباب المغربي في الإصلاح السياسي والاجتماعي وتطوير البلاد إلى الأفضل، والتقدم بالوطن نحو الأفضل حتى يكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة التي تبني تطورها على أساس الاعتماد على مواردها البشرية والاحتكام إلى الديمقراطية والحكامة في التسيير والتدبير والحكم ....