قال فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة "العدل والإحسان"، إن الجماعة لا ترفض من حيث المبدأ ربط تعديلات مدونة الأسرة بالاتفاقيات الدولية، لكن المشكلة تكمن في حالة تعارض هذه الاتفاقيات مع الأصول والمبادئ الأساسية للدين الإسلامي. وأوضح أرسلان في تصريحات أدلى بها لقناة "الشاهد" التابعة للجماعة، أن ما تكفله هذه الاتفاقيات نفسها، وهو "حق التحفظ"، هو أمر تلجأ إليه جميع البلدان.
وأضاف: "واضعو الاتفاقيات الدولية في مجال تعديل قوانين الأسرة هم الغرب بإيديولوجيات غربية، لكنهم يحاولون إضفاء الصبغة الكونية عليها، ومن ثم يفرضونها علينا". وتابع: "نرحب بالاتفاقيات الدولية ما دامت لا تتعارض مع المبادئ الأساسية. على سبيل المثال، الأسرة في مفهوم الغرب يمكن أن تكون مكونة من ذكر وذكر، أو أنثى مع أنثى، فهل يمكن أن ننخرط في هذا الاتجاه ونتخذه نموذجًا؟". وأكد أرسلان أنه من حق الجميع إبداء الرأي داخل المجتمع، والتعبير عنه والدفاع عنه ومحاولة إقناع الآخرين به بطريقة سلمية وحضارية، مع الاعتراف بحقوق الآخرين. ولكن لا يحق لأحد أن يفرض رأيه على المجتمع إذا رفضه. وشدد على أن من يتهم الجماعة بالتشبث بالميراث الفقهي الذي ظلم المرأة يكون مجانبًا للصواب، لافتًا إلى أن هذا الاتهام لا يمكن أن يوجه إلى الجماعة التي عرفت بانتقادها للجمود على الاجتهادات السابقة والحرفية. وأشار إلى أن هذا التشبث، إذا كان المقصود به التشبث بأصول الدين والتشريع، فهو أمر نعتز به ولا يمكن تجاوزه. أما إذا كان المقصود بالميراث الفقهي اجتهادات الفقهاء لزمانهم، فهذه نحترمها ونقدرها، ولكن اجتهاداتهم تبقى مقيدة بظروفها وزمانها ومكانها وبالوقائع التي وقعت فيها. ونحن نعيش في زمان غير زمانهم وواقع غير واقعهم وأحوال غير أحوالهم. واعتبر أن الاجتهاد يجب أن يكون واسعًا ومتحررًا من كثير من القيود، طالما أنه يبقى داخل النصوص الشرعية والأصول الشرعية. وأشار إلى أن الجماعة لديها لجان وفرق من العلماء والفقهاء والباحثين، رجالًا ونساءً من ذوي الكفاءات العالية، الذين يمكنهم التصدي للاجتهاد وطرح البدائل. وانتقد أرسلان تجزئة موضوع تعديل الأسرة واقتصاره على تحسين بعض النصوص، في حين أن موضوع الأسرة هو موضوع شامل ويجب أن يعالج معالجة شاملة. فتحسين النصوص جيد، ولكن بعد تلك النصوص توجد إدارة تطبقها وتراقبها، وهناك قضاة ينفذونها، وهناك مجتمع ستنزل فيه. فما هي أوضاعه وكيف هو تعليمه وتربيته وعقليته؟ وتساءل عن دور الدولة التي تحاول التهرب من واجباتها وتخفي ذلك خلف ورش التعديل، في حين أننا نتحدث عن الدولة الاجتماعية. وأكد أن الأسباب الأساسية لمشاكل الأسرة هي الفقر والهشاشة وعدم وجود عمل، بالإضافة إلى عدم استقلالية المرأة في دخلها لتحظى بكرامتها وشخصيتها داخل الأسرة. وأوضح أن قضايا التعليم والصحة أساسية في هذا الإطار ضمن مقاربة شاملة للموضوع. واستغرب ما برز إلى السطح في إطار مناقشة إصلاحات مدونة الأسرة من صراع بين الرجل والمرأة والأبناء، ومن يستفيد ومن لا يستفيد، والإرث، وكأن الأسرة حلبة للصراع. في حين أن النهوض بالأسرة وبمصالحها أوسع من ذلك، ويحتاج إلى معالجة داخل إطار عام في المجتمع.