كعادته يفضل عبد الباري الزمزمي أن ينقب عن الفريد في خضم نقاشات ساخنة كنقاش المساواة في الإرث، بحيث يؤكد على اجتهاد في هذا الإطار يخص ابن الإبن، كما يعرج على حكم توريث الخنثى ويقدم حلا من وجهة نظره للمناصفة في هذا الموضوع. تعددت القضايا الفقهية المغيبة والمسكوت عنها في النقاش الذي يظهر بين الفينة والأخرى حول القضايا الحساسة بالمغرب، ولعل التوصية التي خرج بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي تحث على ضرورة المناصفة بين الرجل والمرأة في الإرث، من أبرزها، بالإضافة إلى موضوع الإجهاض السري، والحقوق الفردية للمثليين، وحقوق الأم العازبة. وهي قضايا حساسة في المجتمع المغربي ولها علاقة مباشرة بالدين، إلا أن بعض علماء الشريعة يفضلون السكوت عنها، رافضين فتح باب الاجتهاد حولها، على اعتبار أنها في نظر البعض من القضايا المحسومة بأدلة قطعية لا تحتمل أي اجتهاد. وهو الموقف الذي رفضه عبد الباري الزمزمي، رئيس جمعية فقه النوازل، في اتصال مع "الأيام"، موضحا أن باب الاجتهاد مفتوح حول هذه القضايا الحساسة التي يفتحها المجتمع في كل وقت وحين، ولا يمكنه أن يتوقف، لأن به تتجدد الشريعة وتستمر مع الأجيال، ولا مجال فيه للتضييق، وله حظ من النظر، خصوصا عندما يتم النظر في أدلته، وساعتها إما أن نقبله أو نرفضه، بدل التضييق عليه أو تغييبه. وفي الوقت الذي شدد فيه الزمزمي على أن العديد من القضايا الحساسة كالمناصفة بين الرجل والمرأة في الإرث ليس فيها أي اجتهاد من الناحية الشرعية وحكمها محسوم وأدلتها من القرآن الكريم قطعية ولا تتحمل الاجتهاد ولا التأويل ولا يمكننا أن نتصرف فيها، فإنه بالمقابل من ذلك يعتقد أن قضية الإرث فيها قضايا فقهية مسكوت عنها، ووقع فيها الاجتهاد، كتوريث ابن الابن، الذي كان محروما من الإرث في الفقه الإسلامي، إلى أن تم فتح النقاش حولها وتم الاجتهاد الفقهي وأصبح حينها ابن الإبن يأخذ نصيب أبيه، إذا مات أبوه قبل جده وفقا لما جاءت به التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة .
وفي هذا السياق، اعتبر عبد الباري الزمزمي، رئيس جمعية فقه النوازل، في تصريحه ل "الأيام"، أن المخرج الفقهي من النقاش المجتمعي الذي أثارته توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حول المناصفة بين الرجل والمرأة في الإرث، هو أن يمنح الأب لابنته وابنه عطاء واحدا في حياته وبالتساوي، ولا يترك تركته من بعده لأنها تأخذ مسار الإرث.
وهو المخرج الفقهي الذي يعتقد الزمزمي أنه سيحسم الخلاف حول توصية مجلس اليزمي، على اعتبار أن توجيهات الشريعة الإسلامية واضحة، أمرت بالعدل بين الأبناء في العطاء، معتبرا أن هذا المخرج الفقهي سيتفادى به رد الأحكام الشرعية والطعن في النصوص، لأن المال مال الأب يمكنه التصرف فيه كيف يشاء، يضيف الزمزمي.
ومن القضايا الفقهية المغيبة والمثيرة التي وقفت عليها "الأيام"، قضية توريث المثليين في الإسلام، ففي الوقت الذي نجد فيه أن الشريعة منحتهم حقوقهم كاملة في الإرث، مازال العديد من العلماء يفضلون الصمت والابتعاد عن إقحام أنفسهم في أي نقاش دائر حول هذه الفئة.
إلا أن المثير في هذه القضايا الفقهية المسكوت عنها بالنسبة لهذه الفئة، هو أن الفقه الإسلامي أقر بحقهم في الميراث، فالشاذ جنسيا له الحق في ميراث أبويه أو أي أحد من أقاربه.
وقد أجمع العلماء على أن الخنثى أو الشاذ جنسيا بمصطلح العصر يرث بالإجماع حسب ما يظهر فيه من علامات، إن تبين أنه ذكر ورث ميراث الذكر وإن تبين أنه أنثى ورث ميراثها.
وأوضحت العديد من هذه الآراء الفقهية التي وقفت عليها "الأيام" أن الذكورة والأنوثة تتبين عند المثليين جنسيا بظهور علامات كل من الذكورة أو الأنوثة، وهي قبل البلوغ تعرف بالبول، فإن بال بالعضو المخصوص بالذكر فهو ذكر، وإن بال بالعضو المخصوص بالأنثى فهو أنثى، وإن بال منهما كان الحكم للأسبق، وبعد البلوغ إن نبتت له لحية أو أتى النساء أو احتلم كما يحتلم الرجال فهو ذكر، وإن ظهر له ثدي كثدي المرأة أو دُرَّ له لبن أو حاض أو حبل فهو أنثى، وهو في هاتين الحالتين يقال له خنثى غير مشكل. وتشير هذه الآراء الفقهية كذلك إلى أنه في حالة لم يعرف أذكر هو أم أنثى، ولم تظهر علامة من العلامات أو ظهرت وتعارضت، فهو الخنثى المشكل، وقد اختلف الفقهاء في حكمه من حيث نصيبه في الميراث.
فهذا الجزء من النقاشات الفقهية المغيبة والتي ترجع أساسا إلى عدم قدرة العلماء على اقتحام باب الاجتهاد في قضايا يعتبر البعض أنها ممنوع الاقتراب منها، يعتقد الفقيه عبد الباري الزمزمي، في حديثه مع "الأيام"، راجع بالأساس إلى مشكل فردي عند الفقهاء والعلماء الذين ليست لهم القدرة على الاجتهاد، على اعتبار أن النظر الفقهي في القضايا الحساسة في المجتمع يظل اجتهادا مفتوحا من حق أي عالم أن يثيره، يضيف الزمزمي، وخاصة في النصوص غير القطعية.