خرج الناطق الرسمي للحكومة لكي يعلٌّق فشل التصدي لمرض الحصبة في بداياته على مشجب تراجع معدلات التلقيح بسبب جائحة كوفيد، ولم يقف عند هذا الحدّ بل حمّل المسؤولية كذلك في هذا الوضع الذي نعيشه اليوم لما وصفه ب «المعلومات المضللة» التي تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يُفهم من كلام ممثل الحكومة على أن هذه النتيجة هي حتمية ومن المسلّمات، والتي كان «المواطنون» سببا مباشرا فيها! بايتاس، لم يتحدث ولو بشكل نسبي، عن مسؤولية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في هذا الأمر، لم يوضح للمغاربة أين كانت مديرية الأوبئة؟ وكيف «غافلت» الحالات الأولى في أكادير وتارودانت نظام اليقظة الوبائية، ولم يتم «رصدها»؟ وما الذي قام به مدير الأوبئة، الذي هوّن في وقت سابق من جائحة كوفيد وصرّح بأن الوضع عادٍ ولن يكون هناك «طايح أكثر من النايض»، لكن الأيام اللاحقة كذّبت هذا التصريح، وعشنا حجرا صحيا وأزمة امتدت تداعياتها لتشمل كل المجالات، وها هو اليوم يكتفي بالخروج لكي يقدن بعض الأرقام ويعلن لنا بأننا نعيش حالة وباء مع بوحمرون؟ لم يفصح الناطق الرسمي بالحكومة عن أسباب هذه الأزمة الصحية التي تسببت فيها الحصبة، ولم ينقل الخطوات التي تم القيام بها لتطويق المرض حتى لا ينتشر، ولم يشر قبل ذلك إلى العمل الذي من المفروض أن يكون قد تم القيام به من خلال الاطلاع على سجلات التلقيح في المراكز الصحية للوقوف على عدد «المتغيبين»، بما أن الكل كان يعلم بأن الأوضاع التي تسبب فيها «كوفيد» قد حجّمت من عدد الملقّحين، لأنه لو تم القيام بذلك فعلا لأمكن التواصل مع الأسر المعنية من أجل دعوتها لتلقيح فلذات أكبادها، كما كانت تقوم بذلك «جيوش» الممرضين والممرضات في المداشر والبوادي والجبال قبل سنوات للوصول حقا إلى تغطية تلقيحية بنسبة 95 في المئة فما فوق. بايتاس تغافل عن دور الحكومة ككل في ما آلت إليه أوضاع القطاع الصحي العمومي، وكيف أدى إغلاق أبواب الحوار أولا، ثم والتراجع ثانيا عن تنفيذ الالتزامات والوعود وترجمة محضر اتفاق يوليو نموذجا، إلى اندلاع موجة من الاحتجاجات واستمرار الإضرابات المتعاقبة، وبالتالي إلى شلّ عجلة التلقيح، باستثناء ما قام به عدد من الشرفاء، إناثا وذكورا، الذين استبدلوا الاثنين والخميس، موعد التلقيح الأسبوعي في المراكز الصحية الأولية، بيوم الجمعة، وهي الخطوة التي كانت من منطلق غيرة البعض على مهنتهم وخوفهم على صحة أطفال المغاربة، والتي للأسف لم يتم تعميمها، لأن أسرا كثيرة كانت تجد أبواب المراكز المغلقة، واقتنعت أمام ذلك بأن قطار «اللقاح» قد فات صغارهم! صحيح أن المعلومات المغلوطة والشائعات تؤثر بعض الشيء في الناس، لكن ما الذي قامت به الحكومة عامة والقطاع الوصي على الصحة خصوصا لتبديد المخاوف ولتعزيز الثقة؟ أين هم خبراء وزارة الصحة والحماية الاجتماعية الذين يجب أن يخرجوا جميعهم، كل من موقعه والمسؤولية التي يتحملها والخبرة التي راكمها للتواصل والحديث مع عموم المواطنات والمواطنين، وارتباطا بهذا الأمر ألا يعلم بايتاس بأن عددا من الذين يروجون لفكرة مقاطعة التلقيح، ليسوا فقط «مؤثرين» بل منهم أطباء كذلك، وبالتالي وجب مواجهة «الحجة» بالحجة، وتوضيح كيف أن اللقاح المستعمل ضد بوحمرون قد حقق تراكما زمنيا كبيرا ولسنوات، وكيف أنه ساهم في العالم بأسره وفي المغرب في مواجهة الحصبة وكبح جماح هذا المرض وتقليص أعداد الإصابات به، والأهم هو الحفاظ على الأرواح. إن نقاشا من هذا القبيل، تحضر فيه الموضوعية، ويتأسس على تحمل المسؤولية ومحاسبة كل تهاون وتراخٍ قد يسفر عن وفاة ولو مواطن واحد، صغيرا كان أو كبيرا، ويتحدث خلاله العالمون بالأمور، بشكل بعيد كل البعد عن الخرجات «الكلاسيكية» والخطابات «الجافة»، هو وحده الذي يمكنه أن يعيد قطار التلقيح إلى سكته، وأن يساهم في الحفاظ على الصحة العامة للمغاربة، وأن يمكّن من استرجاع الثقة المفتقدة، حتى بين أوساط الشغيلة الصحية نفسها والوزارة الوصية على القطاع، فبوحمرون نموذجا، لم ينتشر فجأة وبدون سابق إشعار، بل كانت هناك مؤشرات واضحة على ذلك، لكن عطبا وقع في مكان ما، كان على بايتاس والحكومة التي ينطق باسمها أن ينكبوا جميعا على البحث عن أسبابه، حتى لا نعيش غدا وباء يتعلق بمرض آخر!