تحوّلت لوس أنجلس، مدينة الأحلام، في لحظة مأساوية إلى لوحة من الرماد والنيران، وكأنها تعيش لحظتها الثمودية المعاصرة. بعد ساعات من تهديد دونالد ترامب بجعل الشرق الأوسط جحيمًا، اجتاحت حرائق غير مسبوقة جنوب كاليفورنيا، مُدمِّرة آلاف المنازل ومساحات شاسعة من الأرض. هذا المشهد الكارثي لم يكن مجرد ظاهرة بيئية؛ بل هو تجلٍّ لجدلية فلسفية ودينية عميقة، حيث تصطدم إرادة القوة البشرية بسنن الله الكونية. النار و الريح في النصوص القرآنية، أدوات من أدوات العقاب الإلهي. قال تعالى: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" (فصلت: 16). وفي سياق قوم ثمود، قال سبحانه: "فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا، فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا" (الشمس: 13-14). هذه الآيات تذكّرنا بأن النيران التي اجتاحت هوليوود ليست مجرد كارثة طبيعية؛ بل تجسيدٌ لمفهوم العدالة الإلاهية ، حيث يعمل الكون وفق نظام إلهي متوازن يعاقب الطغاة ويعيد التوازن. كما وصف نيتشه في إرادة القوة، يسعى الإنسان دومًا للسيطرة على الطبيعة، متجاهلًا محدوديته ككائن خاضع لسنن الله. الحضارة التي سعت لغزو الفضاء وبناء ناطحات السحاب تقف اليوم عاجزة أمام قوة بسيطة كالنار والريح. هذا التصادم بين العقل الأداتي، الذي انتقده أدورنو وهوركهايمر، والطبيعة كفاعل مستقل، يُعيدنا إلى الديالكتيك الهيغلي: أطروحة الهيمنة البشرية تقابلها نقيضها، انتقام الطبيعة، ليظهر تركيب جديد يذكّر الإنسان بمكانته الحقيقية في الكون. أثارت هذه الحرائق تساؤلات عميقة على المستوى الإنساني والديني، حيث ربطها البعض بالمآسي التي تعيشها غزة تحت وطأة الغطرسة العسكرية والسياسية. قال الله تعالى: "وَكَذَٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" (هود: 102). النار التي اجتاحت هوليوود، رمز القوة الثقافية والسياسية، بدت كأنها صدى لمعاناة الأبرياء في أماكن أخرى من العالم، حيث العدالة الإلهية تعيد موازين القوة حين يختل التوازن. النار ليست مجرد عنصر مدمر، بل هي رمز للتطهير والتحول، كما أشار هايدغر في أنطولوجيا الوجود. في الإسلام، النار أداة للتذكير بعاقبة الطغيان، ووسيلة لإعادة التوازن. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته"، وهذه الحرائق تبدو كأنها جزء من هذا الإمساك الإلهي الذي يعيد الأمور إلى نصابها. في ظل هذه الكارثة، تتجلى دعوة صريحة للعودة إلى الله. قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم: 41). الريح والنار، كجند من جنود الله، تذكّران الإنسان بأن الغطرسة والطغيان مصيرهما الفناء. في النهاية، تبقى ثمود هوليود درسًا وجوديًا ودينيًا عميقًا. النار التي تأكل الطغاة كما تأكل الحطب هي رسالة إلهية مفادها أن التوازن لا يتحقق إلا حين يتواضع الإنسان أمام عظمة الخالق. وبينما تنطفئ ألسنة اللهب، يبقى السؤال مطروحًا: هل سيتعلم الإنسان أن القوة الحقيقية تكمن في الخضوع لله واحترام سننه، أم سيظل أسيرًا لوهم السيطرة حتى يحترق مجددًا؟