أثارت اللقاءات التواصلية التي قدمت خلالها المقترحات الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة تساؤلات جوهرية، سواء على مستوى المنطلقات والشكل أو على مستوى طبيعة التعديلات المقترحة، حيث تم تقديم 17 مقترحا للمراجعة بناء على ما اعتبره العلماء مقبولا أو مرفوضا مع اقتراح بدائل أو رفض مطلق لبعض النقاط، مما أدى إلى غموض كبير يحيط بمشروع المراجعة. وأوضحت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، أن هذا الأداء يعكس غياب توجه سياسي وأوضح بشأن مسألة أساسية تؤثر بشكل عميق على وضع ملايين النساء والفتيات داخل الأسر والمجتمع، كما أظهرت المقترحات المطروحة نقصا كبيرا في الانسجام والرؤية الشمولية للتحديات المتعلقة بتحرر النساء بدلا من تقديم رؤية واضحة للرأي العام، وفتح الأسلوب التواصلي الباب أمام مواقف متسرعة ومبسطة وغير متناسقة. مما ساهم هذا الأسلوب في انتشار قراءات رجعية عززتها وسائل التواصل الاجتماعي في ظل توجه محافظ وثقافة أبوية مهيمنة، تبرر غالبا تحت غطاء الدفاع عن الدين الإسلامي. وأشارت الجمعية في بلاغ توصلت "رسالة24″ بنسخة منه، أن اللقاء التقديمي افتقر إلى معالجة السؤال المحوري: ما الغاية من الإصلاح؟، كما أغفل إبراز المبادئ والأطر المرجعية التي استندت إليها المقترحات، خصوصا تلك المتعلقة بالمساواة والعدالة بما يتماشى مع الدستور والإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب كما تجاهلت المقترحات أهمية الاجتهاد الفقهي كأداة تحليلية توازن بين مقاصد الشريعة ومتطلبات العصر بعد استبعاد المجلس العلمي الأعلى أهم المطالب التي قدمتها الحركة النسائية وحقوق الإنسان،" مثل مذكرة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، التي اقترحت بدائل موجودة أصلا ضمن الإطار القانوني والممارسات الاجتماعية على سبيل المثال، تستخدم "الهبة" لمعالجة مطالب متعلقة بإلغاء التعصيب وتوزيع التركة بالتساوي بين الأبناء والبنات. لكن هذه الحلول لا تقدم بديلا شاملا وعادلا للمآسي الاجتماعية الناتجة عن التعصيب ومنع التوارث بين الأزواج من ديانات مختلفة." وترى الجمعية الديمقراطية، أن البدائل التي اقترحها المجلس العلمي الأعلى ليست فعالة ولا عادلة فعلى سبيل المثال، السماح بتعدد الزوجات في حالات استثنائية يثير تساؤلات حول قدرة القاضي على تقييم "أداء" المرأة لواجباتها الزوجية أما رفض الاعتماد على الخبرة الجينية كدليل للنسب، فيتعارض مع الدستور واتفاقية حقوق الطفل، ويكرس التمييز ضد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج بدلا من مواجهة أوجه عدم المساواة الهيكلية تظهر التعديلات المقترحة نقصا في الإرادة السياسية لمواجهة تحديات العصر كما تعكس التعديلات رغبة في الحفاظ على الوضع الراهن بدلا من تقديم حلول قانونية حقيقية تعالج مشاكل الملايين من النساء والأطفال. على سبيل المثال، لم يسجل أي موقف استنكاري أو إدانة علنية لانتهاكات الأحكام القرآنية المتعلقة بالإرث، كما هو الحال في الوقف الذري أو القوانين المنظمة للأراضي الجماعية. وأوضحت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن المراجعة "الجديدة" تم تصورها ضمن إطار محدود لا يتعدى عموما "تعديلات بسيطة" وهي تعديلات لا ترقى إلى مستوى مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الأسر والنساء اليوم، كما أنها منفصلة عن الديناميات الديمقراطية المعلنة والخطاب المتعلق بحقوق الإنسان. وأكدت الجمعية أن هذه المراجعة تتماشى أكثر مع منطق التوافق المحافظ بدلا من السير قدما وبالجرأة الكافية نحو تطوير تشريع يلائم طبيعة العلاقات الجديدة داخل الأسر، وهي بذلك تنتصر للحفاظ على "الوضع الراهن" بدلا من تمكين المغربيات والمغاربة وخاصة الأجيال الصاعدة من استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة خلال العقود المقبلة. وتابعت، إن الدعوة الملكية لتجديد البحث الفقهي لمواكبة تطورات الأسرة المغربية تمثل دعوة إلى تحمل المسؤولية. لتحقيق قيمة مضافة حقيقية يجب أن تكون المراجعة المقترحة جريئة وشاملة قادرة على استشراف مستقبل أكثر عدالة ومساواة للأجيال القادمة فبدون هذه الجرأة سيظل التشريع الأسري في المغرب مجرد انعكاس للتوازنات الاجتماعية والسياسية، بدلا من أن يكون أداة لتحقيق تطلعات مجتمع ديناميكي ومتطور.