في مواجهة المثقّفين المقتنعين بالتحديث مع قضية التعصيب كما يفهمها الفقهاء، انتصرت الاستشارة المطلوبة من لجنة المدوّنة للفقيه على حساب المثقّف من المحقّق أن أهمّ ما يحدث نجاح إشكاليٌّ في استنبات الإصلاح في حقل ألغام، إذ تلتقي (أو تتصادم) القطعيات الدينية مع ضرورات التحديث والعدالة الاجتماعية. وحيث النصّ الفقهي يخضع لامتحان المصلحة الدنيوية، وتخضع القناعات المجتمعية لاختبار العيش الهادئ مع النصوص الفقهية. هذا الموضوع ربّما برز بشكل كبير في مواجهة المثقّفين المقتنعين بالتحديث مع قضية التعصيب كما يفهمها الفقهاء. وقد انتصرت الاستشارة المطلوبة من لجنة المدوّنة للفقيه على حساب المثقّف. تعود القضية إلى أربع سنوات خلت، عندما وقَّع أزيد من مائة مثقّف مغربي على نداء من أجل إلغاء التعصيب. والتعصيب كما هو معروف في نظام الإرث، إحدى طرق توزيع التركة على الورثة، ولا سيّما الأعمام في حال عدم وجود أبناءٍ ذكورٍ وبوجود إناث فقط. وكان الموضوع قد حظي بتعبئة ما لا يقل عن عشرة آلاف توقيع للتحسيس بالقضية، واعتمد الموقّعون في الدفاع عن إلغاء هذا الاقتسام على ما يتم تسجيله من "عنف أحياناً، حتى قبل الدفن خلال فترات الحداد والألم، بسبب أن الوارثين بالتعصيب يطالبون بحصصهم من الممتلكات والأثاث والهدايا التذكارية، أو يجبرون النساء الثكلى على بيع منزل أسرتهن"، واحدةً من الأثافي التي رُصِدت، معتبرين أن "حكم التعصيب اجتهاد وليس أحكاماً قرآنية"، حتى إن بعض الفرق الإسلامية لا تطبّقه ولا تعترف به. المثقّفون، ومنهم حداثيون وبعض المنتمين إلى التيّار الوطني المتنوّر، وكتّاب وباحثون وغيرهم، اعتبروا التعصيب "قاعدةً ظالمةً"، مضيفين أن "اليتيمات اللواتي ليس لهن أشقاء عليهن، بحسب قاعدة التعصيب، تقاسم الإرث مع أقرب الذكور إلى المتوفّى، حتى إن كانوا مجهولين، ولم يسبق لهم الاتصال بالأسرة". وبالرغم من أن الحقائق الإحصائية والمونوغرافيا السوسيولوجية تثبت أن الخريطة الأسرية تغيّرت، وحقائق الواقع استنبتت معطياتٍ جديدة لم يسبق لها أن زعزعت المجتمع المغربي، فإن الدعوة لم تلقَ الاستجابة من اللجنة المكلّفة، واحتفظت بالتعصيب طريقةً في اقتسام الإرث. وهو ما حسم النقاش، مرحلياً لفائدة الفقيه على حساب المثقّف. انتهى نشر في العربي الجديد الثلاثاء 31 دجنبر 2024