لم يكن البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية هو المرة الأولى التي يكون المغرب فيها موضوع حدث ديبلوماسي مع مجيء الوزير الجديد ماركو روبيو، حيث سبق لهذا الأخير أن عبر عن رؤيته تجاه المغرب مؤكدا تفرده وأهميته في التموقع الدولي إقليميا وعالميا، كما سبق له أثناء تنصيبه أن جعل من المغرب نموذجا في منطقته. هو البيان الأول مع ذلك، الذي يصدر بخصوص بلادنا، في ولاية ترامب الجديدة، وفيه احتلت قضايا السلام والأمن ثلاثة أرباع البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، عقب محادثة هاتفية أجراها رئيسها ماركو روبيو مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة. أما الربع الأخير فقد تضمن الحديث عن منافع الشراكة الثنائية من جهة المبادلات التجارية والاستثمارات. ويستفاد من هيمنة البعد الجيو أمني في المنطقة، وفي العالم، أن المرحلة المقبلة سيغلب عليها هذا البعد، بشكل مهيمن، ولأن المغرب مدعو، كدولة فاعلة، إلى لعب دوره في ترتيبات ما سيقع في الشرق الأوسط، وهي مسألة ليست بالهينة نظرا لأرقام المعادلة التي أفرزتها التطورات التي أعقبت الحرب. .أولا: ربطت الديبلوماسية الأمريكية بين دور جلالة الملك وبين »أهمية الشراكة الاستراتيجية بين المغرب والولاياتالمتحدة لفائدة السلام والأمن الإقليميين والدوليين».مما يكشف تطلعات القوة العظمى إلى دور الملك في الترتيبات القادمة، في منطقة تتسع لتشمل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باعتبارها الإقليم الجيو سياسي للمغرب، ومجال التحرك الحيوي للديبلوماسية الأمريكية في الأفق المنظور. ثانيا: في التفاصيل، المستعجلة والمحكومة بالمديين القريب والمتوسط، نجد : تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة. الإفراج عن الرهائن. ثم التنصيص الواضح على ريادة مغربية في إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، ولعل مساهمة المغرب على هذا المستوى ستكون مطلوبة، كما سيكون مطلوبا منه المساهمة في الشق الأول من اتفاق وقف إطلاق النار. ثالثا: لهذه المرحلة ما بعدها، ويتعلق الأمر بالبعد الاستراتيجي، ونعني به، كما هو وارد في بيان الخارجية، وضع حد للنزاعات، ولا سيما ما له علاقة باتفاقيات أبراهام. وبالرغم من أن المغرب لا يعتبر الاتفاق الثلاثي من طبيعة اتفاقيات أبراهام، يبدو أن المرحلة المقبلة ستضع هذه الاتفاقيات على طاولة المفاوضات، تنفيذا أو تأسيسيا أو توسعيا… ومن الواضح أن النقط المذكورة هنا، تتقاطع مع مواقف المغرب المعبر عنها طوال النزاع والحرب الوحشية ضد المدنيين، على اعتبار أن وقف إطلاق النار قد تحقق كما كان المغرب يدعو إلى ذلك، وبقيت تفاصيل تنفيذه ومتابعة الجزء المتعلق بالرهائن والأسرى، باعتباره عربون نجاح مسلسل الهدنة. ليس سرا أن هناك تخوفات كبيرة تخص المرحلة التي تعقب 42 يوما الأولى في اتفاق الهدنة .. ولعل عناصر القلق لا تقف عند رفض بعض مكونات الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا لبنوده ومخرجاته، بل تتعداه إلى ما جاء على لسان الإدارة الأمريكية نفسها. أولا : بين سيل المراسيم التي وقعها الرئيس الأمريكي الجديد بعد تنصيبه، مرسوم إنهاء العقوبات التي فرضها سلفه جو بايدن على المستوطنين المتهمين بممارسة أعمال عنف ضد فلسطينيين… هو قرار كان بالغ التأثير على الفلسطينيين.. ثانيا: تصريح دونالد ترامب بأنه »يود أن يرى الأردن ومصر ودولا عربية أخرى، تزيد من استقبالها للاجئين من قطاع غزة، وذلك لتطهير غزة بعد الحرب. وهو ما يزيد من تعقد الوضع، وتغيير قواعد الاشتباك السياسي في المنطقة، وسعي كل طرف إلى ترجيح كفة النتائج لجهته، وهوالشيء الذي سيضاعف من صعوبة أي دور مغربي مفترض. سيحتاج الفلسطينيون أكثر من غيرهم صوت المغرب، الذي يحظى بأسبقية أمريكية في العلاقات، كما يظهر من الدور الذي تتطلع أمريكا أن يلعبه المغرب إلى جانبها في المنطقة، وهي تمتد من شمال إفريقيا ( والساحل ) إلى بحر غزة . في الشرق الأوسط حيث للمغرب أدوار وتاريخ، لا بد من استحضار الحقائق كما هي، ومن ذلك أن الملك يدرك أن القدر الجغرافي والسياسي جعل الشمال الإفريقي يبنى على ضوء تقلبات الشرق الأوسط . والعكس صحيح، ولهذا كان قد ربط بينهما في الرسالة التي وجهها إلى دونالد ترامب عند فوزه، وشدد على العلاقات الأمريكية المغربية » وتعزيز دورها في دعم السلام والأمن والرخاء في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وخارجها«. ماركو روبيو، الذي وقع البيان، يتحرك حاليا، بعد مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكي، بالإجماع، على تعيينه وزيرا للخارجية، ما يضع السيناتور، الذي يتمتع بشعبية بين زملائه في المجلس، على الجبهة الأمامية لسياسات الرئيس دونالد ترامب، وهو سبق له أن حدد طبيعة نظرته إلى أدوار المغرب التي يتوقعها. فقد سبق له، في تصريح جديد أدلى به خلال اجتماع للكونغرس الأمريكي، أن قال إن «المغرب يمثل نموذجا يُحتذى به للدول الإفريقية الأخرى في عدة مجالات، أبرزها التنمية الاقتصادية، الاستقرار السياسي، ومحاربة الإرهاب». وشدد على أن «ما حققه المغرب يظهر أن الإرادة السياسية والرؤية الاستراتيجية يمكن أن تحدث فرقًا كبيرا في تحسين حياة المواطنين وتعزيز مكانة الدول على الساحة الدولية». وهنا نصل إلى النقطة الأخيرة في شبكة قراءة البيان الأمريكي، الذي يقول في نهايته إن البلدين يشددان »على أهمية تعزيز المبادلات التجارية والاستثمارات بينهما، بما يخدم مصالح الشعبين«. بالنسبة لدولة بنت كل توجهاتها الاقتصادية على الحمائية، العدوانية أحيانا، إزاء كل الشركاء بمن فيهم كبارهم مثل الاتحاد الأوروبي، تبدو الفقرة الأخيرة استثنائية، بل مغايرة تماما. حيث تعد الولاياتالمتحدة بلعب دور في المبادلات التجارية والاستثمارات. وهو أمر هام للغاية.. لا سيما في التراب الجنوبي للمغرب.