لم يمر غياب جميع وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار، باستثناء كاتبة الدولة المكلفة بالسياحة، عن اجتماع المجلس الحكومي دون إثارة مجموعة من التساؤلات بسبب حقيقة هذا الغياب وإن كان هناك قرار مقاطعة أشغال المجلس الحكومي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية كرد فعل على التصريحات الأخيرة لعبد الإله بنكيران والتي مست التجمع الوطني للأحرار في شخص رئيسه عزيز أخنوش. مصادر متطابقة اعتبرت أن غياب هؤلاء الوزراء مرتبط فقط بوجود بعضهم خارج أرض الوطن في مهام رسمية وأن معظم وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار خارج الوطن، فعزيز أخنوش يتواجد في ألمانيا من أجل حضور فعاليات المعرض الفلاحي، فيما وزير المالية يوجد في الإمارات، أما وزير العدل محمد أوجار فيوجد بالكويت، في حين تتواجد الوزيرة المنتدبة مباركة بوعيدة في اليابان، واعتذار الطالبي العلمي مسبقا لالتزامات خاصة. فيما بدا أن غياب وزير الصناعة والتجارة غير مرتبط أيضا بأي قرار يقضي بمقاطعة مجلس الحكومة. لكن المتتبعين للشأن السياسي بالمغرب اعتبروا هذا الغياب رسالة موجهة لسعد الدين العثماني رئيس الحكومة، بالرغم من أن المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي اجتمع مؤخرا لم يتخذ أي قرار في هذا الشأن والدليل على ذلك أن وزراء الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حلفاء حزب الأحرار، حضروا أشغال المجلس الحكومي. هي إذن حركة احتجاجية مقنعة لا يمكن لأي محلل سياسي ألا يلتقطها وربطها بتحركات سعد الدين العثماني الأخيرة لاحتواء الأزمة داخل الأغلبية ولعل آخر هذه التحركات، الاجتماع المرتقب لأحزاب الأغلبية في منزل الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الاجتماع الذي ينتظر أن يتناول تماسك الأغلبية ومصداقية الأغلبية، خاصة أن الجميع يدرك أن حزب العدالة والتنمية بعد المؤتمر الأخير وتولي سعد الدين العثماني منصب الأمانة العامة، أصبح يتبنى خطابا مزدوجا في العلاقة مع الحلفاء الحكوميين. فهناك الموقف المعلن الداعم للحكومة ولمكوناتها و الذي يمثله التيار الداعم للعثماني من داخل الأجهزة بقيادة وزراء الحزب، والموقف المضمر الذي يشوش على العمل الحكومي ويحاول تبخيس الأغلبية وهذا التيار يقوده بنكيران وغالبيته من خارج الأجهزة، فمثل هذه الخرجات يمكن ان تهدد التحالف الحكومي وهو ما يسعى إليه بنكيران. حزب التجمع الوطني للأحرار فيما يبدو أنه أدرك أن الوقت قد حان للمعاملة بالمثل وأن على أمين عام العدالة والتنمية تبني موقف صارم اتجاه الخرجات الشعبوية لبنكيران وأنه لا مجال للازدواجية في الخطاب السياسي بين معلن ومضمر وبالتالي فالالتزام الحزبي أمر واجب والا فالتحالفات ستصبح رهينة مزاجية البعض وشعبوية البعض الآخر. وهذا ما يفسر هذا التغيب اليوم وإن كان ينظر له البعض على أنه مبرر، إلا أنه في الواقع تعيب في إطار توزيع الأدوار وإلا فكيف يمكن تفسير غياب وزير الصناعة والتجارة ، واعتذار وزير الشباب والرياضة بالرغم من أن مجلس الحكومة كان مبرمجا فيه من قبل ، حسب بلاغ لرئاسة الحكومة، عرضا حول معطيات ترشيح المملكة المغربية لتنظيم كأس العالم 2026 ومساهمة الأطراف المعنية كان الوزيران سيقدمان بشأنه عرضا كل على حدة. هو وضع سياسي جديد، فبعد أن شرع عزيز أخنوش في تنزيل رؤيته للتنظيم الحزبي داخل التجمع الوطني للأحرار من خلال هيكلة تنظيمية وقطاعية في أفق الاستحقاقات القادمة، أراد أن يبين للحليف الحكومي أن زمن الاستقواء بالشعبوية قد ولى وأن على حزب العدالة والتنمية أن يحسم في مسألة التحالفات والخطابات في آن واحد بعيدا عن الازدواجية التي طبعت العمل الحكومي خلال فترة عبد الاله بنكيران، فازدواجية الخطاب سياسة ينهجها حزب العدالة والتنمية بشكل متعمد لأنها تخدم مصالحه في الانتخابات. ويرى متتبعون أن حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة أخنوش، أصبح يشكل عقدة لحزب العدالة والتنمية مما جعل الحزب يطلب من العدالة والتنمية أن يحدد موقفه إن كان داخل الحكومة أم خارجها، فهو لديه ازدواجية المواقف، فهو يدبر الحكومة ويتبنى خطاب المظلومية، ضاربين مثالا على ذلك بتصويت الحزب ضد الحكومة على قانون المجلس الوطني لحقوق الإنسان. فنحن الآن أمام مرحلة جديدة من شد الحبل لابد أنها ستطغى على المشهد السياسي بالمغرب ومن خلاله على العمل الحكومي خاصة وأن رسالة الغياب عن أشغال المجلس الحكومي اليوم هي مجرد جس نبض سعد الدين العثماني وعلاقته بأجهزته الحزبية أم أن الأمر يتعلق بعملية مدروسة لتوزيع الأدوار بين » الإخوان » للتهييء للانتخابات القادمة ببرنامج انتخابي شعاره المظلومية وهو مافطن إليه عزيز أخنوش فكانت تحركاته لهيكلة الحزب جهويا قبل الانتقال الى مواجهة مباشرة مع تيار اتخد من الغموض والازدواجية منطلقا لعمله الحكومي.