يتصادف الدخول السياسي والبرلماني، الممثل في دورة أبريل لهاته السنة، مع حدث وطني ودولي استثنائي، ويتعلق بالجدل حول نسب التضخم والقدرة الشرائية للمواطنين، والذي يتطلب من جانبه إعادة تدقيق أدوار المؤسسات الدستورية على مستوى تأطير النقاش العمومي المرتبط به ورفع كفاءته ومستواه العام، ليشمل النقاش والحوار داخل المؤسسات المؤهلة بطبيعتها لاحتضانه، وعلى رأسها المؤسسة البرلمانية. وإذا كان الدخول البرلماني يترافق في العادة مع قضايا وطنية أو دولية تستأثر باهتمام الرأي العام، فإن حجم الحدث الوطني المتمثل في تضارب مواقف عدد من مؤسسات الدولة حول بنية التضخم وآثاره يتعين أن يجعل من المؤسسة البرلمانية فضاءً ملائما لتأطير النقاش العمومي ولتداول مواقف هاته المؤسسات، كما يتزامن هاته السنة مع دخول النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب حيز التطبيق بعد إجازته من المحكمة الدستورية قبل بضعة أسابيع. ويتضمن النص الجديد مجالات ومقتضيات ذات أهمية بالغة على هذا المستوى، خاصة ما يتعلق ضمنه بترشيد العمل البرلماني، وتوجيه الجهد المؤسساتي لتأطير النقاش العمومي وتتبع وتقييم السياسات العمومية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين. فقد شكلت محطة مراجعة النظام الداخلي لمجلس النواب خلال الأشهر الماضية حدثا استثنائيا لم يحظى بالاهتمام اللازم من قبل الباحثين والأكاديميين والرأي العام الوطني، وذلك على الرغم من أهمية المستجدات التي عرفها على مستوى الاجتهاد المرتبط بتنزيل أحكام الدستور، وبوضع قواعد العمل البرلماني، وكذا بترشيد الجهد التشريعي عبر وضع قواعد جديدة لتدبير المساطر التشريعية وتطبيق عدد من أحكام الدستور التي بقيت معطلة منذ أزيد من عقد من الزمن. فممارسة السلطة التشريعية تعد من أهم الأحكام الواردة في دستور 2011 وفي النظام الداخلي لكل من مجلسي البرلمان. فالفصول المرتبطة بهذا المجال تتعلق أساسا بالمساطر التشريعية، بدءا من المبادرات، ومرورا بكيفية التداول والمناقشة والتعديل، ووصولا إلى القواعد العامة المرتبطة بخصوصية القوانين التنظيمية. وإذا كانت الوثيقة الدستورية منسجمة في بنائها، وفي منهجية وتراتبية أحكامها الواردة بشكل خاص في الفصل 70، فإن وظائف المؤسسة التشريعية تتعدى المهام التقليدية التي كانت سابقا، لتشمل وظائف جديدة تتعلق بتقييم السياسات العمومية والتقييم المتعلق بالمالية العامة، وهي مجالات قد تعطي قوة سياسية ومؤسساتية أكبر للمؤسسة البرلمانية إذا ما تم ترشيد الزمن البرلماني وجعلها ضمن المهام الرئيسية، وهو ما أكد عليه النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، والذي تمكن لأول مرة في التاريخ من تدقيق وتوضيح للوظيفة التشريعية للمجلس، وضبط عدد من أسس ممارسة وظيفة مراقبة العمل الحكومي، وحرص على إيراد عدد من التعريفات المرتبطة بوظيفة تقييم السياسات العمومية، وهو ما يمثل نقلة نوعية في طبيعة ومضامين هاته الوثيقة. كما وضع هذا النظام قواعد قانونية واضحة لتنزيل أحكام الدستور على مستوى سهر المؤسسة التسريعية على توازن مالية الدولة، وهي المرة الأولى التي نجد فيها مثل هاته المقتضيات التي أجازتها المحكمة الدستورية في قرارها الأخير تحت رقم 209-23 بتاريخ فاتح مارس 2023. وعلى الرغم من أن القرار المذكور قد صرح بعدم دستورية عدد من مواد النظام الداخلي لمجلس النواب (7 مواد فقط من أصل 408 مادة)، فإن تناول المحكمة الدستورية لباقي المواد، والتصريح بدستورية عدد منها مع الأخذ بعين الاعتبار لملاحظاتها، قد سمح لمجلس النواب بإرساء قواعد جديدة ذات أهمية بالغة تتعلق بترشيد الزمن التشريعي، وبتحديد طرق تنزيل عدد من أحكام الدستور، سواء فيما يتعلق بتقييم السياسات العمومية، أو بالتعامل مع مقترحات القوانين، أو بتطبيق أحكام الفصل 77 من الدستور والمرتبطة بالدفع بعدم القبول المالي. أولا: ترشيد الجهد التشريعي للبرلمان: عادة ما كان يثار الجدل بخصوص ضعف الأداء التشريعي للمؤسسة البرلمانية، والتي يتم الخلط من خلالها بين المبادرة الاقتراحية لأعضاء مجلس النواب والوظيفة التشريعية الأساسية للبرلمان. وإذا كانت المبادرة التشريعية للحكومة تبقى هي الأصل في منظومتنا الدستورية، وهو ما يفسر العدد الكبير لمشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة ويتم التصويت عليها مقارنة بالعدد الضئيل لمقترحات القوانين، فإن هذا التباين كان يؤدي في الغالب لتحريف النقاش ولتبخيس الجهد البرلماني على المستوى التشريعي، والذي يركز بالأساس على دراسة وتمحيص النصوص التشريعية وتقديم للتعديلات والتصويت عليها. فالمشرع الدستوري هنا جعل الدور الأساسي للبرلمان يكمن في "التصويت على القوانين" بكل ما يحمله ذلك من وظائف ترتبط بالمسطرة التشريعية على المستوى البرلماني، دون أن يعني ذلك بالضرورة عدم اختصاصه بتقديم المبادرات التشريعية التي تعتبر استثناء، وينظم الدستور نفسه طرق تقديم المبادرات التشريعية للبرلمان، كما يحدد بالمقابل الحالات التي لا يحق فيها للبرلمان تقديم مقترحات القوانين. فالتصويت هنا لا يعتبر مجرد آلية تقنية أو إجراء شكلي وروتيني كما قد يتبادر للذهن، وإنما يعكس مختلف المراحل التي ترتبط بالمسطرة التشريعية على المستوى البرلماني من دراسة ومناقشة وتقديم التعديلات للتصويت عليها، ثم التصويت على المبادرة التشريعية في عمومها. بل إن تقديم التعديلات يعتبر في حد ذاته نوعا من المبادرة التشريعية التي منحها الدستور للبرلمان والحكومة على حد سواء بموجب الفصل 83 من الدستور. فدور البرلمان في أساسه الديمقراطي يقوم على إجازة المشاريع التي تقترحها الحكومة حتى يكون لديها الحق في تنفيذها. والأصل أن المبادرة التشريعية تكون بيد الحكومة، فهي التي تعد البرنامج الحكومي وتقدمه للبرلمان للتصويت عليه من أجل تنصيبها، وهي التي تدبر الشأن العام، وتستجمع المعطيات المتعلقة بحاجيات المواطنين والقطاعات التدبيرية والمؤسسات العمومية وتصيغها في شكل مشاريع قوانين أو سياسات عمومية. ويمكن التنويه هنا بأن استحضار النظام الداخلي لعدد من القواعد المؤطرة لتقديم مقترحات القوانين، ولاعتمادها وتمحيصها، إنما ينسجم مع روح ونص دستور 2011، ومع منطق الاختصاص البرلماني على المستوى التشريعي. ولأول مرة في التاريخ نجد آلية برلمانية داخلية لتدقيق مضامين وشكليات تقديم مقترحات القوانين، وهو ما من شأنه تحويل النقاش من المنطق الكمي الخاطئ إلى المنطق الكيفي الصحيح. فقد نصت المادة 191 من النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب على أن مكتب المجلس يعقد اجتماعا كل شهر على الأقل يخصص لدراسة مواضيع مقترحات القوانين المحالة عليه من قبل أعضاء المجلس. كما نصت نفس المادة على أن المكتب يحق له تمحيص التوازن المالي لمقترحات القوانين أو مطابقتها لمجال القانون المحدد في الفصل 71 من الدستور، بحيث يقوم بإشعار صاحب كل مقترح يمس بتوازن مالية الدولة، أو لا يندرج في مجالات التشريع المحددة بفصول الدستور، وذلك من أجل سحبه أو إعادة صياغته وفق أحكام الدستور ومقتضيات القانون التنظيمي للمالية. وهاته المقتضيات ذات أهمية بالغة، باعتبارها تحرص من جهة على ضمان التنزيل السليم لأحكام الدستور على مستوى المبادرة التشريعية المخولة للبرلمان، ومن جهة ثانية تتضمن آليات فعالة لترشيد الجهد التشريعي وضمان نجاعته وفعاليته. وبالمقابل تضمن النظام الداخلي بصيغته الجديدة مقتضيات أخرى تمنع إهدار الزمن البرلماني في شكليات غير ذات جدوى سياسية، تتعلق بطرق تقديم التعديلات على مشاريع قوانين المالية السنوية، والتي كانت تستنفد جهدا تشريعيا هائلا دون أية جدوى حقيقية في السابق. فقد نصت المادة 240 على تحديد مسبق للمدة الزمنية المخصصة لتقديم التعديلات المقترحة على مشروع قانون المالية الذي تجري مناقشته بالجلسة العامة، وقد كانت هاته العملية تستنزف جهدا برلمانيا هائلا بدون أي أثر حقيقي على مصالح المواطنين أو جودة التشريعات. ثانيا: تقييم أثر العمل البرلماني: إن تنصيص النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب على آلية للتقييم الذاتي يعتبر في حد ذاته أحد أهم أدوات ترشيد العمل البرلماني، على اعتبار أن التقييم الذاتي يسمح من جهة بتقييم داخلي لطرق استعمال الجهد التشريعي، ومن جهة أخرى سيمكّن من صياغة مبادرات فعالة وناجعة لتطوير الأداء البرلماني. فقد تضمنت المادتين 143 و144 إمكانية تشكيل مكتب مجلس النواب لمجموعة عمل موضوعاتية مؤقتة، وذلك عند مستهل دورة أبريل من كل سنة تشريعية، من أجل إجراء تقييم ذاتي لحصيلة المجلس وأدائه في المجالات المرتبطة بالتشريع والمراقبة وتقييم السياسات العمومية والديبلوماسية البرلمانية، وهو ما يمثل ثورة حقيقية على مستوى التدبير الداخلي للمؤسسة البرلمانية، خاصة وأن هاته الآلية ستسمح باقتراح البدائل من أجل الرقي بالعمل البرلماني. ونتمنى أن ينحو مجلس المستشارين بدوره هذا المنحى، وذلك من أجل ضمان نفس الفعالية والنجاعة في ترشيد الجهد التشريعي بشكل متوازن ومتوازي بين مجلسي البرلمان، خاصة وأن جزءا من الانتقاد الموجه لهذا المجلس يرتبط بمدى مساهمته الفعلية في تجويد النصوص التشريعية وفي مراقبة العمل الحكومي، ومدى قدرته الفعلية على تتبع وتقييم السياسات العمومية. ثالثا: تدقيق وظيفة تقييم السياسات العمومية: تعتبر وظيفة مناقشة وتقييم السياسات العمومية ذات أهمية بالغة، باعتبارها آلية دراسة وتحليل نتائج وآثار السياسات والبرامج الحكومية على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، ومدى قدرتها على تحقيق أهدافها، إضافة إلى تقييم مدى فعالية ونجاعة إجراءاتها مقارنة مع كلفتها المالية. ويعتبر تنصيص النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب على تعريف قانوني للسياسات العمومية بمثابة جرعة كبيرة من الجرأة السياسية والمؤسساتية التي يتعين التنويه بها، خاصة وأن صياغة التعريفات القانونية مغامرة قد لا تجرؤ بعض المؤسسات على الاقتراب منها. غير أن ما أقدم عليه مجلس النواب في نظامه الداخلي الجديد يعد خطوة جد إيجابية في مسار إرساء قواعد واضحة لتقييم السياسات العمومية، على اعتبار أن الإشكال المنهجي الذي كان مطروحا في السابق يتعلق في جزء كبير منه بماهية ومضمون السياسات العمومية موضوع هذا التقييم. وبالتالي فقد نصت المادة 324 على تعريف قانوني للسياسات العمومية، باعتبارها مقاربة تعتمد الحكامة في تدبير الشأن العام، تتخذها السلطات العمومية بهدف معالجة وحل مشكلة قائمة أو الاستجابة لتحديات راهنة أو مستقبلية، والتي تتخذ شكل مشروع أو برنامج مندمج يتضمن الإمكانيات والاعتمادات المخصصة له، والإطار التشريعي المؤطر له، والسلطات أو المؤسسات المكلفة بتنفيذه والفئات المستهدفة به، وذلك في إطار مجموعة متناسقة من التدابير والعمليات تقرن بها أهداف محددة ومؤشرات مرقمة لقياس النتائج المخطط لها. ويمكن القول بأن هذا التعريف يتجاوز بكثير ما جاء في القانون التنظيمي لقانون المالية، والذي اقتصر على إيراد تعريفات قانونية للبرامج والمشاريع والعمليات، في حين أن تعريف السياسة العمومية كان يعتبر إشكالا في حد ذاته على مستوى ضبط وظائف إعداد وتنفيذ وتتبع وتقييم السياسات العمومية بالمغرب. ويمكن بمقابل ذلك التنويه بمحاولة مجلس النواب إيراد تعريف قانوني للسياسة العامة أيضا، إذ على الرغم من أن المحكمة الدستورية صرحت بعدم دستوريته، إلا أنها ربطت مخالفته للدستور بالمستوى الذي تتخذه الساسة العامة والتي تتجاوز اختصاصات المؤسسة البرلمانية، وليس بالضرورة بمضمون التعريف الذي يبقى اجتهادا ذا أهمية بالغة في حد ذاته. رابعا: دور البرلمان في ضمان توازن مالية الدولة: إن هذا المقتضى كان دائما ما يرتبط بالفيتو الحكومي على التعديلات أو الاقتراحات المقدمة من قبل الفرق البرلمانية، والتي تمس بتوازن مالية الدولة، ويكاد ترسخ في ذهن الرأي العام على أنه اختصاص حكومي صرف، في حين أن هاته المسؤولية تبقى متقاسمة بين البرلمان والحكومة بموجب أحكام الدستور، وخاصة في الفصل 77 الذي تؤكد على حرص البرلمان والحكومة على توازن مالية الدولة، وعلى رفض كل مقترح يمس بهاته القاعدة الدستورية. غير أن الممارسة السابقة لعقود كانت تجعل تطبيق أحكام هذا الفصل محتكرة من قبل الحكومة بمناسبة البت والتصويت على التعديلات المدخلة على مشاريع قوانين المالية السنوية. وعلى هذا الأساس يتعين التنويه بتنصيص النظام الداخلي لمجلس النواب في صيغته الحالية على آلية جديدة لتنزيل أحكام الدستور على هذا المستوى، بحيث نصت المادة 191 على عقد مكتب مجلس النواب اجتماعات خاصة بتدقيق مضامين مقترحات القوانين، وسلوك مسطرة خاصة بخصوص المبادرات التي تمس مالية الدولة. وهو ما سيمكّن البرلمان من ممارسة اختصاصه كاملا على مستوى الدفع بعدم القبول المالي، والذي لا يقتصر على التعديلات على مشاريع قوانين المالية السنوية، وإنما تطال أيضا مقترحات القوانين. إن ترشيد العمل البرلماني، وضمان نجاعته وكفاءته، كانت دائما ما يثير نقاشا واسعا سواء داخل هياكل المؤسسة البرلمانية ذاتها، أو على مستوى الرأي العام الوطني. وبالتالي فإن تنصيص النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب على أدوات ومساطر وآليات جديد لترشيد الزمن التشريعي، وضمان تقييم فعلي لأثر الجهد البرلماني، أهم ما يميز الدخول البرلماني الحالي في دورة الربيع، والذي يتزامن مع تحديات اقتصادية واجتماعية كبرى تواجهها بلادنا، وتتطلب من المؤسسة البرلمانية أن تكون في صلب النقاش العمومي المرتبط بها. خامسا: الأدوار غير المسطرية للبرلمان: إن ممارسة السلطة التشريعية لا تقتصر بالضرورة على الأدوار والوظائف المسطرية التقليدية التي ترتبط عادة بمهام المؤسسة البرلمانية، من تشريع ومراقبة للعمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، وإنما تمتد لوظائف أخرى ذات أهمية بالغة في ضمان انسجام عمل وأدوار مؤسسات الدولة وتكاملها وتوازنها، أو على مستوى التواصل مع الرأي العام واستيعاب متطلباته، ثم التعاون والعلاقات مع المؤسسات الوطنية والدولية المهتمة بالعمل البرلماني أو المرتبطة بمجالاته. وإذا كانت أحكام الدستور تنص صراحة على مجموعة من المهام المخولة بشكل صريح لمجلسي البرلمان، فإن أحكاما أخرى تفسح المجال بشكل صريح أو ضمني لمجلس النواب للمشاركة في عمل ونشاط عدد من المجالات المتقاطعة معه، أو المساهمة بشكل رسمي ضمن عدد من المؤسسات الدستورية الأخرى، أو الانفتاح على المواطنين وعلى جمعيات المجتمع المدني. وقد حرص النظام الداخلي الجديد على تفصيل طرق اشتغال مجلس النواب على هاته المستويات، كما عمل على تدقيق مجموعة من الإجراءات المرتبطة بهذه الأدوار غير المسطرية. وتعتبر العلاقة مع السلطة القضائية، ومع المجلس الأعلى للحسابات، ثم مع هيآت الحكامة ومؤسسات الضبط والتقنين أحد المجالات ذات الأهمية على هذا المستوى، إذ حرصت المادة 354 من النظام الداخلي الجديد للمجلس على ضبط آليات تقديم التقارير السنوية الصادية عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وهو ما سمح بتدقيق هذا المجال ومعالجة الجدل الذي كان يثار بهذا الخصوص، وحرصت هاته المقتضيات على تطبيق قرار سابق للمحكمة الدستورية بهذا الخصوص. وأكدت هذه المقتضيات على تصحيح عدد من المغالطات التي كانت مثار جدل في السابق، وهو نفس المسار الذي سارت عليه المادة 380 بخصوص عرض ومناقشة تقارير المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والتي أجازتها المحكمة الدستورية، مؤكدة خلال قرارها على أن مناقشة هاته التقارير لا ترتبط بأي حال من الأحوال بضرورة حضور رئيس المجلس المعني بهذا التقرير. وبمقابل ذلك، يتضمن النظام الداخلي عددا من المقتضيات الأخرى التي تتعلق بالعاقة مع هيآت الحكامة والضبط والتقنين وحقوق الإنسان، وكلها مؤسسات دستورية ذات وزن هام في بنية الدولة، ويرتبط معها البرلمان بعلاقة بنيوية ووظيفية في إطار مبدأ تكامل السلط والمؤسسات الدستورية وتعاونها. ويتجلى هذا التكامل والتعاون فيما تنص عليه النصوص التشريعية المنظمة لهاته المؤسسات الدستورية، والتي تضمن التمثيلية الرسمية للمؤسسة البرلمانية ضمن الفئات الممثلة ضمنها، على الرغم من أن العضوية في بعض منها تتنافى مع استمرار العضوية في مجلسي البرلمان. ويتعلق الأمر هنا بمؤسسات ذات أهمية بالغة مثل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، ثم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومجلس المنافسة، والهيأة المكلفة بالمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة والمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي... ومن جانب آخر، تعتبر الأدوار التواصلية مع الرأي العام والمجتمع المدني والدبلوماسية البرلمانية من بين المجالات التي تندرج بدورها في إطار المهام غير المسطرية للبرلمان المغربي ،والتي حرص النظام الداخلي الجديد على تجويد القواعد المؤطرة لها لضمان نجاعتها وفعاليتها ،خاصة في ظل الحاجة الملحة توسيع دائرة استقطاب النقاش العمومي داخل المؤسسة البرلمانية، إضافة إلى ضمان انفتاح أكثر لمجلس النواب على محيطه، وخاصة على مستوى مراكز الأبحاث والدراسات والمؤسسات الجامعية وهيآت المجتمع المدني.