إننا في العشرية الثالثة من القرن الواحد والعشرين وقضية المرأة في مجتمعنا ما تزال تشكل تحديا كبيرا أمام حركات المجتمع، وما تزال النخب السياسية والثقافية على اختلاف مستوياتها لم تتمكن من جعل المرأة رهانا تنتصر فيه العقلانية على الجهالة والحداثة على التقليد حتى يبرز التغيير داخل البنيات الاجتماعية التي تعاند التحول والتجاوز. كلما تعلق الأمر بالتغيير والتحديث أو التقليد إلا وطرحت مكانة المرأة ودورها في الدفع بالمجهودات التحديثية إلى الأمام أو العكس من ذلك أي الوقوف أمامها وعرقلة مسيرتها. وإذا كانت المرأة في الغرب استطاعت توجيه نقد صارم لمؤسسة الزواج و للعائلة وللفروق المفروضة بين الجنسين، وتمكنت من إعادة النظر في الاختلافات الجنسية وفي حدود الحقوق المسموح لها بها، فإن المرأة عندنا ما تزال تركز في مطالبها على المساواة مع الرجل وتصطدم بالخلفيات والقيم الأخلاقية التي تنظر إلى تحرير المرأة نظرة تشكيكية وانتقاصية. إن دولنا ومجتمعاتنا في هذا الأمر غالبا ما تتخذ مواقف غامضة في سياساتها "النسوية" لذلك فإنها حين تؤسس لتنمية اجتماعية وبشرية –اذا حصلت فعلا- فإنها لا تمس وضعية المرأة أو تدمجها في المجهود التغييري العام. ولهذا أخذت قضية المرأة في مجتمعنا أبعادا اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية ودينية حملت في جزء كبير منها نظرة عدائية لما بات يسمى منذ فترة طويلة ب"المجتمع الذكوري"، وربما يمكن فهم ذلك المنحى بالعودة الى التراكمات المريرة والظروف الخاصة التي مرت بها المرأة لقرون عديدة ساهمت الى حد بعيد في ردود فعل عكسية أدت إلى ظهور "نظريات نسوية" دمغت الحركات النسائية بطابع خاص. ومن بين الانطباعات الخاطئة التي تم ترويجها من طرف عدد من الحركات "النسوية" آثر الإسلام على مكانة المرأة دونما التمييز بين الظواهر الاجتماعية وتحليل جذورها (الحجاب –مثلا- كنتاج لنظام القرابة في فترة من التاريخ القديم) واحكام الشريعة الاسلامية ومقاصدها. ان حديث "المناصرين" في مسألة حقوق المرأة والمنتسبين المتشددين- نسويا- في هذه الجمعيات والمنظمات إنما يحاولون سلب هؤلاء النساء حق التحدث عن انفسهن تماما كما تفعل السلطات الدينية والسياسية، وهذا لن يؤدي بأي حال الى تغيير احوال مجتمعنا بل على العكس، هذه التصورات "النسوية" قد تفرز حركات مناهضة لحقوق المرأة وقد تحول عن مقصدها وتفرغ من مضمونها في ظل استمرار الصراع ضد العولمة الرأسمالية في صورتيه الثقافية والايديولوجية، وأكثر من ذلك تصبح مطالب المرأة في مجتمعاتنا ذاتها مرفوضة من قبل جهات وأطراف ومنظمات لها توجهات ومرجعيات مغايرة بدعوى ان تيار المناصرة "للتغريب"(تتبنى المقاربات الفلسفية الغربية ..وتطرح قضايا ذات طبيعة إيديولوجية تستجيب لتوجهات القائمين عليها، وليس لحاجيات واقعية تراعي خصوصية المجتمع المغربي المسلم وتركيبته الاجتماعية ..مما سيؤدي إلى بث الاضطراب في العلاقات داخل الأسرة المغربية...) حركة التوحيد والاصلاح – موقفنا مما سمي "خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" ص33 كانت "خطة العمل الوطنية لإدماج المرأة في التنمية" في عهد حكومة التناوب السياسي الاولى سببا في نشوب معارك سياسية وثقافية وايديولوجية بين "قوى" التغيير والحداثة و"قوى" المحافظة والتقليد أحدثت ردود فعل قوية وكبيرة في الشارع (احتجاجات – مسيرات مؤيدة ومناهضة) وخلقت ردودا قوية في مواقف عدد من المؤسسات والمنظمات ذات الصلة بالشأن الديني والأسرة والمجتمع(رابطة علماء المغرب – علماء خريجو دار الحديث الحسنية- الهيئة الوطنية لعدول المغرب..) اتهمت فيها هذه الخطة ومن صاغوا بنودها بتغييب العلماء وفقهاء الشريعة، وباعتماد المرجعيات الدولية في جوانبها المصادمة للشريعة الإسلامية من خلال الاتكاء والاستناد على مقررات المؤتمرات الدولية مثل مؤتمرات نيروبي وبيكين وكوبنهاجن، وذلك ل( اجل صياغة المجتمعات الانسانية على النمط الغربي المفلس في المجال الاسري واختراق النظام الاجتماعي الإسلامي الذي تضطلع فيه الاسرة بمكانة مركزية) نفس المرجع السابق ص:10 أما الطرف المساند للخطة المتعارض سياسيا وثقافيا مع الطرف الأول، فينفي عن الخطة الوطنية اهمال او اقصاء ثوابت احكام الشريعة الاسلامية في مجال الاسرة، او اتباع سبيل الدعوة الى الاباحية ونشر الفساد، او تهديد السلم الاجتماعي، او نشر افكار و معتقدات معادية للإسلام والشريعة. وإنما يعتقدون أن مطلبهم وغايتهم من الخطة هو الكشف عن الاوضاع الاجتماعية والإنسانية للمرأة والطفل حتى يمكن معالجتها في مجتمع يعاني الفقر والتسلط. اذن نحن امام تيارين او اتجاهين متعارضين سياسيا وثقافيا، الأول يستخدم المفاهيم الدينية كما لو كانت مجرد نتاج ثقافي جامد ودون أن يرى ثمة تغيرات في استخدام تلك المفاهيم. اما الثاني فتفوح من خطاباته و نظرياته رائحة الأنثروبولوجيا الغربية التي تنظر الى نسائنا من زاوية غرائبية، وكلاهما يعيشان غربة المكان والزمان، الاول يشيد بالماضي دون الاشارة الى مآسيه، والثاني يشيد بنموذج الآخر دون التعرض لسيطرته وهيمنته، وكلاهما يبكيان واقع المرأة ولا يعرفان من سرق انسانيتها، أو كما قال الحسن البصري أثناء إلقاء موعظة دينية على طائفة من الناس المعجبين به، فرأى عيونهم تذرف الدمع فقال ( كلكم تبكون الإسلام، فمن سرق المصحف؟) وهكذا فكلنا نبكي المرأة ولا نعلم من سرق انسانيتها؟؟ لقد جاء الإسلام واتى الوحي لتحرير الانسان من ظلم المستبدين والجبابرة وقهر الطبيعة والاستسلام لها، وأول من انضم إلى الإسلام العبيد والفقراء والمضطهدون والمنبوذون، وان الاوان ان نشرع ونبحث في معتقداتنا بعقل مفتوح حتى نبين ما هو مفيد وباعث على التقدم، وما يعتبر من قبيل الزائف البالي والضار بالمجتمع وبالناس علينا إزالته، والعقل صنو الاجتهاد ويسميه حامد الغزالي دليل العقل والمصلحة وفي النهاية هو أساس التشريع.(حسن حنفي) إن على العلماء والفقهاء وكل المشتغلين في الحقل الديني وحتى "المندسين" في طائفتهم أن يحترسوا من سوء استخدام الاستشهاد بالدين، فالدين( محطم أصنام، وليس صنما يقيدنا، والعقل المؤمن مبدع ومجدد وليس حبيس ألفاظ دون معان ) حسن حنفي وفي نهاية حياتها ها هي فاطمة المرنيسي المنظرة الحداثية والباحثة المتخصصة بموضوعات المرأة في التراث الإسلامي وفي الواقع المعاصر، تمارس حق الاجتهاد، اي تقوم بمقابلة النصوص الدينية مع الواقع المتغير عن طريق اعادة التفسير و التأويل دفاعا عن مصلحة الناس او دفاعا عن جنسها، والمصلحة كما يقال اساس التشريع تقول الكاتبة المرنيسي(ان الاوان لكي نشرع في وضع تاريخ المسلمين، وان نذهب ابعد من اسلام الخليفة او الرئيس ..وان نتجاوز اسلام السادة وعلينا من اجل ذلك ان نخترق مناطق المستنقعات المظلمة ...على ان نعيد للمسلم انسانيته العظيمة) فاطمة المرنيسي – سلطانات منسيات – ص127 ان أقصى واقسى ما يصيب الأمة هو أن ينصب بعض علمائها من انفسهم اوصياء عليها باسم العلم في الظاهر ودفاعا عن الجاه والسلطان في الحقيقة، اوان يتحول العلماء الى قضاة يحاكمون كل اجتهاد ويقفون له بالمرصاد. الفقهاء حين يجتهدون أو يؤولون النصوص لرأيهم فهذا الراي قد يعبر عن مصلحتهم الخاصة أو مصلحة الطبقة التي ينتمون اليها او مصلحة الحكام الذين يوظفونهم. إننا حين نتجرأ في مناقشة قضايا الاختلاط –الحجاب–السفور- تعدد الزوجات- الزواج "السياحي"- الطلاق العشوائي.. وغيرها علينا ان نناقش كل هذا بالعقل، وكل ما قد نصل اليه بعقولنا واجتهادنا لا يتناقض مع فهمنا المتجدد للدين، والحوار بين الفقهاء والعلمانيين اجدى للطرفين من الحوار المغلق بين الفقهاء ( فالملحد يشحذ عقل الفقيه ويقابل قصور ايمانه بما قد يوفره من طمأنينة نفس بينما حوار الفقيه مع الفقيه سرعان ما يتحول الى مزايدة تنتهي بالنصر للأكثر حماسة وتشددا) حسن حنفي. لقد قبل القدماء الاختلاف وناقشوا الزنادقة وردوا على الفرق دون منع او مقاضاة لذلك أسسوا علم الاختلاف والتعارض و التراجيح مادامت الغاية هو البحث عن الحق وليس المزايدة فيه. هناك نقطة اعتراض لابد من فهمها، فدراسة الاسلام كنصوص وتشريعات وعقائد وكمجموعة من الظواهر الاجتماعية يتطلب منا التسلح بمنهج إسلامي اصيل اتبعه علماء أصول الفقه، حيث هناك فرق بين أصول الدين الذي يدرس العقيدة، وعلم اصول الفقه الذي يقنن الشريعة في زمان ومكان معينين، العلم الاول للنظر والعلم الثاني للعمل، النظر ثابت والعمل متغير، التوحيد واحد والشرائع متباينة... وغاية الشريعة الاسلامية تقوم على جلب المنافع ودرء المضار. ان دراسة اوضاع المرأة والرجل او مؤسسة الزواج الشرعي غالبا ما يتم تفسيرها كظواهر مستحدثة في المجتمع لكن لا يوازيها مواكبة متطورة او مجتهدة للنصوص الدينية والفقهية خصوصا، كما ان عددا من الفتاوي التي تصدر عبر مؤسسات شرعية رسمية، او عبر وسائل التواصل الاجتماعي غالبا ما تكون افتراضية خالصة تدل على اغتراب الفقيه عن واقعه في حين ان كل عصر له اجتهاده طبقا لظروفه ورعاية لمصالحه، والمصالح تتغير بتغير الازمان. ان دور الفقيه المستنير هو الاجتهاد بالقضاء على كل الترهات السخيفة والاساطير والخرافات التي تبحث لها عن شرعية دينية وفي الخيال الشعبي، كاعتبار(المرأة رمز الخطيئة واللعنة ورمز للفتنة وتحريرها مؤامرة استعمارية). ان الاخطر هو ان نحجب العقل والفكر والنظر ونمتنع عن الاجتهاد، فقد يختلف الفقهاء والعلماء وقد يتفقوا في تعليل ظاهرة من الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالمرأة او بأوضاعها و لكن الاجتهاد حق للجميع، واختلاف الائمة رحمة بينهم، فللمخطئ اجر وللمصيب اجران. الشريعة الاسلامية هي أكثر الشرائع السماوية عدلا وانصافا للإنسان، فآدم يعني الانسان (ادمي) بصرف النظر عن المذكر والمؤنث، والرجل والمرأة من نفس واحدة فلا توجد اولوية خاصة في الخلق للمذكر على الانثى، وأنصف الإسلام المرأة في كل القضايا التي تهم حياتها ومصيرها كقضايا الزواج –الطلاق- القوامة – العمل – الانجاب – الملكية – الارث حيث ان مكانة المرأة لا تتغير مع زوجها، فهي لا تحمل اسم زوجها، ولها الحق في ادارة شؤون املاكها، ولم يكن من داع ابدا لسن قانون لملكية المرأة اذ انه لا يمكن حرمانها من وصية زوجها او ابيها، فالشريعة تنص على حقها في نصيب من ممتلكات زوجها او ابيها وتكون املاكها تحت تصرفها.. اليوم يفتح النقاش من جديد عن واقع المرأة المغربية، وعن وضعية الاسرة عامة باعتبارها مؤسسة اجتماعية قائمة على ميثاق شرعي غليظ، لذا فالأمر يتطلب مشاركة الجميع دولة واحزابا وجمعيات علمية وقضائية وغيرها فهي الدرع الواقي لحقوق المواطنين رجالا ونساء. * أ- هي مؤسسات ومنظمات وهيئات عليها مسؤولية الكشف عن وضع المرأة المغربية وعن معاناتها من التهميش والاقصاء، وهذا عمل انساني مشترك، وجهد اجتماعي يبدله كل أفراد المجتمع من أجل تحقيق تنمية شاملة للإنسان المغربي رجلا كان أو امرأة، وعلينا ان لا نعتبر اوضاع نسائنا من قبيل الأسرار ولا من قبيل الطابوهات المحرمة، كما لا يمكننا الهروب بمشاكل نسائنا نحو المؤتمرات العالمية لتقوية الرأي العام الداخلي استنادا الى الرأي العام الخارجي. * ب- علينا أن نناقش قضايا المرأة المغربية بلا قيود وبلا ادعاء، وعلينا رد الاعتبار لها باعتبارها إنسانا وليس باعتبارها امرأة. * ج- ان قانون الأحوال الشخصية أو مدونة الأسرة تعبر عن الأوضاع الاجتماعية لكل عصر وتتغير بتغيرها والمصلحة هي أساس التشريع، مما يفرض الإسراع بإعادة تجديد النصوص القانونية وتكييفها مع الواقع الجديد، إن المحاكم ممتلئة بملفات قضائية لنساء يطالبن بحقوقهن وحقوق اطفالهن، غير أن سلطة القضاء عاجزة عن مسايرة سريعة والبث العاجل في كل هذه الملفات المتراكمة بوتيرة ضخمة، أما الفقهاء فغائبون إلا في منصات التواصل الاجتماعي !!! * د- علينا بفتح باب الاجتهاد من جديد درءا للمفاسد، وجلبا للمصالح، ودفاعا عن المرأة كإنسان . * ج- علينا بالاعتدال وعلينا بالأخلاق الإسلامية الحميدة مستنيرين بالوحي وبالرسالة السماوية والشريعة المحمدية الحنيفة وليس انحرافا عنهما.