تشكل عملية تفكيك خلية إرهابية بتاريخ 25 يناير 2025 بمدينة حد السوالم المغربية من طرف المكتب المركزي للأبحاث القضائية، المعروف اختصارًا ب "البسيج"، حلقة أخرى من مسلسل مكافحة الإرهاب والتطرف الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا الضوابط اللغوية أو العرقية أو الدينية. وتأتي هذه العملية النوعية التي رافقتها عمليات إعلامية وتواصلية لتكشف عن مؤشرات وقراءات يجب أخذها بعين الاعتبار في تحليل الوضع الأمني عمومًا، واستراتيجية مواجهة الإرهاب والتطرف على وجه التحديد. أول هذه المؤشرات تحيلنا على الاعتراف بأن خطر الإرهاب وتهديده للاستقرار المغربي دائم الحضور ولا يزال قائمًا، ولا يمكن إغفاله. ولذلك، تعتمد السلطات الأمنية على اختلاف هيئاتها ومؤسساتها سياسة استباقية ترفع من مستوى اليقظة والانتباه والتأهب للحد من خطر الإرهاب، وتفادي حصول أضرار من خلال أنشطته وأفعاله التخريبية التي يسعى لتنفيذها على أرض الواقع. إضافة إلى تغيير سياسة القوى الإرهابية، حيث نوعت من عمليات الاستقطاب لتلمس عنصر الأسرة، كون هذه الخلية تتكون كلها حصريًا من ثلاثة إخوة. وهي ليست الخلية الوحيدة بالطبع التي تقتصر على أفراد نفس الأسرة. زد على ذلك توسع دائرة التأثير لتشمل الأطفال والنساء أيضًا، بعدما كانت حكراً على الشباب. كما أن سياسة الجذب أصبحت تهدف إلى تغذية وتزويد مناطق الصراع الدولي وبراثن تفريخ الإرهاب العالمي، حيث يتم تجنيد عناصر محلية في صراعات دولية. وفي المقابل، تتأثر العناصر النائمة داخليًا من "إنجازات" المتطرفين خارجيًا بسبب نجاحها في تنفيذ بعض مخططاتها دوليًا، وتسعى للحذو حذوها. من هنا يتضح لنا أنه رغم كل مجهودات المؤسسات الأمنية المغربية، فإن التأثير الخارجي يشكل تحديًا كبيرًا يصعب التحكم فيه. وتجدر الإشارة إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تلعب دورًا مفصليًا في استقطاب هذه العناصر بسبب صعوبة مراقبة كل الحسابات وكل المنصات وتتبع أثرها، مما يزيد من صعوبة مهام العناصر الأمنية. رغم أن العناصر الموقوفة في العملية الأخيرة كلهم لا يتوفرون على مستوى تعليم عالٍ، إلا أن بعض العمليات السابقة كانت تضم أشخاصًا بشهادات تعليمية عالية. وهذا ما يوضح توسع تأثير الخلايا الإرهابية وانتقالها من دوائر الأمية والجهل لتلامس شرائح يفترض فيها الوعي والتحصيل العلمي. من المؤشرات المهمة التي يجب التقاطها هو تطور مستوى المؤسسات الأمنية وارتفاع مستوى يقظتها، حيث أصبحت تستبق كل المخططات الإرهابية التخريبية وتصل إلى عناصر الخلايا في مراحل التخطيط قبل التنفيذ، رغم الحذر والانتباه الكبيرين الذي تأخذه العناصر الإرهابية. إضافة إلى مستوى التنسيق العالي بين مختلف الأجهزة الأمنية، رغم اختلاف هيئاتها وطرق عملها وعناصرها، إلا أن وحدة الهدف والمبادئ دائمًا ما تؤدي لنجاعة التنسيق وتحقيق الأهداف. كما أن المؤسسات الأمنية المغربية أصبحت مرجعًا في محاربة الإرهاب استخباراتيا وإجرائيًا، وهذا ما يفسر استنجاد عدة دول كبرى، منها دول أوروبية، بتجربة المغرب في مجال التعاون الدولي الأمني. دون أن ننسى الجانب التواصلي والإعلامي الذي تتخذه المؤسسات الأمنية للاطلاع الرأي العام المغربي والدولي على كل حيثيات وتفاصيل العمليات الأمنية. ويعتبر ذلك إجراءً مهمًا جدًا من شأنه محاربة الإشاعة ورواج الأخبار الزائفة التي قد يتركها الفراغ التواصلي. كما أنه يبين شفافية هذه المؤسسات وعملها في مناطق النور، عوض اختيار زوايا الظلام التي تخلق قطيعة بين المجتمع وأجهزته الأمنية في العديد من الدول. من جهة أخرى، وللأسف، أزاحت هذه العملية الأمنية النوعية الستار على نقطتين سلبيتين مهمتين يجب التعامل معهما بانتباه وجدية أكبر. أولهما بروز بعض المشككين في صحة هذه العمليات، خصوصًا مع المواكبة الإعلامية التي رافقتها والصور ومقاطع الفيديوهات التي أعقبت عملية التوقيف، حيث وصفها البعض بالتدخلات السينمائية وأنها مفتعلة وغير حقيقية. وهذا للأسف يظهر عدمية وسوداوية من يتبنى هذا الطرح، ويذهب دائمًا في اتجاه تبخيس عمل المؤسسات الأمنية، وهو نفسه من سيحتج ويندد في حال وصول مخططات الإرهابيين للتنفيذ والتسبب في خسائر وضحايا لا قدر الله، وسيلقي اللوم على الأجهزة الأمنية، وسينتقدها. ها هو اليوم يضرب في مصداقية هذه الأجهزة. أما المؤشر الثاني فهو تراجع كل القوى الفاعلة في المجتمع عن خوض معركة محاربة الإرهاب والتطرف من أحزاب وجمعيات ومنظمات وهيئات وغيرها من مؤسسات التنشئة الاجتماعية. فالإرهاب والتطرف لا يحاربان بالمجهود الأمني فقط، وإنما بالتوعية والتحسيس والتربية على المواطنة ومواكبة التجديد الديني الذي يوضح أن الإسلام دين التسامح والسلام، لا دين التخريب والتقتيل. فالملاحظ أن مؤسسات التنشئة الاجتماعية سالفة الذكر لم تعد تعمل في مجال محاربة التطرف، بل تبنت قضايا أخرى للترافع، كالمرأة والطفل وحقوق الإنسان، غافلين أو متغافلين أن أكبر خطر يهدد حق الإنسان هو ذلك الخطر الذي يهدد حياته وأمنه واستقرار دولته. ختامًا، يمكن اعتبار المؤسسات الأمنية المغربية درعًا واقيًا مهمًا وفعالًا في مواجهة مد الإرهاب والتطرف، وعينًا يقظة تراقب كل كبيرة وصغيرة، مع تسجيل انخراط مهم للمواطنين في مساعدة هذه الأجهزة عبر التبليغ عن أي حركات مشبوهة أو عناصر تثير الشك، انطلاقًا من حسهم الوطني وروح المواطنة الفطرية فيهم، وخوفهم على الوطن وأمنه واستقراره. إلا أن معركة محاربة الإرهاب تتطلب تظافر كل الجهود وتوحيد صفوف كل الفاعلين المجتمعيين، بعيدًا عن تسجيل نقاط سياسوية أو محاولة إظهار فشل الدولة في مجال من المجالات من طرف بعض العناصر التي تهدف فقط للعب دور المعارضة، ولو كان ذلك على حساب الأمة ودوامها واستقرارها.