يمكن القول إن الواقع المحزن الذي تعيشه كثير من النساء المسلمات، وحرمانهن من الكثير من حقوقهن التي جاء بها الإسلام، كان الحافز لكثير من الحركات التي قامت لتدافع عن حقوق المرأة في ظل واقع اجتماعي يبتعد كثيرا عما جاء به الدين الحنيف. هذه الحركات النسوية التي قامت لرفع الظلم الواقع عن المرأة نجحت في تمرير الكثير من الاتفاقيات الأممية المتعلقة بالمرأة؛ وعلى الرغم من نجاحها في الحصول على حزمة من القوانين تصب في خدمة الفكر النسوي إلا أنها تواجَه برفض شعبي واسع، واتهامات بأنها حركات تابعة فكريا وماليا لمؤسسات غربية، بالإضافة إلى معاداة الدين أو تهميشه... فما المقصود بالنسوية الإسلامية؟ ومتى ظهر هذا المصطلح؟ -ماعلاقة الحركات الإسلامية بالمجتمع المدني ؟ - ما هي تحديات النسوية الإسلامية؟ - وما هو مستقبل الحركات الإسلامية بالمغرب؟ - وهل مدونة الأسرة بالمغرب نموذج للنسوية الإسلامية؟ هذه الأسئلة وغيرها أجاب عنها باحثون وباحثات، أكاديميون وأكاديميات، وناشطات وناشطون، خبراء وخبيرات في الجندر في المنتدى الدولي للمرأة المتوسطية في نسخته التاسعة، والذي نظمه مركز *إيزيس للمرأة والتنمية * بشراكة مع مؤسسة كونراد أدينور، وجامعة محمد بن عبد الله بفاس. هؤلاء الباحثون والباحثات من خمس عشرة دولة انكبوا على النقاش والحجاج الفكري الهادف لمدة ثلاثة أيام، وعبر عشر جلسات علمية. وهذه أبرز مؤشرات هذا اللقاء العلمي المتميز: مصطلحات غير مألوفة استخلصت من فحوى العروض حول تحديد مفهوم النسوية الإسلامية ما يلي: النسوية الإسلامية (فيمينيسم): مصطلح بدأ ينتشر في النقاشات دون أن يتم التعريف به، فهناك من يقول: حركة سياسية تريد خلق تغيرات اجتماعية،، ورأي آخر: هو التركيز على نقد القراءة الفقهية الإسلامية للقضايا المتعلقة بالنساء بحثا عن المساواة في القرآن. وهناك من يرفض هذا المصطلح (عالم الاجتماع المعروف عبد الوهاب المسيري) الذي رفض قبول مصطلح (فيمينيسم) تعبيرا عن النسوية لأنه يرى أن هذا المصطلح لا يعبر عن تحرير المرأة؛ وإنما عن حالة الصراع مع الرجل... تعريف آخر: تبني موقف مختلف من الموروث الديني، التاريخي، الاجتماعي، الثقافي عن طريق إحداث قطيعة معه بكل مفاهيمه..رأي آخر: المقصود بالنسوية الإسلامية هو اجتهاد فكري يهتم بتحويل القيم الإسلامية إلى رؤية معرفية، ويمكن تسميتها حركة المرأة المسلمة. إن المفاهيم التي تساعد المرأة على تحقيق صحوتها في الإسلام هي مفاهيم أوسع من تلك التي طرحتها المنظومة النسوية الغربية، فهناك مفهوم حرية المرأة، المساواة، الكرامة، وكرامتها ألا تكون جاهلة، ولا مريضة، ولا محتاجة بل تحقق ذاتها، وتكون فاعلة... أقوى العروض جميع العروض المقدمة من الباحثين والباحثات قوية تخللها صبيب عال من النقاش والحجاج. ويمكن عرض بعض المقتطفات: الدكتورة *ماركًوت بدران* من جامعة جورج تاون بالولايات المتحدة استندت في مداخلتها * الحركات النسوية نظرة جديدة * على مقاربة تاريخية، وعلى أن الحركات النسائية سواء علمانية أو دينية برزت من داخل المجتمعات العربية، ووصفها بأنها معادية للإسلام هو تشويه لصورة الحركات النسوية العربية، وبالتالي تخريب لمبدأ ممارسة المساواة الإنسانية، والحقوق المشتركة؛ وأضافت أن النسوية بدأ استعمالها بمصر سنة 1923. من جهته تناول الدكتور موحى الناجي الحركة النسوية والنشاط السياسي في شمال إفريقيا من خلال نهج اجتماعي وسياسي واسع؛ وأوضح أن ظهور نشاط المرأة هو الرد المناسب على التمييز القائم على النوع الاجتماعي في المنطقة. كما تسعى الحركة النسوية في شمال إفريقيا إلى تعزيز تمكين المرأة من خلال التعليم والوعي، والمشاركة السياسية. كما أن نشاط المرأة ضروري للحداثة، وإرساء الديمقراطية. أما الدكتور *إدريس الفاسي الفهري* من جامعة القرويين فأسهم بمداخلة حول المساواة بين الجنسين من منظور ديني، وأوضح أن القاعدة العامة للمساواة في الدين هي لا تفاضل بين شخص وآخر إلا بالتقوى، ولا تمييز في الجزاء، أو العمل الصالح، ولا تمييز في العلاقة بين الذكر والأنثى. وإغناء للنقاش حول موضوع المساواة أضاف أحد المتدخلين أن المساواة في إطارها الإسلامي ليست كالنسوية الغربية التي تقول بالتماثل؛ المساواة في الإسلام هي الفرصة في التعليم، الفرصة في الصحة، الفرصة في الغذاء الجيد، الفرصة في العمل الثابت، والسكن اللائق. وفي ما يتعلق بالمقاربة التاريخية للنسوية الإسلامية أضافت إحدى المشاركات في النقاش أن حركة النسوية الإسلامية انطلقت بقوة خلال مؤتمر ماليزيا سنة 2009، ونتج عنه تأسيس حركة مساواة التي تدفع حقوق الإنسان للمرأة في السياقات الإسلامية. وتشارك هذه الحركة في مع لجنة حقوق المرأة بالأمم المتحدة في البحث عن إطار ديني لوقف الممارسات التمييزية ضد المرأة، والتي تتم الدين. ومع الوقت وتنظيم الندوات بدأ المصطلح يظهر على السطح. وعلاقة بموضوع المساواة من منظور ديني أفادت إحدى المتدخلات بأن الدول الإسلامية والعربية وقعت على اتفاقية سيداو، واتفاقية مكافحة كل أنواع التمييز ضد المرأة، لكن هذه الاتفاقيات تبيح أشياء مرفوضة في المجتمع الإسلامي، مثل: المثلية الجنسية، شهادة المرأة بمثل شهادة الرجل، تعدد الزوجات يتعارض مع حقوق المرأة في المساواة بين الرجل والمرأة، الاعتراف بحق ممارسة الدعارة كحرفة؟ فكيف للنسوية الإسلامية أو الحركة النسائية الإسلامية أن تدافع عن الخصوصيات الثقافية، والدينية لمجتمعاتنا؟...ورأي آخر أغنى النقاش بقوله: لتحقيق المساواة الإسلامية نريد غربلة التراث الفقهي من الانحيازات....انحيازات ليس فيها كرامة...ليس فيها عدل..ليس فيها رحمة، فالمرأة مخلوق كرمه الله، وظلمه البشر... النسوية الإسلامية بعد الربيع العربي أسهم الدكتور *رشيد توهتو * بهذه المداخلة التي جاء فيها: إذا أرادت الحركة النسوية الإسلامية تحرير الحركة النسوية من هيمنتها الغربية ينبغي عليها المشاركة في نتائج ما بعد الربيع العربي، والإطار السياسي الدولي؛ فلا نرى في الخطابات النصوص التأسيسية للنسوية الإسلامية توضيحات دقيقة لمفهومي النوع والدولة، والأسوأ من ذلك أن بعض الحركات النسوية الإسلامية تعيد إنتاج أيدولوجية أبوية؛ واستند في مداخلته على تجربة الحركة النسوية الإسلامية كما تمارسها نساء حزب العدالة والتنمية في المغرب، وكيف ساهم تحقيق النجاح الانتخابي بعد الربيع العربي في إشراك المرأة في الحكم. وتساءل الأستاذ: هل نشهد ظهور نوع جديد من نسوية الدولة الإسلامية؟ أم نشهد حركة نسوية متطورة تتمر عبر عملية تعلم الديمقراطية؟. من جهتها تساءلت الدكتورة فاطمة صديقي في مداخلتها: هل مدونة الأسرة بالمغرب مثال للحركة النسوية الإسلامية؟ لأن قوانين المدونة هي القوانين الوحيدة التي لازالت قائمة على الإسلام الشرعي. ويرى الملاحظون من خارج المغرب أن مدونة الأسرة 2004 نتيجة لفكر النسوية الإسلامية. فيما يرى آخرون أنها نتيجة حراك نسوي فقط، وطرف ثالث يعتبرها نتاج مزيج من الفكر النسوي، والنشاط النسوي. وهذا الموضوع تضيف الأستاذة يتطلب مزيدا من العمل الميداني الجاد. أيقونات النسوية الإسلامية في المغرب حاول الدكتور نجيب مختاري، من جامعة الرباط الدولية* في مداخلته (فاطمة المرنيسي، وإعادة تمركز مفهوم الاختلاف) مراجعة التاريخ المفاهيمي للسياسة الثقافية النسوية الذي سعى إلى التخلص من النماذج التي يسيطر عليها الذكور، واستكشاف الطرق التي ناقشتها الباحثات والناشطات في التقاليد والحداثة، ومنهن فاطمة المرنيسي التي تجاوزت الحدود المتنازع عليها لنظريات نسوية مستوردة من الخارج، ونادت بتأسيس حركة نسوية محلية قابلة للنقاش. بينما اختار الدكتور محمد ياشولطي جامعة المولى إسماعيل مكناس* التركيز في مداخلته على مسار *أسماء المرابط* كإحدى أبرز رموز النسوية الإسلامية؛ والهدف من ذلك هو صياغة تجربتها في تاريخ الحركة النسوية في المغرب، ورسم عناصر الاستمرارية والابتكار في مقاربتها. وفي معرض النقاش جاء على لسان إحدى الحاضرات أن أسماء المرابط صرحت في أكثر من مناسبة أن وضع المرأة في البلدان العربية مأساوي، ولا بد من إعادة قراءة النصوص من جديد، والتفسيرات السائدة الآن ذكورية، وأبوية. وتدعو أسماء المرابط إلى حداثة تربط التصورات الأخلاقية الإنسانية العالمية بالمثل الإنسانية في الإسلام. وفي نفس السياق أفادت متدخلة أخرى بأنه ظهرت إصدارات مهمة في العالم العربي والإسلامي حول المجالات المعنية بالإسلام والمرأة مثل: (الإسلام والجندر)، (النساء والمعرفة الدينية). ويمكن أن نطلق على محتوى هذه الإصدارات التركيز على نقد القراءة الفقهية الإسلامية للقضايا المتعلقة بالنساء بحثا عن المساواة في القرآن. وأضافت أخرى: هناك أيقونات منسيات في النسوية الإسلامية منهن (عائشة تيمور) (ملك حفني ناصف) (عائشة بنت الشاطئ) تحدثن عن أحقية المرأة في الاجتهاد الديني و(نظيرة زين الدين) في كتابها المشهور (السفور والحجاب)، وأمينة ودود ألفت كتاب (القرآن والمرأة).. وتحدثت فيه عن إعادة قراءة النص القرآني من منظور نسائي، وركزت على : 1 مناهضة الخطاب الفقهي الذكوري.2 تأكيد أحقية المرأة المسلمة في الاجتهاد.3 التأسيس لإسلام نسوي يمارس الإصلاح من الداخل على قاعدة تأويل القرآن بالقرآن. هذا غيض من فيض هذا المنتدى الفكري الذي يحفز على النقاش، ورفع منسوب الرأي والرأي الآخر لأنه تناول مواضيع أخرى منها: إغلاق باب الاجتهاد، الحركات النسوية في الجزائر وتونس ولبنان، النسويات الإسلاميات في أوروبا، الإسلام والنوع الاجتماعي، الإبداع كوسيلة لمناهضة العنف ضد المرأة، الإسلام والقانون في جنوب إفريقيا، المرأة المغربية الهولندية والهوية الإسلامية..... وقد خلص المنتدى للتوصيات التالية: تعميم التعريف بالنسوية الإسلامية. تشجيع البحث العلمي في النسوية الإسلامية، والرفع من ميزانية البحث العلمي. إبراز قدرات النساء المسلمات في ميدان البحث العلمي، وربط الجسور بين التجارب الرائدة في المجال. تشجيع الاجتهاد في إصلاح مدونة الأسرة من منظور النسوية الإسلامية. تقوية المساواة بين الجنسين، والمحافظة على الاندماج الاجتماعي. إشراك الشباب في الجهود الرامية إلى النهوض بأوضاع النساء. للتأمل حملت النسويات على مختلف انتماءاتهن الفكرية والمنهجية همًا معرفيا غايته تقديم قراءة مغايرة للتفسيرات الفقهية التقليدية، ورغم النظرة السلبية التي تواجًه بها الباحثات في حقل المعرفة الدينية من طرف الفقهاء المتشددين (حراس العقائد والحدود) من المهم الإنصات إلى أصواتهن، ومواكبة إنتاجاتهن بهدف النقاش، وتوسيع الدائرة الفكرية التي تسمح بفهم أفضل لموقع النساء في الإسلام. أليس كذلك؟...