حذّر الدكتور الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية، من أن الإجراءات الحالية لمواجهة تفشي وباء الحصبة (بوحمرون) في المغرب تظل عاجزة عن احتواء الخطر المتفاقم، رغم أهميتها، مُشيرًا إلى أن عودة الدراسة بعد العطلة المدرسية قد تُشكل "قنبلة موقوتة" تسرع انتشار المرض بسبب الاختلاط الاجتماعي والسفر بين المدن. وأكد أن انخفاض المناعة الجماعية ضد الحصبة إلى أقل من 95% – النسبة المطلوبة لقطع سلسلة العدوى – يُهدد بموجات وبائية متكررة، قد تُعيد المغرب إلى عصر الأمراض الطفولية القاتلة التي كان قد قضى عليها تقريبًا.
وبحسب تحليل الدكتور حمضي، فإن تفاقم الأزمة مرتبط بتراكم إخفاقات عدة: تراجع معدلات التطعيم الروتيني، وضعف المراقبة الوبائية، وتأثير جائحة كوفيد-19 على برامج التلقيح، بالإضافة إلى تردد بعض الأسر في تطعيم أطفالهم رغم سلامة اللقاحات وفعاليتها. وأوضح أن العطلة المدرسية الأخيرة، مع تنقلات ملايين التلاميذ وأسرهم بين الجهات، خلقت بيئة مثالية لانتشار الفيروس، الذي سيظهر تأثيره بوضوح بعد حوالي عشرة أيام من بدء العام الدراسي، مع توقعات بذروة جديدة خلال أسبوعين أو ثلاثة. "لا يوجد خيار أمامنا سوى رفع معدل التغطية التلقيحية إلى 95%، إما عبر التطعيم وإنقاذ الأرواح، أو عبر المرض الذي سيترك وراءه وفيات وإعاقات وانهيارًا في المنظومة التعليمية والاقتصادية"، قال الدكتور حمضي في تصريحاته، مُحذرًا من أن استمرار الوضع الحالي سيفتح الباب أمام عودة أمراض مثل السعال الديكي والدفتيريا وشلل الأطفال، التي تعتمد على نفس مستوى الحماية المجتمعية. وشدد الخبير الصحي على ضرورة تحرك عاجل يشمل حملات تلقيح استدراكية تستهدف جميع الأطفال والمراهقين دون 18 عامًا، وإلزامية التطعيم ضد الأمراض القاتلة، مع تعزيز الوعي بأهمية تلقيح البالغين المولودين بعد عام 1980 ممن لم يحصلوا على جرعات كاملة. كما دعا إلى مراجعة شاملة داخل وزارة الصحة لفهم أسباب التراجع الكبير في معدلات التلقيح، والتي ترجع – بحسبه – إلى نقص الموارد البشرية، والإضرابات المتكررة للعاملين في القطاع، وتراخي المراكز الصحية في متابعة الجدول التلقيحي، فضلًا عن غياب نظام إنذار مبكر يرصد انخفاض التغطية قبل تفشي الأوبئة. ولم يُغفل الدكتور حمضي دور "الشائعات والمعلومات المغلوطة" في تغذية تردد الأسر، داعيًا إلى تصميم حملات توعية تُشرك القادة المجتمعيين والأطباء والمؤثرين لاستعادة الثقة في اللقاحات، خاصة في ظل تراجع مكانة المغرب – الذي كان يُعد نموذجًا في مجال التلقيح – إلى مراتب متأخرة بسبب أزمة الحصبة الحالية.