في الوقت الذي يواجه فيه العالم أزمات اقتصادية متلاحقة، كشف تقرير جديد لمنظمة أوكسفام أن ثروات المليارديرات نمت بشكل غير مسبوق، بينما تتسع الفجوة الاقتصادية بين الأغنياء والفقراء. التقرير، الذي نُشر بالتزامن مع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، يؤكد أن الثروة العالمية باتت تتركز بشكل متزايد في أيدي قلة من الأفراد، مما يثير مخاوف حول العدالة الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي. وفقًا لتقرير "فن الاستحواذ دون عناء" ازداد عدد المليارديرات في السنوات الأخيرة، حيث تضاعفت ثرواتهم بمعدل غير مسبوق منذ عام 2020. وأشار إلى أن 1 بالمائة من الأغنياء استحوذوا على قرابة 63 بالمائة من الثروة الجديدة المولدة منذ جائحة كوفيد-19، بينما حصل النصف الأفقر من سكان العالم على نسبة ضئيلة من هذه الثروة.
وأوضحت منظمة أوكسفام أن ثروة المليارديرات بلغت 2000 مليار دولار في عام 2024، أي ثلاث مرات بالإضافة إلى العام السابق، في حين أن عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر لم يتطور بعد عام 1990.بينما، تجاوز عدد المليارديرات 2565 في عام 2023 إلى 2769 في عام 2024، حيث تجاوزت ثرواتهم مجتمعة 13000 مليار دولار إلى 15000 مليار دولار في عام واحد فقط. وقال التقرير: "إنهم يكسبون 99 بالمائة من ثرواتهم اليوم في الإقراض، وهم المليارديرات المتبقين". وبين التقرير أيضا أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن المليارديرات في معظم الأحيان لم يضطروا إلى كسب ثرواتهم عن طريق العمل الجاد، حيث يأتي 60 بالمائة من ثرواتهم من الميراث أو حالات الاحتكار أو التواطؤ. وقال : "إن الثروة غير المستحقة والاستعمار، الذي ليس فقط حقبة من استخراج الثروة بوحشية، بل لا يزال يؤدي إلى إدامة التفاوت الشديد اليوم، من بين الأسباب الرئيسية لتراكم ثروات المليارديرات". وبحسب حسابات منظمة أوكسفام، فإن 36 بالمائة من ثروات المليارديرات الآن تأتي من الميراث. وبحسب دراسة أجرتها مجلة فوربس، فإن جميع المليارديرات الذين تقل أعمارهم عن 30 عاماً ورثوا ثرواتهم، في حين تشير تقديرات مجموعة يو بي إس المصرفية إلى أن أكثر من ألف من مليارديرات اليوم سينقلون أكثر من 5.2 تريليون دولار إلى ورثتهم خلال العشرين إلى الثلاثين عاماً المقبلة. وقال التقرير: "يدين العديد من الأثرياء للغاية، وخاصة في أوروبا، بثرواتهم جزئيا إلى الاستعمار التاريخي واستغلال البلدان الأكثر فقرا". وضرب مثالا بالملياردير فنسنت بولوريه، الذي يضع إمبراطوريته الإعلامية الواسعة في خدمة اليمين القومي الفرنسي، وقد تمكن من بناء جزء من ثروته بفضل المشاريع الاستعمارية في أفريقيا. في المقابل، ازداد عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع، مع تراجع الدخل الحقيقي للعديد من العائلات بسبب التضخم وتكاليف المعيشة المتصاعدة. ويشير التقرير إلى أن عدم العدالة في توزيع الثروة يقود إلى ضعف الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، ويزيد من معدلات البطالة بين الشباب، ما يؤدي إلى تقويض الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. التقرير أشار أيضًا إلى تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء بسبب الأنظمة الضريبية غير العادلة، والتي تتيح للأثرياء تجنب الضرائب عبر الملاذات الضريبية، بينما يعاني المواطنون العاديون من أعباء ضريبية متزايدة. كما أن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة أديا إلى تدهور أوضاع الفئات الأكثر ضعفًا، مما زاد من معاناة الطبقات الوسطى والفقيرة. وتطرّق التقرير إلى مجموعة من العوامل التي أسهمت في زيادة تركّز الثروة، من بينها السياسات الاقتصادية الليبرالية، وإجراءات التيسير النقدي التي رفعت من قيمة الأصول المالية التي يملكها الأثرياء، بالإضافة إلى التفاوت في الأجور بين العمال والمديرين التنفيذيين. اقتصاديًا، حذر التقرير من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي العالمي، حيث تؤدي الفجوة المتزايدة إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتباطؤ الحركة الاقتصادية. كما أن التوزيع غير العادل للثروة يفاقم الأزمات الاجتماعية، ويزيد من معدلات الفقر والبطالة، مما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي. لذلك، حسب توصيات أوكسفام فإنه يتعين على الحكومات أن تتخذ إجراءات جادة للحد من عدم المساواة، بما في ذلك ضمان أن يكون دخل أغنى 10 بالمائة من السكان لا يتجاوز دخل أفقر 40 بالمائة من السكان على الصعيدين الدولي والمحلي. ووفقًا لبيانات البنك الدولي، فإن تقليص الفجوة الاقتصادية سيساهم في القضاء على الفقر بشكل أسرع. كما يجب أن تشمل السياسات الحكومية أيضًا القضاء على العنصرية والتمييز الجنسي والنزاعات الاجتماعية التي تُغذي الاستغلال الاقتصادي. وأضاف أنه من الضروري فرض ضرائب على الأغنياء لتقليص الثروات المفرطة، ويجب أن تستند السياسات الضريبية إلى اتفاقية عالمية تحت إشراف الأممالمتحدة. علاوة على ذلك، يجب إلغاء الملاذات الضريبية وفرض ضرائب على الميراث لتفكيك الطبقات الثرية الجديدة. كما يجب إنهاء نقل الثروات من دول الجنوب إلى دول الشمال، بإلغاء الديون وفرض قيود على هيمنة الشركات متعددة الجنسيات. يشمل ذلك تفكيك الاحتكارات، تنظيم التجارة، وإصلاح مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لضمان التمثيل العادل للدول النامية.