قبل حوالي أربعة أشهر، وتحديدا يوم 29 يوليوز 2021، كانت قاعة العروض بالمديرية الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بالمحمدية، مسرحا لتوقيع اتفاقية شراكة وتعاون تعد الأولى من نوعها على المستوى الوطني، بين مديرية إقليمية للتعليم ومؤسسة " أرشيف المغرب" الحارسة الأمينة للتراث الأرشيفي الوطني، وقد كان لنا شرف الوقوف وراء فكرة هذه الشراكة غير المسبوقة في تاريخ التعليم العمومي، التي صادفت في طريقها أناسا – من جهة مديرية التعليم بالمحمدية وأرشيف المغرب بالرباط – آمنوا بها في مرحلة أولى، واحتضنوها في مرحلة ثانية، وعقبها عبدوا لها الطريق لتتحقق على أرض الواقع . وقد حرصنا وقتها، على إعطاء هذه الشراكة ما تستحقه من تعريف وإشعاع إعلامي، عبر مقال خبري نشر في عدد من المواقع والجرائد الإلكترونية الوطنية، موازاة مع التغطية التي قامت بها بعض المنابر الإعلامية التي غطت الحدث بشكل مباشر، ونخص بالذكر وكالة المغرب العربي للأنباء والقناة الأولى، والعودة اليوم إلى هذا الحدث التربوي والأرشيفي البارز، تحكمت فيها عدة اعتبارات منها : – أن توقيع الاتفاقية المذكورة تزامن والأنفاس الأخيرة من السنة الدراسية 2020-2021، مما تعذر معه وضع الحدث في عمقه المدرسي والتربوي على مستوى التعريف والتوعية والتحسيس والإشعاع. – إدراكنا من خلال واقع الممارسة، أن الاتفاقية تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى التعريف بها على مستوى المؤسسات التعليمية التابعة للنفوذ الترابي للمديرية الإقليمية للتعليم بالمحمدية، في أوساط الأطر الإدارية والتربوية والمتعلمين، عبر الرهان على قنوات التواصل والإخبار، والتوعية والتحسيس بقيمة الأرشيف وأهمية العناية به على مستوى التوثيق والحفظ كممارسة إدارية وتربوية، مكرسة للحكامة التربوية الرشيدة وما يرتبط بها من مسؤولية وشفافية ومحاسبة وحقوق وحداثة، وراعية للذاكرة والتاريخ المدرسيين، ومرسخة لقيم المواطنة، من منطلق أن الحرص على العناية بالأرشيف وحفظه، هو حرص على ذاكرة الأمة وحماية لهويتها المشتركة وحفظا لتاريخها الجماعي. – الزيارة التي قام بها وفد من مديرية التعليم بالمحمدية لأرشيف المغرب عشية يوم الفاتح من شهر نونبر الجاري، بقدر ما فتحت الإمكانية للتعرف على مختلف مرافق وأقسام ومصالح المؤسسة وما تضطلع به من تدخلات وعمليات تتقاطع في خانة "حماية التراث الأرشيفي الوطني"، بقدر ما أبانت عن مدى قوة ونجاعة اتفاقية الشراكة والتعاون المبرمة من قبل "مديرية التعليم بالمحمدية " مع "أرشيف المغرب"، والتي لن تكون إلا خطوة أولى في اتجاه الارتقاء بواقع الممارسة الأرشيفية على مستوى المديرية الإقليمية والمؤسسات التعليمية التابعة لنفوذها، والإسهام في نشر ثقافة الأرشيف عبر مدخل التربية والتكوين. – أن الزيارة قوت الإحساس في أن "الأرشيف" ليس مجرد وثائق تنتهي حياتها بإيداعها في المستودعات كما يعتقد الكثيرون، بل هو تاريخ وهوية وذاكرة وتراث وحداثة، ومرآة عاكسة لممارساتنا وأنماط تفكيرنا وتدبيرنا، كما قوت الإحساس في أن هناك فراغات تعتري واقع الممارسة الأرشيفية التربوية، تحتاج إلى الكثير من الإرادة والجهد، بما يضمن الارتقاء بواقع هذه الممارسة وجعلها متناغمة مع القانون المتعلق بالأرشيف ومرسومه التطبيقي وكذا مع الدليل المرجعي لتدبير الأرشيف العمومي. اعتبارات من ضمن أخرى، وإن كانت حاملة لأبعاد إخبارية ودلالات تواصلية وإشعاعية، فهي في ذات الآن مناسبة لتثمين الطموح التواصلي والإشعاعي لمديرية المحمدية التي نجحت في الانخراط في صلب اتفاقية شراكة ذات بعد وطني مع "أرشيف المغرب"، انسجاما ومقتضيات القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين الذي راهن واضعوه على التواصل والشراكات، للتأسيس لمدرسة عمومية منفتحة ومندمجة في محيطها المجتمعي، وفرصة للتنويه بالمؤسسة الأرشيفية في شخص مديرها الأستاذ الجامعي والدكتور جامع بيضا، الذي نجح في جعل المؤسسة في صلب عدد محترم من الاتفاقيات والشركات الوازنة مع عدد من المؤسسات الوطنية والإقليمية والدولية، التي لن تكون إلا خادمة لهذه المؤسسة الوطنية ذات الطابع الاستراتيجي، واقتحام الرجل لخلوة المدرسة العمومية عبر بوابة "مديرية التعليم بالمحمدية" في إطار الاستراتيجية التواصلية والإشعاعية للمؤسسة، هو مبادرة رصينة، عاكسة لقناعة شخصية، في أن ثقافة الأرشيف، من الصعب كسب رهانها، بمعزل عن مدخل التربية والتكوين. وفي هذا الإطار، فإذا كان "الجهاد الأصغر" قد تحقق بعد توقيع اتفاقية الشراكة والتعاون التي شكلت عند توقيعها، حدثا تربويا وأرشيفيا بارزا، فإن "الجهاد الأكبر" يبقى هو الغاية المثلى والرغبة الفضلى، وبلوغ هذا المسعى المشروع، يفرض على الطرفين المتعاقدين ، التحرك والمضي قدما في اتجاه ترجمة مقتضيات هذه الشراكة الوازنة على أرض الواقع، ومعاينة آثارها على مستوى واقع الممارسة الأرشيفية بمديرية المحمدية والمؤسسات التعليمية المرتبطة بها، وتلمس ثمارها على صعيد الحياة المدرسية، ونحن ندلي بهذه المعطيات، فنحن لا نود الركوب على صهوة الاستعجال أو الرفع من مستويات محرك العمل بشكل غير مبرر، لأن عمر الشراكة (أربع سنوات قبل للتجديد) يسمح بتحقيق الأهداف المرجوة بنوع من الرصانة والتبصر، لكن في ذات الآن، نرى أن قوة هذه الشراكة غير المسبوقة في تاريخ المدرسة العمومية، تكمن في مدى القدرة على التنزيل والإنجاز والأجرأة والمواكبة والتتبع، ونرى أن هذه الشروط حاضرة من الجانبين المتعاقدين، فقط ينقص "المحرك" إن صح التعبير، ونقصد هنا "اللجنة الثنائية المشتركة" (موضوع البند الرابع من اتفاقية الشراكة ) التي يعول عليها لتعبيد طرق التواصل والتشاور والتنسيق والتشارك، وبالتالي الإسهام في تنزيل وأجرأة الالتزامات المتبادلة، ونأمل أن تتشكل هذه اللجنة المشتركة في قادم الأيام، وفي تشكيلها، تشغيل لمحرك "الشراكة" التي نراهن على نجاحها، كما راهنا قبل أشهر على الوصول بها إلى بر "التوقيع" بعدما كانت فكرة في المهد. ولايمكن أن نختم هذا المقال، دون توجيه البوصلة نحو الطرف الشريك، ونقصد هنا "أرشيف المغرب" التي تستعد للاحتفاء بذكراها العاشرة ، لنثمن ما حققته المؤسسة من مشاريع وشراكات استراتيجية وازنة خلال عمرها القصير رغم الاكراهات المادية والبشرية واللوجستية، بفضل طاقم من الكفاءات الشابة التي تضطلع بأدوار ومهام متعددة الزوايا على جانب كبير من الدقة والتعقيد أحيانا، كما لامسنا ذلك عن قرب أثناء زيارة المؤسسة، في سبيل حماية التراث الأرشيفي الوطني الذي يعد ذاكرة الأمة وهويتها وتاريخها، وهذه الكفاءات، تستحق كل الشكر والتنويه والاهتمام والتقدير، شأنهم في ذلك شأن قائدهم الأستاذ الجامعي والدكتور "جامع بيضا" الذي سيسجل لها التاريخ، أنه بات "الأب الروحي" لأرشيف المغرب التي تسلمها وهي "صبية" في المهد، فحولها إلى واحدة من المؤسسات الوطنية الاستراتيجية، الأكثر حضورا على مستوى التواصل والإشعاع الذي تجاوز صداه حدود الوطن، فهنيئا لأرشيف المغرب بعيد ميلادها العاشر.