رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أرشيف المغرب": أية تحديات؟
نشر في هسبريس يوم 15 - 03 - 2020

الحديث عن الأرشيف قد يطول ويطول، اعتبارا لمرونة المفهوم، وقدرته على التلاقي والارتباط بعدد من المواضيع والقضايا، حاولنا قدر الإمكان، الإشارة إلى بعضها، من خلال المقالات التي شكلت العمود الفقري لهذا العمل المتواضع، ونحن ندرك تمام الإدراك، أن هناك أبوابا لم يتم طرقها، من قبيل "الأرشيف والتراث الجهوي"، "الأرشيف والهوية"، "الأرشيف والذاكرة المبتورة"، "الأرشيف والتنمية"، "الأرشيف والحكامة"، "أرشيف القرب"، "الأرشيف وصناعة المستقبل"، "الأرشيف والأرصدة الخاصة"، "الأرشيف والمجتمع المدني"، "الأرشيف والتعليم"، "الأرشيف وشفافية الإدارة"، "الأرشيف والتراث الأرشيفي المغترب بالخارج" وغيرها، وليس هذا تقاعسا أو إغفالا، أو محاولة للتخلص من موضوع يبدو كالجواد الذي يصعب ضبطه أو ترويضه، أو هروبا قسريا من مجال أرشيفي أرضه لازالت بكرا، بالنظر إلى حداثة الممارسة الأرشيفية بالمغرب ومحدودية ثقافة الأرشيف في الأوساط السياسية والإدارية والمجتمعية.
وهو معطى موضوعي، يجعل النبش في حفريات "أرشيف المغرب"، لتشكيل مقالات، كمن يحاول التغريد خارج السرب، في بيئة تكاد تغيب عن سمائها "ثقافة الأرشيف"، ومع ذلك، فقد ركبنا على صهوة التحدي، وخضنا في لساعات طوال في متاهات من التفكير، لم تخل من الجهد والعناء، بدون سلاح مسبق ولا سابق معرفة بالشأن الأرشيفي، إلا من منشورات صادرة عن "أرشيف المغرب"، وضعها رهن إشارتنا السيد مدير المؤسسة مشكورا، وجدنا فيها ضالتنا، خاصة على المستوى القانوني والتنظيمي، وشكلت بالنسبة إلينا، قوة دافعة ومحركة، لبناء جسور متعددة الزوايا، حاولنا من خلالها، وضع "أرشيف المغرب" في أبعادها القانونية والتنظيمية والعلمية والتاريخية والتراثية والتربوية والتنموية والحقوقية والحداثية وغيرها، في محاولات متواضعة لم تكن ميسرة، أثمرت ميلاد مجموعة من المقالات، التي لقيت نشرا واسع النطاق في عدد من المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية والمجلات المتخصصة، بشكل مكننا من الإسهام على قدر المستطاع، في تزكية الطابع التواصلي والإشعاعي لمؤسسة "أرشيف المغرب" وتقريبها من الإعلام، ومن الباحثين والمهنيين ومن عموم الجمهور، انطلاقا من مسؤولياتنا المواطنة، في التعريف بمؤسسة عمومية استراتيجية، تضطلع بأدوار مهام حفظ التاريخ الوطني وصون التراث المشترك وبناء الذاكرة الجماعية، وحتى لا تجرفنا مجددا، المتاهات المتشعبة للأرشيف، لا يسعنا إلا أن نختم هذا السفر الأرشيفي الذي كان شيقا رغم مشاقه، بتوجيه البوصلة نحو أبرز "التحديات" التي تواجه المؤسسة الأرشيفية، وهي تحديات متعددة الأبعاد، نختزل أبرزها على النحو التالي:
1- تحدي الظفر بمقر لائق: إذا كنا قد أثرنا في أكثر من مناسبة موضوع استعجال تمكين "مؤسسة أرشيف المغرب" بمقر "لائق"، فقد تحكمت في هذا المطلب الملح اعتبارات متعددة المستويات، أولها: ضرورة حفظ الأرشيف العامة في أمكنة لائقة تستجيب للمعايير الدولية ذات الصلة بحفظ الأرشيف، ثانيها: إتاحة الإمكانية أمام المؤسسة لتسلم كل الأرشيفات العامة النهائية الواردة على المؤسسة، وهو الأمر الذي يتعذر القيام به في ظل الوضع الراهن، ثالثها: المكانة الاعتبارية لمؤسسة "أرشيف المغرب" التي صنفت منذ سنة 2012 في خانة المؤسسات العمومية ذات الطابع الاستراتيجي، مما يستدعي إيلاؤها ما تستحق من عناية واهتمام لتكون مرآة عاكسة لهيبة الدولة، رابعها: التثبت من مدى إرادة الدولة في تثمين الأرشيف كقيمة تاريخية وعلمية وتراثية وثقافية وهوياتية، وإذا كان "المقر اللائق" قد استعصى إدراكه منذ سنة 2011 (تاريخ الانطلاقة الرسمية للمؤسسة)، فهذا من شأنه أن يثير مخاوف "أرشفة المؤسسة"، بكل ما يحمله ذلك من تهميش وإقصاء ونسيان..
2- تحدي الموارد المادية والبشرية: مهنة الأرشفة تحتاج إلى وسائل مادية ولوجستية، بدونها لا تتحقق غايات التدبير الأنجع للأرشيف، من مكاتب ومستودعات وأجهزة رقمية وماسحات ضوئية وآليات ووسائل الحفظ...، كما تحتاج إلى موارد بشرية كافية مؤهلة في مجال الأرشفة، وفي هذا الصدد، فإذا قارنا ما سطره المشرع الأرشيفي للمؤسسة من مهام وصلاحيات متعددة الزوايا، وما تتوفر عليه من موارد بشرية (51 مستخدم (ة) سنة 2019)، وإذا ما أضفنا لذلك، عائق "المقر المؤقت"، فهذا معناه أن "المؤسسة" قد تم إلباسها جلبابا "ضيقا" لا يتناسب البتة، مع حجمها وقيمتها، وهذا قد يدفع إلى مساءلة الدولة ومدى قدرتها على إرساء قاعدة أرشيفية صلبة، تتحقق معها رهانات حقوق الإنسان والحكامة وحقوق الإنسان والحداثة، وفي هذا المستوى من النقاش، قد يقول قائل، أن الدولة، قد قامت بما يتعين القيام به، بعدما استكملت الترسانة القانونية الأرشيفية بإصدار المرسوم التطبيقي للقانون المنظم للأرشيف، وهذا الطرح، لا يمكن الخلاف بشأنه، لكن بالمقابل، نؤكد أن "الأرشيف" ليس فقط، إصدار قانون أو تفعيل مؤسسة، بل هو "مقر لائق" و"موارد مادية ولوجستية" متاحة، و"عناية مستدامة بالموارد البشرية" و"إبعاد للمؤسسة من هواجس وحسابات الميزانية".
وفي هذا الإطار، نؤكد أن "القوانين" في مجملها، هي نصوص جامدة، وحياتها تمر قطعا عبر توفير شروط الحياة (الموارد المادية واللوجستية والبشرية)، وهنا لا مناص من الإشارة إلى أن "المرسوم التطبيقي" الذي فرض على الإدارات العمومية، وضع برامج لتدبير الأرشيف، وتوفير ما يلزم من هياكل أرشيفية (لجنة الأرشيف، بنية الأرشيف) ومن موارد مالية كافية وبشرية مؤهلة، وهي إجراءات عملية، إذا لم يتم التزام الإدارات العمومية بشروطها، يصعب تدبير حياة الأرشيف، وفق المنهجية التي وضعتها "مؤسسة أرشيف المغرب" في "الدليل المرجعي لتدبير الأرشيف العمومي"، وإذا كان المشرع الأرشيفي قد أناط بالمؤسسة مهمة تدبير الأرشيف العامة طوال مراحل عمرها (عادية، وسيطة، نهائية)، فإنها، وفي ظل ضعف الحصيص وقلة ومحدودية الوسائل والإمكانيات، يصعب عليها النزول إلى الميدان، للتثبت من مدى التزام الإدارات العمومية بأحكام ومقتضيات قانون الأرشيف ومرسومه التطبيقي.
3- تحدي الأرصدة الأرشيفية الخاصة: أدوار "'أرشيف المغرب" لا يمكن اختزالها في نطاق "الأرشيف العامة"، بل تمتد حتى إلى "الأرصدة الخاصة"، خصوصا تلك التي تحمل قيمة علمية أو تراثية ذات منفعة عامة، من شأنها إثراء التراث الأرشيفي الوطني، وفي هذا الإطار، فقد أدرج المشرع الأرشيفي بعض المقتضيات التي تتيح لمؤسسة أرشيف المغرب، سلطة وضع اليد على بعض الوثائق الخاصة ذات النفع العام، عبر عدة آليات كالشراء أو الهبة أو الوصية أو الوديعة القابلة للاسترجاع (المادة 24)، وإذا كانت المؤسسة الأرشيفية، ومنذ إعطاء انطلاقتها الفعلية غضون سنة 2011، قد حققت عدة مكاسب ومنجزات على مستوى الأرصدة الخاصة، كان آخرها، تسلم واحتضان رصيد المهندس المعماري المتألق "باتريس دومازيير" ( Patrice de Maziéres )، بموجب اتفاقية تم توقيعها بالرباط بتاريخ 21 فبراير 2020، التزمت من خلالها المؤسسة، بالحفاظ على الرصيد، وذلك بمعالجته حسب قواعد "علم الأرشفة" والقيام بتثمينه وإتاحته للمرتفقين في إطار الحق في الاطلاع، فإن مسألة احتضان الأرصدة الخاصة، تحتاج إلى جهد ونفس مستدام، يمر عبر قنوات البحث والتحري والتواصل والإقناع، وتملك جرعة كافية من "المواطنة" بالنسبة للأشخاص الذين يتملكون أو يتحوزن أرصدة أرشيفية، خاصة تلك التي قد تضم أرشيفا "عامة" (مراسلات مخزنية، ظهائر تعيين..) أنتجت أو كونت بمناسبة ممارسة مهام أو مسؤوليات إدارية في ظل حقب تاريخية معينة، وتم توارثها من قبل الأبناء والأحفاد بعد وفاة أصحابها، ووثائق من هذا القبيل، هي ملك للدولة، وتسري عليها مقتضيات وأحكام القانون المنظم للأرشيف ومرسومه التطبيقي، ومكانها الطبيعي هو "أرشيف المغرب".
4- تحدي استرجاع الأرشيف المغربي "المغترب" بالخارج: في ظل ما ساد الشأن الأرشيفي الوطني من فراغ قانوني ومؤسساتي أرشيفي لسنوات طوال، تعرضت الكثير من الأرشيفات العمومية إلى الضياع والإتلاف، وبعضها تم "تهجيره" بطرق ووسائل مختلفة من الوطن، ووجد أحضانا في أرشيفات دول أجنبية كفرنسا وإسبانيا وإنجلترا، وهذا يضع "أرشيف المغرب" أمام تحدي البحث والتحري عن الأرشيفات المغربية "المغتربة" بالخارج، في أفق استرجاعها، أو على الأقل الحصول على "نسخ مرقمنة" منها، تسمح بترميم الذاكرة المعطوبة، وكسب رهان هذا التحدي الشاق، لن يتحقق إلا عبر الانخراط في اتفاقيات الشراكة والتعاون، خاصة مع أرشيفات البلدان المعنية، بالاستناد على الدعم الحكومي (السند السياسي).
5- تحدي "الرقمنة": في زمن الثورة الرقمية الهائلة، برزت بقوة الممارسات الأرشيفية التي تنتج أو تكون بشكل إلكتروني، بشكل يؤسس لمشهد أرشيفي بات يتقاسمه "الورقي" و" الإلكتروني" أو "الرقمي"، أخذا بعين الاعتبار أن الكثير من الإدارات العمومية، أضحت تتواصل مع مرتفقيها بشكل إلكتروني عبر بوابات رسمية توفر الخدمة الإلكترونية عن بعد (تقديم شكايات، استصدار شواهد إدارية...)، وهذه الطفرة الرقمية، يمكن تشبيهها بما حدث في مجال الصحافة (الصحافة الإلكترونية) أوفي مجال الجريمة (الجريمة الإلكترونية)، وهو تحول رقمي، يقتضي استعجال تعديل القانون المنظم للأرشيف ومرسومه التطبيقي، بشكل يسمح باستيعاب "الأرشيف الإلكتروني" أو “الرقمي"، وما قد يرتبط به من تدبير ومن مخالفات ماسة بهذا النوع من الأرشيف المستجد، وأي تقصير في هذا الإطار، سيكون تكريسا لقانون أرشيفي بات "متجاوزا" بحكم الواقع، وليس المطلوب فقط، تعديل القانون انسجاما مع البعد الرقمي، بل والانخراط في معركة "رقمنة" الوثائق الأرشيفية المتواجدة بمؤسسة "أرشيف المغرب"، حفاظا على "صحة" الوثائق الأرشيفية الأصلية من كثرة الاستعمال، في أفق، وضع "منصة" أو "بوابة" رقمية، تتيح "أرشيفات رقمية"(وثائق، أشرطة..) للباحثين والمهتمين وعموم الجمهور، في إطار الحق في المعلومات.
6- تحدي أرشيف القرب: قيمة الوثائق الأرشيفية تكمن أساسا في قربها من عموم الجمهور، وإذا كان المشرع قد حصر مقر "أرشيف المغرب" في الرباط، فإن هذه الحصرية، تجعلها بعيدة كل البعد عن عدد من المدن والجهات، وهذا من شأنه توسيع الهوة بين المؤسسة الأرشيفية وشرائح واسعة من الباحثين وعموم الجمهور، وبتعبير أدق، يصعب على باحث - مثلا - القدوم إلى المؤسسة، من مدن كالعيون أو أكادير أو مراكش أو ورززات أو الناظور أو طنجة، لأغراض مرتبطة بالبحث العلمي أو القيام بزيارة تفقدية للمؤسسة أو لحضور بعض أنشطتها العلمية والثقافية والتربوية، مما يجعل تحقيق "أرشيف القرب" ضرورة ملحة لا محيدة عنها، في ظل رهان الدولة على ورش الجهوية المتقدمة، التي تفرض التفكير في إرساء "مراكز جهوية لأرشيف المغرب"، تقرب ليس فقط، الخدمات الأرشيفية من الإدارات والمرتفقين، بل وتثمين التراث الجهوي والإبقاء عليه في مجاله الجغرافي والسوسيوثقافي، دون إغفال أن البعد الجهوي، من شأنه أن يخفف الضغط على "المؤسسة الأم" (أرشيف المغرب) التي يمكن أن تتولى تدبير أرشيف الإدارات المركزية (وزارات، مؤسسات عمومية)، فيما يمكن أن تضطلع "المراكز الجهوية للأرشيف" بمهمة تدبير الأرشيف الجهوي والمحلي، لكن، وفي انتظار أن تتوفر شروط خلق مراكز من هذا القبيل، يمكن للمؤسسة تعزيز آليات "أرشيف القرب" عبر تنظيم "المعارض المتنقلة" وعقد "الندوات العلمية والثقافية" عبر الجهات، بدل حصرها في المقر المركزي بالرباط، و"الانفتاح على مؤسسات التربية والتكوين (وزارة وصية، جامعات، كليات، مدارس ومعاهد عليا، أكاديميات، مديريات إقليمية، مؤسسات تعليمية..) عبر عدة آليات من قبيل "تنظيم الزيارات التربوية المؤطرة" و"تقريب المعارض" من الناشئة في المؤسسات التعليمية، و"إعداد أشرطة تربوية" تقوي لحمة التربية على المواطنة، موجهة للتلاميذ والطلبة وغيرها من الآليات.
7- تحدي التواصل والإشعاع: ننهي هذه التحديات بالبعد التواصلي والإشعاعي، الذي لابد أن يرتقي إلى مستوى "الاستراتيجية التواصلية والإشعاعية" على المدى القريب والمتوسط والبعيد، عبر الرهان على "اتفاقيات الشراكة والتعاون" مع مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية والأجنبية التي من تقديم إضافة للمؤسسة والارتقاء بقدراتها، وتعزيز الحضور في مختلف وسائل الإعلام، والانفتاح على مؤسسات التربية والتكوين، والانخراط الوازن في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، وما تفرضه من رهان على مختلف منصات التواصل الاجتماعي لمد جسور التواصل مع الجمهور "الافتراضي" (بوابة إلكترونية (تقرب الوثيقة الأرشيفية من الباحثين وعموم الجمهور)، رقمنة "مجلة أرشيف المغرب"، جريدة أرشيفية إلكترونية...)، مع الإشارة، أن "التواصل" ليس "غاية" في حد ذاته، بل هو "وسيلة" لخدمة استراتيجية المؤسسة الأرشيفية (وضع اليد على الأرصدة الخاصة، استرجاع الأرشيفات المغتربة بالخارج، الارتقاء بمستوى القدرات المادية واللوجستية والبشرية...).
8- تحدي التشريع: ما يواجه "مؤسسة أرشيف المغرب" من تحديات متعددة الزوايا، يفرض بدون شك، إتاحة الموارد مادية كانت أو بشرية، ويفرض أيضا، الحرص المستدام على "تحيين" التشريع الأرشيفي بشكل يجعله يستوعب المستجدات القائمة (الأرشيف الرقمي والمخالفات الماسة به مثلا) ويتدارك، ما قد يظهره واقع الممارسة من هفوات وثغرات، كما أن الرهان على "المراكز الجهوية للأرشيف" لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، دون المرور من "بوابة القانون "، دون إغفال، الالتفاتة إلى "النظام الأساسي لمستخدمي أرشيف المغرب"، بما يضمن التعديل والتجويد، من أجل موارد بشرية محفزة ماديا ومحمية مهنيا واجتماعيا، يمكن التعويل عليها، لكسب البرامج والاستراتيجيات.
تأسيسا على ما سبق، نؤكد أن التحديات المشار إليها سلفا، يصعب تحقيقها على مستوى واقع الممارسة، ما لم تحضر إرادة رسمية من جانب الدولة، من شأنها إفراز سياسات عمومية في مجال الأرشيف، تليق بمستوى وقيمة الوضعية الاستراتيجية للمؤسسة الأرشيفية، وهي إرادة لابد أن تحضر في "المقر اللائق" و"إتاحة الموارد المادية واللوجستية والبشرية"، بشكل يسمح بتنفيذ ما رسمه المشرع الأرشيفي للمؤسسة من أحكام ومقتضيات، وما وضعه أمام الإدارات المركزية من التزامات (هياكل إدارية، موارد مالية كافية، موارد بشرية مؤهلة) يصعب على "أرشيف المغرب" مواكبة وتتبع مدى الوفاء بها، في ظل "ضعف الحصيص" و"محدودية الوسائل والإمكانيات".
ونختم بالقول في نهاية هذا السفر الأرشيفي، أننا على بينة بما قد يعتري هذا العمل المتواضع من مشاهد القصور والمحدودية، سواء من الناحية المنهجية أومن ناحية إغفال بعض المواضيع، لكن فما يشفع لنا، أننا اقتحمنا مجالا أرشيفيا، أرضه لا زالت "بكرا" وفي حاجة إلى المزيد من الأقلام، بالنظر إلى فتوة التجربة الأرشيفية المغربية، وعزاؤنا، أننا قدمنا للقراء والباحثين والأرشيفيين والإداريين، "عملا ميسرا" على قدر المستطاع، نتمنى أن يحقق المراد ويشفي الغليل، عسى أن يثير شهية الكتاب والمهتمين، لتحرير مقالات أو إصدار كتب، من شأنها الإسهام في إرساء ثقافة الأرشيف، والله المستعان.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.