من وسائل استبلاد الشعوب وتغييب عقولهم اللعب على عامل الزمن، وتشتيت الأذهان، وتدبير مراحل الغضب الشعبي حتى لا يتحول إلى طوفان، وذلك من خلال تكتيك التنفيس، وخصوصًا التعويل على النسيان والعودة للخمول القاتل الذي لا يميز المغاربة وحدهم، بل كافة الشعوب المستبلدة إعلاميًّا، والتي تعاني عوزًا مزمنًا في الوعي. مظاهر الفساد المغربي لم تعد تحتاج إلى رصد، أو توصيف، أو تحليل، فهي حاضرة ظاهرة وبائنة، بيد أن ما يثير الاهتمام والهم هو كتلة الخمول التي يعاني مجتمع مغربي يحتج على قضية صباحًا، وينساها مساء، ويطويها إلى الأبد بعد أيام. قبل فترة عرف المغرب أحداثًا مؤلمة، الشعوب الواعية لا تنساها أبدًا حتى تبني عليها منظومة حقيقية تحمي الآدمي وكرامته، أحداث تكاد تنسى الآن رغم قسوتها وبشاعتها! كيف نسيت وطويت قضية بائعة الحلويات "مي فتيحة"، التي أحرقت نفسها احتجاجًا على القهر والظلم والإذلال والتعذيب الذي تعرضت له بعدما منعت من كسب لقمة عيشها البسيطة من شغلها البسيط. كيف تنسى محاكمة المسؤولين؟! أين متابعة هذه الكارثة الإنسانية؟ أي ذاكرة إنسانية تطوي هذه البشاعة وهذا القبح وهذا الجرم؟! أي ذاكرة إنسانية تطوي بعد أيام قضية الفتاة الفقيرة القاصر "خديجة"، التي تم اختطافها واغتصابها وتصويرها ومواصلة ابتزازها حتى أحرقت نفسها احتجاجًا على حرية مغتصبيها الذي أطلق سراحهم، وكأن لا وجود لدولة أو قانون أو قضاء أو أية وسيلة تحمي عرض فتاة اغتصبت، ولم تجد من ينصفها. كيف ينسى هذا الجرم! ما هو مصير المتورطين! ماذا عن محاكمتهم؟! كيف سكت الاحتجاج، وعاود الجميع النوم على سرير الخمول والنسيان! كيف تطوي دون متابعة قضية رجل السلطة الذي ابتز جنسيًّا امرأة متزوجة، وأدخلها هي وزوجها إلى السجن، وبقي هو حرًّا طليقًا رغم الأخبار عن توقيفه غير الموثوقة، والتي لا تغير من وضع الظلم الواضح الذي يعتبر رجل السلطة شبه محصن من العقاب والمساءلة، حتى وإن مس أعراض الناس! الشعوب الحرة الكريمة لا تنسى، وتبني بوعيها وقوتها جدارًا صلبًا قويًّا يحميها من الظلم، للأسف المغاربة شعب ينسى كثيرًا، شعب بذاكرة قصيرة جدًّا، والشعوب التي تنسى لا يرحمها التاريخ.