غادرنا للأسف في هذا العام الذي سيطوي صفحاته بعد أيام قليلة، الكثير من العظام المميزين، الذين تركو بصماتهم محفورة في ذاكرة الجماهير، ساسة ومفكرون، ورياضيون وفنانون وغيرهم وافاهم الأجل وأخذهم الموت، لكن حتما ليس إلى دائرة النسيان، في عام أقل ما يقال عنه أنه عام الحزن. هو عالم المستقبليات والمفكر المغربي المهدي المنجرة الذي فقده المغرب في هذه السنة المليئة بالمآسي، عن عمر يناهز 81 سنة وبعد معاناة طويلة مع المرض، حولته لمجرد مقعد لا قدرة له على الكلام أو الحركة، حتى وافته المنية وشيع تراه بمقبرة الشهداء بالرباط، الرجل يعتبر من أبرز المفكرين الذين أنجبهم المغرب نظرا لدفاعه المستميت عن القيم الإنسانية ومساندته للمقهورين في كل أنحاء العالم، وتبنيه القضايا الفكرية والسياسية المناهضة للعنف والإقصاء والتجبر وتسخير البشر من أجل المصلحة الشخصية، حيث كان نموذجا للمثقف العضوي المنخرط في المجتمع بمواقفه وآرائه. واشتهر الراحل بمقالاته وكتبه الرصينة التي نظرت لمجموعة من الأطروحات والقراءات المستقبلية للآفاق السياسية والاجتماعية في العالم العربي والإسلامي. رحلو في ذات المكان، في صمت غريب وبملابسات غامضة، هم الساسة الذين راعو شؤون الدولة الداخلية منها والخارجية، أولهم محمد الزايدي الذي قضى نحبه غرقا داخل سيارته الرباعية الدفع، بعد أن حاصرته مياه وادي الشراط بمدينة بوزنيقة، المدينة عاشت على وقع الصدمة بعد يوم غير اعتيادي شيعت فيه ابنها البار، والصحافي السابق، والنائب البرلماني، والقيادي في حزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إذا هو مسمار دق في نعش السياسة المغربية بعد أن فقد المغرب أحد رجالته الذين عرفو بالتزامهم بالمبادئ الوطنية الصادقة وبمقدسات الأمة وثوابتها. أما الحكيم كما يلقبه معظم الناس، فظل صامتا وغدرنا في صمت بعد أن كان في الظل وراء الأضواء والصخب، ففي مشهد استغربه العديد من عامة الشعب، حيث غادرنا عبد الله بها من نفس المكان الذي غادرنا منه محمد الزايدي، مهندس الحلول الملائمة هكذا لقب وزير الدولة واليد اليمنى لرئيس الحكومة، حيث عرف الفقيد بأنه متواضع وبسيط بطبعه رغم منصبه الوزاري الذي لم يحرك من خلق الرجل قيد أنملة، فبعد سماع خبر وفاته سعق بنكيران ومن معه من ساسة ووزراء الحكومة، وخصوصا بعد معرفتهم لبشاعة الحادثة، بعد أن ذهب عنا من كان الناس يختلفون عنده ولا يختلفون حوله، في حادث قطار، صديق ونصف عبد الإله بنكيران الثاني كان معروفا بحكمته وقدرته على استخلاص الحلول لأعقد المشكلات، فأين نجد هكذا رجل في زمن كهذا. وفي عالم لا يحدث إلا شعورا بالبهجة والسعادة، رحل عنا محمد البسطاوي الذي انتقلت روحه إلى جوار ربها عن 60 عاما، نتيجة لمرضه المزمن في الكلي، ابن مدينة خريبكة تألق في العديد من الأعمال الفنية المسرحية منها والتلفزية والسينمائية بطابعها الدولي والمغربي، بصم على حضوره اللافت بموهبة قوية في التمثيل، حيث امتد عطاؤه على مدى عقود شخص فيها أدوارا فنية بحرفية وإتقان جعلته يحظى بحب الجمهور ويكون برأي النقاد نجم الشاشة المغربية في 10 سنوات الأخيرة. إذا فخريبكة والمغرب ككل سيفقد برحيل محمد البسطاوي رمزا شامخا من نجوم الشاشة الصغيرة والكبيرة. محمد مجيد، بعد رحيله فقدت الساحة الرياضية والجمعوية رمزا من رموزها البارزين، شخصية تألقت منذ الإستقلال في البصم على مسار نضالي لرجل أسس للفعل الرياضي في مختلف أنواعه. محمد مجيد الغيور على وطنه وعلى أبنائه عرف كذلك بالعمل التطوعي والعمل الجمعوي، وكانت له إسهامات كبيرة في جميع الحملات الطبية والتضامنية التي نظمت بالمملكة. وقد جال الراحل كافة أنحاء المغرب أيام توليه قيادة الجامعة الملكية المغربية لكرة المضرب حين ساهم في تأسيس العديد من أندية التنس، ووصل بهاته الرياضة لمصاف العالمية في ولايته، حيث أصبحت هذه الرياضة من رياضة رجال الأعمال والطبقة البرجوازية إلى رياضة عامة الشعب، وقد حظي محمد باستقبالات ملكية كثيرة نظرا لمكانته وقيمته كهرم رياضي ببعد إنساني. من فارقونا هذا العام من نخبة الرياضيين، حيث كان فراقهم مؤلما، أولهم المهدي فاريا صانع أمجاد المنتخب الوطني في كأس العالم لكرة القدم ميكسيكو 86، حيث فضل فاريا البرازيلي الأصل العيش في المغرب، بعد مساهمته الوافرة من موقعه كمدرب في العمل على تحسين مستوى كرة القدم المغربية سواء من خلال المنتخب الوطني أو فريق الجيش الملكي، فارتبط اسمه بالكرة المغربية. كما يعتبر فاريا صانع الجيل الذهبي للكرة المغربية المكونة من عدة نجوم كمحمد التيمومي وبادو الزاكي وعزيز بودربالة وعبد المجيد الظلمي وغيرهم. ونجد أيضا أن من غيبهم الموت عنا هذه السنة في المجال الرياضي، الحارس المغربي عبد القادر البرازي، الذي انتقل إلى عفو الله، بعد معاناة طويلة مع المرض، عن سن يناهز 49 سنة ، وكان الحارس الدولي السابق للمنتخب الوطني في عصره الذهبي، قد دخل، في غيبوبة بعد تدهور حالته الصحية تم نقله على وجه السرعة إلى مصحة بالرباط. وتألق البرازي بشكل لافت مع الفريق العسكري ثم مع المنتخب الوطني للكبار، وكان له دور كبير في تأهل المنتخب المغربي لنهائيات مونديال 1998 بفرنسا، وتميز بحضوره القوي أيضا رفقة نادي الجيش الملكي الذي قاده للفوز بعدة ألقاب، كما احترف لبرازي بالإسماعيلي المصري كأول حارس مغربي ينجح في الالتحاق بهذا الدوري و ترك معه بصمات جيدة. ويعتبر الحارس البرازي من أفضل الحراس الذين أنجبتهم الكرة المغربية حيث لعب على أعلى مستويات سواء رفقة الجيش الملكي أو نادي الإسماعيلي المصري أو حتى المنتخب المغربي. لا أجد ما أقول إلا إنا لله وإن إليه راجعون لن ننساكم ونحن على أعتاب سنة جديدة، ستبقى أعمالكم محفورة في ذاكرتنا.