في كتابه الشهير »سيكولوجية الجماهير« يفسرغوستاف لوبون الفرد المنخرط في الجماهير أفضل تفسير، قائلاً "إنّ الفرد بمجرد انضوائه داخل صفوف الجمهور ينزل درجات عن سلّم الحضارة. فهو عندما يكون فرداً معزولاً ربما يكون إنساناً متعقّلاً، ولكنه ما إن ينضم إلى الجمهور حتى يصبح مقوداً بغريزته وبالتالي همجياً، وهو عندها يتصرّف بعفوية الكائنات البدائية وعنفها وضراوتها وحماستها وبطولاتها أيضاً، ويقترب منها أكثر بالسهولة التي يترك نفسه فيها عُرضة للتأثر بالكلمات والصور التي تقوده إلى اقتراف أعمال مخالفة لمصالحه الشخصية بشكل واضح وصريح. إن الفرد المنخرط في الجمهور هو عبارة عن حبة رمل وسط الحبات الرملية الأخرى التي تذروها الرياح على هواها" ،ولكن هذه الجموع غير المتجانسة سرعان ما تتلاشى كما تتلاشى الأمواج العاتية على سطح البحر، على حد تعبير فرويد [علم النفس الجمعي وتحليل الأنا، ترجمة جورج طرابيشي ] ، ما حدث في العيون هو جزء مما ذكر غوستاف لوبون وفرويد وبالتالي يجب أن يُنظر إليه من هذه الزاوية ، بمنظار دولة راسخة أقدامها لا تجفل ولا تهتز لأشد الصور بشاعة ، وقادرة بالاستناد إلى أرضية دولة الحق والقانون أن تميز بين القتلة والمخططين اللذين يجب أن ينالوا أشد وأقصى أنواع العقاب ، وبين شباب ومراهقين سيقوا بنفسية الحشود إلى المساهمة في أعمال التخريب التي قد تتلوا حتى مباريات في كرة القدم ...مناسبة هذا القول ما جاءت به الأخبار من العيون عن طلبات بالعفو الشامل ، لهذا أجد نفسي ضد هذه الرغبة ليس بدافع المزايدة أو الغيرة الوطنية المُفرطة ، ولكن بدافع حقوقي وديمقراطي وإنساني فلا أحد يقبل أن يُمنح العفو لمن ارتكبوا ممارسات إرهابية صافية السلالة...لكن في المقابل أنا مع الكثير من الحكمة في تدبير ملف المعتقلين في الأحداث ، مخافة أن يتكرر سيناريو صناعة إرهابيين وإنفصاليين جدد أكثر حقدا على الوطن، والمستقبل كشاف..ما حدث في المغرب في سنوات الرصاص هو أن بعضا ممن اعتبروا أعداء النظام، كانوا في الحقيقة [ وهذا ما كشفته جلسات الاستماع التي نظمتها هيئة الإنصاف والمصالحة ] مجرد مواطنين عاديين بسطاء ،بل منهم من كان قاصرا ، لكن بعض الأمنيين لاغفر الله لهم ، أرادوا إظهار حِنكتهم للنظام بأن الخطر كبير ولا سبيل سوى إطلاق يد الأمنيين دون رقيب والنتيجة كانت مزيدا من التوتر والقمع واللاديمقراطية مما ابتعدنا عنه بإرادة ملكية ووطنية إلى غير رجعة . أحداث العيون هي بكل تأكيد جرح كبير في الذاكرة الوطنية ، وجثث الشهداء من قوات الأمن والدرك والوقاية المدنية ، ستبقى راسخة لسنوات في أذهاننا ، إذ لن ننسى أبدا صور أولئك الشباب اللذين فاضت دمائهم الزكية لتروي حبات رمال الصحراء ، ولن ننسى أيضا في هذا السياق أن الدولة لا تنتقم بل تقيم العدالة بأفقها الواسع الذي لا يرتكن فقط إلى النصوص القانونية الباردة ، بل أيضا إلى الواقع وإسقاطاته في المستقبل...لقد شاهدنا جميعا الصور التي أظهرت جموعا تتمثل طقس نيرون عندما أحرق روما ، وشاهدنا كيف كان هناك شباب ومراهقون بل أطفال ساهموا في عمليات التخريب والحرق..رجاءا لا تُخرجوا هؤلاء من حالة اللاوعي بما قاموا به إلى حالة الوعي عندما يُدخلون السجن ويتم تسويقهم قسرا بصفة " مناضلين " من أجل الاستقلال والحرية ... ورجاءا ألا تأخذكم الشفقة بمن استرخص دماءً زكية تخطيطا وتنفيذا وتقصيرا...المغرب كسب جولة مهمة في حرب الصورة واستطاع بحنكة وهدوء أن يكشف للعالم الوجه الإرهابي لجبهة البوليساريو ، واستطاع أن يحقق اختراقا مهما قد تظهر نتائجه في المستقبل خاصة في الساحة الإسبانية ..وسيكون من المهم ألا ننسى أن ذاكرة الشعوب قصيرة ، إذ أن الحقيقة تقول أن الوجه الإرهابي للبوليساريو ليس وليد اليوم ، إذ أن الجميع يعلم كيف تم اختطاف عائلات بكاملها من السمارة وطانطان والعيون وكلميم وآسا ، لتشكيل أذرع بشرية وخلق معانات إنسانية لابتزاز وتغليط العالم ، كما يعلم الجميع المعانات التي اجتازها الأسرى هناك من مدنيين وجنود حتى أصبحوا أقدم الأسرى في العالم ..ما وقع في العيون هو مناسبة لإرشاد العالم لهذا الماضي الإرهابي الذي يُصر على أن يتواصل في أشد صوره بشاعة. [email protected]