في ظرف أربعة أيام حققت بعض الصحف الجزائرية انقلابا ب180 درجة غربا، والغرب بالنسبة للجزائر هو هذه الرقعة من شمال إفريقيا التي نعيش فيها، نحن المغاربة، وتجمعنا رغم تعدد مشاربنا واختلافاتنا المتعددة. على امتداد سنوات، كانت هذه الصحافة أو جزء منها يتحرك كي يقصفنا بدون ذخائر عندما كان النظام الجزائري يرفل تحت ملايير الدولارات التي يجنيها من ثروته النفطية، والتي يذهب ريعها إلى الجيوب المعلومة وغير المعلومة بعيدا عن الشعب الشقيق الذي لم تستفد بنياته التحتية ومرافقه ومنشآته شيئا وظل محسوبا على أنه يعيش في بلد نفطي. اليوم بعد أن جفت منابع الثروة، وتراجعت أسعار البترول وانعكست على الجيوب إياها وفضحت ثقوب الميزانية، اكتشفت أقلام في الجارة الشقيقة أن هناك شيء غير عادي، وبدأت تطرح الأسئلة المزعجة. كيف تدور عجلة التنمية في المغرب رغم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها البلد في غياب موارد نفطية وغازية، في حين يكاد الاقتصاد الجزائري ينهار بسبب تراجع سعر البترول في السوق العالمية؟ الأزمة تبرز بشكل أكثر حدة في المناطق الغربية للجزائر المجاورة للحدود والتي كانت تنتفع من المواد الخضراوات والمواد الغذائية التي تصلها عبر حدودنا الشرقية، إذ بعد اشتداد الأزمة الاقتصادية بالجزائر وتشديد المراقبة على الحدود تدهورت معيشة هؤلاء السكان إلى درجة تنظيم احتجاجات رفعت فيها الأعلام المغربية. في 11 فبراير الجاري كتبت جريدة الخبر الجزائرية مقالا كشف كاتبه عن «النهضة الحقيقية» في مجال التنمية التي يعرفها المغرب الذي لا يتفور على بترول ولا غاز. المقال جاء تحت عنوان مثير جدا «ضمنا إليك أيها الملك» ! لماذا مثير؟ لأن اسم الملك والنظام الملكي المغربي لا يمكن أن يظهر في عنوان بارز بالنسبة للنظام الجزائري إلا إذا كان المقال قدحيا، والحال أن العنوان الأخير كان تعبيرا عن التساؤلات المؤرقة التي كشفها انهيار أسعار النفط وتصاعد الاحتجاجات الاجتماعية مع ما يرافقها من قمع للقوات الأمنية. مقال الخبر الجزائرية عدد الخطوات المهمة التي أقدم عليها المغرب فيما يخص التفاوض مع الاتحاد الأوروبي في مجال التبادل التجاري والزراعة والصناعة والصيد البحري وهو ما وصفه ب«الإنجازات التي أرست الأسس لنهضة حقيقية في المغرب الشقيق دون بترول ولاغاز». وزاد المقال أن المملكة أنجزت عدة مصانع للسيارات الأوروبية والآسيوية تغطي السوق الداخلية وتصدر إلى الخارج وشغلت المصانع آلاف العمال. وذهب المقال بعيدا عندما شرع في مقارنة بعض المشاريع المغربية بنظيرتها الجزائرية، حيث قال الكاتب «المغاربة أنجزوا الطريق السيار بمواصفات عالمية وبأسعار تصل إلى نصف سعر ما أنجزنا نحن به الطريق السيار وبمواصفات محلية، وأنجزوا القطار السريع في حين أصر حكام الجزائر على أن تسير البلاد كالسلحفاة. وعرج المقال على الحدود المغلقة عندما قال إن المعارضة المغربية اليوم تأتي إلى الجزائر للتفاوض حول فتح الحدود حيث لا تتهم بالخيانة كما هو الحال في الجزائر عندما تتحرك المعارضة في أي عمل سياسي وطنيا كان أو دوليا. ومن هذه النقطة بالذات انطلق المقال/الحوار الثاني الذي نشرته يومية الوطن الناطقة باللغة الفرنسية يوم 15 فبراير، والذي اعتبر فيه زعيم حزب «التجمع من أجل الثقافة والديموقراطية» المعارض، أن النظام الجزائري يغالط الشعب من خلال تبرير إغلاق الحدود مع المغرب بأنه مرتبط بمحاربة المخدرات، واعتبر أن مثل هذه التبريرات هي حيل لم تعد تنطلي على أحد، مؤكدا أن العكس هو الصحيح ففتح الحدود والتنسيق بين مصالح الأمن والجمارك في البلدين هو الذي سيمكن فعلا من مواجهة التهريب. زعيم الحزب المعارض محسن بلعباس قال بأن قرار إغلاق الحدود تم في فترة ولاية الرئيس ليمين زروال سنة 1994 وهذا في حد ذاته يمثل فشلا للرئيس الحالي الذي لم يستطع منذ بداية ولاياته الأربع حل هذا المشكل، علما أن مشاكل كثيرة ونزاعات نشبت في الماضي بين البلدين كحرب الرمال سنة 1963 التي لم تستمر فيها الحدود مغلقة، بالاضافة إلى أزمة سنة 1975 المرتبطة بالصحراء. واتهم الجزائري بلعباس البوليس السياسي بترويج فكرة أن إغلاق الحدود مرتبط بمحاربة المخدرات. وقال «مهم جدا لا سيما في هذه الظرفية الحالية المتسمة بالأزمة أن تكون لدينا مصلحة مضاعفة من أجل إيجاد الحلول المناسبة». إدراج مقتطفات من هذين المقالين المنشورين في اثنين من الصحف الجزائرية الواسعة الانتشار الأولى باللغة العربية والثانية باللغة بالفرنسية، هو دليل على أن ثمة أصوات داخل المجتمع الجزائري بدأت تسأم من المسرحية التي يخرج مشاهدها النظام الجزائري والذي تصر «تماسيحه» و«عفاريته» -على حدث قول ابن كيران مبدع هذين الاصطلاحين في القاموس السياسي- على أن تظل ضد مصلحة الشعبين الشقيقين، مادام أن ذلك يصب في مصلحتها، كي تظل ورقة المغرب والحدود والصحراء المغربيين، رابحة يتم استعمالها داخليا لإخفاء غابة الفساد، عبر خلق عدو وهمي للوطن من أجل كسب الاصطفاف خلف الشبح الذي يحكم الجزائر. وفي انتظار أن تصدح أصوات جزائرية أخرى، فإن استمرار عقلية الصراع لدى حكام الجزائر لا ينعكس إيجابيا على العديد من الملفات والقضايا المشتركة بين البلدين، على رأسها: التنمية ومحاربة الإرهاب.