مهنته طبيب. أفنى ثلاثين سنة من عمره في علاج المرضى ومداواة آلامهم. الآن هذا الطبيب مريض. مرضه مزمن وخطير وعلاجه مكلف جدا. هذا الطبيب، الذي فضل زملاؤه عدم ذكر اسمه احتراما لخصوصيته، بحاجة لإجراء عملية جراحية autogreffe تبلغ كلفتها اثني مليون درهم. مبلغ كبير لا يطيقه هذا الطبيب الذي يشتغل بالقطاع الخاص. الأدهى والأمر أن الرجل لا يستفيد من تغطية صحية تكفل تغطية مصاريف علاجه. إنه الطبيب الذي ينطبق عليه المثل الشعبي « جزار ويتعشى باللفت» يقول الدكتور محمد بناني الناصري رئيس الاتحاد الوطني للمهن الحرة، خلال لقاء صحفي نظمته الجمعية المغربية للصحافة الطبية أمس الثلاثاء بالدار البيضاء. « الناس كيسعاو باش يجمعو ليه فلوس العلاج» يواصل بناني شرح معاناة هذا الطبيب. مأساة هذا الطبيب ليست حالة معزولة. إنها تجربة مريرية تتقاسمها شرائح واسعة من المجتمع المغربي من أصحاب المهن الحرة الذين تم إقصاؤهم من نظام التغطية الصحية والضمان الاجتماعي. الأطباء والصيادلة والمهندسون والمحامون والمحاسبون والإحيائيون ... قرابة أربعين ألف ممن ينضوون تحت لواء الاتحاد الوطني للمهن الحرة محرومون من التغطية الصحية والضمان الاجتماعي. « الأطر تهرب من المغرب لمثل هذه الأسباب» يقول بناني الناصري. فحسب دراسة أجراها الاتحاد تبين أن حوالي خمسة آلاف طبيب مغربي هاجروا المغرب باتجاه دول أوروبا وكندا. وقد كان البحث عن الحماية الاجتماعية لهم ولأسرهم أحد أهم أسباب الهجرة. لقد هاجرت هذه العقول نحو بلدان توفر لهم تغطية صحية وضمان اجتماعي يحميهم وأسرهم من نوائب الدهر بعدما تبين لهم أن وطنهم المغرب يستثنيهم من هذا الحق الأساسي. لكن لماذا لا يستفيد هؤلاء من التغطية الصحية؟ مدونة التغطية الصحية تنص على استفادة العمال المستقلين والأشخاص الذين يزاولون مهنا حرة، وجميع الأشخاص الآخرين الذين يزاولون نشاطا غير مأجور. لكن هذا القانون ظل حبرا على ورق. وظلت الاستفادة من التغطية الصحية والضمان الاجتماعي ونظام التقاعد مقتصرة على الأجراء. « الجميع ينظر إلى أصحاب المهن الحرة على أنهم أثرياء وفي منأى عن الأخطار..» يوضح بناني. لكن الواقع والقانون يؤكدان أن الأمر حق من الحقوق الأساسية لهؤلاء باعتبارهم مواطنين. حق مازال ممنوعا بانتظار خروج مرسوم تنفيذي يصدره الوزير الأول. بماذا يطالب الاتحاد وماذا يقترح؟ « حنا لا نطلب صدقة من الحكومة.. راهم ما غادي يخسرو والو لن يساهموا بالمال فقط بالقانون والتسيير..» الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو إحداث نظام إجباري للتأمين عن المرض والحماية الاجتماعية لأصحاب المهن الحرة والمستقلين بشراكة بين الإدارة والهيئات المهنية والنقابات. « واش الطبيب والمهندس فحالو فحال مول الموقف نهار يخدم ياكل ونهار ما يخدمش ما يلقى لي يوقف معاه» يتساءل الدكتور بناني مستنكرا ومشددا على ضرورة استفادة هذه الفئات من تغطية صحية ونظام تقاعد يحميهم من استجداء الآخرين. هدى الأندلسي